ياسر أنور - الفرق بين (الكتاب – التوراة- الألواح- الصحف) في القرآن

يحاول كثير من المحدثين أن يفرقوا بين دلالة هذه الكلمات في القرآن ، وأنها مختلفة ومتغايرة ،شكلا ومضمونا ، وقد بنوا اجتهادهم على أدلة معينة منها قوله تعالى: "ويعلمه الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل"، وقالوا إن عطف التوراة على الكتاب يقتضي أن تكون التوراة مغايرة للكتاب، وهذا رأي له وجاهته، لكنه يقودنا إلى نتائج قد تبدو غير منطقية ، فبهذا المفهوم يكون الكتاب غير القرآن في قوله تعالى : تلك آيات الكتاب وقرآن مبين، فهل عطف كلمة القرآن على الكتاب تعني أن القرآن غير الكتاب؟ وإن كان الأمر يدعون ، فما مضمون هذا الكتاب ,أين هو ، وما مضمون التوراة، وأين هي، كي نستطيع التمييز بينهما؟ كما يذهب بعض المحدثين في مغالاة مفرطة ليقولوا إن التوراة لم تنزل على موسى، وذلك لعدم وجود آية قرآنية تنص على ذلك صراحة، فالآيات التي ذكرت فيها كلمة التوراة، تذكر في سياق مثل: ومصدقا لما بين يدي من التوراة، وفي قوله تعالى : إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور، وفي قوله تعالى : قل فأـوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين.
ولكي نناقش هؤلاء، فلابد أولا من الاتفاق على بعض المصطلحات قبل استكمال الحوار، فلابد أن نتفق إذن على أن، :
الكتاب تعني الشيء المكتوب أو المجموع والمضموم.
الكتاب قد يكون سطرا واحدا مثل قوله تعالى على لسان سليمان : إنه من سليمان وإنه باسم الله الرحمن الرحيم، وقد يكون الكتاب كبيرا لدرجة لا يمكن تخيلها مثل اللوح المحفوظ كما في قوله تعالى : وعنده أم الكتاب، أو بدرجة أقل حجما مثل قوله تعالى : ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه
وبهذا المعنى فإنه يمكن تسمية اللوح كتابا ، وكذلك الصفحة الواحدة يمكن تسميتها كتابا.
فاللوح المحفوظ كتاب
وألواح موسى كتاب
وصحف إبراهيم كتاب
والتوراة كتاب
وزبور داود كتاب
لكن ما المقصود بكتاب موسى في قوله تعالى : وآتينا موسى الكتاب، وقوله ومن قبله كتاب موسى إماما ورحمة، وما الفرق بينه وبين التوراة و الألواح؟
التفريق بين هذه الكلمات يأتي تبعا لاعتبارات عدة، منها المضمون أو المحتوى، ومنها الشكل الذي كتبت فيه.
فكتاب موسى يشمل التوراة والألواح والصحف، وهو يتضمن قصصا وأحداثا وتشريعا، فكلمة التوراة تتركز في دلالتها (غالبا) على التشريع والتحريم والتحليل، مثل قوله تعالى : إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون، وقوله: كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل على نفسه من قبل أن تنزل التوراة، وقوله ومصدقا لما بين يدي من التوراة ولأحل لكم بعض الذي حرم عليكم. ومع ذلك فالتوراة أيضا تحوي أحداثا ونبوءات مثل قوله تعالى: لم تحاجون في إبراهيم وما أنزلت التوراة إلا من بعده. فإبراهيم إذن مذكور في التوراة بعيدا عن التشريع.
وقوله تعالى: النبي الأمي الذي يجدونه (مكتوبا) عندهم في التوراة ، فالتوراة أيضا تحوي نبوءات مكتوبةعن نبي الإسلام ، فهي كتاب مكتوب (مكتوبا عندهم في التوراة)، لكنها مخصوصة ، وكلمة الكتاب أعم. إن دلالة كلمة الكتاب في عهد موسى تختلف عنها في عهد المسيح عليه السلام، فهي تعني في سياق موسى التوراة المكتوبة والألواح المكتوبة والصحف المكتوبة. أما في عهد المسيح ، فدلالة كلمة الكتاب تتسع لتشمل الأسفار الأخرى مثل إشعيا ودانيال و زبور داود وغير ذلك، فحين يقول الله تعالى : ويعلمه الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل، فالكتاب هنا يشمل كل أسفار موسى وما يليه من أسفار ، أما التوراة فهي تركز على التشريع.
وإذا تأملنا دلالة كلمة الألواح، فإنها تركز على المادة التي كتبت فيها أوامر الله وتشريعاته ، وما قصه على موسى عن السابقين،فهي تشمل التوراة والأحداث المختلفة: وكتبنا له في الألواح من كل شيء موعظة وتفصيلا لكل شيء.
السياق إذن هو الذي يفرق بين دلالة الكلمة شكلا ومضمونا . أما الدليل على أن التوراة خاصة بموسى، فبعيدا عن إجماع أهل الكتاب والمسلمين، فالقرآن يقول : إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا، والذين هادوا هم قوم موسى بدءا من حادثة العجل .
فكتاب موسى معناه كل ما هو مكتوب في عصر موسى ،وهو يشمل التوراة والألواح والصحف.
لكن دلالة كلمة الكتاب تتسع حتى عصر المسيح عليه السلام ليشمل الإنجيل كذلك ، فقوله تعالى : يا أهل الكتاب تعني يا أهل المكتوب ، ويشمل (التوراة- الألواح- الصحف الزبور- الأسفار – الإنجيل ) ،
ولأن الموضوع يحتاج إلى مجلدات، فقد حاولت أن أوجزه بقدر ما أستطيع.

ياسر أنور

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى