نلاحظ في هذه الأيام شيوع نوع من الكتابة يمكن أن أطلق عليه الكتابة المتحذلقة، وهي كما أرى كتابة تتسم بالمبالغة في العاطفة، واستخدام العبارات الطنانة، والألفاظ الغريبة، والخيالات التهويمية، وتتزاحم فيها الصور الشعرية، والمحسنات البديعية، والإيقاع القوي، والمعاني التي يصعب فهمها.
ونرى وجود فريقين من الناس: فريق يعجب بهذا النوع من الكتابة، وهو الفريق الذي يقرأ بالأذن، أي يتمتع بهدير الشكل، وفريق يرفض الكتابة المتحذلقة لأنه يقرا بعقله وقلبه، ويتمتع برقة اللغة وسلاستها وبعمق المعاني ووضوحها.
وجه الغرابة أن أصحاب الكتابة المتحذلقة مثقفون، وبعضهم من ذوي الشهادات الجامعية أو مدرسون في الجامعات الرسمية والخاصة. إنهم يمجدون الشكل على حساب المضمون، ويحرصون على لغة مقعرة معقدة كتلك التي سماها ميخائيل نعيمة في كتابه "الغربال" نقيق الضفادع. ويتباهون بأنها بعيدة عن لغة الإنترنت والهواتف الذكية التي تنحط فيها المعاني والأفكار إلى درجة بالغة من الإسفاف، وهي في الحقيقة لا تختلف عنها إلا بما تستخدمه من أساليب التزييف والتنميق والتكلف.
إنها الكتابة التي عندما تسمعها أو تقرؤها أول مرة تعجب بهذه الهجمة من الأوصاف والمجازات والإيقاعات المطربة، ولكن إذا ما تمعنت فيها، أو حتى ابتعدت عنها قليلًا ينتابك العجب، وتتساءل كيف انطلت عليك الخدعة، ووقعت في أسر البلاغة المتصنعة، والكلمات الهادرة.
إن الكتابة المتحذلقة تسترجع في جانب منها نظرات مصطفى لطفي المنفلوطي وعبراته بهذه النثرية السائلة التي تخاطب القلب، وتمخر في بحور العاطفة الحزينة، والمبالغات الكثيرة.
كما تسترجع في جانب آخر الرسائل الإخوانية التي ازدهرت في العصر العباسي تلك الرسائل التي كانت تهدف في الدرجة الأولى إلى المبالغة في مدح المرسل إليه، لنوال الحظوة لديه. مع استثناء بعض هذه الرسائل النقية من الأهداف الخاصة كتلك التي كتبها بعض الأدباء الأجلاء مثل أبي حيان التوحيدي.
لعل من أسباب ذيوع الكتابة المتحذلقة رغبة من يقترف ممارستها في التفاخر وإظهار مقدرته على الكتابة، وإبراز تشوقه وتلذذه بما جاء به من غريب البيان والفصاحة. وغالبًا يتصف هؤلاء بالتعصب، وسرعة الغضب، والتلون، والنرجسية. وربما نجد من بينهم مرضى نفسيين مصابين بمرض الوسواس القهري. لهذا نراهم لا يتقبلون النقد الذي يظهر حيلهم وألاعيبهم الكتابية، ويرحبون بالنقد الذي يمجد فكرهم ويمتدح بلاغتهم وأفكارهم.
لا تقتصر الكتابة المتحذلقة على كتابة المقالات والخواطر، بل تتعدى ذلك إلى الكتابة الشعرية والسردية، فكثيرًا ما نستمع إلى قصائد تبهرنا كلماتها وإيقاعاتها لكن عند الإمعان فيها لا نجد إلا معاني سقيمة ومبالغات فاضحة. وكذلك في الرواية فنجد روايات يغلب عليها طابع الاستعراض البلاغي، والحشو الكلامي، والتفاصيل المملة التي لا تتوافق وعناصر الرواية، ولا تراعي ميزات هذا العصر السريع الخطا.
هكذا في خضم هذه الاستخدامات والتقنيات المتكلفة تضيع الرواية ويضيع الشعر؛ فالرواية لها خصوصية تختلف عن الشعر، والشعر له خصوصيته التي تختلف عن الرواية، وإن كان كل منهما يستفيد من الآخر، دون أن تلغي خصوصية أحدهما خصوصية الآخر.
لقد غلبت الكتابة المتحذلقة على الكتابة الجيدة، وكثر الكتاب المتحذلقون في هذا العصر عصر التكنولوجيا الرقمية بما وفرته من وسائل النشر السريع، فتردى الذوق الأدبي، وغاب النقد السليم، حتى بلغ الأدب مرحلة الانهيار وسقط أحيانًا في فخ البذاءة الفكرية.
ما يجب أن نؤكده في هذا المقال أن الكتابة المتحذلقة لا قيمة لها ويزول تأثيرها بعد وقت قصير من كتابتها؛ لأنها كتابة تقفز عن عقول الآخرين، وتخاطب العاطفة بغلو وتعال، كتابة تفاخر بالذات الكاتبة أو تمتدح أو تتملق الذات الأخرى الموجه إليها القول. إن الكتابة التي تبقى مع الزمن هي التي تتوخى السهولة واليسر، وتخاطب الإنسان بصدق ووضوح وأمانة.
ونرى وجود فريقين من الناس: فريق يعجب بهذا النوع من الكتابة، وهو الفريق الذي يقرأ بالأذن، أي يتمتع بهدير الشكل، وفريق يرفض الكتابة المتحذلقة لأنه يقرا بعقله وقلبه، ويتمتع برقة اللغة وسلاستها وبعمق المعاني ووضوحها.
وجه الغرابة أن أصحاب الكتابة المتحذلقة مثقفون، وبعضهم من ذوي الشهادات الجامعية أو مدرسون في الجامعات الرسمية والخاصة. إنهم يمجدون الشكل على حساب المضمون، ويحرصون على لغة مقعرة معقدة كتلك التي سماها ميخائيل نعيمة في كتابه "الغربال" نقيق الضفادع. ويتباهون بأنها بعيدة عن لغة الإنترنت والهواتف الذكية التي تنحط فيها المعاني والأفكار إلى درجة بالغة من الإسفاف، وهي في الحقيقة لا تختلف عنها إلا بما تستخدمه من أساليب التزييف والتنميق والتكلف.
إنها الكتابة التي عندما تسمعها أو تقرؤها أول مرة تعجب بهذه الهجمة من الأوصاف والمجازات والإيقاعات المطربة، ولكن إذا ما تمعنت فيها، أو حتى ابتعدت عنها قليلًا ينتابك العجب، وتتساءل كيف انطلت عليك الخدعة، ووقعت في أسر البلاغة المتصنعة، والكلمات الهادرة.
إن الكتابة المتحذلقة تسترجع في جانب منها نظرات مصطفى لطفي المنفلوطي وعبراته بهذه النثرية السائلة التي تخاطب القلب، وتمخر في بحور العاطفة الحزينة، والمبالغات الكثيرة.
كما تسترجع في جانب آخر الرسائل الإخوانية التي ازدهرت في العصر العباسي تلك الرسائل التي كانت تهدف في الدرجة الأولى إلى المبالغة في مدح المرسل إليه، لنوال الحظوة لديه. مع استثناء بعض هذه الرسائل النقية من الأهداف الخاصة كتلك التي كتبها بعض الأدباء الأجلاء مثل أبي حيان التوحيدي.
لعل من أسباب ذيوع الكتابة المتحذلقة رغبة من يقترف ممارستها في التفاخر وإظهار مقدرته على الكتابة، وإبراز تشوقه وتلذذه بما جاء به من غريب البيان والفصاحة. وغالبًا يتصف هؤلاء بالتعصب، وسرعة الغضب، والتلون، والنرجسية. وربما نجد من بينهم مرضى نفسيين مصابين بمرض الوسواس القهري. لهذا نراهم لا يتقبلون النقد الذي يظهر حيلهم وألاعيبهم الكتابية، ويرحبون بالنقد الذي يمجد فكرهم ويمتدح بلاغتهم وأفكارهم.
لا تقتصر الكتابة المتحذلقة على كتابة المقالات والخواطر، بل تتعدى ذلك إلى الكتابة الشعرية والسردية، فكثيرًا ما نستمع إلى قصائد تبهرنا كلماتها وإيقاعاتها لكن عند الإمعان فيها لا نجد إلا معاني سقيمة ومبالغات فاضحة. وكذلك في الرواية فنجد روايات يغلب عليها طابع الاستعراض البلاغي، والحشو الكلامي، والتفاصيل المملة التي لا تتوافق وعناصر الرواية، ولا تراعي ميزات هذا العصر السريع الخطا.
هكذا في خضم هذه الاستخدامات والتقنيات المتكلفة تضيع الرواية ويضيع الشعر؛ فالرواية لها خصوصية تختلف عن الشعر، والشعر له خصوصيته التي تختلف عن الرواية، وإن كان كل منهما يستفيد من الآخر، دون أن تلغي خصوصية أحدهما خصوصية الآخر.
لقد غلبت الكتابة المتحذلقة على الكتابة الجيدة، وكثر الكتاب المتحذلقون في هذا العصر عصر التكنولوجيا الرقمية بما وفرته من وسائل النشر السريع، فتردى الذوق الأدبي، وغاب النقد السليم، حتى بلغ الأدب مرحلة الانهيار وسقط أحيانًا في فخ البذاءة الفكرية.
ما يجب أن نؤكده في هذا المقال أن الكتابة المتحذلقة لا قيمة لها ويزول تأثيرها بعد وقت قصير من كتابتها؛ لأنها كتابة تقفز عن عقول الآخرين، وتخاطب العاطفة بغلو وتعال، كتابة تفاخر بالذات الكاتبة أو تمتدح أو تتملق الذات الأخرى الموجه إليها القول. إن الكتابة التي تبقى مع الزمن هي التي تتوخى السهولة واليسر، وتخاطب الإنسان بصدق ووضوح وأمانة.