كاظم حسن سعيد - ابن الدمينة شاعر عذري قتل زوجته

هو عبد الله بن عبيد شاعر عذري , اختار له ابو تمام خمس مقاطيع في كتابه الحماسة ما يدل على شاعريته .. كني بابي السرى لكثرة اسرائه وغلب عليه اسم بن دمينه وهي امرأة سلولية..ينتمي الى خثعم (وهم تحالف ) من قبيلة اكلب .عاش اغلب حياته في العصر العباسي وشطرا في العصر الاموي .. سكن جنوب الحجاز مما يلي اليمن ..وكان فصيح اللسان لبقا بهي المحيا وفارسا شجاعا .لم يتصل في حياته سوى بالضحاك والشيباني .
قتل طلبا للثأر على يد مصعب اخي غريمه مزاحم الاصغر في منطقة بعلاء او تبالة.. كان مزاحم هذا شاعرا من سلول يختلي بزوجة بن دمية خلسة في بيتها . وزاد على ذلك بان تعرض له ونشر شعرا يقدحه وقومه ويذكر علامات حساسة في جسد زوجته حماء فلما عرض بن الدمينة الامر على زوجته انكرت وقالت تلك الصفات نقلنه له النساء ولم يقربني فصبر مدة ثم اتاها بسيفه وطلب منها ان تستدرجه بموعد او يقتلها فخنعت وابلغت مزاحم فاتى منزلها فتمكن منه بن دمينة مع صديق له او اكثر فكتفوه واخذ يضربه بصرة حصى حتى مات خشية انفضاح الامر لو قتله بالسيف , ورماه خارج المنزل ثم عاد لزوجته فقتلها خنقا واجهز على طفلته فقال عنها (لا تتخذ من كلب سوء جروا ) .
ومن شعر مزاحم القادح:
(اغشى نساء بني تيم اذا رقدوا \بعد العشاء ولا ابغي مقاريها ...بآية الخال منها عند سرتها \ وقول ركبتها قض حين تثنيها \ وشهقة تعتريها عند لذتها ..وكية انضجت لا شل كاويها )..هذا الشعر يعكس مدى استهتار مزاحم وقوة مغامرته خاصة انه يتعرض لرجل عرف ببأسه وشجاعته وغيرته وهو سليل خشعم التي فتكت بالقبائل من قديم الزمان .
ان صفات بن دمينة الخلقية والبدنية جعلته محببا للنساء :
(اذا حاولنني فاصدن قلبي
جعلت الود منهن انتصاري
وصرفت الحديث لهن حتى
اصافي ودهن على اقتدار ).
لكنه كان عذريا :
وقدت الصبا من غير فحش وقادني
كما قيد في الحبل الجنيب المطاوع ).
ومن صفات بن الدمينة العيافة والتطير. فقد ذكر شاكر الكتبي انه كان يزجر الطير فيصيب ويعيف فلا يخطيء وذكر له حول ذلك قصة طريفة :
(ذكر الهيثم بن عدي عن بن عياشقال : مر بن دمية في بعض فيافيه التي كان يعزب فيها لما يحاول من هناته فراى خباء فدنا منه فاذا فيه جارية كانها ظبية وشاب كانه سبيكة ذهب.. يحادثها وينشدها ويراشفها وتراشفه فاستسقى فقال له الشاب : الماء اعجب ام اللبن ؟ قال ايهما حضر قال ان اردت الماء فامامك وان اردت اللبن فوراءك .. قال بن دمينة (المنع اوجز ) ثم نظر الى الصبي في جانب الخباء فقال لمن هذا الصبي؟ قالت الجارية لهاني ثم نظر الى الخباء وهو مشدود بالعسراء قد شده رجل اعسر فقال
ويل الاعيسر ثكلته امه
لو علم الاعسر طال غمه
فذعرت منه الجارية ذعرا شديدا وعرضا عليه الماء واللبن فلم يشرب وسار يومه الى اخر النهار فبصر برجل عليه بجاد مشتمل بالعسراء وهو في ابل...... فناداه ابن الدمينة : يا هاني اني مررت بمنزلك فرايت صقب الناقة هذه بالباب ورايت جارية وشابا يراشفها وتراشفه فقال هاني (افلا اكون موضعك فكنت اعجل لهما المنية ) .. قال بن الدمية (اخر الطب الكي ) فمضى قوله مثلا . وكانت العرب تزجر الطير فان طار يمينا تشاءمت او يسارا فتتفاءل .
