عبدالرحيم التدلاوي - قراءة في المجموعة القصصية "لذة العطاء" لنجاة السرار -1-

قيم هذا النص
متابعة
1
عن جامعة المبدعين المغاربة، صدرت المجموعة القصصية "لذة العطاء"للمبدعة المغربية، نجاة السرار، في طبعتها الأولى سنة 2022، وتمتد على مساحة نصية تبلغ مائة صفحة، اشتملت على سبع وخمسين نصا، أغلب عناوينها نكرة مفردة، تأتي بعدها العناوين المكونة من عنصرين، ويكون العنصر الثاني نعتا أو مضافا إليه، فيما جاء عنوانان بتركيب إضافي من الجار والمجرور والمضاف...
عتبتا العنوان والتجنيس:
تحمل صفحة الغلاف الأمامي زخما معرفيا، ودلاليا يتطلب صبر أغواره لاستخراج معانيه، انطلاقا من لونها وما تشتمل عليه من مشمولات كاللوحة الفنية والعنوان والتجنيس، فضلا عن الجهة التي تولت النشر، وهي جامعة المبدعين المغاربة التي قامت بمجهود قيم في تقديم أعمال لأدباء شباب، ولأسماء معروفة على الصعيد الوطني والعربي، ومنهم أديبتنا، نجاة السرار التي جاء اسمها في أعلى الغلاف، بخط صغير أسود اللون، على خلاف العنوان الذي كتب بالأزرق، وبالخط العريض كنوع من لفت انتباه القارئ العابر ليتوقف لحظة متأملا، وقد يغرى بشراء نسخة من العمل المعروض أمامه.
وسأخصص تحليلي للعنوان والتجنيس، تاركا باقي المعطيات لغيري، ومن ضمنها الغلاف الخلفي الذي يحمل اللوحة نفسها في الطرف الأيمن من أعلى الصفحة، ويقابلها صورة المبدعة على الطرف الأيسر، وتحتهما قصة عن طفل مبتور الساقين. وتحت القصة نجد عنوان المجموعة، ثم إطارا مستطيلا باللون الأزرق يتضمن، هو الآخر، لوحة الغلاف الأمامي، وثمن البيع للعموم، والمطبعة التي تطورت كثيرا وصارت مختصة في طباعة الكتب بمختلف مشاربها بطريقة احترافية.
عن العنوان:
يتكون المركب الاسمي للعنوان من كلمتين، وهما: اللذة والعطاء، وإذا كان التعالق بينهما بفعل الإضافة، فإن الكلمة الأولى يمكنها أن تتحرر من الثانية لتصير مفتوحة على التعدد، ويمكنها أن تكون مفردة، تقف لوحدها عنوانا، ويذلك يتسع معناها ويتغذى من التعدد التأويلي الممكن، والمفتوح على الاحتمالات الممكنة، في ما الثانية تخضع للأولى ولا يمكنها أن تستقل بذاتها، وإلا فقدت الكثير من زخمها المطلوب، ومن بين مفقوداتها اللذة، مدار الحديث وعنوانه. فالهدف هو تبيان أن العطاء يجلب اللذة، في ما يمكن أن لا تتولد اللذة من العطاء، إذ لها مصادر متعددة ومتنوعة.
وعليه، فالكلمة الأولى متعددة ومضاعفة، في ما الثانية يقة ومحدودة، وبالرغم من ذلك، تظل محورية بل جوهرية ، لأنها بؤرة العنوان، وهدفه، ثم إن لها بعدا أخلاقيا وإنسانيا، فلا يمكن أن يتحقق العطاء من دون وجود قابض، ومن هنا تلك النفحة الإنسانية القائمة على التعاضد والتعاون..
يستضمر العنوان عنصرين، وهو بالمناسبة، مستل من داخل المجموعة؛ الواهب والقابض، فالواهب يشعر باللذة، فيما يشعر القابض بالسعادة. وتلك السعادة هي التي تنتقل إلى الواهب فيزداد حبورا. ولا قيمة للأعطية إلا حين تجلب السعادة.
وتستدعي اللوحة لوحة مضمرة تناقضها وهي عدم العطاء وبالتالي عدم الشعور باللذة لأنها لا تدرك كنهها بفعل فقدانها للبصر والبصيرة.
وبناء عليه، نحصل على عنصرين متضادي التوجه، الأول غيري في ما الثاني أناني، وتلك الأنانية هي التي جعلت الفعل يتمحور حول الذات، وينغلق عليها، فلا ترى خارجها لتدرك معنى السعادة، إنها تستهلك ذاتها دون أن تشعر بمعاني الحبور والجمال والسعادة. بينما الأولى بعطائها تشعر باللذة وبالتالي بالسعادة لأنها ذاتها منفتحة وممتدة.
عن التجنيس:
جاء أسفل الصفحة بخط أبيض صغير في مستطيل صغير الحجم ذي لون أزرق، هذا اللون الحاضر بكثافة في اللوحة والعنوان والمستطيل.
يضعنا التجنيس أمام معضلة التحديد، فهل المقصود بقصص قصيرة الحجم أم الجنس كما هو متعارف عليه؟ فإن كان على مستوى الحجم، فالأمر بين، نظرا لأن كل النصوص قصيرة لا يتجاوز أطولها ثلاث صفحات، علما أن القصص متفاوتة الطول والحجم. أما إن كان المقصود هو جنس القصة كما هو متعارف عليه، فإن العديد من القصص تنفر من هذا التحديد، وتتمرد عليه، كونها، في حجمها الذي جاءت عليه، يدخلها ضمن الأقصوصة "إجحاف" ص 43. "حرث" ص 22..، وبعضها يقترب من القصة القصيرة جدا "حساء" ص 55."كلمات" ص 47...فضلا عن أن الفهرس يتضمن 57 قصة منبسطة على مساحة نصية تبلغ مائة صفحة، وهو عدد كبير لا نجد مماثلا له إلا في مجموعات القصة القصيرة جدا.
وعليه، فالتجنيس يبدو غير منضبط للمعايير المتعارف عليها، ويجعله يعبرها ليشكل قانونه الخاص الذي يجعل القصص جميعها تحت قبته، وهو مقياس أو معيار الحجم الذي ينطلق من الصفحة الواحدة إلى حدود الثلاث صفحات دون تجاوها، ولا يهمه أن تكون قريبة أو بعيدة عن الأقصوصة والقصة القصيرة جدا، مادامت جميعها تنضوي تحت لواء القص فقط.
التيمات:
تستقي المجموعة موضوعاتها من الواقع، وتشكل لوحات متعددة المشارب تحمل في طياتها رسائل متنوعة، كلها تميل إلى نقد السلوكيات المعوجة، والتنافر الموجود في الواقع بين الذات والمجتمع، وما يتخلل هذا الواقع من أعطاب، كل ذلك بأسلوب بسيط يعتمد السخرية والنقد اللاذع.
وتجدر الإشارة إلى أن مساحة الوجع في المجموعة فسيحة تكاد تستغرقها كاملة، فهي تشير، وانطلاقا، من قصة الغلاف الخلفي، إلى الألم الذي تشعر به الشخصيات، وما ينتابها من غضب جراء تصرفات شاذة إما من أشخاص أو مؤسسات.
والقصص تتوسط الكلام والصمت وترتكز عليهما في بناء معمارها. فأول قصة تعتمد في مستهلها الصوت، أي الكلام. وآخر قصة تختتم بالصمت بعد تبادل النظرات كلغة.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى