كانت الإنبهار تذكرتي الثمينة المقتطعة لخوض المزيد من المغامرات والأسفار القرائية الماتعة مع نصوص العبقري الملهم رشيد بوجدرة .
ما إن خضت في قراءتها حتى ألقت على ذاكرتي مائة عام من العزلة لماركيز بوارف ظلالها وشبكات أسمائها المعقدة.
إيلا ليل لام لول كال كول على وعلي مكرر عليا إنبهار1 إنبهار2 إنبهار3 من هذه الأسماء اللامية والمكررة إختلق لنا بوجدرة شيفرة لولوج عوالم شخوص نصه المبتكرة ودواخل ذواتهم المعذبة.
بداية خلتني أذرع متاهة إسمية مدوخة وشبكة من دهاليز أنفس محيرة.
لكني مع جمالية لغة النص السردية الآسرة لم أشعر بي إلا وقد تماهيت ضمن أحداثها وانصهرت في بوتقة حيوات أبطالها .
أرافقهم كظلالهم دونما فكاك ولا فراق في حلهم وترحالهم .
أجوب معهم المدائن والأزقة والحارات والعواصم والقارات.
من قسنطينة إلى عنابة إلى باتنة من تونس إلى موسكو ومن بكين إلى هانوي بفيتنام ومن عاصمة كتالونيا برشلونة إلى الجزائر العاصمة ومنها إلى باريس وأنا أقاسمهم أحلامهم المسروقة وخيباتهم المتراكمة وأمانيهم الصريعة وسعاداتهم البريئة القصيرة وأحزانهم الكافرة وآمالهم المؤودة وعذابات حيواتهم البائسة ومصائرهم المفبركة وحتوفهم المحتومة.
إيلا عقيم وداره تعج بالبنين ! .
من أين جاءوا ؟ .
وحرمه المصون ليل ماكانت زوجة خؤونا ولا عاهرة من العاهرات ! .
إنهم أولئك الذين انتشلهم من شوارع التيه واستنقذهم من فوهات الجحيم وأشداق الضياع .
وأولئك الذين استلبهم من التيفوس الذي استرق أرواح آهاليهم عنوة في الثلاثينيات.
وأولئك الذين واراهم بعيدا عما زحف من فضيع المجاعات في الأربعينيات.
ومنهم أولئك الأطفال الأبرياء الذين أخطأهم رصاص عسكر فرنسا المسعور دون أن يخطئ صدور آهاليهم العارية إلا من حلم الحرية والتحرر من ربقة الإستعباد في مجازر الثامن من ماي عام 1945م الدامية .
إيلا عقيم وداره تغص بالأيتام المتبنين.
كل أولئك الأيتام المساكين باتوا إخوة من رحم اليتم الذي منه قد ولدوا .
وإخوة من حليب البؤس الذي رضعوا .
تربطهم صلة إنسانية ووطنية قبل أي وشيجة قبلية أو عائلية .
لقد نذر إيلا حياته للأيتام المتبنين ولتهجين أجود السلالات من الخيول الأصيلة .. مع هوس مكين في محاكاة قدامى المستكشفين الجغرافيين وكبار الرحالة المشهورين بالسفر والرحيل أملا في الحصول على الحصان الأسطورة العجيب .
هل كانت حقا جذوات عشقه التي لا تخمد للأسفار وشغفه المستعر بالخيول بديلا مقنعا لعقم ينخر ذاته نخر السوس للخشب ؟ .
أم أن ولعه بالأحصنة والترحال ماكان إلا هروبا يمارسه كمتصوف مأخوذ بنشوة كذوب أو كدرويش مفتون بالجنون والخبل ؟.
وهل يفلح الإنسان حقا في الفرار من ذاته طيلة حياته حتى ولو كان من الخالدين ؟ .
لقد كان من مقدور إيلا أن يعيش حياته عقيما حتى الرمق الأخير .
ورغم ذلك فقد تناسل من صلب إنسانيته الأصيل حفدة وبنين علمونا بأسئلتهم الحارقة والمعلقة الحائرة معنى الهوية والتاريخ .
وأن الحياة دونهما لا معنى لها وأنها في غيابهما لا تعني غير التيه والعدم .
وأن الحياة دونهما ماهي إلا اغتراب الروح في منفى الجسد .
وما كل شخصية فاقدة لمقوماتهما إلا ذات مشربة بالإنفصامية مغرقة بالألم .
إذا كانت عذابات العقم هي من لازم إيلا طوال حياته فإن الحالة المدنية المغلوطة والمغرقة بالإبهام والوهمية هي من رافقت لام في حله وترحاله وأججت صراعات ذاته المعذبة .
إذ ظل جهله المطبق لإسمه الحقيقي وأبويه البيولوجيين وتاريخ ومكان ازدياده عقدة عصية عن الحلحلة والتفكيك .. ليعيش ضائعا بين متاهات النسب ومدارات الدم والفجور .
حضرتني رواية مائة عام من العزلة مع بداية قراءتي للنص ومع قراءتي ليوميات لام الثورية صيف 1957م وجدتني أستحضر رواية اللاز الخالدة لأبو الرواية الجزائرية وعرابها القامة الأدبية السامقة الطاهر وطار رحمة الله عليه ..تلك التحفة الأدبية الخالصة التي كان لها السبق الفريد بجرأتها على نقد سيرورة ثورتنا التحريرية المظفرة واطراداتها برؤية نقدية أشمل من كل الرؤى التي عملت على تضييق رحيب آفاقها . ولكأن يوميات لام التي خطها بوجدرة قبس من وهج اللاز المنير وألم من عظيم آلامها .
وما إن قرأت سيرة لام من يوم التحاقه بالثورة قادما من قسنطينة ودخوله عرينها ومعقلها بجبال الأوراس الشمآء بباتنة إلى نقله لتونس الشقيقة لعلاج ساقه المعطوبة حتى ظننت أن قصته هي منبع فكرة ذاكرة الجسد ورحم مولد بن طوبال بطلها للكاتبة الجزائرية السيدة أحلام مستغانمي .
أستقرأ بحاسة ذائقتي الأدبية كصوفي حضرة كل هذه النصوص النورانية والنارية المتيميزة بفرادة ابتكاراتها وبديع تناصها .
إن ما زاد رواية الإنبهار ثراء هو إعطاء الكاتب لكل مدينة أو بلد مساحة سردية لسيرتها التاريخية مذ بدء التأسس والتكوين وهذا مايقتضي منا الإعتراف بأن الأديب العملاق رشيد بوجدرة شعلة متقدة من ذكاء خارق وانه ثروة معرفية ثرية وموسوعة فكرية متنقلة .
وهذا ما يعطينا الإنطباع ايضا بأن رواية الإنبهار المبهرة هي أيضا روافد من التاريخ الأصيلة والمتأصلة .
جمعي شايبي
ما إن خضت في قراءتها حتى ألقت على ذاكرتي مائة عام من العزلة لماركيز بوارف ظلالها وشبكات أسمائها المعقدة.
إيلا ليل لام لول كال كول على وعلي مكرر عليا إنبهار1 إنبهار2 إنبهار3 من هذه الأسماء اللامية والمكررة إختلق لنا بوجدرة شيفرة لولوج عوالم شخوص نصه المبتكرة ودواخل ذواتهم المعذبة.
بداية خلتني أذرع متاهة إسمية مدوخة وشبكة من دهاليز أنفس محيرة.
لكني مع جمالية لغة النص السردية الآسرة لم أشعر بي إلا وقد تماهيت ضمن أحداثها وانصهرت في بوتقة حيوات أبطالها .
أرافقهم كظلالهم دونما فكاك ولا فراق في حلهم وترحالهم .
أجوب معهم المدائن والأزقة والحارات والعواصم والقارات.
من قسنطينة إلى عنابة إلى باتنة من تونس إلى موسكو ومن بكين إلى هانوي بفيتنام ومن عاصمة كتالونيا برشلونة إلى الجزائر العاصمة ومنها إلى باريس وأنا أقاسمهم أحلامهم المسروقة وخيباتهم المتراكمة وأمانيهم الصريعة وسعاداتهم البريئة القصيرة وأحزانهم الكافرة وآمالهم المؤودة وعذابات حيواتهم البائسة ومصائرهم المفبركة وحتوفهم المحتومة.
إيلا عقيم وداره تعج بالبنين ! .
من أين جاءوا ؟ .
وحرمه المصون ليل ماكانت زوجة خؤونا ولا عاهرة من العاهرات ! .
إنهم أولئك الذين انتشلهم من شوارع التيه واستنقذهم من فوهات الجحيم وأشداق الضياع .
وأولئك الذين استلبهم من التيفوس الذي استرق أرواح آهاليهم عنوة في الثلاثينيات.
وأولئك الذين واراهم بعيدا عما زحف من فضيع المجاعات في الأربعينيات.
ومنهم أولئك الأطفال الأبرياء الذين أخطأهم رصاص عسكر فرنسا المسعور دون أن يخطئ صدور آهاليهم العارية إلا من حلم الحرية والتحرر من ربقة الإستعباد في مجازر الثامن من ماي عام 1945م الدامية .
إيلا عقيم وداره تغص بالأيتام المتبنين.
كل أولئك الأيتام المساكين باتوا إخوة من رحم اليتم الذي منه قد ولدوا .
وإخوة من حليب البؤس الذي رضعوا .
تربطهم صلة إنسانية ووطنية قبل أي وشيجة قبلية أو عائلية .
لقد نذر إيلا حياته للأيتام المتبنين ولتهجين أجود السلالات من الخيول الأصيلة .. مع هوس مكين في محاكاة قدامى المستكشفين الجغرافيين وكبار الرحالة المشهورين بالسفر والرحيل أملا في الحصول على الحصان الأسطورة العجيب .
هل كانت حقا جذوات عشقه التي لا تخمد للأسفار وشغفه المستعر بالخيول بديلا مقنعا لعقم ينخر ذاته نخر السوس للخشب ؟ .
أم أن ولعه بالأحصنة والترحال ماكان إلا هروبا يمارسه كمتصوف مأخوذ بنشوة كذوب أو كدرويش مفتون بالجنون والخبل ؟.
وهل يفلح الإنسان حقا في الفرار من ذاته طيلة حياته حتى ولو كان من الخالدين ؟ .
لقد كان من مقدور إيلا أن يعيش حياته عقيما حتى الرمق الأخير .
ورغم ذلك فقد تناسل من صلب إنسانيته الأصيل حفدة وبنين علمونا بأسئلتهم الحارقة والمعلقة الحائرة معنى الهوية والتاريخ .
وأن الحياة دونهما لا معنى لها وأنها في غيابهما لا تعني غير التيه والعدم .
وأن الحياة دونهما ماهي إلا اغتراب الروح في منفى الجسد .
وما كل شخصية فاقدة لمقوماتهما إلا ذات مشربة بالإنفصامية مغرقة بالألم .
إذا كانت عذابات العقم هي من لازم إيلا طوال حياته فإن الحالة المدنية المغلوطة والمغرقة بالإبهام والوهمية هي من رافقت لام في حله وترحاله وأججت صراعات ذاته المعذبة .
إذ ظل جهله المطبق لإسمه الحقيقي وأبويه البيولوجيين وتاريخ ومكان ازدياده عقدة عصية عن الحلحلة والتفكيك .. ليعيش ضائعا بين متاهات النسب ومدارات الدم والفجور .
حضرتني رواية مائة عام من العزلة مع بداية قراءتي للنص ومع قراءتي ليوميات لام الثورية صيف 1957م وجدتني أستحضر رواية اللاز الخالدة لأبو الرواية الجزائرية وعرابها القامة الأدبية السامقة الطاهر وطار رحمة الله عليه ..تلك التحفة الأدبية الخالصة التي كان لها السبق الفريد بجرأتها على نقد سيرورة ثورتنا التحريرية المظفرة واطراداتها برؤية نقدية أشمل من كل الرؤى التي عملت على تضييق رحيب آفاقها . ولكأن يوميات لام التي خطها بوجدرة قبس من وهج اللاز المنير وألم من عظيم آلامها .
وما إن قرأت سيرة لام من يوم التحاقه بالثورة قادما من قسنطينة ودخوله عرينها ومعقلها بجبال الأوراس الشمآء بباتنة إلى نقله لتونس الشقيقة لعلاج ساقه المعطوبة حتى ظننت أن قصته هي منبع فكرة ذاكرة الجسد ورحم مولد بن طوبال بطلها للكاتبة الجزائرية السيدة أحلام مستغانمي .
أستقرأ بحاسة ذائقتي الأدبية كصوفي حضرة كل هذه النصوص النورانية والنارية المتيميزة بفرادة ابتكاراتها وبديع تناصها .
إن ما زاد رواية الإنبهار ثراء هو إعطاء الكاتب لكل مدينة أو بلد مساحة سردية لسيرتها التاريخية مذ بدء التأسس والتكوين وهذا مايقتضي منا الإعتراف بأن الأديب العملاق رشيد بوجدرة شعلة متقدة من ذكاء خارق وانه ثروة معرفية ثرية وموسوعة فكرية متنقلة .
وهذا ما يعطينا الإنطباع ايضا بأن رواية الإنبهار المبهرة هي أيضا روافد من التاريخ الأصيلة والمتأصلة .
جمعي شايبي