■ هناك فرق كبير بأن يدفع بكَ الطريق إلى السير صوب واجهة ما، وبين أن تحدد أنتَ الواجهة. قررت أن أتوقف عن السير في طريق يدفع بخطواتي للسير فيه. انعطفت، وأخذت منحنى آخر جديدًا كليًا ولا زلت أتذكر كل خطواتي في بدايتها.
منذ سنوات، قررت التفرغ للترجمة، وتحديدًا الترجمة الأدبية، بدأت بترجمة قصتين قصيرتين من الأدب الصيني، كنت قد سمعتهما على موقع صيني يسجل النصوص المختلفة، ثم بحثت عن متن القصتين. وانطلاقًا من هذه اللحظة تغير كل شيء، صار كل يوم من ممارسة الترجمة بمنزلة قطرة تنساب بخفة إلى بحيرة الخبرة الناضبة، لتبدأ في طمس الشقوق، ثم تدريجيًا تملأها، حتى ظهرت ملامحها الأولى. ولكنه ليس من الإنصاف تشبيه مجال الترجمة الأدبية بالبحيرة؛ لأنه في واقع الأمر، هو بحور لا نهائية من المعرفة، وآفاق لا محدودة من الخيال. كما أن الترجمة الأدبية تشبه لوحة لا تكتمل من ضربة الفرشاة الأولى، وكذلك هي فن تحويل المستحيل إلى الممكن.
في رأيي أن الترجمة عمل إبداعي، مستحيل أن يتم إنهاؤه في جلسة واحدة، فلا ينهي الكاتب روايته في ساعات، فالأعمال الإبداعية تحتاج إلى عمل متواصل، ولكي أصل إلى الترجمة الجيدة، وكذلك إلى النقطة الأهم في الترجمة من رأيي، وهي الاندماج مع النص أثناء ترجمته، علي أن أمر بالعديد من المراحل، وأن أضع العديد من الأمور في عين الاعتبار.
مهمة المترجم لا تكون نقل كل ما يعرض عليه للترجمة، لكنها أكثر تعقيدًا من ذلك. بالطبع يمكن للمترجم أن يقبل ما يُقترح عليه من ترجمات، ولكن مهام المترجم قبل كل شيء تشمل: البحث، والاكتشاف، والاختيار. فمثلًا، قد يُقترح ترجمة عمل لكاتب ما، ويُفترض أنه الأفضل على الإطلاق؛ لأنه تُرجم إلى لغات عدة، فتبدأ الأقلام في التنافس على ترجمة أعماله، ولكن لو استسلم المترجم للتيار سينجرف معه، وسيفقد قدرته على الاختيار والتعبير عما يود ترجمته وتقديمه للقارئ. عندما يقرر المترجم نقل عمل اختاره هو، فهذا يعني أن هناك شيئًا لمسه غالبًا، أو أنه سيقدم فكرة ما، بل وأنه يفهم الكاتب وفكره...، وكذلك يعني أنه سيثابر على إنهاء مشروعه رغم صعوبته، وفي النهاية سيقدم للقارئ شيئًا قيمًا.
إن الأعمال المترجمة جيدًا ترتبط بأسماء مترجميها إلى الأبد. وهنا لا أقصد أن يكون العمل جيدًا وحسب، ولكن أعني أيضًا جودة الترجمة، والمجهود المبذول في النص.
من المستحيل إلى الممكن
مرور النص بعدة مراحل لترجمته، حتى ولو بدا سهلًا، أمر غاية في الأهمية، فثمة جمل تكون غير واضحة في المرات الأولى، ومعانٍ تكون خادعة لو مررت عليها مرور الكرام، فبعض الدروب نسير فيها ونعتقد أن هذه نهايتها، بينما تكون مجرد بداية تؤدي بنا إلى الطريق الصحيح.
أثناء مراحل الترجمة، ينمو بداخل المترجم شعور فريد جدًا تجاه ما يترجمه، لا يتكرر مع النصوص ولا الأعمال الأخرى، ويكون ذلك بدءًا من اختيار العمل وقراءته، ومرورًا بالترجمة الأولية، ثم الدقيقة، وبعد ذلك مراجعة الترجمة بتمعن، والتعامل مع النسخة العربية للعمل وحدها، وصياغة الجمل على هذا الأساس، مع مراعاة ما يتسق منها مع اللغة العربية من منطق وتركيب وتشبيهات وغيرها.
التواضع للنص
إن كل نص أو عمل جديد هو تجربة مختلفة ومستقلة تمامًا في الترجمة، لا أتوقع أنني سأترجم نصين بنفس الشكل، ومهما بلغ مستواي ووصلت مهارتي في الترجمة؛ فالتواضع للنص غاية في الأهمية. وكلما ترجمت نصًا جديدًا، أشعر بأنني أترجم للمرة الأولى. أترجم بنفس الحذر الذي لازمني في بداية عملي بالترجمة؛ لأن وجود قدر من القلق أثناء الترجمة شيء صحي للغاية، فهو يحمي من الوقوع في الأخطاء غالبًا، وكذلك هو الذي أصل به إلى بر اليقين بعد وقت من البحث والاطلاع.
الوقت المستغرق في الترجمة
يبدو لي أن أفضل الترجمات هي التي تأخذ وقتًا كافيًا في ترجمتها. لا أقصد هنا أن يكون الوقت كافيًا للترجمة فحسب، ولكن ما يصحب الترجمة من قراءات عميقة ومتعددة لفهم العمل بشكل أعمق. كما أن الوصول إلى سلاسة العمل المترجم، لا يكون من مرة واحدة. لا أقول إن المبالغة في الوقت المستغرق في الترجمة شرط للترجمة الجيدة، ولكن ما أقصده هو أن تأخذ الترجمة حقها، ولا تكون سرعة إنهائها هدفًا في حد ذاته.
صعوبة ترجمة الأدب
اللغة بحر شاسع، مهما وصلت مهارة المترجم، فسيقابل موجات لم يعتد عليها من قبل، ولكنه سيتعلم التعامل معها مع الوقت. في رأيي أن صعوبة النصوص والأعمال الأدبية لا تقتصر على استخدامها للغة أدبية خالصة، أو حتى لاحتوائها على عديد من الصور البلاغية والمعاني المجازية والتشبيهات، ولكن لتشابكها مع الثقافة والتاريخ، والفكر، والتغييرات التي تطرأ على المجتمع، والأحداث السياسية وغيرها. لذلك مهم جدًا للمترجم أن ينتبه إلى الفترات التي يُكتب فيها العمل وخلفيته؛ لأن في الكثير من الأحيان، يكون ذلك المفتاح الرئيسي لفهم فكرة العمل، حتى لو لم يذكره المؤلف بشكل صريح، ففي هذه الحالة يكون الاندماج مع خلفية العمل هو شرط للاندماج مع النص المترجم.
الترجمة عمل مرهق جدًا، وعندما يكون المترجم شغوفًا بما يصنع، وعندما يتحول مجهود المترجم إلى عمل بين يديه، ويلمس حلمه الذي بدا بعيدًا ذات يوم، ينسى كل شيء ويمضي قدمًا في رحلته الإبداعية
منصات التواصل الاجتماعي
منذ سنوات، قررت التفرغ للترجمة، وتحديدًا الترجمة الأدبية، بدأت بترجمة قصتين قصيرتين من الأدب الصيني، كنت قد سمعتهما على موقع صيني يسجل النصوص المختلفة، ثم بحثت عن متن القصتين. وانطلاقًا من هذه اللحظة تغير كل شيء، صار كل يوم من ممارسة الترجمة بمنزلة قطرة تنساب بخفة إلى بحيرة الخبرة الناضبة، لتبدأ في طمس الشقوق، ثم تدريجيًا تملأها، حتى ظهرت ملامحها الأولى. ولكنه ليس من الإنصاف تشبيه مجال الترجمة الأدبية بالبحيرة؛ لأنه في واقع الأمر، هو بحور لا نهائية من المعرفة، وآفاق لا محدودة من الخيال. كما أن الترجمة الأدبية تشبه لوحة لا تكتمل من ضربة الفرشاة الأولى، وكذلك هي فن تحويل المستحيل إلى الممكن.
في رأيي أن الترجمة عمل إبداعي، مستحيل أن يتم إنهاؤه في جلسة واحدة، فلا ينهي الكاتب روايته في ساعات، فالأعمال الإبداعية تحتاج إلى عمل متواصل، ولكي أصل إلى الترجمة الجيدة، وكذلك إلى النقطة الأهم في الترجمة من رأيي، وهي الاندماج مع النص أثناء ترجمته، علي أن أمر بالعديد من المراحل، وأن أضع العديد من الأمور في عين الاعتبار.
مهمة المترجم لا تكون نقل كل ما يعرض عليه للترجمة، لكنها أكثر تعقيدًا من ذلك. بالطبع يمكن للمترجم أن يقبل ما يُقترح عليه من ترجمات، ولكن مهام المترجم قبل كل شيء تشمل: البحث، والاكتشاف، والاختيار. فمثلًا، قد يُقترح ترجمة عمل لكاتب ما، ويُفترض أنه الأفضل على الإطلاق؛ لأنه تُرجم إلى لغات عدة، فتبدأ الأقلام في التنافس على ترجمة أعماله، ولكن لو استسلم المترجم للتيار سينجرف معه، وسيفقد قدرته على الاختيار والتعبير عما يود ترجمته وتقديمه للقارئ. عندما يقرر المترجم نقل عمل اختاره هو، فهذا يعني أن هناك شيئًا لمسه غالبًا، أو أنه سيقدم فكرة ما، بل وأنه يفهم الكاتب وفكره...، وكذلك يعني أنه سيثابر على إنهاء مشروعه رغم صعوبته، وفي النهاية سيقدم للقارئ شيئًا قيمًا.
إن الأعمال المترجمة جيدًا ترتبط بأسماء مترجميها إلى الأبد. وهنا لا أقصد أن يكون العمل جيدًا وحسب، ولكن أعني أيضًا جودة الترجمة، والمجهود المبذول في النص.
من المستحيل إلى الممكن
مرور النص بعدة مراحل لترجمته، حتى ولو بدا سهلًا، أمر غاية في الأهمية، فثمة جمل تكون غير واضحة في المرات الأولى، ومعانٍ تكون خادعة لو مررت عليها مرور الكرام، فبعض الدروب نسير فيها ونعتقد أن هذه نهايتها، بينما تكون مجرد بداية تؤدي بنا إلى الطريق الصحيح.
أثناء مراحل الترجمة، ينمو بداخل المترجم شعور فريد جدًا تجاه ما يترجمه، لا يتكرر مع النصوص ولا الأعمال الأخرى، ويكون ذلك بدءًا من اختيار العمل وقراءته، ومرورًا بالترجمة الأولية، ثم الدقيقة، وبعد ذلك مراجعة الترجمة بتمعن، والتعامل مع النسخة العربية للعمل وحدها، وصياغة الجمل على هذا الأساس، مع مراعاة ما يتسق منها مع اللغة العربية من منطق وتركيب وتشبيهات وغيرها.
التواضع للنص
إن كل نص أو عمل جديد هو تجربة مختلفة ومستقلة تمامًا في الترجمة، لا أتوقع أنني سأترجم نصين بنفس الشكل، ومهما بلغ مستواي ووصلت مهارتي في الترجمة؛ فالتواضع للنص غاية في الأهمية. وكلما ترجمت نصًا جديدًا، أشعر بأنني أترجم للمرة الأولى. أترجم بنفس الحذر الذي لازمني في بداية عملي بالترجمة؛ لأن وجود قدر من القلق أثناء الترجمة شيء صحي للغاية، فهو يحمي من الوقوع في الأخطاء غالبًا، وكذلك هو الذي أصل به إلى بر اليقين بعد وقت من البحث والاطلاع.
الوقت المستغرق في الترجمة
يبدو لي أن أفضل الترجمات هي التي تأخذ وقتًا كافيًا في ترجمتها. لا أقصد هنا أن يكون الوقت كافيًا للترجمة فحسب، ولكن ما يصحب الترجمة من قراءات عميقة ومتعددة لفهم العمل بشكل أعمق. كما أن الوصول إلى سلاسة العمل المترجم، لا يكون من مرة واحدة. لا أقول إن المبالغة في الوقت المستغرق في الترجمة شرط للترجمة الجيدة، ولكن ما أقصده هو أن تأخذ الترجمة حقها، ولا تكون سرعة إنهائها هدفًا في حد ذاته.
صعوبة ترجمة الأدب
اللغة بحر شاسع، مهما وصلت مهارة المترجم، فسيقابل موجات لم يعتد عليها من قبل، ولكنه سيتعلم التعامل معها مع الوقت. في رأيي أن صعوبة النصوص والأعمال الأدبية لا تقتصر على استخدامها للغة أدبية خالصة، أو حتى لاحتوائها على عديد من الصور البلاغية والمعاني المجازية والتشبيهات، ولكن لتشابكها مع الثقافة والتاريخ، والفكر، والتغييرات التي تطرأ على المجتمع، والأحداث السياسية وغيرها. لذلك مهم جدًا للمترجم أن ينتبه إلى الفترات التي يُكتب فيها العمل وخلفيته؛ لأن في الكثير من الأحيان، يكون ذلك المفتاح الرئيسي لفهم فكرة العمل، حتى لو لم يذكره المؤلف بشكل صريح، ففي هذه الحالة يكون الاندماج مع خلفية العمل هو شرط للاندماج مع النص المترجم.
الترجمة عمل مرهق جدًا، وعندما يكون المترجم شغوفًا بما يصنع، وعندما يتحول مجهود المترجم إلى عمل بين يديه، ويلمس حلمه الذي بدا بعيدًا ذات يوم، ينسى كل شيء ويمضي قدمًا في رحلته الإبداعية
منصات التواصل الاجتماعي