كان الشاب محمد تيمور يعتبر الأب الأول للقصة القصيرة في مصر. وفى عام 1960 لفت العظيم يحيى حقى الأنظار في كتابه «فجر القصة المصرية» إلى النجم الأول للقصة القصيرة، عيسى عبيد، الذي نشر مجموعتين في عامى 1921 و1922. وهو لم يكن أديبًا فقط بل كان ناشطًا سياسيًا مؤيدًا لثورة 1919. وكلا الأديبين، تيمور وعيسى، رحلا في عام 1923 وعمرهما أقل من ثلاثين عامًا، ولأن محمد تيمور كان ابن باشا وأخوه محمود تيمور، فقد اهتموا بنشر قصصه وعرفه الجميع، أما الفقير المجهول عيسى عبيد فلم يهتم به أحد. نشرت هيئة قصور الثقافة كتابًا أنيقًا عن أعمال عيسى عبيد وثمنه 6 جنيهات فقط (يا بلاش) بمقدمة طويلة بقلم د. صبرى حافظ مستوحاة من ما كتبه يحيى حقى عنه.
عيسى لم يكن أديبًا فقط وإنما كان مفكرًا ومناضلًا، وقد أهدى كتابه الأول «إحسان هانم» إلى سعد زغلول، ومن المقدمة أقتطف هذه الكلمات: «إلى صاحب المعالى سعد باشا زغلول رئيس الوفد المصرى: كنت أتمتى أن أهدى معاليكم روايتى يقظة مصر التي سأصور فيها صفحة من حركتنا الوطنية التي كنتم أول من أيقظها عن طريق الوطنية، كما سبق أن أيقظها عن طريق الدين سلفكم فقيد الوطن مصطفى كامل». وهنا واضح الفكر التقدمى عن الوطنية بالمفهوم الحديث للقومية المصرية- بعيدًا عن الدين- الذي حققه سعد زغلول بدون أن ينكر فضل مصطفى كامل. وكتب أنه مع أخيه شحاتة قد زارا سعد زغلول لشد أزره وأبدى أخوه الأكبر تخوفه من نجاح الوزارة في التسلط على عملية انتخاب المجلس النيابى وتزوير الانتخابات والضغط على الأمة لقبول مشروع لا يؤدى إلى استقلالها التام.
وهنا يشرح عيسى موقف سعد زغلول فيقول: «فقد أخذتكم هزة غضب شريف عادل»، ثم يقول «إن الأمة لن تنخدع ولن تقبل إلا الاستقلال التام. إن شعورنا الوطنى المتدفق لا يموت. هذه روايتى يا معالى الرئيس وهى مجموعتى القصصية». موقف رائع من شاب فقير مجهول، وموقف أروع من زعيم الأمة الذي استقبل بكل بساطة شابين فقيرين وناقشهما واستمع إلى تخوفهما وأجاب عنه. هل مثل هذه المقابلة ممكن أن تتم في العصر الحديث؟.
ثم يكمل في المقدمة بأن أزمة الورق بسبب الحرب العالمية الأولى قد أثرت سلبيًا على النشر، وقام بنقد الأدب الذي يتجنب الواقعية. ويقول إنه لا أحد يريد نشر روايات وآداب راقية بل أهملوا نشر رواية «زواج المصلحة» للمفكر فكرى أباظة.
القصة الأولى «إحسان هانم»: تحكى عن حديث بين صديقتين عن زواج الأولى ثم طلاقها وكيف كان من المحال أن تتعرف على زوجها قبل الزواج، وتحول ما كانت تأمله من حب وود إلى مشاكل انتهت بالطلاق وطرد الزوجة بعنف والاعتداء عليها. وتحكى مع صديقتها عن الكتب والروايات التي تقرؤها ثم تزوجت مرة أخرى وطلقت بعد عام وعمرها 26 عامًا بسبب غيرته الشديدة وحبسها في البيت.
والقصة التالية عن الفتاة مارى التي قاربت أن تصبح عانسًا بمقاييس ذلك الوقت لأنها قاربت 23 عامًا، وتحكى عن ضغط الأم حتى تتزوج فؤاد الذي لا تحبه.
والقصة الثالثة تحكى عن الريف والقرية ودودة القطن والفارق بين الفلاح والباشا، بوصف واقعى حقيقى يختلف عن رومانسية هيكل «زينب»، ويكتب عن الإنفلونزا الإسبانية التي حصدت عشرات الآلاف من المصريين عام 1918، وللأسف لم أعرف عن الرواية حين كتبت كتابى عن الإنفلونزا.
ويحكى أيضا عن قصة حب بين فتاة أرمنية وشاب من الجيران. ثم «مذكرات حكمت هانم» وهى أنضج الأعمال، عن فتاة أصبحت عانسًا في عمر العشرين عامًا دون أمل في الزواج وسمعت يومًا ضجة كبيرة في الشارع ومر عليها ثلات فتيات من الأصدقاء وطلبن من الأم أن تصحبهن حكمت إلى الشارع للاحتفال بخروج سعد زغلول من المنفى في مالطة يوم 7 إبريل 1919، وتصف القصة شكل الشارع المصرى في هذا اليوم والغناء والزغاريد إلى أن تأزمت الأمور وأطلق الإنجليز الرصاص على الجماهير.
والمجموعة الثانية أهداها إلى أمه، وواضح أنه كان مريضًا وكانت ترعاه، وأولها قصة اسماها «ثريا» بطلها شاب اسمه وديع نعوم وبطلتها فتاة سورية مسيحية اسمها ثريا، ويحدث غرام من طرف واحد وترفضه الفتاة التي تتزوج مسلمًا غنيًا.
وبالرغم من أن عيسى يكتب في مقدمته عن الأدب الحديث الطليعى والجانب النفسى للإنسان، إلا أنه لم يلتزم بذلك في قصصه التي يبدو على بعضها البساطة الشديدة.
في عام 1964 نشر عباس خضر كتابًا صغيرًا عن عيسى عبيد يقول إن إبراهيم المصرى قال إن والده توفى وهو صغير، وكانت أمه مكافحة وحازمة، فتفرغ للقراءة وكانت البيئة التي عاش فيها متحررة يجرى بها الاختلاط بين الجنسين، وأتاحت له فرصة الكتابة عن الحب والعلاقات بين الجنسين.
أما يحيى حقى فيكتب أنه كان مفكرًا وناشطًا سياسيًا وناقدًا متينًا. ولكن قلما نجد اسمه في أبحاث تاريخ القصة. ثم يستطرد قائلًا: نعرف أنه كان يقيم في عطفة الأكراد في الظاهر وهو عنوان مراسلاته الخاصة بكتبه وقرائه. وأعرف أن ثقافته فرنسية بل له مجموعة بالفرنسية اسمها على ضفاف النيل لم تنشر وفى الأغلب هو مسيحى، وغالبًا ليس أرثوزوكس وذلك استنتاجًا من أسماء بعض أبطاله.
ويقول يحيى حقى: كيف كان الحال عن تاريخ القصة عندنا؟، فإنى لا أعرف أحدًا غير عيسى عبيد تولى في ذلك العصر رسم الحدود للقصة الحديثة في مفهومها وموضوعها وشكلها. ثم يقول إن عيسى كتب أن الفن القصصى عندنا يتعثر لأسباب بعضها يرجع إلى مزاج الكاتب المصرى الجانح للبعد عن حقائق الحياة، وأن الجدب في حقل القصة راجع إلى أن التقاليد قضت تقريبًا على الاختلاط بين الجنسين، وأن الكاتب المصرى لم يتمرن بعد على الملاحظة والتحليل النفسى وهما ملكتان تنموان بالخبرة الشخصية الطويلة. لا بد إذًا من الإلمام بعلم النفس. ومن عيوب الكاتب المصرى ميله إلى تجميل الطبيعة مع أن الفن هو تصوير الحقائق، فهو ينادى بالأدب الواقعى وليس الأدب الوجدانى، وحتى يوفق بين الفن واللغة ارتأى أن يكتب الحوار بلغة عربية عامية بحيث تبقى مسحة مصرية بألون محلية.
حقًا هناك مبدعون مصريون مجهولون علينا أن نبذل جهدًا لاكتشافهم.
قوم يا مصرى مصر دايمًا بتناديك.
عيسى لم يكن أديبًا فقط وإنما كان مفكرًا ومناضلًا، وقد أهدى كتابه الأول «إحسان هانم» إلى سعد زغلول، ومن المقدمة أقتطف هذه الكلمات: «إلى صاحب المعالى سعد باشا زغلول رئيس الوفد المصرى: كنت أتمتى أن أهدى معاليكم روايتى يقظة مصر التي سأصور فيها صفحة من حركتنا الوطنية التي كنتم أول من أيقظها عن طريق الوطنية، كما سبق أن أيقظها عن طريق الدين سلفكم فقيد الوطن مصطفى كامل». وهنا واضح الفكر التقدمى عن الوطنية بالمفهوم الحديث للقومية المصرية- بعيدًا عن الدين- الذي حققه سعد زغلول بدون أن ينكر فضل مصطفى كامل. وكتب أنه مع أخيه شحاتة قد زارا سعد زغلول لشد أزره وأبدى أخوه الأكبر تخوفه من نجاح الوزارة في التسلط على عملية انتخاب المجلس النيابى وتزوير الانتخابات والضغط على الأمة لقبول مشروع لا يؤدى إلى استقلالها التام.
وهنا يشرح عيسى موقف سعد زغلول فيقول: «فقد أخذتكم هزة غضب شريف عادل»، ثم يقول «إن الأمة لن تنخدع ولن تقبل إلا الاستقلال التام. إن شعورنا الوطنى المتدفق لا يموت. هذه روايتى يا معالى الرئيس وهى مجموعتى القصصية». موقف رائع من شاب فقير مجهول، وموقف أروع من زعيم الأمة الذي استقبل بكل بساطة شابين فقيرين وناقشهما واستمع إلى تخوفهما وأجاب عنه. هل مثل هذه المقابلة ممكن أن تتم في العصر الحديث؟.
ثم يكمل في المقدمة بأن أزمة الورق بسبب الحرب العالمية الأولى قد أثرت سلبيًا على النشر، وقام بنقد الأدب الذي يتجنب الواقعية. ويقول إنه لا أحد يريد نشر روايات وآداب راقية بل أهملوا نشر رواية «زواج المصلحة» للمفكر فكرى أباظة.
القصة الأولى «إحسان هانم»: تحكى عن حديث بين صديقتين عن زواج الأولى ثم طلاقها وكيف كان من المحال أن تتعرف على زوجها قبل الزواج، وتحول ما كانت تأمله من حب وود إلى مشاكل انتهت بالطلاق وطرد الزوجة بعنف والاعتداء عليها. وتحكى مع صديقتها عن الكتب والروايات التي تقرؤها ثم تزوجت مرة أخرى وطلقت بعد عام وعمرها 26 عامًا بسبب غيرته الشديدة وحبسها في البيت.
والقصة التالية عن الفتاة مارى التي قاربت أن تصبح عانسًا بمقاييس ذلك الوقت لأنها قاربت 23 عامًا، وتحكى عن ضغط الأم حتى تتزوج فؤاد الذي لا تحبه.
والقصة الثالثة تحكى عن الريف والقرية ودودة القطن والفارق بين الفلاح والباشا، بوصف واقعى حقيقى يختلف عن رومانسية هيكل «زينب»، ويكتب عن الإنفلونزا الإسبانية التي حصدت عشرات الآلاف من المصريين عام 1918، وللأسف لم أعرف عن الرواية حين كتبت كتابى عن الإنفلونزا.
ويحكى أيضا عن قصة حب بين فتاة أرمنية وشاب من الجيران. ثم «مذكرات حكمت هانم» وهى أنضج الأعمال، عن فتاة أصبحت عانسًا في عمر العشرين عامًا دون أمل في الزواج وسمعت يومًا ضجة كبيرة في الشارع ومر عليها ثلات فتيات من الأصدقاء وطلبن من الأم أن تصحبهن حكمت إلى الشارع للاحتفال بخروج سعد زغلول من المنفى في مالطة يوم 7 إبريل 1919، وتصف القصة شكل الشارع المصرى في هذا اليوم والغناء والزغاريد إلى أن تأزمت الأمور وأطلق الإنجليز الرصاص على الجماهير.
والمجموعة الثانية أهداها إلى أمه، وواضح أنه كان مريضًا وكانت ترعاه، وأولها قصة اسماها «ثريا» بطلها شاب اسمه وديع نعوم وبطلتها فتاة سورية مسيحية اسمها ثريا، ويحدث غرام من طرف واحد وترفضه الفتاة التي تتزوج مسلمًا غنيًا.
وبالرغم من أن عيسى يكتب في مقدمته عن الأدب الحديث الطليعى والجانب النفسى للإنسان، إلا أنه لم يلتزم بذلك في قصصه التي يبدو على بعضها البساطة الشديدة.
في عام 1964 نشر عباس خضر كتابًا صغيرًا عن عيسى عبيد يقول إن إبراهيم المصرى قال إن والده توفى وهو صغير، وكانت أمه مكافحة وحازمة، فتفرغ للقراءة وكانت البيئة التي عاش فيها متحررة يجرى بها الاختلاط بين الجنسين، وأتاحت له فرصة الكتابة عن الحب والعلاقات بين الجنسين.
أما يحيى حقى فيكتب أنه كان مفكرًا وناشطًا سياسيًا وناقدًا متينًا. ولكن قلما نجد اسمه في أبحاث تاريخ القصة. ثم يستطرد قائلًا: نعرف أنه كان يقيم في عطفة الأكراد في الظاهر وهو عنوان مراسلاته الخاصة بكتبه وقرائه. وأعرف أن ثقافته فرنسية بل له مجموعة بالفرنسية اسمها على ضفاف النيل لم تنشر وفى الأغلب هو مسيحى، وغالبًا ليس أرثوزوكس وذلك استنتاجًا من أسماء بعض أبطاله.
ويقول يحيى حقى: كيف كان الحال عن تاريخ القصة عندنا؟، فإنى لا أعرف أحدًا غير عيسى عبيد تولى في ذلك العصر رسم الحدود للقصة الحديثة في مفهومها وموضوعها وشكلها. ثم يقول إن عيسى كتب أن الفن القصصى عندنا يتعثر لأسباب بعضها يرجع إلى مزاج الكاتب المصرى الجانح للبعد عن حقائق الحياة، وأن الجدب في حقل القصة راجع إلى أن التقاليد قضت تقريبًا على الاختلاط بين الجنسين، وأن الكاتب المصرى لم يتمرن بعد على الملاحظة والتحليل النفسى وهما ملكتان تنموان بالخبرة الشخصية الطويلة. لا بد إذًا من الإلمام بعلم النفس. ومن عيوب الكاتب المصرى ميله إلى تجميل الطبيعة مع أن الفن هو تصوير الحقائق، فهو ينادى بالأدب الواقعى وليس الأدب الوجدانى، وحتى يوفق بين الفن واللغة ارتأى أن يكتب الحوار بلغة عربية عامية بحيث تبقى مسحة مصرية بألون محلية.
حقًا هناك مبدعون مصريون مجهولون علينا أن نبذل جهدًا لاكتشافهم.
قوم يا مصرى مصر دايمًا بتناديك.