ليلى تباني - قراءة في رواية "أحلام ورؤى" للمبدعة الجزائرية فوزية بن عميرة

نصيبك في حياتك من حبيب = نصيبك في منامك من خيال
كأنّ الموت لم يفجع بنفس = ولم يخطر لمخلوق ببال

بين الحقيقة والحُلُم خيط رفيع هو وهم الحياة، خيط فاصل حادّ مؤلم . إنّنا ندرك حقيقة ذلك لكنّنا نستمر بإيهام أنفسنا بأنّ الأحلام يمكن أن تكون رؤى كما يمكنها أن تتحقق على أرض الواقع ، ونشهدها تحدث أمام أعيننا ، حتى إن لم تتحقق عاجلا نستمرّ في تصديق رؤانا فتترهّل أوهامنا ويشدّ حدسنا ويعقد العزم على أن يجعلنا نسلّم بالأقدار التي أشار لنا بها الله في أحلامنا ، فإن حدث و خِفنا من تلك الأحلام إن كانت مزعجة ، نستمرّ بتعذيب أنفسنا فيؤرّقنا السهر ، فتفر منّا الرؤى ونأوي إلى أحلام اليقظة .
كان ذلك تماما ما حدث مع كاتبتنا وهي تروي سيرة حياتها ضمن أسرتها وعائلتها من خلال روايتها " أحلام ورؤى " ، روايتها الأولى التي صدرت في أفريل 2023 في طبعتها الأولى عن دار المثقّف للنشر ــــ باتنة ـــ الجزائر ، فجاءت في مائة وخمسين صفحة ، ضمن غلاف بتصميم ذكي دالّ يوافق محتوى الرواية ويشير إيحاء إلى العنوان ويُعَد امتدادا له. استخدم المصمّم الصور المرئية والرموز للتعبير عن جوانب عديدة من الرواية ، مازجا بين اللّونين البنّي الداكن الذي يعبّر عن اللّيل والأحلام ، وتتوسّط المشهد نافذة بنور مشعّ تتّجه الحمامة البيضاء نحوه ، لتشي بانفراج بعد عتمة وجنّة لمن توفاهم الله ممن قضوا من شخصيات الرّواية . فهو بذلك يستدرج القارئ من خلال تصميمه بشغف لولوج المتن .
أحلام ورؤى .....رواية سُرِدت في معظمها على لسان راويتها وبطلتها بضمير "الأنا" و في جزء منها بضميري "الهو " و "الهي " ، لتثبت للقارء شجاعتها في استعراض وحشة ما أصابها ، ورضاها بالابتلاءات التي سطّرتها الأقدار لها ولمن يحيطون بها . فلم تكن الأحلام إلاّ بطلة روايتنا في هيأتها التي أرادتها ، ولم تكن الرؤى سوى نبوءاتها وحدسها الذي يلازمها ، ويصرّ على أن يكون حقيقة تعيشها وفق حتمية الرضا بما كتب اللّه و الأمل في غد أفضل . تدور أحداث القصّة ضمن أمكنة متباعدة ومتباينة الصفات والمعطيات بين بلاد القبائل وبلاد الشاوية .
مقران والدها المجاهد الشجاع الذي واكب الثورة التحريرية وعانى ويلات الاستعمار كغيره من إخوانه الجزائريين ، وعانى مقابل ذلك مرارة اليتم وقهر زوجة عمّه ، فضربة الفأس كانت تتويجا للسعات لسانها وفضاضة معاملتها ، فتمر الأيام ويجد مقران ــ الذي هو والد أحلام ــ بين امرأتين وسجال أحقيتهما فيه وجدارة إحداهما به ، هو قيد تيار الجذب والدفع ، بين واجبه كزوح لزوجته القبائلية " مليكة " و أولادها ، و زوجته الشّاوية الوافدة الجديدة " جازية " ، بحكم سنوات عمله في عين البيضاء تعرّف عليها وهي رفقة ابنها وأختها "جهيدة " ، جنّ بجمالها وسحر انوثتها وقرّر ان تكون له زوجة ثانية ، وهنا تأجّجت أحداث الرواية ، حيث الحرب النفسية التي تدور رحاها في حوش اشتراه كي يجمع بين الزوجتين واولادهما ، فكانت " جازية" المرأة التى إختارت أن تكون فى الظل ، بعيدة عن عين الزوجة الأولى التى ترك الزوج نارها ليرتمى فى أحضانها ، وهو يمنّي نفسه بعودة أيام النعيم والراحة التى ظل يبحث عنها كثيرا ، بعدما تاهت وسط صراخ الأطفال وإهمال زوجة القبائلية له ، فهى تحولت من صورة الزوجة والعشيقة والمحبوبة إلى صورة الزوجة الأم التى لا تكرّس وقتها وإهتمامها إلا لرعاية أطفالها ، وتتحوّل علاقتهما إلى ملل وموت شبيه بالحياة ، تمرّ الأيام والسنين ولا تكلّ "مليكة " عن مراودة زوجها ومحاولة استرجاعه إلى حضنها ، وتتفوّق في مسعاها إلى درجة يهمل مقران فيها جازية تماما ، فيتجاهل واجبه المادي اتجاهها . ترى أحلام رؤيا تلوّح بشؤم وشيك ، يعقبه مرض جازية ووفاتها ، ليخلو المجال لمليكة القبائلية فتنفرد بزوجها مقران دون رادع ضمير ولا ثقل مسؤولية تتوالى الأحداث و تمرّ الأيام ، ولا تنفكّ الرؤى ترافق أحلام إلى أن يخصّها القدر بمرارة أخرى تضاف إلى مراراتها وفجائعها ، ليخطف الموت منها والدها مقران ، و يعقد الحزن ميثاقا ، فها هو يزورها ولا يفارقها إلا قليلا ، لكن الله الرحمن الرحيم ، قد رحمها بأن منّ عليها بالصبر إثر فقد أخيها " رحيم " الأسمر الجمايكي الذي دهسته سيارة أودت بحياته ، رحمة الله تجلت في ان رزقها بمولود بهي سمته على اسم اخيها المتوفى ، طالت رؤى أحلام ، وطال معها حزنها وصبرها ، لكنّه وبالمقابل فاضت لطائف الرحمن وشملتها بالسكينة والصبر والتحدّي والرضوخ لحكم القادر القوي واستطاعت مواصلة المسير رغم كل الخيبات والخذلان ، فتوفق في لم شمل اخوتها من زوجة أبيها و أخوتها الأشقاء ، و ينعم الكلّ بحياة التفاهم والتجاهل .
نهاية و بداية
تراودنا أحلامنا بدون سابق انذار في وسط حشود من الأضغاث فتجعلنا في موقف الوجِل المترقب ، المؤمن المحصّن ، فما نراه من خيالات وأوهام قد نبوح بها وقد نخجل منها. وقد تكون الرؤى مقدّمات تنذر بفاجعة لاحقة تخفّف من وطأة وقوعها ، ليعيش الانسان عمره بين الحلم والواقع ، حتى يكتشف أخيرا أنّه انتقل من وهم إلى وهم.. و يقتنع بعد عسر مسير أن الحياة أوهام نتعلق بأسبابها ونعيش في رحابها و انّ الآمال أحلام مؤجّلة تسير بنا قدما نحو الحقيقة المطلقة و هي الحياة الأخرى .

بقلم : ليلى تبّاني من الجزائر .

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى