عصري فياض - ثلاثون عاما على التحوّل...

كنت فتحاويا، كوني نشأت في بيت فتحاوي منذ العام 1968، وبقيت كذلك حتى سيقت الانتفاضة الاولى الى دهاليز مراهنات فاشلة وخائبة أنتجت اتفاقيات اوسلو أملا بالحل السياسي، كم كان قهري ذلك اليوم المشؤوم الذي ذرفت فيه الدموع، عندما تصافح عرفات ورابين في باحة البيت الابيض، كنت اعمل في مكتب جريدة القدس الكائن في مأرب الحافلات، بعد الساعة الرابعة ، بدأ التكتلات البشرية من باقي المحافظة تصل تباعا الى ساحة الكراجات لتنظيم احتفال داعم للتوقيع، كانوا فرحين بالحل القادم الذي سيجلب لهم الدولة والقدس والعودة، أغلقت باب المكتب على عجل، ومضيت بسرعة للبيت، توقفت بجانبي سيّارة من سيّارات شباب الفتح قادمة من قباطية، سألني احدهم
لوين يا عصري؟؟ ألا تريد أن تشاركنا الاحتفال؟؟
رديت بغضب وبعبارة لو يفهمها ذلك الصديق، لكنه حتما لاحظ الغضب على وجهي فتحرك ليأخذ له المكان في الساحة الواسعة...
وقد مضى ثلاثون عاما من المراهنات والتسويفات والانتظار والوعود الكاذبة،كنت حينها قد عبرت الى الضفة الاخرى،تعرضت خلالها للاعتقال السياسي أكثر من مرة،وهذا التحول الذي كان بسبب انهيار مبادئ كنا نتمسك بها ولا زلنا منذ نعومة اظفارنا،للأسف صدقنا قائليها الذين ما إن ظهرت الغنائم حتى حلوا عن كاهلهم القيم وراحوا يبيعون الثورة بميزان المصالح ...
هل أخطأت ؟؟ لا لم أخطأ...أوسلو،ومن جاء بها،ومن سوَّق لها كحل مرحلي هو من أخطأ،هو من فشل ونتج عن الفشل تدمير ثلاثون عاما في مراهنات فاشلة... اليوم ماذا نتج عن اوسلو غير ضياع القدس ....وانتشار مستفحل لسرطان الاستيطان...واللمز من كبار القادة الفلسطينيين ومثقفين عن عدم امكانية تحقيق كامل حق العودة،والانقسام والتشرذم،والمتاهة واللف والدوران في حلقات مفرغة،وكلُّ ما لدينا خطابات وشكاوى للمؤسسات الدولية التي لا تغني ولا تسمن من جوع... ولا تصغي للبائس الضعيف المستجدي،بل للقويّ العزيز الذي يفرض حضوره بالقوة امام هذا العالم الظالم...
ثلاثون عاما ونحن تحت طائل الاوهام والاكاذيب،ولم يفهم البعض منا أن التوجه للمجتمع الاسرائيلي بقصد كسب بعض اصواته لتحقيق السلام جاء بنتيجة عكسية...
ثلاثون عاما أو نصف قرن والبعض يراهن على لقاء " تيار السلام الاسرائيلي"، والنتيجة كيان صبغته تطرفية لا يؤمن بحق،ولا يسمع لأي كائن من كان في العالم...
ثلاثون عاما والقهر متواصل... ولعلني أتسأل اليوم اليس من الجدير بالامم ان تحاسب قادتها على اخفاق خمس سنوات؟؟ فكيف إذا كان الاخفاق ثلاثون عاما ؟؟
لا لن احب اوسلو،ولا من وقّعها،ولا من أيدها،ولا من باركها،ولا من سار فيها،ولا من صافح محتلا لأرضي وسالبا لحق شعبي في الكرامة والحرية مهما كانت رتبته ومهما كانت رمزيته،سواء كان على قيد الحياة أو قضى،لأنه بإختصار ذبح مبادئ ومفاهيم وثوابت ومرتكزات من الصعب،أو من المستحيل اعادتها إلى الحياة من جديد على يد أهل اللعينة اوسلو...لذلك كان عليّ أن ارحل لبيت أشتم فيه عبق البيت العظيم...لأكون منسجما مع معتقداتي ومبادئي وفلسفة حياتي ورسالتي في الحياة الدنيا.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى