الفرزدقُ الشّاعِرُ الكبير اسمه هَمّامُ بن ُ غالِبٍ التّميميُّ. لُقِّبَ بالفرزدقِ لجَهامَةِ وَجْهِهِ وَغِلَظِهِ. وهو من الشعراءِ الْمُقَدَّمينَ في العصرِ الأُمَوِيِّ ، وَمِنَ النبلاء البصريّينَ ، وأبوه صَعْصَعَةُ منْ أسيادِ تميم. وصَفَهُ ابْنُ سَلّامِ الجُمَحِيُّ (ت ٢٣١ هج في كتابه: طبقاتُ الشعراء) بِنَبْعَةِ الشعرِ العربيِّ. والنبعةُ من خيرِ الأشجار التي تُتَّخَذُ منها الْقِسِيُّ والسهام ، وهي ينبوعُ الماءِ أيْضًا.
وَقَالَ عنه أبو عُبيدَةَ مَعْمَرُ بنُ الْمُثَنَّى (ت ٢٠٩ هج) في شرحه لنقائض جرير والفرزدق (بثلاثة مجلّدات): لولا شعرُ الفرزدق لَذَهَبَ ثُلُثُ لُغَةِ الْعَرَبِ. وَلَيْسَ في هذا تَجاوُزٌ للحقيقة. فَمَنْ يُطالِعُ شِعْرَ الْفَرَزدقِ تَأْسِرْهُ جَزالَةُ اللَّفْظِ وصلابَتُهُ وخُشونَتُه أيْ (غَرِيبُ اللّغَةِ) ممّا دَفَعَ الْمُفَضَّلَ الضَّبِيَّ (ت ١٦٨ هج) على تقديمه على سائرِ شُعراءِ عَصْرِه.
طُبِعَ ديوانُ الفرزدقِ بمجلّدين، في دار صادر ، بيروت سنة ١٩٦٦م. ولكنَّهُ بتحقيقٍ وشرْحٍ ضعيفين، وطُبِعَ الديوان في الغرب منذ سنة ١٨٧٠م. وخيرُ الشروح لنقائض الفرزدقِ وهي في هجاءِ جرير ، شرحُ أبي عُبيدَة الذي مرَّ ذكْرُه.
شعرُ الفرزدقِ منتشِرٌ انتشارًا واسِعًا في كتبِ الأدَبِ. ويعتبَرُ من أهمّ شواهِدِ سيبويه الشعريٌة.
ومن الكتبِ المهمَّةِ التي صدَرَتْ في شِعْرِ الفرزدقِ كنابُ "لُمَعٌ من أخبارِ الْفرزدقِ وأشْعارِه" التي جاءَتْ في موسوعةِ "أنسابُ الأشراف" لأحمدَ بنِ يَحْيَى الْبلاذري، وقامَ بتحقيقِها المحقِّقُ والدّارِسُ الكبير بروفسور خليل عثامنة، وقامَ كاتِبُ هَذِهِ السطور بكتابةِ تقديمٍ له، والإشرافِ على تجهيزه للطباعة في مركز دراسات الأدب العربي، في المعهد الأكاديمي لإعداد المعلمين العرب في كليّة بيت بيرل، ثمّ صَدَر مطبوعًا عن دار الهدى (أ) بإدارة الأستاذ عبد الفتّاح زحالقة سنة ٢٠٠٧م.
أمّا النحْوِيُّ عَبْدُ اللهِ بنُ أبي إسحاق فهو مَوْلَى آلِ الحضرمي، وهم حلقاءُ بني عبدِ شمس القرَشيّين. كانَ بارِعًا في النحو ، وهو الجيل الثامن من تلاميذِ أبي الأسودِ الدُّؤَلي.
كانَ ابن أبي إسحاق مِمَّن يتعقّبونَ سَقَطاتِ الشعراءِ الْعَرَب ويُلَحِّنونَهم. وكانَ يَأخُذُ على الفرزدقِ أخطاءَهُ النحويّة، ويتَّهِمُهُ بِاللَّحْنِ في شعره.
فَلَمَّا قَالَ الفرزدقُ يمدَح يزيدَ بنَ عبد الملكِ الخليفةَ: من البسيط
مُسْتَقْبِلينَ شِمالَ الشّامِ تَضْرِبُنا
بِحاصِبٍ كَنَديفِ الْقُطْنِ مَنْثورِ
عَلَى عَمائِمِنا يُلْقَى وَأرْحُلِنا
عَلَى زَواحِفَ تُزْجَى مُخُّها رِيرِ
————
الحاصِبُ : القطع الصغيرة من الْبَرَدِ والثلج.
الزواحِف: الإبل التي أنْهَكَها السيرُ ، فأصبحت بطيئَةَ الحركةِ كأنها تزحف.
المُخُّ: يعني مُخَّ العظام. وَرير : الذّائِب.
يصف الفرزدق صعوبَةَ رحلتِهم من العراق إلى الشّام، وكيفَ تضربهم الرياح الباردة المصحوبة بحبيبات الثلج ونديفه التي غطَّت عمائمَهم وأرحلتهم، وكيفَ أصبحتْ مطاياهم لا تقدرُ على السير.
فقال ابن أبي إسحاقَ للفرزدق: لحنتَ في كلمة رير، التي حقُّها الرفع على الخبريّة .
فغضبَ الفرزدقُ واضطُّرَ أنْ يستبدلَها إلى:
على زواحِفَ تُزْجيها مَحاسيرِ
————-
المحاسير: جمع محسور وهو الْمُنْهك من التعب.
ولمّا أكثَرَ هذا النحويُّ مِنْ تخطِئَةِ الشّاعِرِ الكبير، جُنَّ من هذا النقد الشديد. فقالَ يهجو ابنَ أبي إسحاق هجاءً لاذعًا ويعيِّرُهُ بنسَبِهِ الوضيعِ لِأنّهُ مَوْلَى الموالي فهو حقيرٌ . وأكثرُ حقارَةً لأنه ليس مولى أحرار وإنما مولى بني الحضرمي وهم موالٍ.
غَيْرَ أنّ الرياحَ تجري بما لا تشتهي السفُنُ . وقعَ الفرزدَقُ في مَأْزَقٍ آخَرَ لم يستطِعِ الإفلاتَ منه عندما هجاهُ فقال: من الطويل
فَلوْ كانَ عَبْدُ اللهِ مَوْلًى هَجَوْتُهُ
ولكنَّ عَبْدَ اللهِ مَوْلَى مَوالِيا
فضحك منه ابن أبي إسحاق وَقَالَ له: لحنتَ يا شاعرَ العرب. وإنّما هي: مَوْلَى مَوالٍ. يجب حذف الياء لأن موالٍ نكرةٌ مجرورة.
فصاحَ الفرزدقُ به كالمفلسِ: اسمعوا أيُّها النحويّون: نَحْنُ الشعراءَ علينا الْقَوْلُ وَأنْتُمْ عليكم التعليل لما نقول.
سُقْتُ هذا الموضوعَ لأثبِتَ للأصدقاء ماهي قيمةُ النحوِ في اللغةِ ، وكيفَ أنّ شاعِرًا بِحَجْمِ الفرزدَقِ انْصاعَ للنحْوِيِّ. وماذا نقولُ لِكثيرٍ من شُعرائِنا الْيَوْمَ الذين يجهلونَ أسُسَ النحوِ العربي
أو ما يُسَمَّى بالنَّحْوِ الوظيفي الذي لا بُدَّ مِنْ معرفتِهِ ، فهو كَالأُدامِ للخبزِ.
وَقَالَ عنه أبو عُبيدَةَ مَعْمَرُ بنُ الْمُثَنَّى (ت ٢٠٩ هج) في شرحه لنقائض جرير والفرزدق (بثلاثة مجلّدات): لولا شعرُ الفرزدق لَذَهَبَ ثُلُثُ لُغَةِ الْعَرَبِ. وَلَيْسَ في هذا تَجاوُزٌ للحقيقة. فَمَنْ يُطالِعُ شِعْرَ الْفَرَزدقِ تَأْسِرْهُ جَزالَةُ اللَّفْظِ وصلابَتُهُ وخُشونَتُه أيْ (غَرِيبُ اللّغَةِ) ممّا دَفَعَ الْمُفَضَّلَ الضَّبِيَّ (ت ١٦٨ هج) على تقديمه على سائرِ شُعراءِ عَصْرِه.
طُبِعَ ديوانُ الفرزدقِ بمجلّدين، في دار صادر ، بيروت سنة ١٩٦٦م. ولكنَّهُ بتحقيقٍ وشرْحٍ ضعيفين، وطُبِعَ الديوان في الغرب منذ سنة ١٨٧٠م. وخيرُ الشروح لنقائض الفرزدقِ وهي في هجاءِ جرير ، شرحُ أبي عُبيدَة الذي مرَّ ذكْرُه.
شعرُ الفرزدقِ منتشِرٌ انتشارًا واسِعًا في كتبِ الأدَبِ. ويعتبَرُ من أهمّ شواهِدِ سيبويه الشعريٌة.
ومن الكتبِ المهمَّةِ التي صدَرَتْ في شِعْرِ الفرزدقِ كنابُ "لُمَعٌ من أخبارِ الْفرزدقِ وأشْعارِه" التي جاءَتْ في موسوعةِ "أنسابُ الأشراف" لأحمدَ بنِ يَحْيَى الْبلاذري، وقامَ بتحقيقِها المحقِّقُ والدّارِسُ الكبير بروفسور خليل عثامنة، وقامَ كاتِبُ هَذِهِ السطور بكتابةِ تقديمٍ له، والإشرافِ على تجهيزه للطباعة في مركز دراسات الأدب العربي، في المعهد الأكاديمي لإعداد المعلمين العرب في كليّة بيت بيرل، ثمّ صَدَر مطبوعًا عن دار الهدى (أ) بإدارة الأستاذ عبد الفتّاح زحالقة سنة ٢٠٠٧م.
أمّا النحْوِيُّ عَبْدُ اللهِ بنُ أبي إسحاق فهو مَوْلَى آلِ الحضرمي، وهم حلقاءُ بني عبدِ شمس القرَشيّين. كانَ بارِعًا في النحو ، وهو الجيل الثامن من تلاميذِ أبي الأسودِ الدُّؤَلي.
كانَ ابن أبي إسحاق مِمَّن يتعقّبونَ سَقَطاتِ الشعراءِ الْعَرَب ويُلَحِّنونَهم. وكانَ يَأخُذُ على الفرزدقِ أخطاءَهُ النحويّة، ويتَّهِمُهُ بِاللَّحْنِ في شعره.
فَلَمَّا قَالَ الفرزدقُ يمدَح يزيدَ بنَ عبد الملكِ الخليفةَ: من البسيط
مُسْتَقْبِلينَ شِمالَ الشّامِ تَضْرِبُنا
بِحاصِبٍ كَنَديفِ الْقُطْنِ مَنْثورِ
عَلَى عَمائِمِنا يُلْقَى وَأرْحُلِنا
عَلَى زَواحِفَ تُزْجَى مُخُّها رِيرِ
————
الحاصِبُ : القطع الصغيرة من الْبَرَدِ والثلج.
الزواحِف: الإبل التي أنْهَكَها السيرُ ، فأصبحت بطيئَةَ الحركةِ كأنها تزحف.
المُخُّ: يعني مُخَّ العظام. وَرير : الذّائِب.
يصف الفرزدق صعوبَةَ رحلتِهم من العراق إلى الشّام، وكيفَ تضربهم الرياح الباردة المصحوبة بحبيبات الثلج ونديفه التي غطَّت عمائمَهم وأرحلتهم، وكيفَ أصبحتْ مطاياهم لا تقدرُ على السير.
فقال ابن أبي إسحاقَ للفرزدق: لحنتَ في كلمة رير، التي حقُّها الرفع على الخبريّة .
فغضبَ الفرزدقُ واضطُّرَ أنْ يستبدلَها إلى:
على زواحِفَ تُزْجيها مَحاسيرِ
————-
المحاسير: جمع محسور وهو الْمُنْهك من التعب.
ولمّا أكثَرَ هذا النحويُّ مِنْ تخطِئَةِ الشّاعِرِ الكبير، جُنَّ من هذا النقد الشديد. فقالَ يهجو ابنَ أبي إسحاق هجاءً لاذعًا ويعيِّرُهُ بنسَبِهِ الوضيعِ لِأنّهُ مَوْلَى الموالي فهو حقيرٌ . وأكثرُ حقارَةً لأنه ليس مولى أحرار وإنما مولى بني الحضرمي وهم موالٍ.
غَيْرَ أنّ الرياحَ تجري بما لا تشتهي السفُنُ . وقعَ الفرزدَقُ في مَأْزَقٍ آخَرَ لم يستطِعِ الإفلاتَ منه عندما هجاهُ فقال: من الطويل
فَلوْ كانَ عَبْدُ اللهِ مَوْلًى هَجَوْتُهُ
ولكنَّ عَبْدَ اللهِ مَوْلَى مَوالِيا
فضحك منه ابن أبي إسحاق وَقَالَ له: لحنتَ يا شاعرَ العرب. وإنّما هي: مَوْلَى مَوالٍ. يجب حذف الياء لأن موالٍ نكرةٌ مجرورة.
فصاحَ الفرزدقُ به كالمفلسِ: اسمعوا أيُّها النحويّون: نَحْنُ الشعراءَ علينا الْقَوْلُ وَأنْتُمْ عليكم التعليل لما نقول.
سُقْتُ هذا الموضوعَ لأثبِتَ للأصدقاء ماهي قيمةُ النحوِ في اللغةِ ، وكيفَ أنّ شاعِرًا بِحَجْمِ الفرزدَقِ انْصاعَ للنحْوِيِّ. وماذا نقولُ لِكثيرٍ من شُعرائِنا الْيَوْمَ الذين يجهلونَ أسُسَ النحوِ العربي
أو ما يُسَمَّى بالنَّحْوِ الوظيفي الذي لا بُدَّ مِنْ معرفتِهِ ، فهو كَالأُدامِ للخبزِ.