د. أحمد الحطاب - فرعون موسى وفرعون إسرائيل

إذا كان فرعون، في عهد موسى، نبي الله ورسوله، عليه السلام، طاغيةً، مُلحِدا، مشرِكا، متجبِّرا، عاتيا، متغطرِسا…، فإن بنيامين نتنياهو Benyamin Netanyahu، رئيس حكومة دولة إسرائيل الحالي، فاقَه في كل شيء. بمعنى أن فرعون كان طاغيةَ عصرِه بينما نتنياهو هو طاغيةُ العصر الحديث.

في الماضي القريب، وبالضبط، في بداية وفي النصف الأول من القرن العشرين، ظهر في العالم طُغاةٌ وجبابِرة مثل هتلر Hitler (ألمانيا، القارة الأوروبية)، موسوليني Mussolini (إيطاليا، القارة الأوروبية)، ستالين Staline (الاتحاد السوفييتي، القارة الأسيوية)، الأسد، الأب والإبن (سوريا، القارة الأسيوية، الشرق الأوسط، العالم العربي)، رؤساء الصين وكوريا الشمالية (القارة الأسيوية)، بينوشي Pinochet (الشيلي، القارة الأمريكية، أمريكا الجنوبية)، إيساياس Issayas Afewerki (إرتريا، إفريقيا)... فكل قارة لها نصيبُها من الجبابِرة والطُّغاة. وعالمنا الحاضر لا يزال فيه طُغاةٌ وجبابِرة، إن على مستوى الأفراد أو على مستوى البلدان.

على مستوى البلدان، هناك رؤساء دولٍ يعملون في وضوح النهار كرؤساء كوريا الشمالية Corée du Nord وتُركمانِستان Turkménistan وسوريا Syrie وروسيا البيضاء Biélorussie وغينيا الاستوائية Guinée Equatoriale…، وهناك رؤساء دول يعملون بكيفية مقنَّعة مختبئين وراء الديمقراطية التي ليست، بالنسبة لهم إلا واجهة يخدعون بها شعوبَهم والعالم، أو مطِية يركبونها للبقاء في الحكم مدى الحياة. والعالم مليء بهذا النوع من الرؤساء وخصوصا في البلدان النامية أو السائرة في طريق النمو.

بنيامين نتنياهو، الذي هو موضوع هذه المقالة، جمع بين هذين النوعين من الرؤساء، أي يعمل، تارةً، في وضوح النهار، وتاراتٍ، مختبئا وراء الديمقراطية. ولهذا عنوَنتُ هذه المقالة ب"فرعون موسى وفرعون إسرائيل". فإذا كان فرعون موسى يُعلِن شِركَه وطُغيانَه وكُفرَه أمام الملأ، فبنيامين نتنياهو يعمل، كرئيس حكومة، بقُبَّعتين. قبَّعة واضحة المعالم باسم الديمقراطية، وقبًّعة أخرى كلها خداعٌ ومكرٌ واحتيال… والقبَّعة الثانية هدفُها الأول والأخير، غير المُعلن، هو "توسُّعُ إسرائيل من الفُرات إلى النيل". فحينما يُرخِّص لإنشاء المستوطنات في الضفة الغربية وفي غلاف غزة (الأراضي الفلسطينية المحتلَّة المُحيطة بغزة)، فإنه يضع الخطوات الأولى لهذا التَّوسُّع، دون أن يفصَحً عن نواياه، أي يعمل بالقُبَّعة الثانية.

وما يزيد هذا الطَّاغية جبروتاً وقوَّةً، كونُه يحظى بدعمٍ لا مشروط من طرف أعظم قوَّةٍ في العالم، أي الولايات المتَّحدة على وجه الخصوص والعالم الغربي بصفة عامة، وحتى، نوعا ما، من طرف الصين وروسيا، اللتان تُقِيم معهما إسرائيل علاقاتٍ دبلوماسية متينة. دون أن ننسى أن إسرائيل محمِيةٌ من طرف مجلس الأمن، من خلال الولايات المتحدة، المملكة المتَّجدة وفرمسا، الأعضاء الدائمون في هذا المجلس والمتمتٍّعون بحق النقض أو الفيتو le veto. وما دام بنيامين نتنياهو يستفيد من هذا الدعم الامشروط، فإنه لن يكرهَ أن يرتديَ على الدَّوام القبَّعةَ الثانية ليمكرَ ويكيدَ أضعافَ ما كان عليه فرعون موسى من مكرِ وكيدِ.

والدليل على استمرار مكرِه وكيدِِه، هو سَعيُه الحثيث لإضعاف السلطة القضائية بإسرائيل وذلك بنقل بعض اختصاصاتها، منها إلى السلطتين التَّشريعية والتَّنفيذية، علما أن محاولتَه هذه ليست، في الحقيقة، إلا محاولة لإنقاد نفسه من قبضة محاكمة العدالة الإسرائلية بحكم تورُّطِه في قضايا فساد. قضايا يُعتَبَر فيها بنيامين نتنياهو من كبار الفاسدين والمفسدين الذين أنجبتهم السياسة في إسرائيل. إنه مكرٌ يسعى، من خلالِه، هذا الأخيرُ جعلَ السلطتين التَّشريعية والتَّنفيذية فوق القضاء، وبالتالي، تحصين نقسه وحزبِه، الليكود likoud من اتهامات القضاء. وهو الحِزبُ الذي يترأسه بنيامين نتنياهو والذي له وجهان : وجهٌ يميني de droite من أجل الانتخابات، و وجهٌ يميني متطرف من حيث الممارسات. وهنا، يجب أن لا ننسى أن ميثاقَ هذا الحزب، أي الليكود، لا يعترف بوجود دولة فلسطينية ويعتبر أن الشعبَ اليهودي له الحق في أرض فلسطين تاريخيا ودِينيا. كما يعتبِر هذا الميثاقُ القدسَ عاصمةً لدولة إسرائيل وغير قابلة للتَّقسيم، أي هي عاصمة إسرائيل وإسرائيل وحدها.

ومن هنا، يتبيَّن لنا أن بنيامين نتنياهو، حينما قرَّر الهجومَ على غزة، إنما يطبٍّق إيديولوجيةَ حزبه التي ينصُّ عليها ميثاقُ حزب الليكود. كما يتبيَّن لنا أن جزبَ الليكود يُكِنُّ كراهيةًٍ كبيرةً للشعب الفلسطيني، وبالتالي، يُكِنُّ تُجاهه غطرسةًٍ وتجبُّرٍأً يُراد، من خلالهما، إبادة هذا الشعب، وبالتالي، جَعلُ الباب مفتوحا للبدءِ في تطبيق ما يُسممَّى "إسرائيل الكبرى" le grand Israël التي تمتدُّ حدودُها من الفُرات Euphrate إلى النيل Nil.

وهذا حُلمٌ لن يتحقَّق أبدا! أولاً لأن الأحزابَ السياسيةَ الإسرائيلية ليست على كلمةٍ موحَّدة في هذا الشأن. ثانيا والأهم، هو أن المقاومةَ الفلسطينية، مهما تعدَّدت توجهاتُها السياسية، مُجمِعَةٌ على هدف واحد، هو تحرير فلسطين من الاحتلال الصهيوني أو، على الأقل، إقامة دولة فلسطينية حرُّة ومستقِلَّة. يُضاف إلى كل هذا أن طرفي النزاع، أي الجيش الإسرائيلي والمقاومة الفلسطينية غير متساويين من حيث قوة السلاح والعتاد الحربي. غير أن هذا الجيش، إلى يومنا هذا ورغم مرور أكثر من 75 سنة على هذا النزاع، لم يستطِعْ ولن يستطسعَ أن يفرضَ إرادتَه على الفلسطينيين. كما لم يستطع أن ينزع من وِجدان ومن وعيِ ولاوعي هؤلاء الفلسطينيين، كِباراً ةصِغاراً، قضيتَهم المقدَّسة. وما الانتفاضتان الأولى والثانية ويوم الأرض والهجمات على الصهاينة واللجوء إلى الحجارة كسلاح وعمليات الكومندو les commandos والصمود الباسل الحالي لحماس أمام أقوى جيشٍ في العالم… إلا تعبيرٌ عن إرادةٍ قويةٍ لشعبٍ لا يفرِّق بين الحياة والاستشهاد.

ما أختِم به هذه المقالة، هو أن بنيامين نتنياهو أخطر بكثير من النازيين les nazis ومن الفاشستيين les fascistes، بل أخطر من الأوروبيين البِيض الذين فرضوا الأبرتهايد apartheid على جنوب إفريقيا. إنه، بالأحرى وكما سبق الذكرُ، فاق فرعونَ موسى. إنه، بكل بساطةٍ، فرعون العصر الراهن. وفوق هذا وذاك، إنه مجرمٌ، نرجسي، يحبُّ أن يُعبَدَ، تسلُّطي، يحِب حقوقَ الإنسان لتدعيم وجوده ويُنكِرها عندما تتعارض مع أهدافه الدنيئة، شِرِّير، وحشي، قاسي، فاسد، مرتشي، مُناوِر، مُزوِّر سياسي، بؤرة للفساد، عنيد، مبالِغٌ في الثقة بنفسه، شديد الأنانية، لا يأبَه بالآخرين، مُتعالي، متكبِّر، مجنون بالعَظَمة… فكيف لشخصٍ من هذا النوع أن يقبلَ نُصحَ الآخرين؟ وكيف له أن يقبل وقفَ إطلاق النار رغم أن أحرارَ العالمَ بأسرِه، وحتى في الدول الغربية، ضدَّه؟ فالأحرى أن يقبلَ هُدنةً إنسانيةً! الإنسان لا يساوي شيئا عنده، وخصوصا إذا كان عربيا مسلِما! قَتلُه، سواءً كان رضيعاً، طفلاً، مُسِنّاً، رجلاً أو إمرأةً، بالنسبة له، واجبٌ لكي لا يكونَ حجرَ عترةٍ في وجه خطَّتِه الدنيئة، الوحشية والهمجية. إنه ماضٍٍ في تطبيق ما ينصُّ عليه ميثاق حزبِه الليكود. إنه فرعونُ العصر الحديث الذي يتحدَّى القِوى العظمى التي تكيلُ بمكيالين، وعلى رأسِها الولايات المتحدة، ويتحدَّى الأممَ المتحدة والعقلاء ورجالَ الدين، ويتحدَّى حتى المعارضين اليهود داخلَ وخارجَ إسرائيل… ويتحدَّى العالمَ بأسره… إنه فرعون عصرِه الذي كاد أن يقولَ : "انا ربُّكم الأعلى"!

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى