زيارة سريعة في رحلةٍ إلى مدينةِ القاهرةِ رغبَ مدرسُ الرسمِ أنْ يُـرِيَ تلاميذَهُ تمثالَ (الملك رمسيس) في مَيدانهِ الشهيرِ ؛ أوقفَ الحافلةَ تحرَّكُـوا في صفٍ واحدٍ، وجدَ تجمُّعـًا من الناسِ يتجادلونَ ، ويشيرونَ إلى صبيٍّ عارٍ تبوَّل عند قاعدةِ التمثالِ...
في الاختبارِ عندما طلبَ المدرسُ من تلاميذِهِ ؛ رسمَ تمثال رمسيس ؛ رسمَ معظمُهمْ صبيًّا عاريًا ونثروا حولَهُ قطراتٍ من المياهِ الملونةِ.
ــ القاص المصري / عادل الغنام ــ
ينظرُ الكثيرونَ إلى القصةِ القصيرةِ على أنَّها كائنٌ هلاميٌّ طيبٌ ومتسامحٌ وبلا أنيابٍ حادَّةٍ ؛ فيتجرأون عليها دونَ أدني اعتبارٍ لمكوناتِ القصَّةِ القصيرةِ ، ومعاييرها الإنسانيةُ والإبداعيةُ ، والمختلفةُ من جيلٍ إلي جيلٍ ، ومن خصوصيةِ تجربة لمبدعٍ إلي تجربةِ مبدعٍ آخر، ومن حاجةٍ إنسانيةٍ إلي احتياجاتٍ إنسانيةٍ أُخرى .
وقد تم اختزالُ حُـزْمَةِ المعايير القصصيةِ بأكملها في الجملةِ الشهيرة ( بلاغة التكثيف ) ، والتي أصبحت بفعلِ الفهم الخاطئِ والممارسات الخاطئة إلى ( التكثيف المُخِل ) الذي أساء كثيرًا إلى السرد باعتباره اللاعبُ الأساسيُّ في الكتابةِ القصصيةِ ؛ فظهرتْ كتاباتٌ وصفها أصحابُها بأنها حداثيةٌ وهي بعيدةٌ كل البعد عن الشكل الفني الحقيقي وبعيدةٌ أيضًا كل البعد عن أُسس تحطيمِ وغربلَةِ هذا الشكل للصوتِ إلي الشكل الأكثر تطورًا وحداثيّةً .
في مجموعتهِ القصصية ( صينية الحناء ) للكاتب (عادل الغنام) والتي فازتْ بمسابقة النشر الإقليمي للهيئة العامة لقصور الثقافة المصرية ، محافظة البحيرة (عام ٢٠٢٠) ؛ يلفت النظرَ أنَّ كاتبَها يُمسِكُ جيدًا بخيط السردِ ، ولا يفلته من يديه ربما يُرخي الخيطَ كثيرًا أو يشدُّهُ بعنفٍ ؛ لكنه في النهاية لا يفلتُهُ من يده كأرضيةٍ ثابتةٍ للكتابةِ القصصيةِ ؛ مهما اختلفنا في اتجاهاتِ القصةِ التي يكتبها سواء واقعيةً أم رمزيةً أم فانتازيا أم حداثية .!
تتضمَّنُ المجموعةُ عددًا من القصص يبلغُ حوالي ( أربعًا وعشرين قصة ) ومجموعةً من القصص كتبت تحت عنوان (ق . ق . ج) .
في قصته " زيارة سريعة " ؛ والتي لفتتْ نظري بشكلٍ خاص جدا ، وشخصيٍّ ، والتي لم أتفقْ معه في وضعها تحت عنوان (ق . ق . ج) حتي وإنْ كانتْ قد كُتبت في عدَّة سطورٍ فهي قصةٌ قصيرةٌ هامة ولافته وتحملُ كلَّ مكوناتِ السرد ، وتحميل اندياح السرد والتكييف علي فضاءاتٍ واسعةٍ للغاية
فهناك الزمان / الرحلة
والمكان / الرحلة في مكان به أحد الآثار الفرعونية القديمة
والشخوص / المدرس ، تمثال رمسيس ، التلاميذ ، الصبي المرسوم
والأفعال/ رغب ، أوقف ، تحركوا ، يتجادلوا ، يشيرون ، يتبول ، يسأل ، رسموا ، نثروا
والخاتمة الفاعلة والفعَّالة في أفق السرد " نثروا حوله قطرات من المياه الملونة " نهاية قصصية رائعة بامتياز وكأنها تحاولُ أن تلونَ الثاني حضاريا ضائعا علي صفحة كراسة الرسم أو أن تقول على استحياء : انتبهوا كثيرا فنحن لم نعد نجيد شيئا سوى أن نبول علي الاشياء الثمينةِ كفعل مضاد، تبدو الصورةُ / القصة ليست ملونةً بل لها رائحة نفَّاذة هي رائحة البول .!
هذه القصة من أجمل القصص القصيرة ، وهي قصة رمزية واقعية يبدو السردُ فيها سيدَ الموقف بلا منازعٍ ، والتكثيفُ هنا قد أحال السردَ إلي براح أوسع وأشمل استطاع الكاتبُ من خلاله أن يقول الكثيرَ وهي من القصص التي ترشَّحُ للترجمةِ إلي لغاتٍ أخرى ؛ إن كان هناك من يهتم بترجمة القصص القصيرة والمصرية منها بخاصة .
في قصة " ايكو " تبدو الأفارقةُ واضحةً والقصةُ كلاسيكية في طريقة تناولها وإن كنتُ تمنيتُ أن يكون ذِكُرُ اللون الأبيض علي لسان البطل ليحملَ دلالاتٍ آخرة كثيرة غير ما تحمله كلمة الطبيب . .
أما قصته " سلاسل الخوف " فقد جاءت بتقنية اعتدنا كتابتَها أو المحاولة في كتابتها فنجح من نجح وأخفق من أخفقَ ؛ وهى تقنيةٌ تحتاج إلي وعيٍ تام بالتقطيع كتقنية قصصية خلال خيط سردي واحد لا ينفلتُ .
١ / أكثر الطائرات أمنا تلك التي يصنعها الطفل بذراعيه
٢ / قيصر عندما لمح الخوف في عيني كليوباترا اتخذها أسيرته للأبد
٣ / سألت صديقي ما أشد ما يخيفك هذه الأيام.؟
٤/ هذه المرة يحاكم بتهمة ازدراء الأديان !!
وكأننا حين نحاول التحليق / الحلم عن طريق الطفل / البراءة ومنذ أيام كيلو باترا / ميراثنا الحضاري وحتي هذه اللحظة لحظة الكتابة / البوح / الحرية يصدمنا الخوف لنفعل فعلتنا في القص بسبب الخوف ونفقد القص بأيدينا وهج الكتابة ونغلق كل منافذ السرد والوهج والتحليق خوفا من التهم الجاهزة والمعلبة كتهمة / ازدراء الأديان.
وسلاسل الخوف لا تقرأ بعيدا عن قصة " حورية " التي تحوي صرخةً عاليةً جدا وكأنَّ الكاتبَ قد ضاق بالمواءمات صحيح أن القصَّ لم يفقد دهشتَه ، ومناورتَه لكن (عادل غنام) قد ضاق ذرعا بالخوف وراح يصرخُ ( اتركونا نكتب ما نشاء لا تجثموا بأجسادكم الثقيلة وأفكاركم الحجرية علي لحظة النور / التنوير / الاستشراف ودعكم من كل هؤلاء الذين قد.... ( الكثير قد يسيء فهمها _ فكرة أن سيدة تؤمُّ الرجالَ في الصلاةِ غريبةٌ ومدلولُها الرمزيُّ صعبُ الفهم ) وحوارُ الذات ، وحيرتها بين ما يريد الكاتبُ وما يريدُ مَن حولَه والذين حتى الآن لم نعرفْ علي وجه اليقين تحديدًا من هم .؟
دعاةُ دينٍ ، دعاةُ جهلٍ وانتكاسةٍ للوراءِ ، قارئٌ متربص بالخطايا ، قارئٌ تبوَّأ مكانًا ليس له ليجعلَ من فهمهِ مقصلةً للوأدِ . ( سيأتي الزمن الذي تقع فيه أحداث قصتك وتخسر نبوءة الأديب ) وما الأدب إلا نبوءة . هذه القصةُ التي تفصح عن كم التنازلات التي مارسناها بسبب الخوف فامتهنا فيه قدرتنا وابداعاتنا . هذه القصة اللافتة بحق والتي بها نفس السيرة الذاتية ، والكتابة الذاتية هي قصة تزعق أمامنا إن كنتم لا تريدون الفهم .
أما قصته ( صينية الحناء ) فهي تجربةُ الحنين في صيغتها الأولي ، والملازمة لكل كاتب بصورة مختلفة ؛ حيث بكارةُ المكان والسفر من مدينة دمنهور إلي مدينة دسوق والسفر من الطفولة إلي التجربة ، والسفر من عين الطفل ، ودهشة الحكي ، والاستفسارات ، والاسئلة الملحة في الحديث مع الأم إلي نضج الفهم والأسى واللوم ( والله لأغني لك يا عريس يا غالي والله لأغنية لك واسهر الليالي ) وكلما استبقي القاص نظرةَ الطفل كلما كان الأقربَ إلي الكتابة المؤثرة مهما كانت التقنية ،
" بدا المشهد كدوران راقصي المولوية في حضرة الأولياء، نتحدُ كجِرمٍ سماويٍّ يسبح في فضاء سرمدي ، نتعدى حدود الزمان والمكان ، تتراقص الشموع ، وتعبق رائحة الورود الروح الهائمة ، أنظر في دموعها؛ فأرى يدًا مازحةً تدفعُ طفلا صغيرا في الهواء فيتهلل من البهجة ؛ تصرخ الأم من الفزع وتحتضنُه معلنةً أنها تريدُه جوارَ قلبها على الأرض " هنا الكاتب يغازل الحكايا ويفر من تقنيات القصة القصيرة إلي بوح الحكايات والتي تأخذ من كل فعلٍ ، ومن كل زمنٍ ومن كلِّ ذكرى بعض منها ثم تعيد لملمةَ ونسج الحكايا يبدو السردُ عاديًّا ، واللغة عادية لكنَّ الحزنَ والفقدَ هو البطلُ الرئيس ؛ اللغة المبطنة يعلو صوتها عن اللغة الظاهرة . " هل وجدتَ هناك من يحبك مثلي.؟ " ، " هل أَنِسَ الغريب غربته " هنا حكاية تحتاج إلي قارئٍ خاصٍ، وقارئٍ عادي لا يهمه كثيرا سوى أنه عاش التجربة ذاتها وأحس بالفقد ذاته .
إن القصص التي تغازل ذاكرةَ القارئ بتفاصيل متشابهةٌ للغاية هي قصص أقرب إلي طقس (صينية الحناء) كلُّ يحملُها ِفوق رأسه وأكتافه بطريقته الخاصة جدا . يزدادُ ثقل صينية الحناء / أشعر الآن بثقل الحمل / أبحث عن أصوات محبِّةٍ تأتي من قريب / أقفُ في سكينة فيتعلقنَ بخَصْري / ترتفع أناملهنَّ الرقيقةُ إلي صينية الحناء / لتكمل الدورةَ ، دورةَ الحياة ودورةَ الحكي بتقنيةِ القصة الدائرية التي تصلُ نهايتُها إلي نقطةِ بدايتها بهدوء شديدٍ مارسَهُ الكاتبُ دونَ أنْ ننتبهَ فقد تُهْنَا في سراديب الحنينِ . .
