زهرا زواريان - غزال ضائعة*.. ترجمة د.ندى حسون

تجلسين أمام المرآة وبمنديل أبيض تمسحين بقع المرآة.‏
تصبح صورتك صافية في المرآة، تنزعين اللفافات من شعرك تأخذين المشط وتصففين شعرك.‏
وتجعلين من غرّتك حلقات على جبينك، وترتبين أطراف شعرك الأشقر الطويل على كتفيك وتنثريه حول عنقك.‏
تأخذين مرآة صغيرة وتنظرين شعرك من الخلف في مرآة طاولة التواليت، يبرق الرضا في عينيك، تنادين غزالاً: " غزال" .‏
لا تسمعين جواباً، لا تسمعين غير صوت البائع المتجول الذي يرغب في شراء ملابس قديمة.‏
" نشتري لباساً قديم" .‏
يزعجك صوت البائع المتجول، تذكرين أنك أرسلت غزالاً إلى بيت السيدة رباب لتلعب مع ابنتها سحر.‏
يهدأ قلبك وتعودين إلى المرآة ثانية، تأخذين مثبّت الشعر، تغلقين عينيك، وترشين على شعرك.‏
إن حفل عقد القران سيقام في الخامسة بعد الظهر، ومن الممكن أن يفسد تزيين شعرك حتى ذاك الوقت!‏
تفتحين علبة أدوات التجميل وتضعينها على ساقيك، تضعين طبقة دهنية على وجهك، بعد ذلك مكياجاً سائلاً تدهنين به وجهك، تتلذذين بدهن وجهك.‏
كلما جلست أمام المرآة، تنظرين إلى نفسك أكثر في كل لحظة تحدّقين وتتلذذين بجمالك.‏
إنك تلتذين بمحيط طاولة التواليت بشدة، أكثر من تلذذك بممارسة الرسم على القماش، وتستفيدين من الألوان الزاهية وحدها للتلوين، وفي لوحات ذهنك لا يُرى أي لون داكن أو رمادي، حتى السماء لم تجعليها غائمة، بل جعلتها سماءً مشمسة، مع آلاف الآلاف من الطيور التي تلتمع في أشعة الشمس، وتحلق بجناحيها بنشاط في السماء اللامتناهية، وترين في وجهها نشاطاً كنشاط غزال المتوردة الوجنة اللطيفة، وتعقدين في قلبك آلاف الآمال، وفي كل لحظة تزيدين الألوان في لوحة ذهنك، ومن كل زاوية تستثمرين لوحة وتضعين تصويراً، لقد رسمت كل العصافير بألوان زاهية.‏
تأخذين الروميل لتجملي أهدابك، تضعين الروميل بهدوء، تزينين أسفل جفنيك بقلم الكحل كما يحب " بهمن" فيصبح جمالك فتاناً. تعطي شعرك شيئاً من التجعيد وتدنين وجهك من المرآة، تنهضين في مكانك، تتمنين لو تجملي غزالاً، أن ترسمي خطاً بنياً على عينيها، أن تلوني وجنتيها بالأحمر، أن تجعليهما حمراوين، أن تجعلي شفتيها حمراوين بقلم الشفاه، أن ترسميها تماماً كما تحبين وكما تحلمين.‏
تنهضين من مكانك، تطلين من النافذة بحثاً عن غزال، تناديها بصوت عال من باحة منزل السيدة رباب، تنادين: " غزال" .‏
لا أحد في المنزل. الماء ملأ الحوض حتى أعلاه والهرة الصغيرة تحاول أن تتسلق الشجرة.‏
تنادين ثانية: " غزال" لا أحد يجيب.‏
تنادين عدة مرات، تصرخين، تطل السيدة رباب ببرود من الغرفة، تقول: "غزال ليست هنا!" .‏
تقولين بدهشة: " ليست هناك! إذن أين؟" .‏
تقول: " لقد أتت إلى المنزل قبل ربع ساعة" .‏
تضطربين، تفتشين الغرف كلها، تطرقين باب المطبخ، تذهبين نحو الممر، تصرخين: " غزال" .‏
لا تسمعين جواباً غير السكوت، صوت دقات الساعة يزعجك، في عجل تهرعين نحو باب البيت، تفتحين الباب تجرين إلى الحي صارخة رغماً عنك: " غزال" .‏
ينظر إليك عابرو الحي بتعجب، يتلذذ بعضهم برؤية وجهك المزين وشعرك، إنك مضطربة إلى حد لم تنتبهي معه إلى أنك تركضين بملابس المنزل.‏
يرمقك العابرون بنظراتهم، تطرقين باب بيت السيدة رباب، تفتح رباب الباب مضطربة وتفاجأ برؤيتك مضطربة هكذا، تتراجع إلى الخلف، تقولين دون اهتمام بحيرتها: " غزال ليست هنا!" .‏
تقول السيدة رباب ببرود وقد بهتت وشحب لونها: " ذهبت إلى البيت قبل ربع ساعة" .‏
تقولين: " ليست في البيت" تبكين وتضربين رأسك. تجري سحر أمامك بسرعة، تضغطين أكتاف سحر بشدة، وتقولين: " أين هي غزال؟" .‏
تقول باستحياء: " ذهبت إلى البيت، قالت إنها ستذهب إلى حفل العرس" .‏
تصرخين رغماً عنك وتركضين، تصرخين: " طفلتي" تجلسين القرفصاء وتبكين في الحي.‏
يلتف عابرو الطريق حولك، يقترب منك قاسم صاحب البقالية يقول: " ما الذي جرى يا سيدتي؟" .‏
تسندين رأسك إلى الجدار وتقولين: " طفلتي لم أجدها!" .‏
فتكسر اللوحة المرسومة في ذهنك وتسقط قطعة قطعة على الأرض، " غزال التي هي كل ما أملك قد ضاعت" .‏
يقول السيد قاسم: " هل أنت متأكدة أنها ليست في البيت؟" .‏
تقولين بحيرة واضطراب: " لقد بحثت في كل مكان" .‏
وتتذكرين " بهمن" الذي سيعود إلى البيت بعد ساعة، لا تعرفين ما ستقولين له!‏
تصرخ السيدة رباب: " أخبروا الشرطة" .‏
يسأل قاسم: " هل في مكان عمل زوجك هاتف؟" .‏
لا تجيبينه، تنهضين من مكانك، وتركضين نحو البيوت والدكاكين، ينهمر الدمع من عينيك ولا يتوقف. لقد وقف أصحاب الدكاكين أمام دكاكينهم، تسألينهم واحداً واحداً: " ألم تروا غزالاً؟ بنت في الرابعة من عمرها شعرها طويل كستناوي وشفتاها تبتسمان دائما" .‏
ينظر إليك أصحاب الدكاكين بحيرة يهزون رؤوسهم بخجل، تذهبين إلى أبواب الجيران وتكررين السؤال عليهم واحداً واحداً: " ألم تروا غزالاً؟ بنتاً في الرابعة من عمرها شعرها طويل أشقر وكستناوي وشفتاها تبتسمان دائما" .‏
وتذكرين أنها كانت تلبس ثوباً وردياً، وأن شعرها قد ضفر ضفيرتين على كتفيها، وفي النهاية، تتحيرين ولا تعرفين ماذا عليك أن تفعلي!‏
يصرخ أحد الأشخاص: " ربما وقعت في الحوض" .‏
لم يكن قد أتمّ كلامه حين أسرع قاسم إلى البيت وألقى بنفسه في الحوض وبحث في قاعه، نظرت إليه بعين ملؤها الأمل.‏
بعد لحظات تعالى صوت سيارة الشرطة، تصرخين رغماً عنك تشدين شعرك، تطرق أنفك رائحة مثبت الشعر.‏
يقف الشرطي أمامك حائراً، تنفرين من نفسك، تشعرين أنك وحيدة، وحيدة، وحيدة.‏
يسأل: " أين ضاعت ابنتك؟" .‏
تفقدين توازنك وتبكين: " بنت في الرابعة من عمرها ذات شعر طويل مضفور وشفتين باسمتين دائما" .‏
تقولين: " يا سيدي! ألم تر غزالاً؟" .‏
يقول الشرطي وقد تلون لتأثره: " اهدئي ياسيدتي! أوضحي لنا أين ضاعت ابنتك؟" .‏
ترفعين رأسك، تختلط قطرات دموعك بالكحل والروميل وتصبغ وجهك بالسواد، تقولين بحيرة: " أعني يا سيدي" .‏
تسرع السيدة رباب لمساعدتك تتجه إلى الشرطي وتقول: " كانت تلعب في منزلنا مع ابنتي سحر، لقد أتت إلى منزلنا لكن لا أعرف ما الذي حدث!" .‏
وينظر إلى سحر بحيرة ودهشة ويقول: " سحر! ألم تقل غزال أين ستذهب؟" .‏
تجيب سحر: " أرادت أن تذهب إلى العرس" .‏
يقول ذلك الشرطي بلهجة هادئة ورزينة: " ألم تسمعي صوتاً في البيت؟" .‏
تقولين: " كان باب البيت مفتوح" ، تديرين رأسك إلى الجدار وتقولين: " غزال" وتبكين.‏
يرمقك رجل وامرأة كانا قد اجتمعا مع الناس حولك بدقة وتبكي بعض النسوة بهدوء، تحاول السيدة رباب أن تسقيك كأساً من الماء، تبعدين الكأس وتمتصين قطرات دموعك، كانت غزال كل آمالك والآن قد أضعتها، أين ستجدين ضالتك؟ تضغطين على نفسك، تفكرين كيف ستجدين ضالتك؟‏
بعد لحظات يدخل بهمن مضطرباً، يهجم نحوك يرفع يده ليصفع وجهك، تمنعه السيدة رباب.‏
يقول الشرطي: " اهدأ يا سيدي" .‏
يصرخ بهمن: " إنني أشتكي يا سيدي، هذه المرأة ليست أماً، إنها جانية، مجرمة، لم تدع ابنتي تنم ليلة الأمس، لقد أجلستها أمامها وجمّلتها، لم تنم ابنتي ليلة الأمس حتى الصباح، لقد اختطفوها، لقد اختطفوا ابنتي الجميلة" .‏
يتأجج غضباً ويهجم نحوك.‏
تملأ الدموع عينيك وتستولي الوحشة على وجودك، لم يكن بهمن يوماً ما قاسياً ومضطرباً كما هو الآن.‏
يقول للشرطي: " الآن ماذا سأفعل يا سيدي؟" .‏
وأخذه الشرطي جانباً، يهمس في أذنه، تتكئين برأسك إلى كتف السيدة رباب وتنظرين حولك باضطراب، ترين غزالاً تركض نحوك وتلقي بنفسها في حضنك، تقبّل وجهك وتقول: " أتحبيني يا أمي؟" .‏
تصبح عيناك مليئة بالدموع، وتتمتمين: " أحبك يا عزيزتي" .‏
تستجمعين قطع لوحتك في ذهنك ثانية، وتخلقين منها منظراً جديداً، يقترب منك بهمن ويقول لك: " هل بحثت في بيت السيدة رباب؟" .‏
تنظرين إلى بهمن بدهشة: " لا" .‏
يبتسم الشرطي ويشير إلى العسكريين، تركض السيدة رباب مضطربة نحو بيتها وتقول: " تفضل يا سيدي ابحث جيدا" وتخفي غضبها.‏
عندما ينتهي البحث في بيت السيدة رباب يأمر الشرطي بالبحث في الدكاكين والبيوت المجاورة، تسحب السيدة رباب سحر إلى الداخل وتغلق باب الدار بغيظ. يصيح الجيران غاضبين واحداً واحداً ويغلقون الباب بشدة بعد خروج الشرطي.‏
ما زلت تنظرين حولك بتعب وحيرة وترين عيني غزال حائرة باحثة عنك. أصبح حولك خالياً يطلب الشرطي منك ومن بهمن أن تذهبا إلى قسم الشرطة.‏
تمتنعين لكن بهمن يذهب ليتم التقرير، وعندما يغلق باب البيت تبقين وحيدة، والبيت خالياً وغزال ضائعة.‏
تنهضين من مكانك متعبة حائرة تذهبين إلى غرفة غزال، تقفين أمام خزانتها وتنظرين بحسرة إلى ألعابها.‏
لقد اشتريت هذه الألعاب واحدة بواحدة بألف أمل وأمل من أجل غزال، تفتحين باب الخزانة، تخرجين لباسها وتشتمّين، تحسين بغزال قريبة منك لكن لا ترينها.‏
تأخذين ثوب غزال الأزرق الذي تحبينه في حضنك تذهبين نحو النافذة باكية، ربما تجدين خبراً من غزال، لكن تسمّرين في مكانك، لا تصدقين، تفتحين عينيك وتغمضيهما عدة مرات، ترين غزالاً وقد استلقت بهدوء على سريرها وقد تبعثر شعرها على وجهها.‏
تركضين صارخة غاضبة وتأخذين غزالاً في حضنك بقوة.‏

ترجمة د.ندى حسون

تعليقات

لا توجد تعليقات.

هذا النص

ملف
في الأدب الفارسي
المشاهدات
386
آخر تحديث
أعلى