محمود سلطان - هل تُسقط "الكوارثُ الطبيعية" الديكتاتورياتِ العربية "الهشة"؟!

إثر الفيضانات التي اجتاحت بريطانيا أواخر شهر يونيو عام 2007، وخلّفت أربعة قتلى وأكثر من (30) ألف مشرّداً، نقلت صحيفة (صنداي تلغراف) في عددها الصادر يوم 2-7-2007، عن "أساقفة كبار" في الكنيسة البريطانية قولهم: "إن الفيضانات الأخيرة التي شهدتها البلاد هي عقاب من الله على زيادة الجشع والفسق".

ونقلت عن أحدهم قوله أيضاً: "إن التراخي في قوانين الزواج والتشريعات المؤيدة للمثليين هي سبب الفيضانات التي ضربت بعض المناطق البريطانية، وشردت آلاف الأشخاص". وعندما عقب البعض على هذه التصريحات مستغرباً بالقول: "إن الأبرياء عوقبوا بالفيضانات"؟! رد الأساقفة: "إن غضب الله لا يميز بين البشر"! ونسبت الصحيفة البريطانية إلى أسقف وصفته بـ"رفيع المستوى" قوله: "هذا حكم قوي وواضح؛ لأن العالم أصبح متعجرفاً في اختيار طريقه", مضيفاً: "نحن نقطف نتائج انحطاطنا الأخلاقي والأضرار التي ألحقناها بالبيئة.

نحن نمر الآن بأزمة أخلاقية؛ لأن كل أساليب الحياة باتت غير شرعية". هذا الكلام، قيل في "بريطانيا الديمقراطية" وليس في بلد عربي "ظلامي"، بحسب وصف بعض غلاة العلمانيين الاستعلائيين! ولم يحدث أية ضجة، ولم تنبرِ أقلام وصحف للتهجم على الأساقفة، والسخرية منهم وتحويلهم إلى مادة إعلامية للتندر وإطلاق النكات، وما كنا سنعلم عن هذه التفسيرات الكنسية للفيضانات شيئاً، لولا أن نقلته ـ آنذاك ـ وكالة الأنباء الألمانية!

ولقد كتب عدد من الأمريكيين المنتمين إلى المحافظين الجدد مقالات، نشرت صحيفة الحياة اللندنية ـ آنذاك ـ بعضها تكلم صراحة بأن "إعصار كاترينا عقوبة من الرب بسبب دعم الولايات المتحدة لانسحاب إسرائيل من غزة". وبعيد كاترينا بأيام نقلت (رويترز) عن القس (فرانكلين جراهام) قوله أثناء زيارة له لمدرسة مسيحية بولاية فيرجينيا الأمريكية: "لقد كانت هناك سحابة روحية سوداء فوق (نيوأورليانز) منذ سنوات"، موضحًا أن (نيوأورليانز) "مدينة تُعرف بعبادة الشيطان، وانتشار الخمور، وتعاطي المخدرات، وأن البعض يعتقد أن الله استخدم الإعصار من أجل عمل صحوة دينية هناك". الوكالة ذاتها علّقت على ذلك بقولها: "إن بعض المسيحيين الأمريكيين يرون أن التطهير الجيد سيبدأ من الحانات والنوادي الراقصة المتراصة بشارع (بوربون) بالحي الفرنسي بالمدينة، حيث يجتمع السياح والمحليون هناك عند قدومهم إلى المدينة، خاصة أثناء احتفالات (ماردي جراس) السنوية التي تشهد العديد من مظاهر الخلاعة والعربدة". ونقلت عما وصفته بـ"مصدرها" بأنه قد شوهد أحد الإنجيليين المنصرين -ويدعى (مايكل ووكر)- بشارع (بوربون) حاملاً لافتة مكتوباً عليها "الوقت ينفد. هل تعرف المسيح؟".

في الجانب العربي/المسلم، وبعد زلزال المغرب (8 سبتمبر2023) وبعده بأيام إعصار "دانيال" الذي خلف ما يقرب من 20 ألف قتيل، وعشرات الألاف من المصابين المشردين واختفاء أحياء كاملة في مدينة "درنه" الليبية، تخلى العرب المسلمون عن التفسير "الديني/العقابي" للكارثتين، وتم إدراجهما في سياق لغة مختلفة تماما، اعتبرت الكارثتين نتاجا لـ"الفساد السياسي" الذي أفضى إلى الإضرار بالمناطق الفقيرة والعشوائيات ومدن الصفيح المحرومة من اهتمام الدولة وحنانها، بلغت حد خروج مظاهرات في عدة مدن ليبية ترفع أشهر شعارات الربيع العربي "ارحل" في إشارة إلى ضرورة "خلع" النظام السياسي بشقيه المدني "غرب ليبيا" والعسكري المتمرد "شرقها". فيما لم يتم تسجيل أية خطاب ديني مشابه للحالة الغربية المشار إليها فيما سلف، يتبنى موقفا "زجريا" يحيل الكارثة إلى "عقاب إلهي" جماعي للعرب المسلمين على "تقصيرهم" في حق الله.. أو يوظف الكارثة في سياق البحث عن "مشروع أخلاقي" جديد للعالم.

هذا التحول "العربي/ المسلم".. يعتبر منعطفا جديدًا، بحمولة "وعي سياسي"، يعزز بعض المقاربات التي ترى أن "الكوارث الطبيعية" قد تكون أقوى وأكثر تأثيرا في صوغ مستقبل بلاد عربية ـ مرشحة لما هو أسوأ حال تعرضها لكارثة طبيعية ـ من المعارضة التقليدية ومن الأحزاب المصنوعة خلف أبواب الغرف المغلقة في مكاتب جنرالات المخابرات.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى