خالد جهاد - رصاصة وقلم حمرة

المقال رقم (٣٣) ضمن سلسلة مقالات (القبح والجمال)..

مر العالم العربي في العقدين الأخيرين بالكثير من المتغيرات وبوتيرةٍ متسارعة عرف معها تحولاتٍ جذرية في تاريخه وتاريخ المنطقة والعالم، فأثرت على جميع مكوناته الثقافية مما احتاج في بعض الأحيان إلى إعادة تعريف ما اعتقدنا أنه معروف ومفهوم، فطرحت الكثير من الأسئلة المشروعة والتي كان لا بد لها من إجابة خاصةً حول الأفكار والقضايا المتصلة بحياتنا اليومية التي تتداخل فيها العديد من النقاط ومن ضمنها الفن والثقافة والأدب، والتي يستهين البعض بتأثيرها وأهميتها وقدرتها على التغيير مما أحدث نوعاً من اللبس في بعض الأحداث التي نجيب على جزء منها خلال هذا المقال..

فبعد عقود من النكبة الفلسطينية وإقامة الكيان الصهيوني على أرض فلسطين التاريخية يعود البعض للتساؤل خاصةً في الوقت الحالي عن تعريف هذا الكيان الذي (قد) يبدو معقداً بالنسبة إليه، وبالعودة إلى منتصف العقد الأول في هذه الألفية سنجد مثالاً واضحاً قد يختصر علينا الكثير مما نود أن نقوله وفقط من خلال صورةٍ واحدة وإسمٍ واحد هو (غال غادوت)..

غال غادوت هي بطلة الفيلم الأمريكي الشهير (إمرأة خارقة) والذي اقتحمت من خلاله وعبر الشركة العملاقة المنتجة له (وارنر براذرز) العالم البراق لهوليوود بعد سلسلة من الأعمال مع شركات إنتاج كبرى أخرى مثل (يونيفرسال بيكتشرز) و (أوريجينال فيلم) وحالياً (نيتفليكس)، لكن هذا ليس كل شيء ف(غادوت) هي الحائزة على لقب ملكة جمال الكيان الصهيوني لعام ٢٠٠٤، وتحولت بعدها إلى عارضة أزياء في شركة (كاسترو) وهي أكبر شركة للأزياء في الكيان الصهيوني، وعرفت أيضاً كممثلة شاركت في العديد من الأفلام والمسلسلات داخل الكيان حتى حققت نقلة نوعية بدمجها بين عملها فيه وبين مشاركاتها في السينما الأمريكية، ولدت في بلدة تم تسميتها ب(هوش راعين) بعد إقامتها على أراضي كفر قاسم.. المدينة الفلسطينية التي شهدت واحدة من أبشع المجازر التي وصف فيها ما ارتكبته العصابات الصهيونية عام ١٩٤٨ بأن الشياطين والوحوش تأنف مما ارتكبوه من جرائم بحق أبنائها، وقامت عائلتها بعبرنة لقب العائلة من (جرينشتاين) إلى (غادوت) بعد أن جاءوا من عدة دول أوروبية مختلفة لإستيطان واحتلال الأرض الفلسطينية، وتمتلك على حسب تعبيرها (إحساساً قوياً بهويتها الإسرائيلية والصهيونية كونها تعلمت ذلك من خلال نشأتها في بيئة أسرية محافظة جداً)، كما درست (القانون!!!!!) وخدمت في صفوف الجيش الصهيوني لمدة عامين وشاركت في قصف لبنان وفي العدوان على قطاع غزة الفلسطيني المحاصر وتدافع بإستمرار عن مختلف العمليات العسكرية التي يقوم بها جيش الإحتلال ضد الفلسطينيين، فتظهر على الشاشة وفي المقابلات التليفزيونية عبر وسائل الإعلام الغربية بشكل جميل وناعم مع الإحتفاظ بمعتقداتها وهويتها الصهيونية التي لا تتوانى عن تلميعها على الدوام..

هذه الصورة التي يتم (تصنيعها) أيضاً بمنتهى الإتقان عبر حسابها على الانستغرام بشكل خاص وعلى مختلف مواقع التواصل الإجتماعي عموماً تدفع خريجة (القانون) إلى مشاركة مقولات لشخصيات مؤثرة قاومت التمييز والظلم ضد أبناء جلدتها مثل مارتن لوثر كينغ وروزا باركس، دون أن تفهم أن هذا الإستشهاد ليس في صالح مجندة سابقة في جيش الإحتلال لأنهم قاوموا سابقاً الفصل العنصري الذي تخطته أفعال الكيان المنتمية إليه بمراحل، في محاولة مستمرة لإيصال صورة إنسانية مسالمة عكس ما يحدث على أرض فلسطين وبدعم من كيانات عملاقة، فهي كانت جزءًا من فريق (لسيدات ملهمات) في أحد الوثائقيات التي أنتجتها (ناشيونال جيوغرافيك) ولاقى اختيارها حينها جدلاً واسعاً، عدا عن مشاركتها أو (اشراكها) في مختلف النشاطات الثقافية والإجتماعية والنسائية بغية تبييض صورتها التي طبعت في الأذهان والتي تريد استكمالها بالمشاركة في إنتاج عمل عن (كليوباترا) ليتاح لها أن تكون هي من يجسد شخصيتها لتقديمها (بنسختها الخاصة) على حد تعبيرها، عدا عن تحضيرها لتقديم شخصية (سنووايت) والأقزام السبعة لإضفاء لمسة بريئة على (مسيرتها)..

وقد يتساءل البعض بعد هذا التعريف بها عن من وما يجسد صورة ومبادىء وهوية هذا الكيان، فنرد ونقول بأن (غال غادوت) هي خير ممثلة له وهي من قالت بأن من أهدافها (خلق انطباع جيد عن إسرائيل)، فهي من ناحية ترتدي البدلة العسكرية وتشارك في مختلف العمليات التي يقوم بها الإحتلال من قتل وتهجير وتشريد واغتصاب للأرض بل وتدافع عنها، ومن ناحية أخرى تظهر بوجه أنثوي وشكل منمق وأنيق عبر اطلالات إعلامية (مدروسة للغاية) وأعمال فنية تبرز (الوجه الرقيق) لهذا الكيان الإستعماري الغاصب الذي بدأ كجيش أقيمت لأجله دولة عكس أي بلد آخر، فهي لم تخلع البدلة العسكرية كما يعتقد البعض بل استبدلتها بقميص النوم لتقديم (مناورة) جديدة لا تقل أهمية عن ما قامت به خلال خدمتها في صفوف الجيش الصهيوني، ألا وهي تسهيل تقبل هذا الكيان الإستعماري عبر بوابة الفن والثقافة التي يروج لها بعض الإنتهازيين من (مثقفينا وفنانينا) مثل الممثل المطبع (عمرو واكد) والذي مثل معها وسبق له المشاركة في أعمال عديدة أساءت إلى العرب، لكنها بالمقابل تحظى بيقظة وحذر ورفض قاطع من الأغلبية التي ترفض إيهام الناس بأن الرصاصة التي تقتل هي مجرد قلم لأحمر الشفاه بلون الدم القاني..

خالد جهاد..

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى