الضحك والفكاهة والهزل دواء ذاتي ضد أوصاب الحياة وترياق للروح المتعبة، على اختلاف حالات انزياحاته وشاعريته وجماليته ، و تنوع مفاهيمه الفلسفية عند سقراط ، والادبية لدى الجاحظ . و الاجتماعية كما هو الحال عند جحا ، و العبثية عند برناردشو ، و السياسية لدى احمد السنوسي ، و السيكولوجية لدى هنري برغسون ، الذي نستدل بتعريفه للضحك بوصفه ثورات نفسية على الجانب الخارجي من الحياة الاجتماعية ، و دوافعه و مسوغاته التي تتغير بتغير نفسية الكائن من نصيبه من الأفرح ، والمسرات ، و السرور ، و السخرية ، و المقلب ، و الدعابة السوداء ، و السذاجة ، و الطيبة ، والضحكة الصفراء ، و الضحك على الذقون الذي تتفنن الانظمة في ابتداع أدواته.. وقد تفنن القدماء في غياب وسائل الفرجة والترفيه الى ابتداع طرائق بهجتهم بطرق بريئة وصادقة بعيدا عن البهرجة كما في ايامنا هذه..
والشيخ الوهراني "ذاك المجهول" هكذا يصفه الدكتور عبدالمالك مرتاض.. وهو أبو عبد الله محمد بن محرز بن محمد الوهراني، الملقب بركن الدين، وقيل: جمال الدين.. أديب مغاربي من مدينة وهران بغرب الجزائر عاش في القرن السادس الهجري (16 م )، يكاد ان يكون غير معروف في تواريخ الأدب. ويبقى مجهول الاصل والنسب - لأن معظم الباحثين المعاصرين لا يهتمون إلا بجوانب الجد في الادب القديم، فيما يهملون جوانب الهزل والنكتة والدعابة والسخرية والمزاح - لولا بعض من تناول سيرته من الادباء والمؤرخين، الذين اعترفوا ببراعة كتاباته وخفة دمه وبداعة أسلوبه وتفرده، وخاصة في المنام الكبير الذي أثنى عليه ابن خلكان ثناء كبيرا. قائلا عنه في كتابه "وفيات الأعيان": "أحد الفضلاء الظرفاء، عدل عن طريق الجد وسلك طريق الهزل، وعمل المنامات والرسائل المشهورة به، وفيها دلالة على خفة روحه ورقة حاشيته وكمال ظرفه، ولو لم يكن له فيها إلا المنام الكبير لكفاه، فإنه أتى فيه بكل حلاوة، ولولا طوله لذكرته".
وقال عنه ايضا: " أحد الفضلاء الظرفاء، قدِم من بلاده إلى الديار المصرية في أيام صلاح الدين ـ رحمه الله تعالى ـ وفنه الذي يمُتُّ به صناعة الإنشاء. فلما دخل البلاد ورأى بها القاضي الفاضل وعماد الدين الأصبهاني الكاتب ، وتلك الحلبة علم من نفسه أنه ليس من طبقتهم، ولا تنفق سلعته مع وجودهم، فعدل عن طريق الجد ، وسلك طريق الهزل"
ثم ترجم له الصفدي في كتابه "فوات الوفيات" قائلا: "أحد ظرفاء العالم وأدبائهم. سلك ذاك المنهج الحلو والأنموذج الظريف وعمل المنام المشهور، وعلى الجملة فما كاد يسلم من شر لسانه أحد ممن عاصره، ومن طالع ترسله وقف على العجائب والغرائب".
وقال الدكتور سهيل زكار في تقديمه: "أجاد أخي أبو فراس في عمل كتاب الوهراني المهم تحقيقاً ودراسة، وأخرج، أو لأقل أعاد إخراج الكتاب ضبطاً وشرحاً، ولا شك أنه سيكون لكتاب الوهراني فائدة عظيمة في إخراجه منفرداً مع الدراسة الوافية حول حياته ونشاطاته، ومع الشروح الضرورية للاصطلاحات المتنوعة".
