خالد جهاد - العرض مستمر

قبل حوالي أسبوعين من الزلزال الأخير الذي ضرب المملكة المغربية مؤخراً تابعت بإهتمام حالة التوافق الإجتماعي التي أفضت إلى قرار (ملزم) بمنع ما يمكن اعتباره (ولائم) تقام كجزء من مراسم العزاء لما فيه من إثقال لكاهل عائلة المتوفي، وتحول إلى متاجرة بالموت إلى جانب بقية (الطقوس) التي باتت تصاحب هذا الحدث المؤلم والتي لا علاقة لها به، خاصةً بعد أن أصبح الوضع الإقتصادي في وضعٍ بالغ الصعوبة وبعد أن تجاوزت هذه الظاهرة الدخيلة على مجتمعاتنا كل الحدود، فتحولت عن حقيقة هدفها وهو أن يقوم الجميع بالتكاتف لتقديم المواساة والدعم بمختلف أشكاله ومن ضمنها إحضار الطعام لأهل الفقيد لإنشغالهم بمصابهم ولتصبح أشبه بحفلات الزفاف في مختلف الدول العربية وبشكل عابر للطوائف والثقافات (على غير عادتنا) وما بات يتطلب وقفاتٍ مشابهة وقراراتٍ مماثلة..

وهو ما ليس وليد الصدفة فقد أصبحت طريقة تعاطي الناس مع المرض أو الموت سطحية وعابرة إن لم تكن تنم عن تفاهة وانعدام للشعور بالغير واعتباره (مناسبة اجتماعية) لا تخلو من بعض (التعارف والترفيه)، وهو ما جعل الكثيرين يعزفون عن إقامة سرادق للعزاء حيث باتت تقتصر على مراسم الدفن والجنازة والتي لا يشارك فيها الأغلبية رغم أنها اللحظة الأكثر وجعاً وايلاماً، وبات من الشائع ألا يجمع مصابٌ كهذا حتى ما بين الأشقاء، وقد يكون لدى البعض تفسير لهذه الظاهرة من التبلد على أنها وليدة الأوضاع الأمنية والسياسية والإقتصادية التي شهدتها بلادنا والذي خلق هذا التباعد بين الناس أو جعلهم مثقلين بالأحزان، ولكن الواقع هو أن ما عشناه ويعيشه الجميع بنسب متفاوتة من بلد لآخر لم يخلق شيئًا من لا شيء، فكان ما نراه موجوداً من قبل لكن الأوضاع المتتابعة ساهمت في تعريته وإظهار الوجه الحقيقي له بالتوازي مع الإنحدار في مختلف جوانب الحياة والتي وصلت إلى المشاعر والتي أشهد أنني رأيتها على مدار سنوات حياتي كإنسان وممرض، حيث لم يعد للدموع من قيمة لأنه لا يوجد وقت للحزن ولأن (الحي أبقى من الميت) ولأن (الحزن لا يعيد من رحلوا) ولأن الخجل من وجع الآخرين انتفى، وقد يمكن للبعض أن يحول خبر وفاة قريبٍ له إلى مادة لجذب الإنتباه وزيادة المتابعة والإقبال، فالعرض مستمر وهناك الكثير مما يجب أن (لا يتم تفويته) وبالمقابل يتسائل الأغلبية من التي تقوم (بكل ما سبق ذكره) لماذا أصبحت الحياة سيئة ولماذا بات البشر هكذا ؟، وهو ما لا ينفصل أيضاً عن مختلف الأحداث التي مرت على بلادنا وكان آخرها الزالزل العنيف الذي ضرب المملكة المغربية ونتمنى أن تتعافى منه بأسرع وقت وبأقل قدر ممكن من الأضرار وأن يلهمهم الصبر على مصابهم الأليم الذي تعجز الكلمات عن وصفه..

خالد جهاد..

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى