فاتن فاروق عبد المنعم - بقعة ضوء (٢٠) فتح الأندلس

(٢٠)
فتح الأندلس


بدأ عام 711م وبحلول عام 716م كان قد تم فتح معظم شبه جزيرة إيبيريا (أسبانيا والبرتغال)

وكما هي عادة كينيدي بل أنه هذه المرة أشد وأعنف في الانتقاص من قدر المسلمين فهو يهون ويشكك في المصادر العربية وعلى حسب زعمه أن الروايات العربية مليئة بالخرافات والأساطير حول هذا الفتح، فقط هو يعتد بمخطوط كتبه أحد الموظفين بالديوان بعد أن استتب الأمر للمسلمين وهو يعتقد غير جازما أنه مسيحي ومن العجيب الذي تفرد به المؤرخ العلامة هو أن يقول طبقا لمخطوطة من وثق في توثيقه أنه لم يثبت أن الجيش المرافق لطارق بن زياد كان من المسلمين، فهل هذه البلاد فتحها آخرين غير مسلمين وبعد إتمام الفتح اصطفوا على الجانبين يحنون هاماتهم ليرحبوا بأعضاء الحكومة الإسلامية «الأمويون» ويسلموهم مفاتيح هذه البلاد كي يضموها لرقعة البلاد الإسلامية، أي منطق دفعه ليقول لنا هذا؟!

في الوقت الذي غزا محمد بن القاسم بلاد السند كان طارق بن زياد عبر المضيق ليصل إلى جنوب الأندلس التي كانت تابعة للمملكة الجرمانية، ويعود كينيدي ليناقض نفسه ويقول:

«وعلى السطح كانت فكرة أن مجموعة صغيرة من البربر ومعهم عدد قليل من الضباط العرب تمكنوا من مهاجمة هذه الدولة القوية وتدميرها غير مفهومة بالمرة»

ما لن يدركه كينيدي:

أن ميزان المسلم في كل عمل يعمله فقط هو الإيمان، فما النصر إلا من عند الله، وبما ان كل عمل عرضة للمكسب أو الخسارة، النصر أو الهزيمة فإن المكسب أو النصر قرنه المولى بقوة الإيمان لدى المسلم، ومن الملاحظ أن فترات القوة في تاريخ المسلمين اقترنت اقترانا واضحا بقوة الإيمان على مستوى الفرد والمجتمع، فإن حرص المجتمع على التصدي للمذنب أو المنحرف حمية لله أولا وأخيرا تصبح الشبكة «المجتمعية» قوية وحائط صد تحول دون الانهيار على كل المستويات،

وإن هانت محارم الله على جماعة المؤمنين ولم يأخذوا على يد المذنب أو من يجهر بالنيل من جناب الله فإن العقاب يكون جماعي، وبذلك يكون قوة العقيدة هي البوصلة التي تقوده إلى النصر أو الهزيمة.

تم فتح الأندلس بثلاثين ألف جندي أغلبهم من البربر مع قلة من العرب، وكان الزحف والخوض في المخاطر فقط حمية لله ولإعلاء كلمته فكان النصر حليفهم، ولما تعكر صفو الإيمان بالقلوب وتشعبت المآرب وزاغت الأبصار والقلوب تجاه الدنيا وزخرفها وأصبح لدى المسلمين أندادا يحبونهم كحب الله أو أشد فضعفوا ووهنوا وتوالت الصدوع والمؤشرات السافرة بأن المسار خاطئ وأنهم ماضون إلى الهلاك المحقق ولم يستمعوا لأي رشيد استصرخهم، فزال مجدهم وفقدوا الأندلس رغم أنهم وقت الانهيار أكثر عددا وأكثر تطور وتقدم وصنعوا حضارة وتركوا إرثا علميا وثقافيا كان التكأة والمنطلق نحو التقدم الآني للغرب الذي سرق منجزههم من الأندلس وأثناء الحروب الصليبية.

ودائما وأبدا كان المسلمون أقل عدة وعتاد من عدوهم بل إن الله لم يطلب منهم أن يتساووا مع عدوهم كي يتحقق النصر بل خاطبهم جلا وعلا قائلا:

{وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ ۚ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ} (60) الأنفال

وكعادته يطلق كينيدي أسئلة استنكارية دون إجابة وهو الباحث المعني بدراسة الأسباب والشروح التي قادت لهذه النتيجة، وقوله الذي يبطن نبرة استعلاء لا تليق بعالم يكفيه علمه واحتقارا لجيش المسلمين:

«كيف تمكنوا من مهاجمة الدولة القوية»

كأنه يقول كيف لقلة مستضعفة، بدو أجلاف كما وصفهم الفرس والروم، والذين هم أراذل قومهم كما وصفهم القرآن أن ينتصروا على إمبراطورية راسخة كالفرس والروم والمملكة الجرمانية ؟!

فهل هو بحاجة لأن يعرف أن جيوش المسلمين لم تهاجم سوى الدول القوية والإمبراطوريات الراسخة فلا يستغلون حاجة الفقراء والمعدمين ليبشروا بدينهم بينهم، بل موطئ أقدامهم دائما حيث توجد القوة والمنعة وفي وضح النهار على أرض صلبة.

أما كينيدي فيمعن في غلوائه ويصرح بمنطقه المعوج ليقول أن البربر حديثي عهد بالإسلام وليس لدى القيادة أي ثروات بها يكافئونهم على ولائهم للدين الجديد، فلجأت هذه القيادة لغزو أيبيريا الغناء كي ينعموا بالغنائم والأسلاب، فكيف يصدر لنا هذه الترهات التي لا تليق بعالم محقق مدقق في الأسباب والنتائج؟! كيف لإنسان يلقي بنفسه في المخاطر ويجوس في المجهول من أجل أن يحصل على الغنائم والأسلاب؟!!!!

أسباب سقوط الأندلس:
ترك أطراف المدن بعيد عن عين الإدارة الحاكمة في العاصمة، وعدم مراقبة القوط الذين سكنوا أعالي الجبال ودبجوا خططا بليل مما أتاح لهم الالتحام مع الظهير الأوروبي المتاخم لهم فأمدوهم بكل أنواع الدعم.

تحول العرب في الأجيال المتأخرة إلى ملوك يركنون إلى الاستقرار والتمتع بالحياة الفخيمة الارستقراطية وتأصيلها بعكس الفاتحين الأول الذين كانوا مشبعين بفكر الجهاد المفضي إلى التوسع غير المحدود.

ظلم العرب الفاتحين للبربر الذين شكلوا السواد الأعظم من جيش الفتح، حيث أبقوهم للجندية واحتفظوا بالمناصب الإدارية داخل الديوان لأنفسهم.

التحول التدريجي إلى الرقة في الدين حتى عاشوا حياة الترف والدعة وما استتبع ذلك من العكوف على الجواري والقيان والندمان مما سبب وهن القلوب وفتور العزائم والهمم وضمور الأهداف ومحدوديتها.

بروز النعرات القبلية السابقة على الإسلام بينهم فأصبح الافتخار بالأصل العريق والقبيلة الأولى يفوق التفاخر بالإسلام نفسه، فأصبحت حميتهم جاهلية كحمية الجاهلية الأولى وتراجع الولاء والبراء لله فأصبح الولاء والبراء لألفونس الذين كانوا يدفعون له الجزية ويستقوون به على بعضهم البعض، حتى أصبح رضا ألفونس عندهم مقدم على رضا الله، فكان جزاءهم من الله أن تم تقسيم الأندلس إلى 22 دولة لا تنتهي الخلافات بينهم وكانوا يغيرون على بعضهم البعض أحيانا مستعينين بالمرتزقة أيا كان دينهم، باعوا أمتهم للعدو المتربص ثمنا لبقائهم بالسلطة، حتى انتهوا إلى الطرد المبرح والقتل وممارسة مختلف صنوف التعذيب والجلد والحرق والقهر لتصبح الأندلس درسا قاسيا نتجرع مرارته جيلا بعد جيل.

قول المستشرقين عن الإرث الحضاري للأندلس:

سأكتفي بهذه الأمثلة القليلة فقد سبق لي تناول فتح الأندلس باستفاضة وبشكل موسع

المستشرق الأسباني خوان فيرينيت في كتابه «فضل الأندلس على ثقافة الغرب»

«حضارة» أكبر من أن توصف، تدين لـ«عرب أسبانيا» بالفضل، وما تركوه من اختراعات وترجمات «كانت مبعث الانطلاقة العلمية الهائلة لعصر النهضة»

المؤرخ الأمريكي مارك جراهام:

أوروبا جلست تتعلم تحت أقدام الأساتذة المسلمين لمدة 500 عاما

المستشرق الفرنسي جوستاف لوبون في كتابه حضارة العرب:

لم يقتصر فضل العرب والمسلمين في ميدان الحضارة على أنفسهم فقد كان لهم الأثر البالغ في الشرق والغرب فهما مدينان لهم في تمدنهم، وإن هذا التأثير خاص بهم وحدهم فهم الذين هذبوا بتأثيرهم الخلقي البرابرة.

الإنصات لقول المستشرقين ليس من قبيل الاعتزاز بما كان ولكن أقوالهم تجيب لك عن أسئلة كثيرة مشتعلة داخلك ولا تجد لها إجابة أو أن زمن الفتن بعتمتها أغشتك فلم تعد تعرف الصواب من الخطأ، فهل عرفت لماذا يتم احتوائنا وتطويقنا وتحجيمنا؟

هل عرفت لماذا تم بشكل ممنهج احتقار اللغة العربية والدين وتعاليمه، موطن القوة الحقيقية، هل عرفت لماذا صورة الشيخ فقط والمدرس سيئة في الأعمال الدرامية؟ هل عرفت لماذا الهجوم في أعلام الرايات الحمر لا يتوقف على الإسلام فقط وتابعيه مع احترام أي ملة أخرى حتى ولو كان عابدا لرجل كرسي

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى