مناظرة بين الإمام الشافعي وأحمد في حكم تارك الصلاة

السؤال:

حول المناظرة التي دارت بين الإمامين أحمد بن حنبل والشافعي رضي الله عنهما بعث بهذه الرسالة المرسل ع م ع شقراء، يقول من شقراء في هذه الرسالة: مناظرة الإمامين الجليلين أحمد بن حنبل والإمام الشافعي رضي الله عنهما وهي في كتاب فقه السنة المجلد الأول للسيد سابق صفحة خمسة وتسعين، والمناظرة هي: ذكر السبكي في طبقات الشافعية أن الشافعي وأحمد رضي الله عنهما تناظرا في تارك الصلاة، قال الشافعي: يا أحمد، أتقول إنه يكفر؟ قال: نعم. قال: إذا كان كافراً فبم يسلم؟ قال: يقول لا إله إلا الله محمد رسول الله. قال الشافعي: فالرجل مستديم لهذا القول لم يتركه. قال: يسلم بأن يصلي. قال: صلاة الكافر لا تصح، ولا يحكم له بالإسلام بها. فسكت الإمام أحمد رحمه الله تعالى. فما رأي فضيلة الشيخ أن يجيب عن هذه الرسالة في هذه المناظرة، وأرجو أن يفسر ما تعنيه -يعني هذه المناظرة- وأخيراً أرجو من الله أن يجمعنا وإياكم على الخير.

الجواب:


الشيخ: آمين. نقول في هذه المناظرة: أولاً إنه يحتاج إلى إثباتها؛ أي إلى أن يثبت بأنها وقعت بين الإمام الشافعي والإمام أحمد رحمه الله، فلا بد من أن تكون ثابتة عنهما بسند صحيح يكون مقبولاً على حسب شرائط المحدثين، وأيضاً مجرد نقل السبكي لها وبينه وبين الإمام الشافعي والإمام أحمد مئات السنين لا يكون ذلك حجة في ثبوتها عنهما، ثم إن التعبيرات التي وقعت فيها تعبيرات جافة يبعد جداً أن تصدر من الإمام الشافعي إلى الإمام أحمد مع أنه قد عرف عنه التعظيم الكامل الذي يليق بمقام الإمام أحمد وبمقام الشافعي رحمهما الله جميعاً. ثم إن هذه المناظرة تخالف المعروف لمذهب الإمام أحمد، فإن المعروف في مذهب الإمام أحمد أن من كفر بترك الصلاة فإنه لا يكون مسلماً إلا بفعلها، وأنه إذا فعلها وصلى حكم بإسلامه. هذا هو المعروف من مذهب الإمام أحمد رحمه الله، وهكذا ينبغي أن يعرف السامع ويعرف السائل أن من كفر بشيء من الأشياء فإنه لا يسلم بمجرد شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله حتى يصحح ما كفر به؛ فمثلاً إذا قدر أنه يقول أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وهو ينكر فرضية الزكاة أو الصيام أو الحج، فإنه لا يكون مسلماً بقوله أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله حتى يقر بفرضية ما أنكر فرضيته من هذه الأصول. والمهم أن القاعدة في الكافر المرتد أنه إذا ارتد بشيء معين من الكفر فإنه لا يغني أن يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله حتى يصحح ما حكمنا بكفره من أجله. على هذا نقول: تارك الصلاة كافر ولو شهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ولا يكون مسلماً إلا إذا صلى؛ لأننا كفرناه بسبب، فلا بد أن يزول هذا السبب الذي من أجله كفرناه، فإذا زال السبب الذي من أجله كفرناه حكمنا بأنه مسلم. وعلى هذا فيفرق بين الكافر الأصلي الذي يدخل في الإسلام بشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وبين المرتد بشيء من أنواع الردة، فإنه لا يحكم بإسلامه حتى ينتفي عنه ذلك الشيء الذي كفرناه به. هذا هو سر المسألة، فالذي نرى في هذه المناظرة أنه أولاً يبعد صحتها بين الإمامين الجليلين بما علم من التعظيم بينهما، وهذه العبارات الجافة لا توجه من الشافعي للإمام أحمد حسب ما نعلمه من تعظيم أحدهما للآخر. الشيء الثاني أن مجرد وجودها في طبقات الشافعية لا يعني أنها صحيحة، بل كل قول ينسب إلى شخص يجب أن يحقق في سنده الموصل إليه؛ لأنه قد يكون من الأقوال التي لا إسناد لها، وقد يكون إسناده ضعيفاً -إسناده؛ أي: إسناد القول ضعيفاً- لا يعتد به، فلا بد من هذا الشيء الثالث، أن هذه المناظرة تخالف ما هو مشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله بأن من كفر بترك الصلاة فإنه لا يسلم إلا بفعلها ولو شهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله .

السؤال: إذاً كأني بالمستمع من مدينة شقراء يقول: ما حكم تارك الصلاة عند الشافعي؟


الشيخ: المعروف عن أمة الشافعية أنهم لا يرون كفر تارك الصلاة، ولكن الأدلة تدل على كفره، والواجب على المؤمن اتباع ما دل عليه كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم؛ لأن هذا هو فرضه كما قال الله عز وجل: ﴿فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً﴾ فاختلاف العلماء بحر لا ساحل له، ولكن الميزان الذي توزن به هذه الاختلافات هو كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. وقد سبق لنا في غير حلقة بيان الأدلة الدالة على كفر تارك الصلاة، وأن كفره كفر مخرج عن الملة، ولا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة كما قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى