قال زميلي – الذي يجلس بجواري في سيارة الشركة – وهو أصلا من وجه بحري -:
- أنتم الصعايدة، لكم طريقة خاصة في تناول الطعام، تتناولون لحم الحيوانات أو الطيور في آخر الوجبة.
قلت:
- طريقة أكل الصعايدة قريبة من المطعم الفرنسي، فهم يبدءون بتناول الخضروات المطبوخة، يأكلونها بالملاعق، وقلما يأكلون خبزا معها، ثم تأتي النشويات – مكرونة أو أرز – وقد لاحظت أن كثيرا من الصعايدة لا يأكلون المكرونة لأنها مصنعة – وآخر طبق يقدم هو لحم الحيوانات أو الطيور.
وكثير من الصعايدة، يربطون بين تمام الصحة، ونوع الطعام الذي يتناولونه، فيحرصون على تناول السمن الصعيدي واللحم البلدي. ويرون أن تناول السمن الهولندي يهزل الجسم ويضر البدن.
ونساء عائلتنا اللائي عشن حياتهن في الصعيد، وجئن للإسكندرية بعد زواجهن، يفضلن في طبيخهن نوعين من الخضار، الويكة – وهي البامية المهروسة والمفروكة – والملوخية، وكانت زوجة عمي، تغسل حلتها من الويكة لتطبخ ملوخية، ثم تغسل حلتها من الملوخية، لتطبخ ويكة.
وقد قابلت زميلي في العمل وقت حزنه وأساه و - كان زميل أكبر مني سنا، قال لي:
- سأحال على المعاش قبل سني الحقيقي بأكثر من خمس سنوات.
سألته عن سبب ذلك، فحكى لي أزمته: فقد أنجب والده قبله ولدا، استخرج له شهادة ميلاد، وكتبه فيها باسم إبراهيم، لكن الولد مات وهو صغير، فدفنه والده دون استخراج شهادة وفاة. وجاء زميلنا بعده بأكثر من خمس سنين، فسماه أبوه إبراهيم أيضا، وبحث عن شهادة ميلاد ابنه الذي مات وتعامل معها على أنها شهادة ابنه الجديد، فطعموه في الصحة، وحقنوه طبقا لتعليمات وزارة الصحة بشهادة إبراهيم الذي مات، وهاهو سيحال على المعاش قبل موعده.
رآني إبراهيم هذا وأنا أعرج، فسألني عن سبب ذلك، فحكيت له ما حدث، فقد خرجت من بيتي متأخرا هذا الصباح، وأنا أسير في شارع إيزيس، رأيت سيارة الشركة تمر في شارع مسجد سلطان المقابل له، فأشرت للسيارة، وناديت عليهم، وجريت بأسرع ما يمكن، فطقت ركبتي، سمعت صوت فرقعتها، وهي تؤلمني من يومها، فقال إبراهيم لي في استخفاف:
- يا شيخ روح، هو أنت فيك حاجة؟! اشتري جوز كوارع وأنت مروح، وخللي مراتك تغليهم كويس، هما دول إللي حايرموا عضمك.
زميلي إبراهيم هذا أصلا من سوهاج، وهو يؤمن بأن الأكل الجيد فيه الشفاء، وكان عمي يقيم " ختمة " كل عام، يدعو إليها أقاربنا وجيراننا، وتأتي كل نساء العائلة للمساعدة، فسوف يطهوا كمية هائلة من الخضروات واللحوم، وأجولة من الأرز.
يجلس الرجال على مقاعدهم في الشارع وفي شقق البيت الكثيرة - شقة عمي، وشقة أخوه، وشقق ابناءه - ويتفق مع مشايخ مشهورين ليقرءوا القرآن، ثم يختار مجموعات متجانسة من أقاربنا، يهمس في آذانهم، فيقومون ويدخلون لمكان المائدة، ويقوم شباب الأسرة بالخدمة، ينقلون الأطباق، ثم يمسحون المائدة ويعدونها للوافدين الجدد. ثم يقدمون الشاي لمن تناولوا طعامهم.
كنت أتابع ما يحدث في دهشة، فأجد شيخا أعرفه جيدا، يضع كمية من اللحم في طبق، لشاب متزوج حديثا ويحرضه لكي يتناول كل هذا اللحم، قائلا له:
- أنت بقيت صاحب بيت.
فهناك رابط وثيق بين نوع اللحم، وبين رجولة الرجل في تعامله مع زوجته. نفس الذي حدث لي عندما تزوجت حديثا، وكان مورد دشت يتعامل مع شركتنا، شونته في طريقي بين بيتي ومحطة مصر، فأمر كثيرا أمام شونته، فينادي علي عقب زواجي مباشرة، ويستخرج قالب الحشيش، ويقطع منه قطع كثيرة بمطواه، قائلا لي:
- أنت بقيت صاحب بيت.
فكنت احتفظ بهذه القطع لليوم التالي وأعطيها لزميل لي في العمل يعشق الحشيش ويدمنه.
**
أذكر جيدا هذا اليوم، فقد جاء شهر رمضان في الصيف، وازدادت حرارة الجو، وكانت الثلاجات قليلة في منطقتنا الشعبية، يعتمدون أكثر على القلل، تزاحمنا يومها على الحاج سيد، بائع الثلج، الكل يطمح في أن يحصل على قطعة ثلج، ليضعها على الماء ليرتوي بها عندما يؤذن لصلاة المغرب.
حكى لي صبري أبو علم عن زميله في السفينة دمياط – التي يعمل بها - الذي كان يعشق المياه المثلجة، ولا يطيق الحر، في هذا اليوم الشديد الحرارة، حرص زميل صبري على أن يضع زجاجة مياه في الفريزر، وأوصى أهله بأن يتركوها كلها له.
أخرج الزجاجة من الفريزر قبل موعد آذان المغرب بثواني، وما أن سمع صوت الآذان، حتى ألقى بغطائها بعيدا، وألقاها كلها في جوفه، امتلأت بطنه بالمياه المثلجة، فأحس بآلام شديدة في بطنه، نقلوه لمستشفى قريب من البيت، لكنه مات بعد ساعات قلائل.
واعتادت الباتعة على بيع البطيح الصغير في شارع الكعبة، تصحو مبكرة، تركب أول ترام تمر أمامها في محطة مصر وتنزل في وكالة الخضار والفاكهة في الحضرة، لتشتري كميات هائلة من البطيخ الصغير، التجار هناك يعرفونها، ويداعبونها، ويرأفون لحالها، يبيعون لها البطيخ بثمن أقل، تجلس بجوار العربجي الذي يداعبها ويمازحها طوال الطريق. تبيع البطيخة السليمة بقرش والمكسورة بنصف قرش. تلم الباتعة مبالغ كثيرة من بيع البطيخ، تنفق كل ما تكسبه على الأكل هي وأطفالها. وأحست الباتعة بآلام شديدة في بطنها، فارتمت على الرصيف بجوار بطيخها الكثير، نقلوها إلى مستشفى الجمهورية القريبة من البيت، بعد الفحوص والتحاليل، تأكد لهم أن كبدها مهري وعلاجها في مستشفى الحميات، فنقلوها إليها، حذرها الطبيب الشاب من تناول الأطعمة الدسمة، فكبدها ما عاد يحتمل، كانت ابنتها الشابه عندها وقتذاك، فقالت لها:
- دعك منه، أنا أعرف علاجي جيدا.
وشدت منديلها المعلق في رقبتها برباط، ويصل لصدرها، شدته وفكت عقدته، وأعطت لابنتها مبالغ كبيرة، أوصتها بشراء فرخة عتقية من سوق الفراخ في شارع العطارين، يجب أن تكون عتقية وكبيرة، فرخة بلدي، إوعي تجيبي فرخة بيضة من فراخ الجمعية.
وفعلت ابنتها هذا، اشترت اكبر فرخة في سوق الفراخ، وطهتها كما أوصتها أمها، ووضعتها أمامها، فتناولتها الباتعة، مصمصت حتى عظامها، فأحست بالسعادة، وتنفست بعمق قائلة لابنتها:
- أحس أنني شفيت، واستطيع أن أسير من هنا حتى باب البيت.
لكن في الصباح جاء الخبر، بأن الباتعة ماتت، بسبب تناولها لفرخة بأكملها.
**
أعتاد الرجل أن يحصل من ابنه – الذي يذبح عجلا – يوم وقفة العيد الكبير – على كمية هائلة من اللحم البلدي، واشترط على ابنه أن يخصه وحدة بالكوارع ولحم الرأس والفشة والطحال والمنبار وباقي هذه الأشياء، فهو يغرق فيها لأيام عديدة.
ماتت زوجة هذا الرجل، فتزوج فتاة عذراء صغيرة، يحرص على أن يظهر أمامها بأنه أفضل من شاب في العشرين، يحلق لحيته أولا بأول، ويأكل السمن الصعيدي واللحم البلدي، كان يرسل ابنه الكبير للعمدة - الذي يذبح كل يوم جمعة في بيته بجبل ناعسة- ليأخذ راتب اللحم منه.
الرجل – والحق يقال – رغم كبر سنة – لم يقصر مع زوجته الشابة. وهذا بفضل التغذية التي يحرص عليها.
تناول في هذا اليوم كمية من اللحم البلدي الذي أرسله ابنه إليه، الظاهر إنه أكل منه أكثر من اللازم، فقد اغمى عليه، صرخت زوجته الشابة فأسرع إليه أولاده الأربعة – الذين يسكنون معه في البيت – وجدوه قد أفاق، فأخذ يحكي لهم عن قوته التي يحكي الكل عنها، قطعة جديد يتمرنون بها في بلدتهم، لم يكن يستطيع حملها سواه ورجل آخر، مات منذ سنوات بعيدة.
الغريب إنه وهم جلوس معه، طالب زوجته الشابة بالكوارع، فهي التي تعطيه القوة، وتمنحه الفرصة لأن يكون أفضل من شباب هذه الأيام. تناول الكوارع في نهم، واطمئن أولاده الأربعة عليه، ونزل كل منهم إلى مسكنه، لكن عند الفجر سمعوا صراخ زوجته، فأسرعوا إليها، أشارت إليه، كان يتابعهم دون قول وعيناه مفتوحتان، استدعوا له الأسعاف التي نقلته لمستشفى كرموز العمالي، قال الطبيب: عنده تصلب في الشرايين.
ومات بعد أيام قلائل.
- أنتم الصعايدة، لكم طريقة خاصة في تناول الطعام، تتناولون لحم الحيوانات أو الطيور في آخر الوجبة.
قلت:
- طريقة أكل الصعايدة قريبة من المطعم الفرنسي، فهم يبدءون بتناول الخضروات المطبوخة، يأكلونها بالملاعق، وقلما يأكلون خبزا معها، ثم تأتي النشويات – مكرونة أو أرز – وقد لاحظت أن كثيرا من الصعايدة لا يأكلون المكرونة لأنها مصنعة – وآخر طبق يقدم هو لحم الحيوانات أو الطيور.
وكثير من الصعايدة، يربطون بين تمام الصحة، ونوع الطعام الذي يتناولونه، فيحرصون على تناول السمن الصعيدي واللحم البلدي. ويرون أن تناول السمن الهولندي يهزل الجسم ويضر البدن.
ونساء عائلتنا اللائي عشن حياتهن في الصعيد، وجئن للإسكندرية بعد زواجهن، يفضلن في طبيخهن نوعين من الخضار، الويكة – وهي البامية المهروسة والمفروكة – والملوخية، وكانت زوجة عمي، تغسل حلتها من الويكة لتطبخ ملوخية، ثم تغسل حلتها من الملوخية، لتطبخ ويكة.
وقد قابلت زميلي في العمل وقت حزنه وأساه و - كان زميل أكبر مني سنا، قال لي:
- سأحال على المعاش قبل سني الحقيقي بأكثر من خمس سنوات.
سألته عن سبب ذلك، فحكى لي أزمته: فقد أنجب والده قبله ولدا، استخرج له شهادة ميلاد، وكتبه فيها باسم إبراهيم، لكن الولد مات وهو صغير، فدفنه والده دون استخراج شهادة وفاة. وجاء زميلنا بعده بأكثر من خمس سنين، فسماه أبوه إبراهيم أيضا، وبحث عن شهادة ميلاد ابنه الذي مات وتعامل معها على أنها شهادة ابنه الجديد، فطعموه في الصحة، وحقنوه طبقا لتعليمات وزارة الصحة بشهادة إبراهيم الذي مات، وهاهو سيحال على المعاش قبل موعده.
رآني إبراهيم هذا وأنا أعرج، فسألني عن سبب ذلك، فحكيت له ما حدث، فقد خرجت من بيتي متأخرا هذا الصباح، وأنا أسير في شارع إيزيس، رأيت سيارة الشركة تمر في شارع مسجد سلطان المقابل له، فأشرت للسيارة، وناديت عليهم، وجريت بأسرع ما يمكن، فطقت ركبتي، سمعت صوت فرقعتها، وهي تؤلمني من يومها، فقال إبراهيم لي في استخفاف:
- يا شيخ روح، هو أنت فيك حاجة؟! اشتري جوز كوارع وأنت مروح، وخللي مراتك تغليهم كويس، هما دول إللي حايرموا عضمك.
زميلي إبراهيم هذا أصلا من سوهاج، وهو يؤمن بأن الأكل الجيد فيه الشفاء، وكان عمي يقيم " ختمة " كل عام، يدعو إليها أقاربنا وجيراننا، وتأتي كل نساء العائلة للمساعدة، فسوف يطهوا كمية هائلة من الخضروات واللحوم، وأجولة من الأرز.
يجلس الرجال على مقاعدهم في الشارع وفي شقق البيت الكثيرة - شقة عمي، وشقة أخوه، وشقق ابناءه - ويتفق مع مشايخ مشهورين ليقرءوا القرآن، ثم يختار مجموعات متجانسة من أقاربنا، يهمس في آذانهم، فيقومون ويدخلون لمكان المائدة، ويقوم شباب الأسرة بالخدمة، ينقلون الأطباق، ثم يمسحون المائدة ويعدونها للوافدين الجدد. ثم يقدمون الشاي لمن تناولوا طعامهم.
كنت أتابع ما يحدث في دهشة، فأجد شيخا أعرفه جيدا، يضع كمية من اللحم في طبق، لشاب متزوج حديثا ويحرضه لكي يتناول كل هذا اللحم، قائلا له:
- أنت بقيت صاحب بيت.
فهناك رابط وثيق بين نوع اللحم، وبين رجولة الرجل في تعامله مع زوجته. نفس الذي حدث لي عندما تزوجت حديثا، وكان مورد دشت يتعامل مع شركتنا، شونته في طريقي بين بيتي ومحطة مصر، فأمر كثيرا أمام شونته، فينادي علي عقب زواجي مباشرة، ويستخرج قالب الحشيش، ويقطع منه قطع كثيرة بمطواه، قائلا لي:
- أنت بقيت صاحب بيت.
فكنت احتفظ بهذه القطع لليوم التالي وأعطيها لزميل لي في العمل يعشق الحشيش ويدمنه.
**
أذكر جيدا هذا اليوم، فقد جاء شهر رمضان في الصيف، وازدادت حرارة الجو، وكانت الثلاجات قليلة في منطقتنا الشعبية، يعتمدون أكثر على القلل، تزاحمنا يومها على الحاج سيد، بائع الثلج، الكل يطمح في أن يحصل على قطعة ثلج، ليضعها على الماء ليرتوي بها عندما يؤذن لصلاة المغرب.
حكى لي صبري أبو علم عن زميله في السفينة دمياط – التي يعمل بها - الذي كان يعشق المياه المثلجة، ولا يطيق الحر، في هذا اليوم الشديد الحرارة، حرص زميل صبري على أن يضع زجاجة مياه في الفريزر، وأوصى أهله بأن يتركوها كلها له.
أخرج الزجاجة من الفريزر قبل موعد آذان المغرب بثواني، وما أن سمع صوت الآذان، حتى ألقى بغطائها بعيدا، وألقاها كلها في جوفه، امتلأت بطنه بالمياه المثلجة، فأحس بآلام شديدة في بطنه، نقلوه لمستشفى قريب من البيت، لكنه مات بعد ساعات قلائل.
واعتادت الباتعة على بيع البطيح الصغير في شارع الكعبة، تصحو مبكرة، تركب أول ترام تمر أمامها في محطة مصر وتنزل في وكالة الخضار والفاكهة في الحضرة، لتشتري كميات هائلة من البطيخ الصغير، التجار هناك يعرفونها، ويداعبونها، ويرأفون لحالها، يبيعون لها البطيخ بثمن أقل، تجلس بجوار العربجي الذي يداعبها ويمازحها طوال الطريق. تبيع البطيخة السليمة بقرش والمكسورة بنصف قرش. تلم الباتعة مبالغ كثيرة من بيع البطيخ، تنفق كل ما تكسبه على الأكل هي وأطفالها. وأحست الباتعة بآلام شديدة في بطنها، فارتمت على الرصيف بجوار بطيخها الكثير، نقلوها إلى مستشفى الجمهورية القريبة من البيت، بعد الفحوص والتحاليل، تأكد لهم أن كبدها مهري وعلاجها في مستشفى الحميات، فنقلوها إليها، حذرها الطبيب الشاب من تناول الأطعمة الدسمة، فكبدها ما عاد يحتمل، كانت ابنتها الشابه عندها وقتذاك، فقالت لها:
- دعك منه، أنا أعرف علاجي جيدا.
وشدت منديلها المعلق في رقبتها برباط، ويصل لصدرها، شدته وفكت عقدته، وأعطت لابنتها مبالغ كبيرة، أوصتها بشراء فرخة عتقية من سوق الفراخ في شارع العطارين، يجب أن تكون عتقية وكبيرة، فرخة بلدي، إوعي تجيبي فرخة بيضة من فراخ الجمعية.
وفعلت ابنتها هذا، اشترت اكبر فرخة في سوق الفراخ، وطهتها كما أوصتها أمها، ووضعتها أمامها، فتناولتها الباتعة، مصمصت حتى عظامها، فأحست بالسعادة، وتنفست بعمق قائلة لابنتها:
- أحس أنني شفيت، واستطيع أن أسير من هنا حتى باب البيت.
لكن في الصباح جاء الخبر، بأن الباتعة ماتت، بسبب تناولها لفرخة بأكملها.
**
أعتاد الرجل أن يحصل من ابنه – الذي يذبح عجلا – يوم وقفة العيد الكبير – على كمية هائلة من اللحم البلدي، واشترط على ابنه أن يخصه وحدة بالكوارع ولحم الرأس والفشة والطحال والمنبار وباقي هذه الأشياء، فهو يغرق فيها لأيام عديدة.
ماتت زوجة هذا الرجل، فتزوج فتاة عذراء صغيرة، يحرص على أن يظهر أمامها بأنه أفضل من شاب في العشرين، يحلق لحيته أولا بأول، ويأكل السمن الصعيدي واللحم البلدي، كان يرسل ابنه الكبير للعمدة - الذي يذبح كل يوم جمعة في بيته بجبل ناعسة- ليأخذ راتب اللحم منه.
الرجل – والحق يقال – رغم كبر سنة – لم يقصر مع زوجته الشابة. وهذا بفضل التغذية التي يحرص عليها.
تناول في هذا اليوم كمية من اللحم البلدي الذي أرسله ابنه إليه، الظاهر إنه أكل منه أكثر من اللازم، فقد اغمى عليه، صرخت زوجته الشابة فأسرع إليه أولاده الأربعة – الذين يسكنون معه في البيت – وجدوه قد أفاق، فأخذ يحكي لهم عن قوته التي يحكي الكل عنها، قطعة جديد يتمرنون بها في بلدتهم، لم يكن يستطيع حملها سواه ورجل آخر، مات منذ سنوات بعيدة.
الغريب إنه وهم جلوس معه، طالب زوجته الشابة بالكوارع، فهي التي تعطيه القوة، وتمنحه الفرصة لأن يكون أفضل من شباب هذه الأيام. تناول الكوارع في نهم، واطمئن أولاده الأربعة عليه، ونزل كل منهم إلى مسكنه، لكن عند الفجر سمعوا صراخ زوجته، فأسرعوا إليها، أشارت إليه، كان يتابعهم دون قول وعيناه مفتوحتان، استدعوا له الأسعاف التي نقلته لمستشفى كرموز العمالي، قال الطبيب: عنده تصلب في الشرايين.
ومات بعد أيام قلائل.