ما زلت مع عزة رشاد الطبيبة التي اختارت تخصص الأطفال والتي كتبت أول أعمالها بعد أن تجاوزت الأربعين عاما فكما رأى بعض النقاد أنها قد تكونت أدبيا بما يكفي لأن تلد أول أعمالها ناضجا فنيا، وإن رأيت أن ذلك التأخير قد شكل عزة رشاد انسانيا ومهنيا بحيث تمكنت منها معاني المهنة التي شغلت بدون وعي أو قصد منها مساحات واسعة من رواياتها ومجموعاتها القصصية، حتى تلك المعاني الصحية والغذائية في قصة لليافعين "رسالة الأمطار"، وهي ولا شك من أولئك الذين تمكنت منهم مهنتهم الإنسانية في مقامها الأول فليس غريبا أن نصفها بأنها "رسالة" ، ومعنى الرسالة / الرمز تكرر كثيرا في أعمال عزة رشاد الأدبية ، ففي حائط غاندي لديها قصة رسائل بظهر الغيب ، وهذه القصة الخاصة باليافعين "رسالة الأمطار" تلك القصة التي تدعو فيها لعدم تأجيل فعل الأعمال الصالحة حتى تتحسن الأحوال والتعجل في فعل الخير كلما اقتربت الفرصة وكأنها تتمثل الحكمة القائلة " لا تؤجل عمل اليوم إلى الغد " فقد فكرت البنت في اعطاء البطانية لبائعة اللبن للانتفاع بها لمواجهة البرد والأمطار ، وهذه القصة موجودة بظلالها في أحب نورا أكره نورهان ، تحت مسمى "المرأة التي تبتسم.. في حُلمي" وهي بائعة زبادي اعتادت أن تطرق باب شقتنا كل يوم، في نفس الموعد، طرقتين متلازمتين، كنت أميزهما بسهولة رغم حداثة سني في ذلك الوقت. " ومثلها مثل بائعة اللبن لا تتكلم ويسيطر عليهما الصمت ، "لم أرها أبداً تبتسم ولا تتجهم ولا تتكلم، حتى أن أمي كانت تحسبها بكماء. فقط كانت تذكرها بحياد وهي تطعمني الزبادي التي ما كنت أستسيغ مذاقها.. وحتى هذه النصيحة موجودة مع بائعة اللبن مع إعطاء قدر من النصح المناسب لليافعين حول الصحة والغذاء اللازم لامتلاكها ". " لازم تاكلي عشان تكبري".،
ولكن بائعة اللبن مغزاها الإنساني الحث على فعل الخير والتعاطف مع الآخرين ، أما بائعة الزبادي فلعل أهداف أخرى إذ تقول المؤلفة :" لمّا أتت البائعة في اليوم التالي قابلتها أمي خالية اليدين، حزرتُ أنها تريد أن تقتصد ليكون معها ما تتبرع به ويحفظ كبرياءها، أخبرَتْ البائعة بأننا لن نأخذ اليوم شيئاً، وطلبت منها أن تأتي في اليوم التالي، فسمعتُ صوت البائعة عميقاً كأنه يخرج من باطن الأرض:
ـ أنا عملت حسابكم، لازم تأخذوها النهارده.
قاطعتها أمي بنبرةٍ حاسمة:
ـ بكره. تعالي بكره. ودفعت الباب.
في تلك اللحظة قامت البائعة بدفع الباب من الجهة الأخرى نحونا، ويبدو أن أمي فوجئت بقوة المرأة، إذ ارتعشت يداها وهي تستجمع قوتها لغلقه، وبينما كان الباب يتأرجح بينهما رأيت خوفاً حقيقياً بعيني أمي لم أره من قبل ولم أتخيله.
كان صوتها متقطعاً وهي تستنجد بي لأساعدها."
وحتى نوع المساعدة كانت البطانية مع بائعة اللبن، ومع بائعة الزبادي "وفي إحدى المرات تحيرت أمي قليلاً ثم أعطتهم بعض الشراشف والأغطية القديمة".
وفي ختام القصتين يحدث تطور في المغزى والدلالة لدى الطفلتين في بائعة اللبن اتجهت لمنح البطانية لأي امرأة أخرى في احتياج للبطانيه فربما لديها مثلها أطفال ينتظرونها مثلبائعة اللبن وما المانع من اعطائها لها " . ومع بائعة الزبادي تختم المؤلفة بقول الطفلة :" فربما تجلس تلك المرأة الآن هانئةً بين أبنائها لا تحمل ضدنا أدنى ضغينة، بينما أحمِّل أنا نفسي غماً لا يُحتمَل". وهذا الإجبار على تكرار القصة حدث نتيجة تطور في معالجة الشخصية فالطفلة الأولى مع بائعة اللبن كانت أكثرفاعلية وتأثيرا وقدرة على العمل ، بينما الطفلة مع بائعة الزبادي كانت سلبية من ناحية الفعل ولهذا سيطرت عليها مشاعر الذنب وقلة الحركة الإيجابية فظهر ذلك في كوابيس وأحلام مزعجة كأنه عقاب الأنا الأعلى للأنا .
ونلاحظ تصالح الطفلة مع الأب في بائعة اللبن فكان يقدم معلومات نافعة ومفيدة لها بينما في بائعة الزبادي كان غائبا بسبب الحرب والمرض واخيرا الموت، وثمة الحقيبة التي انتشرت في أعمال عزة رشاد المختلفة وقد تعددت دلالتها ومفرداتها ورمزيتها حتى غدت الحقيبة وكأنها مخزن أسرار المؤلفة التي صحبتها منذ طفولتها للآن وإن كانت ثقيلة فذلك بفعل الأيام والأحداث. وبلغة التحليل النفسي الحقيبة هي اللاشعور الذي استودعت فيه المؤلفة إحباطاتها وآمالها وأحلامها .
ولكن بائعة اللبن مغزاها الإنساني الحث على فعل الخير والتعاطف مع الآخرين ، أما بائعة الزبادي فلعل أهداف أخرى إذ تقول المؤلفة :" لمّا أتت البائعة في اليوم التالي قابلتها أمي خالية اليدين، حزرتُ أنها تريد أن تقتصد ليكون معها ما تتبرع به ويحفظ كبرياءها، أخبرَتْ البائعة بأننا لن نأخذ اليوم شيئاً، وطلبت منها أن تأتي في اليوم التالي، فسمعتُ صوت البائعة عميقاً كأنه يخرج من باطن الأرض:
ـ أنا عملت حسابكم، لازم تأخذوها النهارده.
قاطعتها أمي بنبرةٍ حاسمة:
ـ بكره. تعالي بكره. ودفعت الباب.
في تلك اللحظة قامت البائعة بدفع الباب من الجهة الأخرى نحونا، ويبدو أن أمي فوجئت بقوة المرأة، إذ ارتعشت يداها وهي تستجمع قوتها لغلقه، وبينما كان الباب يتأرجح بينهما رأيت خوفاً حقيقياً بعيني أمي لم أره من قبل ولم أتخيله.
كان صوتها متقطعاً وهي تستنجد بي لأساعدها."
وحتى نوع المساعدة كانت البطانية مع بائعة اللبن، ومع بائعة الزبادي "وفي إحدى المرات تحيرت أمي قليلاً ثم أعطتهم بعض الشراشف والأغطية القديمة".
وفي ختام القصتين يحدث تطور في المغزى والدلالة لدى الطفلتين في بائعة اللبن اتجهت لمنح البطانية لأي امرأة أخرى في احتياج للبطانيه فربما لديها مثلها أطفال ينتظرونها مثلبائعة اللبن وما المانع من اعطائها لها " . ومع بائعة الزبادي تختم المؤلفة بقول الطفلة :" فربما تجلس تلك المرأة الآن هانئةً بين أبنائها لا تحمل ضدنا أدنى ضغينة، بينما أحمِّل أنا نفسي غماً لا يُحتمَل". وهذا الإجبار على تكرار القصة حدث نتيجة تطور في معالجة الشخصية فالطفلة الأولى مع بائعة اللبن كانت أكثرفاعلية وتأثيرا وقدرة على العمل ، بينما الطفلة مع بائعة الزبادي كانت سلبية من ناحية الفعل ولهذا سيطرت عليها مشاعر الذنب وقلة الحركة الإيجابية فظهر ذلك في كوابيس وأحلام مزعجة كأنه عقاب الأنا الأعلى للأنا .
ونلاحظ تصالح الطفلة مع الأب في بائعة اللبن فكان يقدم معلومات نافعة ومفيدة لها بينما في بائعة الزبادي كان غائبا بسبب الحرب والمرض واخيرا الموت، وثمة الحقيبة التي انتشرت في أعمال عزة رشاد المختلفة وقد تعددت دلالتها ومفرداتها ورمزيتها حتى غدت الحقيبة وكأنها مخزن أسرار المؤلفة التي صحبتها منذ طفولتها للآن وإن كانت ثقيلة فذلك بفعل الأيام والأحداث. وبلغة التحليل النفسي الحقيبة هي اللاشعور الذي استودعت فيه المؤلفة إحباطاتها وآمالها وأحلامها .