محمد الأخضر السائحي - على أشلاء الأصنام

وقفة حول هذه الأطلال -*- أيها الضاحكون للآمال
ها هنا كانت الحياة نعيما -*- بلغت كل غاية للكمال
بسم الحظ للعباد لديها -*- فانتشوا بالسرور و الإقبال
و مشوا خلف ركبها في حبور -*- يتغنون بين تلك الظلال
لكن الحظ – كالحروب –سجال -*- فهو حال على المدى بعد حال
و الليالي من يطمئن إليها -*- سحقته وذاك شأن الليالي
لهف نفسي على أوانس غيد -*- كالدمى تحت هذه الأطلال
قد ملأن الفضاء مع الأمل الحلو -*- و عانقن طيفه في الخيال
و صغار مثل الملائك طهرا -*- قد تربوا في نعمة و دلال
ذبلوا كالورود و الخطب أعمى -*- لا يراعي براءة الأطفال
و شيوخ ذوي وقار عليهم -*- من جلال المشيب أي جلال
ضرجوا بالدماء في غير حرب -*- أو سيوف لدى الوغى و نصال
و رجال مثل الأسود صعودا -*- و ثباتا في الخطب أي رجال
صرعتهم من الزلازل هوجاء -*- على غير أهبة للنزال
إيه شعري ردد لحونك شجوا -*- و أنينا عن نكبة الزلزال
وصف الليلة التي ضج فيها -*- وطني بالبكاء و الإعوال
حين هز الدجى دوي مخيف -*- منذر بالشرور و الأهوال
يتحدى الرعود في الأفق عنفا -*- فيهد الربى و شم الجبال
و الورى بين غارق في سبات -*- مطمئن . و ذاهل لا يبالي
و شجي مسهد ليس يغفو -*- و خلي منعم القلب سالي
و المنايا من حولهم شاخصات -*- في صفوف غريبة الأشكال
ليس يدرون من أمام و خلف -*- هي .أم في اليمين . أم في الشمال
كل شيء يبدو لهم فيه حتف -*- كل شيء يبدو أداة وبال
موضع الأمن بات خوفا و رعبا -*- و طريق الهدى طريق الضلال
فالسعيد السعيد من ليس ذا -*- دار و لا معشر ولا أموال
آه من منظر أراه مريعا -*- هاج من لوعتي و من بليالي
أبدا ماثل أمامي لعيني -*- كل حين مجسم في خيالي
منظر الشامخات تهوي إلى الأرض -*- و تغدو في قبضة الزلزال
و بكاء الأطفال في هزة الذعر -*- يصيحون بين أيدي الرجال
و صراخ النساء يندبن قتلى -*- سقطوا فجأة بدون قتال
تركوا خلفهم صغارا يتامى -*- و مضوا في الدجى مع الآجال
رب طفل قد ضاع بعد أبيه -*- ليس يدري المسكين رجع سؤال
يسأل الرائحين في كل وجه -*- و ينادي في الليل أمي تعالي
و هي لو تستطيع في القبر نطقا -*- صرخت ملء قبرها لا تبالي
تتنزى تحت الصخور حنانا -*- و هي في القبر حفنة من رمال
سكنت و اسمه على شفتيها -*- و محياه ماثل في الخيال
كيف يحيا ابنها و قد تركته -*- كيف يحيا بلا أب أو خال
و سواها حول المقابر ثكلى -*- دفنت ثم سائر الأنجال
تملأ الليل كالحمام هديلا -*- و تغني على الربى و التلال
ترتمي فوق كل طفل تراه -*- و تكيل التقبيل للأطفال
غرقت في دموعها من أساها -*- يا لدمع الثواكل الهطال
و أب كاليتيم يحيا شقيا -*- بعد أن كان ذا بنين و مال
فقد الأهل و الشباب و أمسى -*- وحده ضائعا بلا آمال
أيها الناس رحمة ببقاياهم -*- فهم إخوة على كل حال
ارحموا يائسا و طفلا يتيما -*- و جريحا ممزق الأوصال
عوضوهم بعطفكم ما أضاعوا -*- من سرور في هذه الأهوال


كتبت هذه القصيدة في حادثة زلزال الأصنام الذي وقع في
09 سبتمبر1954 و كان بقوة 5.6 على درجة ريشتر و خلف حوالي 1246 ضحية .
نشرت القصيدة في ديوان –همسات و صرخات –
الصادر عن الشركة الوطنية للنشر والتوزيع سنة 1981.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى