المتشابهون , رواية صدرت عن مكتبة (سمير منصور) للطباعة والنشر والتوزيع - مصر - عام 2023 .
وهنا لابدّ من الإشارة لحيثية البناء الموضوعي للرواية , فهو قائم على ما يُعرف بـ(لغة السرد الواقعي) ؛ بوصف المسرود ينتمي إلى اللغة المرآوية للواقع , و التي تهدف إلى نقل الكينونة الاجتماعية وتصويرها ؛ بغية تحويل تلك الصور والمشاهد الفنية إلى رسائل موجهة للمتلقي ( القارئ ) .
لنبدأ من العنوان ؛ بوصفه عتبة النص ونصه الموازي بحسب المنهج السيميائي ؛ وعليه يمكننا القول أنّ ملفوظ العنوان في رواية ( المتشابهون) , ورد لتجسيد الوظيفة الأولى للعنونة (العتبة النصية) , بمعنى جاء مدخلاَ للنص ذاته ؛ من هنا القيمة والمفهوم لتلك اللفظة كانت الخطوة الأولى لفهم رؤيوية (فكرة) صاحب النص, إذ نجد ما جاد نسيج السرد هو فكرة ( التشابه) او المحاكاة .
السؤال : أي تشابه حاول الروائي تسليط الضوء عليه سردياَ ؟ فالتشابهات كثيرة ومتنوع في حياتنا , هذا التشابه في نظر المتلقي في حكم المجهول ؛ والسبب ورود العنوان بلفظة مفرد دون الاضافة لآخرة ؛ وعيله طبيعة التوظيف الدلالي للعنونة مع النص غير مكتشفة بشكل كامل , تأسيساً على هذا يمكننا القول : حاول الروائي زرع متعة معرفة هذا النوع من التشابه من خلال اتمام قراءة الرواية .
التشابه الذي يصبو له صاحب النص الأديب (أحمد طايل) , هو تشابه ( القيمة الاجتماعية) , والبحث عنها في طيات الذكرة والحضور ؛ لأنّه يرى أنّ واقعنا أمسى بأشد الحاجة لهذا المحفز الخُلقي ؛ بوصفه أحد أركان بناء المجتمع الناجح , و الذي كان يتحلى بها المجتمع العربية لعقود مضت , ففي حوار مع زوجته (ناهد) يقول الراوي :
( تناولا الغداء بين حوارات عن أيام خوالٍ مضت, عن بعض مواقف مرة بهم...) .
فكرة ( فقدان التشابه العائلي ونظامه ) الذي يتسم بالألفة والمودة والتواصل مع الأب والأم وجّد , هذا التواصل وعدم التفرقة , الذي هو مدعاة لبقاء جذور الأسرة مترابطة , فالأبن سابقاً مع زواجه , يبقى قريباً من عائلته الأم؛ بهدف التكاتف والتعاون وزرع السعادة للأب وجّد , فضلاً عن هذا التواجد للأبناء بعد الزواج يتيح للأجداد النظر بوجه الأحفاد , وهذا مدعاة للسرور لأنّ الجد سيشعر في آخر أيام حياته بأنّ موجود الأحفاد ما هو إلا امتداد له في هذه لحياة , يتابع سلوك الأحفاد بفرح غامر ؛ كي يضمن السير على مبادئه الايجابية والشعور بالفخر بهم , هكذا كانت طبيعة العائلة سابقاً , فمع نمو قناعة عزلة الابن بعد الزواج وتفاقم هذه الظاهرة الاجتماعية , فيها خروج عن المبادئ الأصلية للـ( العائلة الأم ) في نظر الروائي , وهذا السلوك لا ينسجم مع ثيمة تشابه للماضي , تقول الزوجة( ناهد) وهى تتحاور مع زوجها :
هل من العدل أن نتعب ونسهر الليالي , نكبّر ونحلم بهم معنا لا يغادروننا , وعندما نصل لمحطة الحلم واكتمال تحقيقه , تأتي الزوجات وتبتعد بهم؟ , صحيح هي الحياة , فقط الحياة يجب أن تكون رحيمة بنا , كان يجب أن يظلا أمامنا نراهم دوما , نستعيد حياتنا وحياتهم من أولادنا أحفادنا , حلمت معك بلعبهم أمامنا ... وبالنهاية ذهب كلا الولدين , واحد بالشرق , والثاني بالغرب... .( الرواية / 37) .
القناعة في التشابه لحياة الآباء بكل جزئياتها عند الشخصية الرئيسة( رضوان) مازالت تلازمه طول السرد , وبهذا هي من أوقعته في دوامة الصراع ( الثنائية المتناقضة) ثنائية الواقع المتمثل بابتعاد الأبناء عنه , وثنائية الماضي الداعي لعدم ابتعاد الأبناء عن أبيهم , إنّ السير على طريق التشابه في طبيعة حياة الماضي كان في حسابات ( رضوان) منهجاً لسير إلى الكمال , يقول الراوي :
( في هذا اليوم جلس نفس جلسته ,أتت له بكوب الحليب الدافئ المحلى بالعسل ... يتجرعه دفعة واحدة , هو بهذا يسير على ذات منهج الأب والجّد )( الرواية : 40 ) .
حاول الروائي بوساطة تقنية خطابه السردي , أن يرسم لنا أنموذجاً يُقصد من خلاله رسم التلاؤم مع شكل من اشكال لأنظمة الاجتماعية , من هنا سعى إلى طرح الشخصية الرئيسة بشكل فاعل في النص بما يتعلق بجنبة المحاكاة والدعوة لها ؛ وعليه وردت في مفاصل (السرد) و( الوصف) و (الحوار) بشكل متكرر, هذا التكرار هي الثيمة الأساس التي يعتمدها الكاتب (أحمد طايل) لترسيخ هذا الأنموذج الداعي فكرة التشابه السلوكي الايجابي , وهو بحد ذاته رسالة فنية سامية , فشعور صاحب النص أن المنجز الأدبي ماهي إلا أداة لإيصال فكرة ايجابية للواقع المعيش , في مشهد حواري مع أخيه ( بهيج) , يقول :
انت دوماً هكذا ... ورثت عن أبينا كل صفاته , وأيضاً الكثير من ملامحه ... (الرواية : 49) .
أخي الحبيب , التشابه موجود على مر الأجيال والعصور تجد تشابها ليس بالملامح فقط تجده بالحديث , بالحركات ... بالتصرفات والقرارات ...) .(الرواية : 50 ).
اعتمد الروائي في بعض المشاهد السردية على بناء فني قائم الاسترجاع (الارتداد ) أو ما يعرف ( الفلاش باك) , وهي تقنية الرجوع للماضي وسرد حيثياته تعزيزاً الثيمة ( التشابه ) , فقد اشار صاحب الرواية إلى ظاهرة لافتة اجتماعياَ , ألا وهي ضرورة وجود حيثية التشابه بين الأُسر المصاهرة , فهذه الضابطة تتيح الانسجام مع تلك العوائل , وعلية استرجع السرد الماضي لقضية زواج الشخصية الرئيسة ( رضوان) من ( ناهد) , يقول :
( ... وما زال الحكي عنه مستمرا , هذه هي عائلة ( الحسيني فرحات) التي أرى تتشابه معنا بالكثير أن مصاهرتهم تضيف إلينا مثلما نضيف إليهم ...) الرواية : 57 ).
وربما تُحيلنا بعض الالتقاطات السردية في رواية ( المتشابهون ) إلى أطروحات ( منظور لوكاش) - طبعاً- في بعض جزئيات ما طرح , لاسيما الانموذج الرابع الذي استشعره من خلال كتابات ( تولستوي و دوستويفسكي) , وهو مصطلح ( الرواية المثالية المجردة) إذ يتضح وعي الشخصية الاشكالية ضيقاً بالواقع وارهاصاته , فضلاً عن تعقيداته , وعليه يتعذر وجود انجاز مَثلَه الأعلى , اي هنالك تصادم ما بين لفكرة المثالية التي يحملها الكاتب او الشخصية وطبيعة الحياة المعيشة , وهذا يتقولب ضمن التجسيد الداخلي للنص بطرحه كموقف أو فكرة أو حدث يتمظهر بشخصية أو عدّة شخصيات , فهذه الفكرة قدمها الأديب (أحمد طايل) في روايته , من خلال استدعاء سردي لحادثة (ثريا) و موقف أبيها , وهو إبن عم الشخصية الرئيسة( رضوان) , فبعد حادث ليلة زواج (ثريا) واخفاق زوجها في معاشرتها , لعلة جسدية , دون إخبار أهلها بذلك , إذ عدّه أبوها نوع من الخداع , ومن ثم تطلب (ثريا ) الطلاق في اليوم الثاني , وعليه أصبح الموقف محرجاَ , فما سيقوله أهل القرية , وهنا يحاول الروائي طرح الشخصية الرئيسة ذاتها(رضوان) كشخصية تشكّل الأنموذج الأكمل أخلاقياً واجتماعياً و انسانياً , وبرغم أنّ اوالد ثريا ابن عم رضوان, لكننا نجده سرديا يخترق الحدث ليتحول جزء من هذه القضية ومفتاح حلّها, هذه الجنبة الانسانية المطروحة , محاكاة لجيل اتسم بالتشابه بمن سبقه ( الأب والجّد) والذي يسعى جاهداً أن يكون جزءاً نافعا من مجتمعه , من هنا نرى أبا (ثريا) يُسارع للاتصال به لمشاركته المشكلة والسعي في حلها , وفعلا كانت مشاركته فاعلة من حيث الحراك في الجانب الطبي واصدار تقريرا طبيبا يثبت بكارة (ثريا) او من خلال الاتصال بمحام متمرس لحل مشكلتها , يقول في نص يصف السارد وضع ابي ثريا وحديثه مع رضوان , وهو الأنموذج الذي يطالب الروائي باتخاذه قدوة اجتماعية لحياتنا المعيشة:
( ... انشغلنا بتعب (ثريا) وحالتها النفسية المتردية ... كل هذا وانا أفكر بحل لأثبات عدم الدخول بها , الكلام بدأ يثار عن سبب وجودها عندنا , ... لم يخطر ببالي إلا أنت , كل شيء تغير من حولنا , لم تعد قريتنا , واجزم ان كل القرى تتشابه في هذا , لم يعد هنالك من أزمان الآباء والأجداد إلا النذر اليسير , كنا دوما أسرة واحدة الألم والوجع يجمعنا ... كنا نتسابق لستر عيوبنا .. كانت هناك شراكة تجمع الكل .. اليوم للأسف تغيرت الأمور ... للأسف أصبح الهرم الاجتماعي مقلوب ... لم يكن أمامي الا أنت إبن العم ... ) (الرواية 70)
قال رضوان:
الأمر بسيط لا داعي للقلق , نلتقي غداً , نحرر توكيلا ونتقدم للطب الشرعي بطلب لمناظرة البنت لأثبات عذريتها .... طمأن إبن عمه بأنّ الأستاذ (فكري الخياط ) من أكبر محامى مصر...) ( الرواية 74 ).
وينتهي سرد حادثة (ثريا) لصالحها وتثبت عذريتها , وترجع مع أبيها مرفوعة الرأس , بسبب هذا الانموذج الإنساني ( رضوان) , بل لم يقف الحد عند هذا الحد , وإنّما سعى وزوجته إلى رسم مستقبل زاهر لثريا من خلال المساهمة في زواجها بابن صديقه المغترب في اوربا .
ما يطالبه الكاتب من خلال روايته وتقديم ثيمة ( التشابه ) , مسالتين الأولى: ( الرجوع للماضي الايجابي ) , وأن نتشابه به سلوكاً والاستسقاء من منهله الأخلاقي والإنساني , القائم على رصانة الأُسرة وتكاتفها والتمسك بها , وعدم الإخلال بثوابتها التي أشارت لها الرواية في كثير من مشهدها , والثاني: إتخاذ (رضوان) أنموذجا للتشابه السلوكي والانساني , بأن تحاكيه ونتخذه قدوة حسنة .
النص وبوساطة سوسيولوجية الأدبية الفنية السردية للخطاب الروائي , تسعى لتسليط الضوء على طبيعة العلاقة التشابهية للنماذج .
تأسيساً على ما ذُكر ومن خلال بناء الخطاب الروائي لهذا النص يمكن القول :
كان المشغل السردي للرواية قائماً على فكرة المحاكاة ( التشابه ) , وبدعوة المضمرة لهذا النسق المجتمعي اللافت .
طرح الملمح السويوكلوجي (النفسي) ومطالبة الذات بالالتحاق بالجانب الاجتماعي والإنساني ,
هنالك اشارت ايحائية كُثير في مقاطع حوارية إلى محورية القيمة و المثل الأعلى منها قيمة ( علائقية العائلة , الصداقة , التعاون مع من يحتاج المساعدة ...الخ).
حرص الروائي بشكل لافت على إبراز والتقاط الظاهرة المجتمعية , ومن ثم قولبتها وفق بنية جمالية سردية , تتسم بالواقعية المؤثرة , وبأسلوب فني سلس يخاطب به كل الفئات .
فقدان التشابه للمثل السامي هو من جعل الروائي ( أحمد طايل) يلتقط التضاد الاجتماعي , والذي انعكس على ذاته الروائية الشفافة المثقلة بالقلق من تناقضات واقع معيش , و الذي أسفر عن منجز روائي يمثل نظرية ( الفن من أجل الحياة) التي دعا لها الفلاسفة اليونان .
نص روائي اتسم بالنسج السردي المائز , وقد كُتب بحرفية كبيرة ونَفس مهاري لافت , مفاصل الخطاب موفقة لا ينتابها أي خلل أو ارباك فني .
============
* محمد المياحى ...العراق
وهنا لابدّ من الإشارة لحيثية البناء الموضوعي للرواية , فهو قائم على ما يُعرف بـ(لغة السرد الواقعي) ؛ بوصف المسرود ينتمي إلى اللغة المرآوية للواقع , و التي تهدف إلى نقل الكينونة الاجتماعية وتصويرها ؛ بغية تحويل تلك الصور والمشاهد الفنية إلى رسائل موجهة للمتلقي ( القارئ ) .
لنبدأ من العنوان ؛ بوصفه عتبة النص ونصه الموازي بحسب المنهج السيميائي ؛ وعليه يمكننا القول أنّ ملفوظ العنوان في رواية ( المتشابهون) , ورد لتجسيد الوظيفة الأولى للعنونة (العتبة النصية) , بمعنى جاء مدخلاَ للنص ذاته ؛ من هنا القيمة والمفهوم لتلك اللفظة كانت الخطوة الأولى لفهم رؤيوية (فكرة) صاحب النص, إذ نجد ما جاد نسيج السرد هو فكرة ( التشابه) او المحاكاة .
السؤال : أي تشابه حاول الروائي تسليط الضوء عليه سردياَ ؟ فالتشابهات كثيرة ومتنوع في حياتنا , هذا التشابه في نظر المتلقي في حكم المجهول ؛ والسبب ورود العنوان بلفظة مفرد دون الاضافة لآخرة ؛ وعيله طبيعة التوظيف الدلالي للعنونة مع النص غير مكتشفة بشكل كامل , تأسيساً على هذا يمكننا القول : حاول الروائي زرع متعة معرفة هذا النوع من التشابه من خلال اتمام قراءة الرواية .
التشابه الذي يصبو له صاحب النص الأديب (أحمد طايل) , هو تشابه ( القيمة الاجتماعية) , والبحث عنها في طيات الذكرة والحضور ؛ لأنّه يرى أنّ واقعنا أمسى بأشد الحاجة لهذا المحفز الخُلقي ؛ بوصفه أحد أركان بناء المجتمع الناجح , و الذي كان يتحلى بها المجتمع العربية لعقود مضت , ففي حوار مع زوجته (ناهد) يقول الراوي :
( تناولا الغداء بين حوارات عن أيام خوالٍ مضت, عن بعض مواقف مرة بهم...) .
فكرة ( فقدان التشابه العائلي ونظامه ) الذي يتسم بالألفة والمودة والتواصل مع الأب والأم وجّد , هذا التواصل وعدم التفرقة , الذي هو مدعاة لبقاء جذور الأسرة مترابطة , فالأبن سابقاً مع زواجه , يبقى قريباً من عائلته الأم؛ بهدف التكاتف والتعاون وزرع السعادة للأب وجّد , فضلاً عن هذا التواجد للأبناء بعد الزواج يتيح للأجداد النظر بوجه الأحفاد , وهذا مدعاة للسرور لأنّ الجد سيشعر في آخر أيام حياته بأنّ موجود الأحفاد ما هو إلا امتداد له في هذه لحياة , يتابع سلوك الأحفاد بفرح غامر ؛ كي يضمن السير على مبادئه الايجابية والشعور بالفخر بهم , هكذا كانت طبيعة العائلة سابقاً , فمع نمو قناعة عزلة الابن بعد الزواج وتفاقم هذه الظاهرة الاجتماعية , فيها خروج عن المبادئ الأصلية للـ( العائلة الأم ) في نظر الروائي , وهذا السلوك لا ينسجم مع ثيمة تشابه للماضي , تقول الزوجة( ناهد) وهى تتحاور مع زوجها :
هل من العدل أن نتعب ونسهر الليالي , نكبّر ونحلم بهم معنا لا يغادروننا , وعندما نصل لمحطة الحلم واكتمال تحقيقه , تأتي الزوجات وتبتعد بهم؟ , صحيح هي الحياة , فقط الحياة يجب أن تكون رحيمة بنا , كان يجب أن يظلا أمامنا نراهم دوما , نستعيد حياتنا وحياتهم من أولادنا أحفادنا , حلمت معك بلعبهم أمامنا ... وبالنهاية ذهب كلا الولدين , واحد بالشرق , والثاني بالغرب... .( الرواية / 37) .
القناعة في التشابه لحياة الآباء بكل جزئياتها عند الشخصية الرئيسة( رضوان) مازالت تلازمه طول السرد , وبهذا هي من أوقعته في دوامة الصراع ( الثنائية المتناقضة) ثنائية الواقع المتمثل بابتعاد الأبناء عنه , وثنائية الماضي الداعي لعدم ابتعاد الأبناء عن أبيهم , إنّ السير على طريق التشابه في طبيعة حياة الماضي كان في حسابات ( رضوان) منهجاً لسير إلى الكمال , يقول الراوي :
( في هذا اليوم جلس نفس جلسته ,أتت له بكوب الحليب الدافئ المحلى بالعسل ... يتجرعه دفعة واحدة , هو بهذا يسير على ذات منهج الأب والجّد )( الرواية : 40 ) .
حاول الروائي بوساطة تقنية خطابه السردي , أن يرسم لنا أنموذجاً يُقصد من خلاله رسم التلاؤم مع شكل من اشكال لأنظمة الاجتماعية , من هنا سعى إلى طرح الشخصية الرئيسة بشكل فاعل في النص بما يتعلق بجنبة المحاكاة والدعوة لها ؛ وعليه وردت في مفاصل (السرد) و( الوصف) و (الحوار) بشكل متكرر, هذا التكرار هي الثيمة الأساس التي يعتمدها الكاتب (أحمد طايل) لترسيخ هذا الأنموذج الداعي فكرة التشابه السلوكي الايجابي , وهو بحد ذاته رسالة فنية سامية , فشعور صاحب النص أن المنجز الأدبي ماهي إلا أداة لإيصال فكرة ايجابية للواقع المعيش , في مشهد حواري مع أخيه ( بهيج) , يقول :
انت دوماً هكذا ... ورثت عن أبينا كل صفاته , وأيضاً الكثير من ملامحه ... (الرواية : 49) .
أخي الحبيب , التشابه موجود على مر الأجيال والعصور تجد تشابها ليس بالملامح فقط تجده بالحديث , بالحركات ... بالتصرفات والقرارات ...) .(الرواية : 50 ).
اعتمد الروائي في بعض المشاهد السردية على بناء فني قائم الاسترجاع (الارتداد ) أو ما يعرف ( الفلاش باك) , وهي تقنية الرجوع للماضي وسرد حيثياته تعزيزاً الثيمة ( التشابه ) , فقد اشار صاحب الرواية إلى ظاهرة لافتة اجتماعياَ , ألا وهي ضرورة وجود حيثية التشابه بين الأُسر المصاهرة , فهذه الضابطة تتيح الانسجام مع تلك العوائل , وعلية استرجع السرد الماضي لقضية زواج الشخصية الرئيسة ( رضوان) من ( ناهد) , يقول :
( ... وما زال الحكي عنه مستمرا , هذه هي عائلة ( الحسيني فرحات) التي أرى تتشابه معنا بالكثير أن مصاهرتهم تضيف إلينا مثلما نضيف إليهم ...) الرواية : 57 ).
وربما تُحيلنا بعض الالتقاطات السردية في رواية ( المتشابهون ) إلى أطروحات ( منظور لوكاش) - طبعاً- في بعض جزئيات ما طرح , لاسيما الانموذج الرابع الذي استشعره من خلال كتابات ( تولستوي و دوستويفسكي) , وهو مصطلح ( الرواية المثالية المجردة) إذ يتضح وعي الشخصية الاشكالية ضيقاً بالواقع وارهاصاته , فضلاً عن تعقيداته , وعليه يتعذر وجود انجاز مَثلَه الأعلى , اي هنالك تصادم ما بين لفكرة المثالية التي يحملها الكاتب او الشخصية وطبيعة الحياة المعيشة , وهذا يتقولب ضمن التجسيد الداخلي للنص بطرحه كموقف أو فكرة أو حدث يتمظهر بشخصية أو عدّة شخصيات , فهذه الفكرة قدمها الأديب (أحمد طايل) في روايته , من خلال استدعاء سردي لحادثة (ثريا) و موقف أبيها , وهو إبن عم الشخصية الرئيسة( رضوان) , فبعد حادث ليلة زواج (ثريا) واخفاق زوجها في معاشرتها , لعلة جسدية , دون إخبار أهلها بذلك , إذ عدّه أبوها نوع من الخداع , ومن ثم تطلب (ثريا ) الطلاق في اليوم الثاني , وعليه أصبح الموقف محرجاَ , فما سيقوله أهل القرية , وهنا يحاول الروائي طرح الشخصية الرئيسة ذاتها(رضوان) كشخصية تشكّل الأنموذج الأكمل أخلاقياً واجتماعياً و انسانياً , وبرغم أنّ اوالد ثريا ابن عم رضوان, لكننا نجده سرديا يخترق الحدث ليتحول جزء من هذه القضية ومفتاح حلّها, هذه الجنبة الانسانية المطروحة , محاكاة لجيل اتسم بالتشابه بمن سبقه ( الأب والجّد) والذي يسعى جاهداً أن يكون جزءاً نافعا من مجتمعه , من هنا نرى أبا (ثريا) يُسارع للاتصال به لمشاركته المشكلة والسعي في حلها , وفعلا كانت مشاركته فاعلة من حيث الحراك في الجانب الطبي واصدار تقريرا طبيبا يثبت بكارة (ثريا) او من خلال الاتصال بمحام متمرس لحل مشكلتها , يقول في نص يصف السارد وضع ابي ثريا وحديثه مع رضوان , وهو الأنموذج الذي يطالب الروائي باتخاذه قدوة اجتماعية لحياتنا المعيشة:
( ... انشغلنا بتعب (ثريا) وحالتها النفسية المتردية ... كل هذا وانا أفكر بحل لأثبات عدم الدخول بها , الكلام بدأ يثار عن سبب وجودها عندنا , ... لم يخطر ببالي إلا أنت , كل شيء تغير من حولنا , لم تعد قريتنا , واجزم ان كل القرى تتشابه في هذا , لم يعد هنالك من أزمان الآباء والأجداد إلا النذر اليسير , كنا دوما أسرة واحدة الألم والوجع يجمعنا ... كنا نتسابق لستر عيوبنا .. كانت هناك شراكة تجمع الكل .. اليوم للأسف تغيرت الأمور ... للأسف أصبح الهرم الاجتماعي مقلوب ... لم يكن أمامي الا أنت إبن العم ... ) (الرواية 70)
قال رضوان:
الأمر بسيط لا داعي للقلق , نلتقي غداً , نحرر توكيلا ونتقدم للطب الشرعي بطلب لمناظرة البنت لأثبات عذريتها .... طمأن إبن عمه بأنّ الأستاذ (فكري الخياط ) من أكبر محامى مصر...) ( الرواية 74 ).
وينتهي سرد حادثة (ثريا) لصالحها وتثبت عذريتها , وترجع مع أبيها مرفوعة الرأس , بسبب هذا الانموذج الإنساني ( رضوان) , بل لم يقف الحد عند هذا الحد , وإنّما سعى وزوجته إلى رسم مستقبل زاهر لثريا من خلال المساهمة في زواجها بابن صديقه المغترب في اوربا .
ما يطالبه الكاتب من خلال روايته وتقديم ثيمة ( التشابه ) , مسالتين الأولى: ( الرجوع للماضي الايجابي ) , وأن نتشابه به سلوكاً والاستسقاء من منهله الأخلاقي والإنساني , القائم على رصانة الأُسرة وتكاتفها والتمسك بها , وعدم الإخلال بثوابتها التي أشارت لها الرواية في كثير من مشهدها , والثاني: إتخاذ (رضوان) أنموذجا للتشابه السلوكي والانساني , بأن تحاكيه ونتخذه قدوة حسنة .
النص وبوساطة سوسيولوجية الأدبية الفنية السردية للخطاب الروائي , تسعى لتسليط الضوء على طبيعة العلاقة التشابهية للنماذج .
تأسيساً على ما ذُكر ومن خلال بناء الخطاب الروائي لهذا النص يمكن القول :
كان المشغل السردي للرواية قائماً على فكرة المحاكاة ( التشابه ) , وبدعوة المضمرة لهذا النسق المجتمعي اللافت .
طرح الملمح السويوكلوجي (النفسي) ومطالبة الذات بالالتحاق بالجانب الاجتماعي والإنساني ,
هنالك اشارت ايحائية كُثير في مقاطع حوارية إلى محورية القيمة و المثل الأعلى منها قيمة ( علائقية العائلة , الصداقة , التعاون مع من يحتاج المساعدة ...الخ).
حرص الروائي بشكل لافت على إبراز والتقاط الظاهرة المجتمعية , ومن ثم قولبتها وفق بنية جمالية سردية , تتسم بالواقعية المؤثرة , وبأسلوب فني سلس يخاطب به كل الفئات .
فقدان التشابه للمثل السامي هو من جعل الروائي ( أحمد طايل) يلتقط التضاد الاجتماعي , والذي انعكس على ذاته الروائية الشفافة المثقلة بالقلق من تناقضات واقع معيش , و الذي أسفر عن منجز روائي يمثل نظرية ( الفن من أجل الحياة) التي دعا لها الفلاسفة اليونان .
نص روائي اتسم بالنسج السردي المائز , وقد كُتب بحرفية كبيرة ونَفس مهاري لافت , مفاصل الخطاب موفقة لا ينتابها أي خلل أو ارباك فني .
============
* محمد المياحى ...العراق