يعد الأدب الساخر ، في مقابل الأدب الجاد، كل ما يدخل من باب أخبار الندماء والجلساء، والمغنيين/ والظرفأء، والمضحكين والأدباء الذي اشتهر به جمهرة من الأدباء في العصور الاولى مثل عمرو بن بحر الجاحظ خاصة في كتابه البخلاء ومصنفات أخرى لم يترك شيئا الا ذكره فيها، والشخضيات الكاريكاتورية الهزلية في الأدب كما صورها بديع الزمان الهمذاني والحريري والزمخشري في مقاماتهم، وابن الجوزي في أخبار الحمقى والمغفلين، والنيسابوري، والأصمعي، وأبو الأسود الدؤلي.
كما ظهرت بعض المجلات والصحف والدوريات الساخرة في الوطن العربي ابتداء من نهاية القرن التاسع عشر كما يقول الدكتور مصطفى رجب، حيث صدرت بمصر مجلة (أبو نضارة) التى أصدرها يعقوب صنوع فى سنة 1876، ثم أصدر عبدالله النديم سنة 1891 صحيفة “التنكيت والتبكيت“.
ومع مطلع القرن العشرين صدرت مجلات وصحف فكاهية منها (حمارة منيتى) لصاحبها محمد توفيق سنه 1900م. وفى سنه 1907 أصدر أحمد حافظ عوض مجلة (خيال الظل)، ومجلة (السيف ) ثم" السيف والمسامير " لحسين على وأحمد عباس. ومجلة (الكشكول) التى ظهرت سنة 1921 لصاحبها سليمان فوزى،
وفي الشام ظهرت جريدة ( العرفان ) التى كانت تصدر فى صيدا لمؤسسها أحمد عارف الزين، وجريدة ( الخازوق ) التى أصدرها أيام الانتداب الفرنسى الشاعر المهندس فؤاد جرداق شفيق الشاعر جورج جرداق مؤلف قصيدة “ هذه ليلتى “ التى غنتها السيدة أم كلثوم.
وكانت " الخازوق " تستخدم التورية والهمظ واللمز للتحريض بالمحتلين الغرباء
قصة جريدة الكلب:
غير أن أشهر جريدة هي جريدة " الكلب " التى أصدرها فى دمشق الأديب صدقى إسماعيل، والتي لم يكن لها ترلاخيص بل كان يخطها صاحبها بيده ويوزعها على أصدقائه
مثل جريدة جحا الرومي التي صدرت في بغداد سنة 1924، وأوضح مديرها رشيد الصوفي بأنها جريدة أدبيه انتقاديه هزليه مصورة، موضحا سبب إصدار ها: (وبعد، فأن الانسان لا يفتأ من الجد وتحمل مشاق الحياة... وان ادراك الامور والقضايا المراد افهامها يكون أسهل اذا كان بواقعة خارقة للعادة أو نكتة فكاهيه مضحكه ...إلخ)،
ونجد بأن هذا اللون من الأدب قليل التناول من طرف أدبائنا المحدثين لأنه في نظرهم يبعدهم عن جديتهم، ويزيل عنهم صفة الوقار، ويعتبرونه مسخرة.
وفي الشعر نجد الشعر "الحلمنتيشي"، وهو نوع من الشعر الساخر، يقول عنه الدكتور مصطفى رجب بأن أصل المصطلح يعود إلى وجود فرقة تدعى "حلمنتيش"، كانت تعرض نوعا من الشعر الفكاهى، والكلمة منحوتة من كلمتين "حلا" من الحلاوة، و"منتيشي" من «نتش» وهى كلمة عامية تعنى جذب، والنتاش فى العامية المصرية هو «الفشّار» أو الكذاب وبهذا تكون الكلمة تعنى "النتش الحلو"، ويزخر بالمداعبات الهزْلية، والدعابة الطريفة المليئة بالعبرة والمنتقدة لبعض سلوكات الاجتماعية.
ويقول في احدى معارضاته لقصيدة شوقي سلوا قلبي غـداةَ سلا وتابا:
(سلوا قلبي غـداةَ بــكَـيَ انتِـحــابــا
لـعـلَّ لـهُ علـيَ جــيبـيِ عِـتـــابــــــا
و يُـسْأَلُ في المـطـاعِمِ ذو فـلوسٍ
أَبُـفْـتيكـاً يُـفَضِّـلُ أمْ كَــبــابـــــــــا
و لـيِ بينَ الضــلوعِ رفــيقُ سُـــوءٍ
عـليَ طَـعمــيَةٍ كَـتَـبَ الكِـتــابــــــا
يُـعَـاشُـرُهـا ثَلاثَــاً عينـيِ عيــنَـكْ
و لا يخْـشَـيَ مُـفـيداً أو شِـهــابـــا
و منْ يَـغْـتَّـرَ بالدنـيــــا و يَـــرْمَــحْ
إلـيَ الحَـاتِيِ فقـدْ جَـهِـلَ المُـصابـا
فَـإنَّ لـحــومَـهُ تَـأْتــــي بِــلَــيْـــــلٍ
حـمـيــراً نــافِـقَــــاتٍ أو كِــلابَــــا
و مـا شُـفْـنـا سِـوَيَ الحَـــاتِـيِّ دَاءً
و لا غـيـرَ العبـيـطِ بــهِ مُصَــــابـــا
أَرَاكَ إذا حَـلُـمْتَ بِــكُـسْـــكُــسِـيٍ
كَـمَـنْ فَــقَـدَ الأَحِـبَّــةَ و الصِــحـابا
و مـا نَـيْـلُ الكَــــوَارِعِ بـالتَـمَـنِّــــيِ
و لَـكِـنْ يُـؤخَـذُ المَـحْشِـيِ غِـلابَـا
و مَنْ يَعْـدِلْ بِـحُـبِّ الكِشْــكِ شَيـئاً
كَـحُـبِّ الَـلحْـمِ ضَــلَّ هَـوَيً و خَـابَا
فَـلَمْ أَرَ مِـثْــلَ طعْـمِ الكِـشْكِ طَعْمَـاً
و لَـمْ أَرَ غَـيْـرَ بَـابِ العَــدْسِ بَــابــا
و لا عَـظَّـــمْـتُ في دُنْـيــــــــــايَ إلا
(مُـفَـتَّـلَـةً) تُـعِـيـدُ لَـكَ الشَـــبــابـــــا
تُـجَــدِّدُ مـا تَـكَـرْمَــشَ مِــنْ جُـلــــودٍ
و تَـعْـمُـــرُ مِــنْــكَ مــا أَمْـسيَ خَـرابـا!)
وابن سودون عاش في القرن التاسع الهجري بمصر المملوكية ما بين سنوات ( 810 - 868 هـ / 1407 - 1463 م) واسمه الكامل أبو الحسن علي نور الدين بن سودون اليشبغاوي القاهري ثم الدمشقي .. ولد وتعلم بالقاهرة وكان إماماً بأحد المساجد ، وحج مرارا ، وخرج في بعض الغزوات وأم ببعض المساجد، ولكنه سلك في أكثر شعره طريقة غاية في المجون و الهزل و الخلاعة و اشتهر بهذا الامر ، وألف كتاباً بعنوان "نزهة النفوس ومضحك العبوس" بالعامية المصرية الدارجة..
رحل الى دمشق و مات بها له بعض المؤلفات . لكنه مال إلى الهزل والتحامق.. وهو بهذا يكون قد ألف مع جوقة من الكتاب الساخرين منهم أبو العبر الهاشمي ،وركن الدين الوهراني ، وعبدالله النباحي ، وابن الجصاص "الأحمق المرزوق" اشهر تجار بغداد في نهاية المائة الثالثة للهجرة، ونوادره مع ابن الفرات، وابو العنبس الصيمري، وسعد القرقرة، والشيخ عامر الأنبوطي الذي كان يعارض بعض الالفيات والاراجيز وغيرهم، وجحا الذي يمثل دور المغفل اليقظان.
ولابن سودون أسلوب خاص فى الفكاهة فهو يبدأ بدايات فى غاية الجدية لشد الانتباه ثم تجد نفسك فى غمار حكاية مضحكة أو نكتة أو يحكى لك أشياء عادية وهو يوهمك أنه يتحدث عن غرائب الدنيا فتنفجر ضاحكاً..!!
واسلوبه في الدعابة شبيه بالشيخ ركن الدين الوهراني في مقاماته الهزلية وسخريته من ناس عصره
وقد أفرد له د. شوقي ضيف فصلا كاملا في كتابه (الفكاهة في مصر) ، وكذلك فعل الراحل الأستاذ عبد الغني العطري في كتابه (دفاع عن الضحك) وهو يرى أنه من رجال الفكر الذين كان لهم الباع الطويل في الأدب الضاحك, ويذكر أنه ولد في القاهرة سنة 810 للهجرة وعمل إماماً في بعض مساجدها, وانتقل من ثم إلى دمشق وعمل فيها صاحب خيال الظل (كركوز وعيوظ) ومات فيها, وقد انصرف إلى قول الشعر هزلا وسخرية وكتابة النثر فكاهة وتهكما, وصار هذا اللون من الأدب نهجا عرف به, وأقبل الناس على شعره, وصاروا يتناقلونه ويحفظونه بل ويحاكونه.
وقد جمع ابن سودون هذا الشعر في ديوان أضاف إليه طائفة من الحكايات الساخرة وسماه (نزهة النفوس ومضحك العبوس).
ويقول الأستاذ العطري: فإن شعر ابن سودون طريف في بابه يدفعك إلى الابتسام حينا والاغراق في الضحك حينا آخر, وهو يسلك فيه طريق المفارقة إذ يبدأ شعره بالجد ثم لا يلبث أن ينتقل إلى أقصى الفكاهة والسخرية, وهو يلتزم تقرير أمر واقع- يدخل في مجال البديهيات مثل قوله:
كأننا والماء من حولنا = قوم جلوس حولهم ماء.
أو كقوله:
البحر بحر والنخيل نخيـــــــــــل = والفيل فيل والزراف طويل
والأرض أرض والسماء خلافها = والطير في ما بينهن يجول
وإذا تعاصفت الرياح بروضه = فالأرض تثبت والغصون تميل
والماء يمشي فوق رمل قاعه = ويرى لها مهما مشى سيلول
ويحفل ديوان ابن سودون بشعر من هذا القبيل:
عجب عجب عجب عجب = بقر تمشي ولها ذنــــــــب
ولها في بزبزها لبــــــــــن = يبدو للناس إذا حلبـــــــــوا
من اعجب مافي مصر يرى = الكرم يرى فيه العنب
والنخل يرى فيــــــــه بلح = وايضا يرى فيه رطب
والمركب مع ما قد وسعت = في البحر بحبل تنسحب
والناقة لامنقار لهـــــــــــــا = والـوزة ليس لهــــا قنب
والخيمة قال النـــــــاس إذا = نصبت فالحبل لها طنـب
لابد لهــــــــــــــذا من سبب = حزر فزر مــــاذا السبب
لا تغضب يوما إن شتمـت = والناس إذا شتموا غضبوا
زهر الكتان مع البلســـــان = هما لونان ولا كـــــــــــذب
البيض إذا جاعوا أكلـــــوا = والسمر إذا عطشوا شربــوا
كما ظهرت بعض المجلات والصحف والدوريات الساخرة في الوطن العربي ابتداء من نهاية القرن التاسع عشر كما يقول الدكتور مصطفى رجب، حيث صدرت بمصر مجلة (أبو نضارة) التى أصدرها يعقوب صنوع فى سنة 1876، ثم أصدر عبدالله النديم سنة 1891 صحيفة “التنكيت والتبكيت“.
ومع مطلع القرن العشرين صدرت مجلات وصحف فكاهية منها (حمارة منيتى) لصاحبها محمد توفيق سنه 1900م. وفى سنه 1907 أصدر أحمد حافظ عوض مجلة (خيال الظل)، ومجلة (السيف ) ثم" السيف والمسامير " لحسين على وأحمد عباس. ومجلة (الكشكول) التى ظهرت سنة 1921 لصاحبها سليمان فوزى،
وفي الشام ظهرت جريدة ( العرفان ) التى كانت تصدر فى صيدا لمؤسسها أحمد عارف الزين، وجريدة ( الخازوق ) التى أصدرها أيام الانتداب الفرنسى الشاعر المهندس فؤاد جرداق شفيق الشاعر جورج جرداق مؤلف قصيدة “ هذه ليلتى “ التى غنتها السيدة أم كلثوم.
وكانت " الخازوق " تستخدم التورية والهمظ واللمز للتحريض بالمحتلين الغرباء
قصة جريدة الكلب:
غير أن أشهر جريدة هي جريدة " الكلب " التى أصدرها فى دمشق الأديب صدقى إسماعيل، والتي لم يكن لها ترلاخيص بل كان يخطها صاحبها بيده ويوزعها على أصدقائه
مثل جريدة جحا الرومي التي صدرت في بغداد سنة 1924، وأوضح مديرها رشيد الصوفي بأنها جريدة أدبيه انتقاديه هزليه مصورة، موضحا سبب إصدار ها: (وبعد، فأن الانسان لا يفتأ من الجد وتحمل مشاق الحياة... وان ادراك الامور والقضايا المراد افهامها يكون أسهل اذا كان بواقعة خارقة للعادة أو نكتة فكاهيه مضحكه ...إلخ)،
ونجد بأن هذا اللون من الأدب قليل التناول من طرف أدبائنا المحدثين لأنه في نظرهم يبعدهم عن جديتهم، ويزيل عنهم صفة الوقار، ويعتبرونه مسخرة.
وفي الشعر نجد الشعر "الحلمنتيشي"، وهو نوع من الشعر الساخر، يقول عنه الدكتور مصطفى رجب بأن أصل المصطلح يعود إلى وجود فرقة تدعى "حلمنتيش"، كانت تعرض نوعا من الشعر الفكاهى، والكلمة منحوتة من كلمتين "حلا" من الحلاوة، و"منتيشي" من «نتش» وهى كلمة عامية تعنى جذب، والنتاش فى العامية المصرية هو «الفشّار» أو الكذاب وبهذا تكون الكلمة تعنى "النتش الحلو"، ويزخر بالمداعبات الهزْلية، والدعابة الطريفة المليئة بالعبرة والمنتقدة لبعض سلوكات الاجتماعية.
ويقول في احدى معارضاته لقصيدة شوقي سلوا قلبي غـداةَ سلا وتابا:
(سلوا قلبي غـداةَ بــكَـيَ انتِـحــابــا
لـعـلَّ لـهُ علـيَ جــيبـيِ عِـتـــابــــــا
و يُـسْأَلُ في المـطـاعِمِ ذو فـلوسٍ
أَبُـفْـتيكـاً يُـفَضِّـلُ أمْ كَــبــابـــــــــا
و لـيِ بينَ الضــلوعِ رفــيقُ سُـــوءٍ
عـليَ طَـعمــيَةٍ كَـتَـبَ الكِـتــابــــــا
يُـعَـاشُـرُهـا ثَلاثَــاً عينـيِ عيــنَـكْ
و لا يخْـشَـيَ مُـفـيداً أو شِـهــابـــا
و منْ يَـغْـتَّـرَ بالدنـيــــا و يَـــرْمَــحْ
إلـيَ الحَـاتِيِ فقـدْ جَـهِـلَ المُـصابـا
فَـإنَّ لـحــومَـهُ تَـأْتــــي بِــلَــيْـــــلٍ
حـمـيــراً نــافِـقَــــاتٍ أو كِــلابَــــا
و مـا شُـفْـنـا سِـوَيَ الحَـــاتِـيِّ دَاءً
و لا غـيـرَ العبـيـطِ بــهِ مُصَــــابـــا
أَرَاكَ إذا حَـلُـمْتَ بِــكُـسْـــكُــسِـيٍ
كَـمَـنْ فَــقَـدَ الأَحِـبَّــةَ و الصِــحـابا
و مـا نَـيْـلُ الكَــــوَارِعِ بـالتَـمَـنِّــــيِ
و لَـكِـنْ يُـؤخَـذُ المَـحْشِـيِ غِـلابَـا
و مَنْ يَعْـدِلْ بِـحُـبِّ الكِشْــكِ شَيـئاً
كَـحُـبِّ الَـلحْـمِ ضَــلَّ هَـوَيً و خَـابَا
فَـلَمْ أَرَ مِـثْــلَ طعْـمِ الكِـشْكِ طَعْمَـاً
و لَـمْ أَرَ غَـيْـرَ بَـابِ العَــدْسِ بَــابــا
و لا عَـظَّـــمْـتُ في دُنْـيــــــــــايَ إلا
(مُـفَـتَّـلَـةً) تُـعِـيـدُ لَـكَ الشَـــبــابـــــا
تُـجَــدِّدُ مـا تَـكَـرْمَــشَ مِــنْ جُـلــــودٍ
و تَـعْـمُـــرُ مِــنْــكَ مــا أَمْـسيَ خَـرابـا!)
وابن سودون عاش في القرن التاسع الهجري بمصر المملوكية ما بين سنوات ( 810 - 868 هـ / 1407 - 1463 م) واسمه الكامل أبو الحسن علي نور الدين بن سودون اليشبغاوي القاهري ثم الدمشقي .. ولد وتعلم بالقاهرة وكان إماماً بأحد المساجد ، وحج مرارا ، وخرج في بعض الغزوات وأم ببعض المساجد، ولكنه سلك في أكثر شعره طريقة غاية في المجون و الهزل و الخلاعة و اشتهر بهذا الامر ، وألف كتاباً بعنوان "نزهة النفوس ومضحك العبوس" بالعامية المصرية الدارجة..
رحل الى دمشق و مات بها له بعض المؤلفات . لكنه مال إلى الهزل والتحامق.. وهو بهذا يكون قد ألف مع جوقة من الكتاب الساخرين منهم أبو العبر الهاشمي ،وركن الدين الوهراني ، وعبدالله النباحي ، وابن الجصاص "الأحمق المرزوق" اشهر تجار بغداد في نهاية المائة الثالثة للهجرة، ونوادره مع ابن الفرات، وابو العنبس الصيمري، وسعد القرقرة، والشيخ عامر الأنبوطي الذي كان يعارض بعض الالفيات والاراجيز وغيرهم، وجحا الذي يمثل دور المغفل اليقظان.
ولابن سودون أسلوب خاص فى الفكاهة فهو يبدأ بدايات فى غاية الجدية لشد الانتباه ثم تجد نفسك فى غمار حكاية مضحكة أو نكتة أو يحكى لك أشياء عادية وهو يوهمك أنه يتحدث عن غرائب الدنيا فتنفجر ضاحكاً..!!
واسلوبه في الدعابة شبيه بالشيخ ركن الدين الوهراني في مقاماته الهزلية وسخريته من ناس عصره
وقد أفرد له د. شوقي ضيف فصلا كاملا في كتابه (الفكاهة في مصر) ، وكذلك فعل الراحل الأستاذ عبد الغني العطري في كتابه (دفاع عن الضحك) وهو يرى أنه من رجال الفكر الذين كان لهم الباع الطويل في الأدب الضاحك, ويذكر أنه ولد في القاهرة سنة 810 للهجرة وعمل إماماً في بعض مساجدها, وانتقل من ثم إلى دمشق وعمل فيها صاحب خيال الظل (كركوز وعيوظ) ومات فيها, وقد انصرف إلى قول الشعر هزلا وسخرية وكتابة النثر فكاهة وتهكما, وصار هذا اللون من الأدب نهجا عرف به, وأقبل الناس على شعره, وصاروا يتناقلونه ويحفظونه بل ويحاكونه.
وقد جمع ابن سودون هذا الشعر في ديوان أضاف إليه طائفة من الحكايات الساخرة وسماه (نزهة النفوس ومضحك العبوس).
ويقول الأستاذ العطري: فإن شعر ابن سودون طريف في بابه يدفعك إلى الابتسام حينا والاغراق في الضحك حينا آخر, وهو يسلك فيه طريق المفارقة إذ يبدأ شعره بالجد ثم لا يلبث أن ينتقل إلى أقصى الفكاهة والسخرية, وهو يلتزم تقرير أمر واقع- يدخل في مجال البديهيات مثل قوله:
كأننا والماء من حولنا = قوم جلوس حولهم ماء.
أو كقوله:
البحر بحر والنخيل نخيـــــــــــل = والفيل فيل والزراف طويل
والأرض أرض والسماء خلافها = والطير في ما بينهن يجول
وإذا تعاصفت الرياح بروضه = فالأرض تثبت والغصون تميل
والماء يمشي فوق رمل قاعه = ويرى لها مهما مشى سيلول
ويحفل ديوان ابن سودون بشعر من هذا القبيل:
عجب عجب عجب عجب = بقر تمشي ولها ذنــــــــب
ولها في بزبزها لبــــــــــن = يبدو للناس إذا حلبـــــــــوا
من اعجب مافي مصر يرى = الكرم يرى فيه العنب
والنخل يرى فيــــــــه بلح = وايضا يرى فيه رطب
والمركب مع ما قد وسعت = في البحر بحبل تنسحب
والناقة لامنقار لهـــــــــــــا = والـوزة ليس لهــــا قنب
والخيمة قال النـــــــاس إذا = نصبت فالحبل لها طنـب
لابد لهــــــــــــــذا من سبب = حزر فزر مــــاذا السبب
لا تغضب يوما إن شتمـت = والناس إذا شتموا غضبوا
زهر الكتان مع البلســـــان = هما لونان ولا كـــــــــــذب
البيض إذا جاعوا أكلـــــوا = والسمر إذا عطشوا شربــوا