وقال الدكتور منذر الحايك في دراسته: "إن أهمية كتابات الوهراني الحقيقية تنبع من أهمية عصره وما جرى فيه من التحولات السياسية والمذهبية والاجتماعية، وكشفه العديد من الأمراض الاجتماعية: الرشوة واغتصاب المال العام واللواطة والزنا وجلسات المجون التي كان يشارك فيها قضاة وأمراء وتجار، كما أعطانا فكرة عن مشكلات الجواري والغلمان. وهذه كلها أمور كانت شائعة ولكن الأدب الرسمي يسكت عنها. والمدهش في كل ما كتب الوهراني هو جرأته المستغربة في ذلك الزمان، فقد كتب بلهجة من لا يخشى سلطة وزير أو أمير". كما كتب عنه فضل الله العمري في "مسالك الأبصار"، وابن قاضي شهبة في "الأعلام"، والسيوطي في الكتاب المنسوب إليه "الكنز المدفون". أما حديثا فقد كتب عنه محمد كرد علي في المقتبس، وخير الدين الزركلي في الأعلام، وفريد وجدي في "دائرة معارف القرن العشرين"، والدكتور عبد المالك مرتاض في كتابه "فن المقامات في الأدب العربي"، وأبو علي حيدر في مجلة "عيون المقالات" المغربية في عددها السادس والسابع الصادر عام 1987م، وصلاح الدين المنجد في "مجلة المجمع العلمي" في جزئها الأول من المجلد الأربعين، والصادر في يناير عام 1965م، وغنام غنام، وادونيس وغيرهم.
وقد عاش الشيخ ركن الدين الوهراني الذي يحسب على زمرة ظرفاء العرب والمتغابين والمتحامقين مثل ابن سودون ( نور الدين أبو الجسن على ابن سودون العلائى البشبغاوى المصرى )، وعبدالله النباحي، وابو العبر الهاشمي، وابن الجصاص، وابو العنبس الصيمري، وسعد القرقرة وغيرهم من الذين حاولوا التخفيف من ثقل ما طرقوا من مواضيع بنهج ما نصطلح عليه بـــ "الكتابة المريحة" كما يقول الناقد رشيد الخيون، وملؤوا الدنيا مرحا ودعابة وسخرية وقد عاش حياته مرتحلا محبطا من عصره ساخرا من ناسه وعكس كل ذلك في أدبه فكان من أبرع الأدباء.. وتوفي في عام 1575م.. تاركا نصوصا نثرية في صورة منامات ومقامات ورسائـل وخطـب، حققها إبراهيم شعلان ومحمد نغش تحت عنوان: "منامـات الوهراني ومقاماته ورسائله"، وراجعها الدكتور عبد العزيز الأهواني، وصدرن عن دار الكاتب العربـي فـي القاهرة عام 1968م، يتألف من مائتين وسبع وثلاثين صفحة من الحجم المتوسط. وصدر في طبعة اخرى عن منشورات الجمل سنة 1998..
نقوس المهدي
والشيخ الوهراني "ذاك المجهول" هكذا يصفه الدكتور عبدالمالك مرتاض.. وهو أبو عبد الله محمد بن محرز بن محمد الوهراني، الملقب بركن الدين، وقيل: جمال الدين.. أديب مغاربي من مدينة وهران بغرب الجزائر عاش في القرن السادس الهجري (16 م )، يكاد ان يكون غير معروف في تواريخ الأدب. ويبقى مجهول الاصل والنسب - لأن معظم الباحثين المعاصرين لا يهتمون إلا بجوانب الجد في الادب القديم، فيما يهملون جوانب الهزل والنكتة والدعابة والسخرية والمزاح - لولا بعض من تناول سيرته من الادباء والمؤرخين، الذين اعترفوا ببراعة كتاباته وخفة دمه وبداعة أسلوبه وتفرده، وخاصة في المنام الكبير الذي أثنى عليه ابن خلكان ثناء كبيرا. قائلا عنه في كتابه "وفيات الأعيان": "أحد الفضلاء الظرفاء، عدل عن طريق الجد وسلك طريق الهزل، وعمل المنامات والرسائل المشهورة به، وفيها دلالة على خفة روحه ورقة حاشيته وكمال ظرفه، ولو لم يكن له فيها إلا المنام الكبير لكفاه، فإنه أتى فيه بكل حلاوة، ولولا طوله لذكرته".
وقال عنه ايضا: " أحد الفضلاء الظرفاء، قدِم من بلاده إلى الديار المصرية في أيام صلاح الدين ـ رحمه الله تعالى ـ وفنه الذي يمُتُّ به صناعة الإنشاء. فلما دخل البلاد ورأى بها القاضي الفاضل وعماد الدين الأصبهاني الكاتب ، وتلك الحلبة علم من نفسه أنه ليس من طبقتهم، ولا تنفق سلعته مع وجودهم، فعدل عن طريق الجد ، وسلك طريق الهزل"
ثم ترجم له الصفدي في كتابه "فوات الوفيات" قائلا: "أحد ظرفاء العالم وأدبائهم. سلك ذاك المنهج الحلو والأنموذج الظريف وعمل المنام المشهور، وعلى الجملة فما كاد يسلم من شر لسانه أحد ممن عاصره، ومن طالع ترسله وقف على العجائب والغرائب".
وقال الدكتور سهيل زكار في تقديمه: "أجاد أخي أبو فراس في عمل كتاب الوهراني المهم تحقيقاً ودراسة، وأخرج، أو لأقل أعاد إخراج الكتاب ضبطاً وشرحاً، ولا شك أنه سيكون لكتاب الوهراني فائدة عظيمة في إخراجه منفرداً مع الدراسة الوافية حول حياته ونشاطاته، ومع الشروح الضرورية للاصطلاحات المتنوعة".
وقال الدكتور منذر الحايك في دراسته: "إن أهمية كتابات الوهراني الحقيقية تنبع من أهمية عصره وما جرى فيه من التحولات السياسية والمذهبية والاجتماعية، وكشفه العديد من الأمراض الاجتماعية: الرشوة واغتصاب المال العام واللواطة والزنا وجلسات المجون التي كان يشارك فيها قضاة وأمراء وتجار، كما أعطانا فكرة عن مشكلات الجواري والغلمان. وهذه كلها أمور كانت شائعة ولكن الأدب الرسمي يسكت عنها. والمدهش في كل ما كتب الوهراني هو جرأته المستغربة في ذلك الزمان، فقد كتب بلهجة من لا يخشى سلطة وزير أو أمير". كما كتب عنه فضل الله العمري في "مسالك الأبصار"، وابن قاضي شهبة في "الأعلام"، والسيوطي في الكتاب المنسوب إليه "الكنز المدفون". أما حديثا فقد كتب عنه محمد كرد علي في المقتبس، وخير الدين الزركلي في الأعلام، وفريد وجدي في "دائرة معارف القرن العشرين"، والدكتور عبد المالك مرتاض في كتابه "فن المقامات في الأدب العربي"، وأبو علي حيدر في مجلة "عيون المقالات" المغربية في عددها السادس والسابع الصادر عام 1987م، وصلاح الدين المنجد في "مجلة المجمع العلمي" في جزئها الأول من المجلد الأربعين، والصادر في يناير عام 1965م، وغنام غنام، وادونيس وغيرهم.
وقد عاش الشيخ ركن الدين الوهراني الذي يحسب على زمرة ظرفاء العرب والمتغابين والمتحامقين مثل ابن سودون ( نور الدين أبو الجسن على ابن سودون العلائى البشبغاوى المصرى )، وعبدالله النباحي، وابو العبر الهاشمي، وابن الجصاص، وابو العنبس الصيمري، وسعد القرقرة وغيرهم من الذين حاولوا التخفيف من ثقل ما طرقوا من مواضيع بنهج ما نصطلح عليه بـــ "الكتابة المريحة" كما يقول الناقد رشيد الخيون، وملؤوا الدنيا مرحا ودعابة وسخرية وقد عاش حياته مرتحلا محبطا من عصره ساخرا من ناسه وعكس كل ذلك في أدبه فكان من أبرع الأدباء.. وتوفي في عام 1575م.. تاركا نصوصا نثرية في صورة منامات ومقامات ورسائـل وخطـب، حققها إبراهيم شعلان ومحمد نغش تحت عنوان: "منامـات الوهراني ومقاماته ورسائله"، وراجعها الدكتور عبد العزيز الأهواني، وصدرن عن دار الكاتب العربـي فـي القاهرة عام 1968م، يتألف من مائتين وسبع وثلاثين صفحة من الحجم المتوسط. وصدر في طبعة اخرى عن منشورات الجمل سنة 1998..
نقوس المهدي