المجموعةُ بها الكثيرُ ، والكثيرُ للوقوفِ عندهُ ، والكتابةُ عنها باستفاضةٍ .
ولكنَّني لا أحب ارتداءَ مُسوحِ النقادِ ؛ وأظل أردد مرارًا بأنني مجردُ قارئةٍ تبحثُ عن نصٍّ جديدٍ لهؤلاء الذين يحاولونَ فينجحونَ ويخفقون ، هؤلاء الذين يفهمون جيدا معني الاختلاف ومعني الذائقةِ الأديبة الخاصة وأخيرا معني القصة القصيرة ؛ هذا الكائنُ الجميلُ والذي يحبُّ الجمالَ كثيرًا فيبحثُ عن قارئٍ جميلٍ ، وحدَثٍ جميلٍ ، و محاولاتٍ أخرى طازجةٍ وجميلةٍ ، ولا يفوتني أن أُهَنِّئَ الكاتبَ علي الإهداء إلي مَن رغبتْ أنْ تبقى .. حين سكنَ الآخرون الغيابَ ؛ وجعلَ هاءَ هيَ قابلةً لتأويلاتٍ شتى عن الأم والحبيةِ والوطن والكتابة والغربة والحرقة و و و . وأخيرًا " عندما ينعدمُ الزمنُ ، يلتقي الماضي والحاضرُ والمستقبلُ في لحظةٍ واحدةٍ ، يطوفُ فيها الإنسانُ حولَ ذاتِه المبعثرةِ ، متأمِّلا لحظاتِ الصَّخَبِ والسكونِ ، هائمًا بين الظلامِ والنورِ ، يسألُ المَدَدَ ) تظلُّ كلماتُ مفتتحِ (عادل الغنام) عالقةً في ذهنِ المتلقي وهو يسألُ الكلماتِ أن تعطيَهُ المددَ . .!
د / وفاء الحكيم ــ طبيبة أطفال ــ قاصة ــ عضو اتحاد كتاب مصر / سوهاج
في الاختبارِ عندما طلبَ المدرسُ من تلاميذِهِ ؛ رسمَ تمثال رمسيس ؛ رسمَ معظمُهمْ صبيًّا عاريًا ونثروا حولَهُ قطراتٍ من المياهِ الملونةِ.
ــ القاص المصري / عادل الغنام ــ
ينظرُ الكثيرونَ إلى القصةِ القصيرةِ على أنَّها كائنٌ هلاميٌّ طيبٌ ومتسامحٌ وبلا أنيابٍ حادَّةٍ ؛ فيتجرأون عليها دونَ أدني اعتبارٍ لمكوناتِ القصَّةِ القصيرةِ ، ومعاييرها الإنسانيةُ والإبداعيةُ ، والمختلفةُ من جيلٍ إلي جيلٍ ، ومن خصوصيةِ تجربة لمبدعٍ إلي تجربةِ مبدعٍ آخر، ومن حاجةٍ إنسانيةٍ إلي احتياجاتٍ إنسانيةٍ أُخرى .
وقد تم اختزالُ حُـزْمَةِ المعايير القصصيةِ بأكملها في الجملةِ الشهيرة ( بلاغة التكثيف ) ، والتي أصبحت بفعلِ الفهم الخاطئِ والممارسات الخاطئة إلى ( التكثيف المُخِل ) الذي أساء كثيرًا إلى السرد باعتباره اللاعبُ الأساسيُّ في الكتابةِ القصصيةِ ؛ فظهرتْ كتاباتٌ وصفها أصحابُها بأنها حداثيةٌ وهي بعيدةٌ كل البعد عن الشكل الفني الحقيقي وبعيدةٌ أيضًا كل البعد عن أُسس تحطيمِ وغربلَةِ هذا الشكل للصوتِ إلي الشكل الأكثر تطورًا وحداثيّةً .
في مجموعتهِ القصصية ( صينية الحناء ) للكاتب (عادل الغنام) والتي فازتْ بمسابقة النشر الإقليمي للهيئة العامة لقصور الثقافة المصرية ، محافظة البحيرة (عام ٢٠٢٠) ؛ يلفت النظرَ أنَّ كاتبَها يُمسِكُ جيدًا بخيط السردِ ، ولا يفلته من يديه ربما يُرخي الخيطَ كثيرًا أو يشدُّهُ بعنفٍ ؛ لكنه في النهاية لا يفلتُهُ من يده كأرضيةٍ ثابتةٍ للكتابةِ القصصيةِ ؛ مهما اختلفنا في اتجاهاتِ القصةِ التي يكتبها سواء واقعيةً أم رمزيةً أم فانتازيا أم حداثية .!
تتضمَّنُ المجموعةُ عددًا من القصص يبلغُ حوالي ( أربعًا وعشرين قصة ) ومجموعةً من القصص كتبت تحت عنوان (ق . ق . ج) .
في قصته " زيارة سريعة " ؛ والتي لفتتْ نظري بشكلٍ خاص جدا ، وشخصيٍّ ، والتي لم أتفقْ معه في وضعها تحت عنوان (ق . ق . ج) حتي وإنْ كانتْ قد كُتبت في عدَّة سطورٍ فهي قصةٌ قصيرةٌ هامة ولافته وتحملُ كلَّ مكوناتِ السرد ، وتحميل اندياح السرد والتكييف علي فضاءاتٍ واسعةٍ للغاية
فهناك الزمان / الرحلة
والمكان / الرحلة في مكان به أحد الآثار الفرعونية القديمة
والشخوص / المدرس ، تمثال رمسيس ، التلاميذ ، الصبي المرسوم
والأفعال/ رغب ، أوقف ، تحركوا ، يتجادلوا ، يشيرون ، يتبول ، يسأل ، رسموا ، نثروا
والخاتمة الفاعلة والفعَّالة في أفق السرد " نثروا حوله قطرات من المياه الملونة " نهاية قصصية رائعة بامتياز وكأنها تحاولُ أن تلونَ الثاني حضاريا ضائعا علي صفحة كراسة الرسم أو أن تقول على استحياء : انتبهوا كثيرا فنحن لم نعد نجيد شيئا سوى أن نبول علي الاشياء الثمينةِ كفعل مضاد، تبدو الصورةُ / القصة ليست ملونةً بل لها رائحة نفَّاذة هي رائحة البول .!
هذه القصة من أجمل القصص القصيرة ، وهي قصة رمزية واقعية يبدو السردُ فيها سيدَ الموقف بلا منازعٍ ، والتكثيفُ هنا قد أحال السردَ إلي براح أوسع وأشمل استطاع الكاتبُ من خلاله أن يقول الكثيرَ وهي من القصص التي ترشَّحُ للترجمةِ إلي لغاتٍ أخرى ؛ إن كان هناك من يهتم بترجمة القصص القصيرة والمصرية منها بخاصة .
في قصة " ايكو " تبدو الأفارقةُ واضحةً والقصةُ كلاسيكية في طريقة تناولها وإن كنتُ تمنيتُ أن يكون ذِكُرُ اللون الأبيض علي لسان البطل ليحملَ دلالاتٍ آخرة كثيرة غير ما تحمله كلمة الطبيب . .
أما قصته " سلاسل الخوف " فقد جاءت بتقنية اعتدنا كتابتَها أو المحاولة في كتابتها فنجح من نجح وأخفق من أخفقَ ؛ وهى تقنيةٌ تحتاج إلي وعيٍ تام بالتقطيع كتقنية قصصية خلال خيط سردي واحد لا ينفلتُ .
١ / أكثر الطائرات أمنا تلك التي يصنعها الطفل بذراعيه
٢ / قيصر عندما لمح الخوف في عيني كليوباترا اتخذها أسيرته للأبد
٣ / سألت صديقي ما أشد ما يخيفك هذه الأيام.؟
٤/ هذه المرة يحاكم بتهمة ازدراء الأديان !!
وكأننا حين نحاول التحليق / الحلم عن طريق الطفل / البراءة ومنذ أيام كيلو باترا / ميراثنا الحضاري وحتي هذه اللحظة لحظة الكتابة / البوح / الحرية يصدمنا الخوف لنفعل فعلتنا في القص بسبب الخوف ونفقد القص بأيدينا وهج الكتابة ونغلق كل منافذ السرد والوهج والتحليق خوفا من التهم الجاهزة والمعلبة كتهمة / ازدراء الأديان.
وسلاسل الخوف لا تقرأ بعيدا عن قصة " حورية " التي تحوي صرخةً عاليةً جدا وكأنَّ الكاتبَ قد ضاق بالمواءمات صحيح أن القصَّ لم يفقد دهشتَه ، ومناورتَه لكن (عادل غنام) قد ضاق ذرعا بالخوف وراح يصرخُ ( اتركونا نكتب ما نشاء لا تجثموا بأجسادكم الثقيلة وأفكاركم الحجرية علي لحظة النور / التنوير / الاستشراف ودعكم من كل هؤلاء الذين قد.... ( الكثير قد يسيء فهمها _ فكرة أن سيدة تؤمُّ الرجالَ في الصلاةِ غريبةٌ ومدلولُها الرمزيُّ صعبُ الفهم ) وحوارُ الذات ، وحيرتها بين ما يريد الكاتبُ وما يريدُ مَن حولَه والذين حتى الآن لم نعرفْ علي وجه اليقين تحديدًا من هم .؟
دعاةُ دينٍ ، دعاةُ جهلٍ وانتكاسةٍ للوراءِ ، قارئٌ متربص بالخطايا ، قارئٌ تبوَّأ مكانًا ليس له ليجعلَ من فهمهِ مقصلةً للوأدِ . ( سيأتي الزمن الذي تقع فيه أحداث قصتك وتخسر نبوءة الأديب ) وما الأدب إلا نبوءة . هذه القصةُ التي تفصح عن كم التنازلات التي مارسناها بسبب الخوف فامتهنا فيه قدرتنا وابداعاتنا . هذه القصة اللافتة بحق والتي بها نفس السيرة الذاتية ، والكتابة الذاتية هي قصة تزعق أمامنا إن كنتم لا تريدون الفهم .
أما قصته ( صينية الحناء ) فهي تجربةُ الحنين في صيغتها الأولي ، والملازمة لكل كاتب بصورة مختلفة ؛ حيث بكارةُ المكان والسفر من مدينة دمنهور إلي مدينة دسوق والسفر من الطفولة إلي التجربة ، والسفر من عين الطفل ، ودهشة الحكي ، والاستفسارات ، والاسئلة الملحة في الحديث مع الأم إلي نضج الفهم والأسى واللوم ( والله لأغني لك يا عريس يا غالي والله لأغنية لك واسهر الليالي ) وكلما استبقي القاص نظرةَ الطفل كلما كان الأقربَ إلي الكتابة المؤثرة مهما كانت التقنية ،
" بدا المشهد كدوران راقصي المولوية في حضرة الأولياء، نتحدُ كجِرمٍ سماويٍّ يسبح في فضاء سرمدي ، نتعدى حدود الزمان والمكان ، تتراقص الشموع ، وتعبق رائحة الورود الروح الهائمة ، أنظر في دموعها؛ فأرى يدًا مازحةً تدفعُ طفلا صغيرا في الهواء فيتهلل من البهجة ؛ تصرخ الأم من الفزع وتحتضنُه معلنةً أنها تريدُه جوارَ قلبها على الأرض " هنا الكاتب يغازل الحكايا ويفر من تقنيات القصة القصيرة إلي بوح الحكايات والتي تأخذ من كل فعلٍ ، ومن كل زمنٍ ومن كلِّ ذكرى بعض منها ثم تعيد لملمةَ ونسج الحكايا يبدو السردُ عاديًّا ، واللغة عادية لكنَّ الحزنَ والفقدَ هو البطلُ الرئيس ؛ اللغة المبطنة يعلو صوتها عن اللغة الظاهرة . " هل وجدتَ هناك من يحبك مثلي.؟ " ، " هل أَنِسَ الغريب غربته " هنا حكاية تحتاج إلي قارئٍ خاصٍ، وقارئٍ عادي لا يهمه كثيرا سوى أنه عاش التجربة ذاتها وأحس بالفقد ذاته .
إن القصص التي تغازل ذاكرةَ القارئ بتفاصيل متشابهةٌ للغاية هي قصص أقرب إلي طقس (صينية الحناء) كلُّ يحملُها ِفوق رأسه وأكتافه بطريقته الخاصة جدا . يزدادُ ثقل صينية الحناء / أشعر الآن بثقل الحمل / أبحث عن أصوات محبِّةٍ تأتي من قريب / أقفُ في سكينة فيتعلقنَ بخَصْري / ترتفع أناملهنَّ الرقيقةُ إلي صينية الحناء / لتكمل الدورةَ ، دورةَ الحياة ودورةَ الحكي بتقنيةِ القصة الدائرية التي تصلُ نهايتُها إلي نقطةِ بدايتها بهدوء شديدٍ مارسَهُ الكاتبُ دونَ أنْ ننتبهَ فقد تُهْنَا في سراديب الحنينِ . .
المجموعةُ بها الكثيرُ ، والكثيرُ للوقوفِ عندهُ ، والكتابةُ عنها باستفاضةٍ .
ولكنَّني لا أحب ارتداءَ مُسوحِ النقادِ ؛ وأظل أردد مرارًا بأنني مجردُ قارئةٍ تبحثُ عن نصٍّ جديدٍ لهؤلاء الذين يحاولونَ فينجحونَ ويخفقون ، هؤلاء الذين يفهمون جيدا معني الاختلاف ومعني الذائقةِ الأديبة الخاصة وأخيرا معني القصة القصيرة ؛ هذا الكائنُ الجميلُ والذي يحبُّ الجمالَ كثيرًا فيبحثُ عن قارئٍ جميلٍ ، وحدَثٍ جميلٍ ، و محاولاتٍ أخرى طازجةٍ وجميلةٍ ، ولا يفوتني أن أُهَنِّئَ الكاتبَ علي الإهداء إلي مَن رغبتْ أنْ تبقى .. حين سكنَ الآخرون الغيابَ ؛ وجعلَ هاءَ هيَ قابلةً لتأويلاتٍ شتى عن الأم والحبيةِ والوطن والكتابة والغربة والحرقة و و و . وأخيرًا " عندما ينعدمُ الزمنُ ، يلتقي الماضي والحاضرُ والمستقبلُ في لحظةٍ واحدةٍ ، يطوفُ فيها الإنسانُ حولَ ذاتِه المبعثرةِ ، متأمِّلا لحظاتِ الصَّخَبِ والسكونِ ، هائمًا بين الظلامِ والنورِ ، يسألُ المَدَدَ ) تظلُّ كلماتُ مفتتحِ (عادل الغنام) عالقةً في ذهنِ المتلقي وهو يسألُ الكلماتِ أن تعطيَهُ المددَ . .!
د / وفاء الحكيم ــ طبيبة أطفال ــ قاصة ــ عضو اتحاد كتاب مصر / سوهاج