سأخوض معكم اليوم في وحول ما سماها بعض العلماء: (أم الخبائث) - أبعدنا الله عنها. ومن المعروف أن (السكر) خمسة أنواع: سكر الشراب، وسكر الشباب، وسكر المال، وسكر الهوى، وسكر السلطان.
بالنسبة لي، لا أتعاطى من كل هذه المسكرات سوى (سكر الهوى)، لهذا تجدونني دائمًا (ثملاً) أقبل ذا الجدار وذا الجدار.
والمضحك أن بعض أساطين - أو بمعنى أصح (مساطيل) السكر - وضعوا له (بروتوكولات) أو شروطًا للمنادمة، هي: قلة الخلاف، والمعاملة بالإنصاف، والمسامحة في الشراب، والتغافل عن رد الجواب، وإدمان الرضا، وإطراح ما مضى، وإسقاط التحيات، واجتناب اجتراح الأصوات، وأكل ما حضر، وإحضار ما تيسر، وستر العيب.
وإليكم في هذا المجال (المتعتع) هذا الموقف: يقال إن الشاعر (الأخطل) دخل على (عبد الملك بن مروان)، وأنشده بعض قصائده، فلما انتهى قال له:
يا مولاي، قد يبس حلقي فمر من يسقيني، قال: اسقوه ماء، فقال: إنه شراب الحمار وهو عندنا كثير، قال: اسقوه لبنًا؟ قال: عن اللبن فطمت، قال: فاسقوه عسلاً؟ قال: شراب المريض، قال: فتريد ماذا؟ قال: أريد خمرًا، يا أمير المؤمنين، قال: ويلك، أعهدتني أسقي الخمر لا أم لك، لولا حرمتك بنا لفعلت بك ما فعلت. فخرج فلقي فراشًا لعبد الملك، فقال له: ويلك، إن أمير المؤمنين استنشدني وقد يبس حلقي، فاسقني شربة خمر، فسقاه رطلاً، فقال: أعد لي آخر، فسقاه آخر، فقال: تركتهما يعتركان في بطني، اسقني ثالثًا، فسقاه فقال: تركتني أمشي على ثلاث، اعدل ميلي برابع، فقال: قد عدلناك برابع، وجعلناك تمشي على أربع، فارجع إلى شراب الحمار خير لك - انتهى.
وعلى ذكر الحمار، ففي سنة من السنوات، كنت في جنوب إسبانيا، وذهبت إلى بلدة جبلية يقال لها (مخس)، الحمير فيها أكثر من سكانها، والمواصلات كلها على الحمير بين أزقتها الضيقة، وذهبت إلى موقف (تاكسيات) الحمير لكي أستأجر واحدًا منها، فسألني المسؤول: هل تريده صاحيًا أم سكرانًا، فقلت له: أعوذ بالله! طبعًا أريده صاحيًا.
وقد علمت بعدها أنهم يشربون حميرهم أحيانًا قليلاً من البيرة، لكي يزداد نشاطها، وتتحسن نفسياتها، فتسير وهي (تترقوص)، ومن الصدف أنني في اليوم الرابع من إقامتي، شاهدت مجموعة من السياح والأهالي متجمعين حول أحد البارات ولهم جلبة وصياح، ولما وصلت وجدت الكراسي والطاولات الكثير منها متكسر، كما أن واجهة المحل الزجاجية (مدشدشة)، وهناك حمار منطرح على الأرض.
وعرفت أن صاحب البار قد زود العيار للحمار، وتركه يشرب (سطلين) كاملين منها، فسكر وعاث بالمكان ترفيسًا ونهيقًا.
ولولا أنهم عاجلوه بحقنة مخدرة قوية، لكان قد قضى على بعض الزبائن.
شعل السديري
صحافي وكاتب سعودي ساخر،
بالنسبة لي، لا أتعاطى من كل هذه المسكرات سوى (سكر الهوى)، لهذا تجدونني دائمًا (ثملاً) أقبل ذا الجدار وذا الجدار.
والمضحك أن بعض أساطين - أو بمعنى أصح (مساطيل) السكر - وضعوا له (بروتوكولات) أو شروطًا للمنادمة، هي: قلة الخلاف، والمعاملة بالإنصاف، والمسامحة في الشراب، والتغافل عن رد الجواب، وإدمان الرضا، وإطراح ما مضى، وإسقاط التحيات، واجتناب اجتراح الأصوات، وأكل ما حضر، وإحضار ما تيسر، وستر العيب.
وإليكم في هذا المجال (المتعتع) هذا الموقف: يقال إن الشاعر (الأخطل) دخل على (عبد الملك بن مروان)، وأنشده بعض قصائده، فلما انتهى قال له:
يا مولاي، قد يبس حلقي فمر من يسقيني، قال: اسقوه ماء، فقال: إنه شراب الحمار وهو عندنا كثير، قال: اسقوه لبنًا؟ قال: عن اللبن فطمت، قال: فاسقوه عسلاً؟ قال: شراب المريض، قال: فتريد ماذا؟ قال: أريد خمرًا، يا أمير المؤمنين، قال: ويلك، أعهدتني أسقي الخمر لا أم لك، لولا حرمتك بنا لفعلت بك ما فعلت. فخرج فلقي فراشًا لعبد الملك، فقال له: ويلك، إن أمير المؤمنين استنشدني وقد يبس حلقي، فاسقني شربة خمر، فسقاه رطلاً، فقال: أعد لي آخر، فسقاه آخر، فقال: تركتهما يعتركان في بطني، اسقني ثالثًا، فسقاه فقال: تركتني أمشي على ثلاث، اعدل ميلي برابع، فقال: قد عدلناك برابع، وجعلناك تمشي على أربع، فارجع إلى شراب الحمار خير لك - انتهى.
وعلى ذكر الحمار، ففي سنة من السنوات، كنت في جنوب إسبانيا، وذهبت إلى بلدة جبلية يقال لها (مخس)، الحمير فيها أكثر من سكانها، والمواصلات كلها على الحمير بين أزقتها الضيقة، وذهبت إلى موقف (تاكسيات) الحمير لكي أستأجر واحدًا منها، فسألني المسؤول: هل تريده صاحيًا أم سكرانًا، فقلت له: أعوذ بالله! طبعًا أريده صاحيًا.
وقد علمت بعدها أنهم يشربون حميرهم أحيانًا قليلاً من البيرة، لكي يزداد نشاطها، وتتحسن نفسياتها، فتسير وهي (تترقوص)، ومن الصدف أنني في اليوم الرابع من إقامتي، شاهدت مجموعة من السياح والأهالي متجمعين حول أحد البارات ولهم جلبة وصياح، ولما وصلت وجدت الكراسي والطاولات الكثير منها متكسر، كما أن واجهة المحل الزجاجية (مدشدشة)، وهناك حمار منطرح على الأرض.
وعرفت أن صاحب البار قد زود العيار للحمار، وتركه يشرب (سطلين) كاملين منها، فسكر وعاث بالمكان ترفيسًا ونهيقًا.
ولولا أنهم عاجلوه بحقنة مخدرة قوية، لكان قد قضى على بعض الزبائن.
شعل السديري
صحافي وكاتب سعودي ساخر،