احب بن الدمية عشيقته اميمة وطاردها ثلاثة اعوام .. حتى لانت فكانا يلتقيان بين الاكمام في الفيافي مع توفر العفة منه وقد يساير ركبها طويلا . ويظهر من شعره انهم دعوه لزواجها بنهاية المطاف فتردد.. وتلك حالة يصعب تفسيرها . وربما كان حبه التالي لسلمى هو ما منع وندم بعد ذلك .. وقيل انه تزوجها وبقيت عنده حتى مقتله .
الذوبان في المحبوب
ـــــــــــــــــ
ولو جئت استسقي شرابا وعنده
عيون رويات لهن جداول
صديا لما قالت لي اشرب وما درت
افي العام اروى ام اذا عاد قابل
ــــــ
هجرتك اشفاقا عليك من الردى
كعازبة عن طفلها وهي رائم
ــــــــ
وانت التي خلفتني دلج السرى
وجون القطا بالجلهتين جثوم
ـــــ
وصار الغواني بعدما قد اذقتني
علي اذا ابللت منك حرام
ـــ ـــــ
ولما لحقنا بالحمول ودونها
خميص الحشا توهي القميص عواتقه
قليل قذى العينين نعلم انه
هو الموت ان لم تصرعنا بوائقه
وقفنا فسلمنا فسلم كارها
علينا وتبريح من الغيظ خانقه
فساءلته حتى اطمان وقد بدا
لنا برد منه تطير صواعقه
فسايرته ميلين يا ليت انني
على سخطه حتى الممات ارافقه
فلما رات ان لا جواب وانما
مدى الصرم مضروب علينا سرادقه
رمتني بطرف لو كميا رمت به
لبل نجيعا نحره وبنائقه
بنور بدا من حاجبيها كانه
بروق الحيا تهدي لنجد شقائقه
ــــــــــــ
ولو قلت طأ في النار اعلم انه
هوى لك لو مدن لنا من وصالك
لقدمت رجلي نحوها فوطأتها
هدى منك لي او غية من حلالك
ـــــــــــــــــــــــــ
ان هذه الطاعة الكلية للمحبوب والذوبان فيه حد الذل وتحمل الصعاب والصبر الطويل عليه حتى يستجيب هو ما ينم عن شاعر حقيقي عرف الحب في معانيه الاسمى واكتوى بجحيمه .
بعض من سمات اسلوبه:
ــــــــــــــــــــــــــ
1 \ الرسم المسرحي
قال يصف دخول غريمه مزاحم على زوجته لحظة باغته:
لك الخير ان واعدت حماء فالقها
نهارا ولا تدلج اذا الليل اظلما
فانك لا تدري ابيضاء طفلة
تعانق ام ليثا من القوم قشعما
فلما سرى عن ساعدي ولحيتي
وايقن اني لست حماء جمجما
2\ الحوار
3\ وصف جمع من المغرمات به يسامرهن
4\ وصف ظاهرة بيئية او طبيعية استطرادا ليشبه بها الموصوف
5\الاستعارات النادرة مثل
ما كانت صفر الثياب \ أي ممتلئة
بعيدة مهوى القرط \ لوصف طول الرقبة
بنور بدا من حاجبيها كانه
بروق الحيا تهدي لنجد شقائقه \ الحيا هو الغيث والشقائق جمع شقيقة وهي المطرة المتسعة او البرقة اذا استطارت في عرض السحاب .
خلاصة
نحن في حضرة شاعر حجازي عذري, سيرته وشعره موضع خلاف بين الرواة والكتاب القدماء فهو لم يتصل بخلفاء والتحق بالجيش وادمن السيف والاسراء حتى اكتسب منه لقبه, وقتل زوجته لخيانتها ثم قتل طلبا للثأر وكتب في الحماسة والفروسية والفخر والرثاء وغلب عليه شعر النسيب لتعلقه بالفاتنات اللواتي عشق اكثر من واحدة منهن ,وتميز بعض شعره بالغموض بسبب بدويته , وربما كان ذلك الشعر اكثر تأثيرا في زمانه لان للمفردات ظلالا نحن بعيدون عنها ولانها لا تساق اليا .وفي انتظار ان يظهر التنقيب تلك الكتب التي فقدناه سيظل البحث بمثل هذا الشاعر في حال احتمالات ترجيحية .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
اهم المصادر
ديوانه جمعه وحققه راتب النفاخ \عضو المجمع بدمشق
طبقات الشعراء لابن المعتز
الحماسة للبحتري
الاغاني
ديوان ابي السرى ابن الدمينة الجشعمي \ شرحه وضبطه محمد الهاشمي البغدادي طبع 1918.

كاظم حسن سعيد \العراق

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى