عصري فياض - في ماذا يختلف الشعب الليبي ؟؟

منذ أن أعلن عن اللقاء التطبيعي الاول بين وزير خارجية ليبيا نجلاء المنقوش ووزير خارجية " اسرائيل" ايلي كوهين في ايطاليا،انفجر الغضب في الشارع الليبي احتجاجا ورفضا لهذا اللقاء،واستنكارا لأي تطبيع مع دول الاحتلال تماشيا مع ثقافة الشعب العربي الليبي،وانسجاما مع القانون الذي يجرم التطبيع في الدستور الذي اقر في العام 1957،وإهتزت حكومة عبد الحميد الدبيبة المنتهية الصلاحية التي تعتبر المنقوش رئيسة دبلوماسيتها،واستقال وزير الداخلية محمد الشيخ،وأقصيت هي من منصبها،ودعي لتشكيل لجنة تحقيق،كما قام الدبيبة بزيارة السفارة الفلسطينية في خطوة يؤكد فيها رفض حكومته لأي خطوة تطبيع مع "اسرائيل"،وعلى تمسكه بسياسة بلاده في هذا الشأن.
ولكن السؤال ليس فيما اذا كان الدبيبة صادقا أو كاذبا في نفيه لعلمه في هذا اللقاء،بل السؤال لماذا لم نرى الشعوب العربية الاخرى التي طبعت حكوماتها أو انظمتها مع " اسرائيل" مثل الامارات والمغرب والسودان تخرج للشوارع وترفض التطبيع مع " اسرائيل" ؟ هل هو الاستبداد والحكم الجبري وتكميم الافواه وغياب الديمقراطية وحرية التعبير فقط ؟
حسب تقديري المتواضع ليس كل الامر سببه الاستبداد فقط،بل هناك اسباب أخرى قد تتحمل فيها الشعوب بعض الاثم والذنب في التطبيع،فكثير من شعوبنا العربية،وبفعل عوامل كثيرة غيبت القضية الفلسطينية في ثقافتها، وأصبحت امرا ثانويا في حياتها،خاصة بعد أن عقدت انظمة مثل مصر والأردن و م ت ف ولاحقا الامارات والبحرين وسلطنة عمان والمغرب اتفاقيات وأقامت علاقات مع " إسرائيل بنسب متفاوتة،حتى دون أن تقدم " اسرائيل" أي شيء لشعب فلسطين ولقضيته العادلة،وحتى الدول التي تغازل التطبيع وتقطع فيه اشواطا تمهيدا لإطلاقه بشكل كامل مثل السعودية،والتي يتحتم عليها كدولة كبرى ووزانه أم تقدم للشعب الفلسطيني وقضيته شيئا على هامش صفقة التطبيع المنتظرة تشترط اعادة تقدم الدعم المالي للسلطة الذي توقف منذ العام 2015 ان تقوم السلطة ببسط سيطرتها على الضفة،أي مكافحة الظواهر الشبابية المقاومة للاحتلال حسب ما اوردته مجلة ول استريت جورنال الامريكية في عددها الصادر تاريخ التاسع والعشرين من الجاري،ليأخذ التطبيع منحا جديدا وغير مسبوق في دفع السلطة الفلسطينية للصدام مع شعبها تحقيقا لرغبة " اسرائيل" والولايات المتحدة بالدرجة الاولى.
وإذا ما طبعت السعودية بشكل رسمي وعلني فإن دولا عربية واسلامية ستتبعها،وأن السعودية وهذه الدول على الاغلب لن ترى تحرك جماهيري رافض لمثل هذه الخطوة،كما حصل في بلدان عربية طبعت حديثا وقديما.
إن تحرك الشعب الليبي في هذه المسألة كان كطير يخرج خارج السرب،لكن هذا الطير الذي اصاب المسير واخطأ باقي السرب الاتجاه يدل على أن قضية فلسطين وشعبها لا زالت تسكن وجدانه كهمٍّ اول،بالرغم مما عانه هذا الشعب خلال ألاثني عشر عاما الماضية من ثورات واحتراب وأزمات ولا يزال،وان هذا الشعب الجدير بالاحترام والتقدير إذا ما أضيف لشعوب وحكومات لم تطبع مع دولة " الاحتلال" مثل الجزائر والعراق واليمن وسوريا ولبنان والكويت،فإنه سيشكل كتلة صلبة من حكومات وشعوب عربية حيّة لا زالت تتمسك بالحقوق العربية والفلسطينية الثابتة،وان هذه الشعوب والحكومات لم ولن تخضع للابتزاز والإغراءات الامريكية والغربية،بل أنها ممكن أن تشكل كتلة موحدة تحت شعار"دول رفض التطبيع العربية"،وأنها بموقفها وتمسكها بمواقفها قد تحي شعوبا عربية أخرى قبلت بالتطبيع كأمر مفروض أو تعاملت معه،وسيساعد في ذلك عدة عوامل منها تبدد اوهام وعودات التطبيع التي ترعاها الولايات المتحدة والدول الغربية خاصة لجهة الاوضاع الاقتصادية،والوعود الكاذبة في ايجاد حل للقضية الفلسطينية،او على الاقل تحسين أوضاع الشعب الفلسطيني الواقع تحت الاحتلال في ظل تنامي العنصرية والتطرف في المجتمع " الاسرائيلي" الذي يرفض الاعتراف حتى بأدنى الحقوق الانسانية لشعب فلسطين.
لقد اعاد الليبيون من خلال حركتهم التي قاموا بها الامل في شعوب الامة،وأعادوا الاحساس بأنه يمكن المراهنة عليهم وعلى غيرهم ممن يحملون مشاعرهم وعزمهم وارادتهم في أن يكونوا عونا لشعب فلسطين وقضيته في وقت عز الناصر والمساند الا من رحم ربي.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى