منعم رحمة - عن (موقف الشعر فى السودان)

السودان ،
أسمر الّلونا


... عبر كل حضارات و ممالك السودان القديم ، كان الشّعر و كانت المرأة ، و مثلهما مثل الّليل و النهار يتكوران شمساً و قمرا ، إيقاعاً و غناء.
أيضاً و بمثلما كانت للأغريق ملاحمهم كــ (الإلياذة و الأوديسا) ، و كانت للكنائس تراتيلها و مزاميرها كــ (نشيد الإنشاد) ، كانت لنا فى أرض كوش ملاحمنا و التى جسدها و رواها الشعر و صدح بها الغناء و منها قصيدة و أُغنية (أسمر الّلونا).
إِذ وقفت أُمهات الجنود النوبيين المرافقين للقائد ” اسمر اللونا ” السوداني تهراقا ، بعدما خرج من ارض النوبة قائدا للجيوش الفرعونية لطرد الاشوريين الذين احتلوا القدس ، و حينما انتصر عليهم نصبته الالهة فرعونا على مصر ، فوقفت امهات الجنود النوبيين على تخوم كرمة ، و على نغمة و رنة الطار (كُّومبا كُّوشّ كُّوشّ - كُّومبا كُّوشّ كُّوش) منشدين هذا النشيد احتفالا بعودة أبنائهم منتصرين ، و من حينها صار ذلك النشيد ايقونة الشعب الكوشّى ، شعب النّوبا ، شعب السودان .
(.. سمرا شايجنا نيجالأي إيكا سودن أوسويا
إير ميكا شفطويكا أري وأسمرلونا ..) .
و منذ ذلك التأريخ ظل هذا النشيد الملحمي عابراً للأزمنة و أُضيفت إليه الكثير فكأنه قد أصبح لسان حال حضارة عرفت الكتابة قبل أكثر من سبعة آلاف سنة . أما النشيد فهو الآخر قد تجاوزت عدد أبياته عدة آلاف . و حتى الآن لا ذال يغنى و يثير الحماسة و الشجن ملتزما بذات رنة الطار ( كُّومبا كُّوشّ كُّش – كُّومبا كُّوشّ كُّش ) و اللازمة الاساسية (اسمر اللونا) . أنظر الرابط :
(ملاذ غازي - اسمر اللونا - بت ملوك النيل) .
اسمر اللونا . ‎.flv
‎و عبر كل الأزمنة كانت المرأة الكوشية ، السودانية شاعرة ، مقاتلة و (كنداكة) .
و لقد إرتبط هذا الإسم مؤخراً (الكنداكة) بالمرأة التى خرجت منتفضة فى ثورة ديسمبر 2018 ، و فى الأصل هذا الإسم إقترن بـــ الملكة أماني ريناس أو أمانجي ريناس ، حيث يرافق اسمها لقبي (قوري و كنداكي) أي الملكة و الحاكم . و لقد إمتد حكمها من سنة 40 قبل الميلاد الي سنة 10 ميلادية فى مملكة كوش.

لقد صمد الشعر ، و صمدت المرأة و لم تصمد المملكة .
لقد أنهارت مملكة كوش القديمة أو مملكة مروى ، و تقسمت السودان مطامع الدول الكبرى ، و تغير إسمه ليصبح و إبان فترة حكم الإنكليز إلى (السودان الأنكليزى المصرى) . و كان ذلك فى العام 1899 حيث جثمت جيوش الإنكليز و المصريين و العُتمانيين فوق أرض السودان .
و لكن لم تتوقف المقاومة ، كما لم تتنازل المرأة و لا الشعر عن رفد شريان مناهضة الإستعمار بالنغم و الكلمات والأنفس.
كثيرةٌ و متعددةٌ غنيةٌ هي أوحه الثورة و المرأة و الشعر فى السودام قديمه و حديثه ، و هي ذات يهجٍ و جمال ، فهناك كان السلطان على دينار فى قمة جبل مرة ، و السلطان عجبنا و إبنته مندى فى جبال النوبة ، و المقاتل الشديد الذكاء و المجدد فى سُبل و طُرز المقاومة الأمير / عثمان دقنه فى جبال البحر الأحمر .
وقد قام روديارد كبلنج الروائي و الشاعر الإنجليزي و الحائز على جائزة نوبل للأدب عام 1907 روديارد كيبلنج 1865- 1936 بتخليد اولئك البواسل (الدراويش) ،. و كيبلنج هو شاعر الإمبراطورية البريطانية الذي تغنى بانتصاراتها و هي في أوج مجدها الفيكتوري . غير أنه في هذه القصيدة يعبر عن إقدام و بسالة الجنود السودانيين ، أبطال معارك الشرق بقيادة الأمير عثمان دقنة وقد بهرته شجاعتهم التي ليس لها مثيل و إجادتهم لفنون الحرب و نجاحهم في كسر صفوف الكتيبة البريطانية . على الرغم من (إستعلائية) كبلينج إلا أنه أقر بروعة البجاويين
(القصيدة ترجمة : عبد المنعم خليفة خوجلي)

لقد خبرنا الحرب مع رجال عديدين عبر بحار ممتدة
كان بعضهم شجعانا بواسل و كان بعضهم غير ذلك
منهم البايثان و الزولو و البورميون
غير أن البجا كانوا أكثرهم روعة
لم نجد منفذا لاختراق صفوفهم أبدا
بينما ظلوا يرمون خيلنا و يمزقون حراسنا في سواكن
و كأنهم يلاعبون جندنا لعبة القطط الموسيقية .
إنني أهدي إليكم أيها " البجاويون " هذه الكلمات المخلصة
تقديرا لكم في وطنكم السودان
إنكم و ان كنتممتخلفين))
غير أنكم ترتقون أعلى مرتبة يكون عليها المحاربون
إننا نصدر لكم هذه البراءة شهادة حق و صدق
و ان رغبتم في أن تكون ممهورة بالتوقيع
فنحن يشرفنا اللقاء بكم في الزمن الذي يروق لكم
قد عرفنا مفارقات ساحات الوغى في حربنا مع الكيبر
و تصدينا لسهام البوير الطائشة عبر المسافات
و ارتعشنا عند ملاقاة البورميين
و لمسنا المهارة المتميزة التي يحارب بها الزولو
غير أن كل هذا لم يكن سوى جعجعة ليست بذات أثر
أمام إقدام و جسارة البجا .
لقد أشادت الصحف بتماسكنا
غير أن الحقيقة تظل دوماً باقية و ناصعة
و هي أنه في حرب الرجال للرجال
قام البجا بدحرنا تماماً .
لكم أيها البجاويون و لأزواجكم و أبنائكم
نعترف بأن التوجيهات كانت أن نقهركم
و لقد تحقق ذلك بفضل بنادق المارتيني
التي ظلت فوهاتها تقذف بالشرر نحو صدوركم
في معركة غير متكافئة و غير عادلة
لكنكم رغم ذلك تمكنتم من اقتحام الصفوف .
لم تحملوا أوراق هوية
و لم تزين صدوركم الأوسمة والنياشين
و هذا يلقي علينا واجب أن نقوم نحن بالشهادة على البسالة
و على براعة الحرب بالمهند ذي المقبضين
و أنتم تصولون و تجولون وسط الأحراش
حاملين رماحكم و دروعكم و أكفانكم .
حقاً أن يوماً في المعركة مع البجا
تظل سعادته باقية لعام .
أيها البجاويون
هذه القصيدة مهداة لكم و لمن رحل من أصدقائكم
و إن لم نكن نحن أيضاً قد فقدنا رفاقاً
لعاوناكم على التأسي
غير أن الحرب كر وفر
سجال بين الأخذ و العطاء .
كانت معركة متوازنة
فقدكم كان هو الأكبر
غير أنكم نجحتم في بعثرة صفوفنا .
هم هبوا نحو اللهيب المستعر والدخان المتصاعد
و قبل ارتداد الطرف حلوا أمام وجوهنا
تنفذ منهم رائحة التراب و الزنجبيل
و بدت أجساد قتلاهم
مثل الزهور البرية
وبدت كالبط وكالحملان و مثل عرائس المولد .
لكم أيها البجاويون في وطنكم السودان
لكم أيها (المتخلفون) الذين تبوءوا أرقى مراتب المحاربين
لكم أيها البجاويون يا أصحاب الهامات الشامخة
لكم أيها الفقراء السود يا ذوي العزائم العالية
يا من نجحتم في كسر صفوف كتيبة بريطانية
أهدي هذه القصيدة .

( فزي وزي تعبير استخدمه الأوروبيون للإشارة إلى السودانيين من قبيلة "البجا " في شرق السودان . وربما يكون المعنى الحرفي له هو: ذوو الشعر المتجعد الكثيف .) .


FUZZY WUZZY
RYDYARD KIPLING

We've fought with many men acrost the seas,
An' some of 'em was brave an' some was not:
The Paythan an' the Zulu an' Burmese;
But the Fuzzy was the finest o' the lot.
We never got a ha'porth's change of 'im:
'E squatted in the scrub an' 'ocked our 'orses,
'E cut our sentries up at Suakim,
An' 'e played the cat an' banjo with our forces.
So 'ere's to you, Fuzzy-Wuzzy, at your 'ome in the Soudan;
You're a pore benighted 'eathen but a first-class fightin' man;
We gives you your certificate, an' if you want it signed
We'll come an' 'ave a romp with you whenever you're inclined.

We took our chanst among the Khyber 'ills,
The Boers knocked us silly at a mile,
The Burman give us Irriwaddy chills,
An' a Zulu impi dished us up in style:
But all we ever got from such as they
Was pop to what the Fuzzy made us swaller;
We 'eld our bloomin' own, the papers say,
But man for man the Fuzzy knocked us 'oller.
Then 'ere's to you, Fuzzy-Wuzzy, an' the missis and the kid;
Our orders was to break you, an' of course we went an' did.
We sloshed you with Martinis, an' it wasn't 'ardly fair;
But for all the odds agin' you, Fuzzy-Wuz, you broke the square.

'E 'asn't got no papers of 'is own,
'E 'asn't got no medals nor rewards,
So we must certify the skill 'e's shown
In usin' of 'is long two-'anded swords:
When 'e's 'oppin' in an' out among the bush
With 'is coffin-'eaded shield an' shovel-spear,
An 'appy day with Fuzzy on the rush
Will last an 'ealthy Tommy for a year.
So 'ere's to you, Fuzzy-Wuzzy, an' your friends which are no more,
If we 'adn't lost some messmates we would 'elp you to deplore;
But give an' take's the gospel, an' we'll call the bargain fair,
For if you 'ave lost more than us, you crumpled up the square!

'E rushes at the smoke when we let drive,
An', before we know, 'e's 'ackin' at our 'ead;
'E's all 'ot sand an' ginger when alive,
An' 'e's generally shammin' when 'e's dead.
'E's a daisy, 'e's a ducky, 'e's a lamb!
'E's a injia-rubber idiot on the spree,
'E's the on'y thing that doesn't give a damn
For a Regiment o' British Infantree!
So 'ere's to you, Fuzzy-Wuzzy, at your 'ome in the Soudan;
You're a pore benighted 'eathen but a first-class fightin' man;
An' 'ere's to you, Fuzzy-Wuzzy, with your 'ayrick 'ead of 'air --
You big black boundin' beggar -- for you broke a British square!

لقد نجح عثمان دقنة و جنوده فيما اخفق فيه الفرنسيون و الروس علي السواء و هو اختراق المربع الانجليزي . و كانت عبقرية دقنة في اختراقه لهذا المربع ترتكز علي المناوشة و استدراج العدو مع الهجوم عليها في وقت تحرك المربع و التركيز علي الهجوم من المؤخرة , مع اقامة الكمائن حول مسار تحرك العدو كل ذلك مع الاعتماد علي سرعة الكر و الفر ساعده علي ذلك خفة قواته المهاجمة و بسالتهم . و عندما تُدرس الان (نظرية الاختراق من مؤخرة العدو) في كلية الاركان في (كامبرلي) تذكر تكتيكات الامير دقنة كأنموذج في معاركه في (التيب ، طماي ، توفريك و خور شمبات) .

1.jpg

و قد توقف جورج الخامس ملك بريطانيا في سواكن اثناء رحلته الي الهند لرؤية الرجل القابع في سجن البلدة معتصما بصمت عميق .. و عندما وصل الامبراطور الي سواكن رفض دقنة مقابلته مما اضطر الملك للذهاب الي السجن بنفسه وسط ذهول كبار مرافقيه ... و في السجن ايضا رفض اسد الشرق الخروج من زنزانته لمقابة الملك . عندئذ اصر الملك علي مقابلة الاسير وعلي الذهاب بنفسه الي الزنزانة التي تحوي هذا البطل الذي خلد سيرته لدي الاعداء قبل الاصدقاء . الا ان عثمان دقنة ادار للملك ظهره منكبا علي مصحفه يقراء عندئذ اخرج الملك سيفه وحيا البطل الاسير ثم خرج . و فى نوفمبر1917م .. تمرد (النيمانج) فى جبال النوبة بزعامة سلطانهم عجبنا ، و ثاروا ضد البريطانيين ، و قتلوا (هتون) مفتش مركز الدلنج فى كمين بالقرب من منطقة حجر السلطان . ثارت السلطات البريطانية و جهزت جيشا للثأر لمقتل (هتون) و زودوه بالعدة و العتاد ..
و قاد الجيش المقدم (سميث) أحكم الجيش البريطانى قبضته على المنطقة و ضرب الحصار حول ثوار النيمانج .. حصار من ثلاث جهات :
منطقة ولال ، منطقة كلامو ، و منطقة النتلو بهذا الحصار المحكم عُزل السلطان عجبنا و جيشه عن مصادر المياه المتمثلة فى آبار (كوديلو بونغ) فى منطقة (سلارا).. ساء وضع الثوار جدا و تأزم و لاحت بوادر الهزيمة و لكنهم رفضوا الإستسلام .. و صلت الأنباء الى القبيلة عن سوء الوضع فى ارض المعركة ، و عرفت (مندى) إبنة السلطان عجبنا ، فقررت ارسال التعزيزات و الدعم لوالدها ، و صممت على الذهاب لتحارب الى جانب والدها .. ربطت طفلها فى ظهرها و حملت بندقيتها ، حاول الكثيرون ثنى عزمها و لكن هيهات ، لم تتراجع عن قرارها ، و ضربت (البُخسة) فى الأرض دليلا على عزمها و إصرارها ، كما فى ثقافة النيمانج ، فضرب البخسة بالارض هو دليل على عدم التراجع و الإصرار على فعل الشئ .
و صلت التعزيزات الى الثوار و الهب قدوم مندى الحماس بين الصفوف المقاتلين ، و بدأوا القتال بروح جديدة قتال أشد شراسة و عنف.. و مندى بين الصفوف تقاتل فى شجاعة نادرة لم يوقفها مقتل طفلها على ظهرها برصاص العدو بل زادها إصرار .. كانت بجانب القتال تعمل على تضميد الجراح و رفع الروح المعنوية و الطبخ للمقاتلين ... هُزم الثوار و أُسر السلطان عجبنا و صديقه كلكون و تم إعدامهم شنقا فى الدلنج صبيحة يوم 27/12/1917م .
إستسلم الثوار بعد إعدام قائدهم الروحى و العسكرى ، و عادت مندى و من تبقى الى القبيلة بعد ان ضربوا مثالا نادرا فى الشجاعة و الفداء لتخلدهم أغانى القبيلة.
مندى بت السلطان عجبنا ود اروجا سلطان النيمانج ، مندى الجميله ، اكلت قلب الاسد . و صارت أُغنيتها مارشاً عسكرياً :

2.jpg
3.jpg

(مندى كنجا كونجه كنجا تالده٠٠)
(..مندى كنجا كونجه كنجا تالده٠٠
كرو كونجا كو دون دالى
مندى كرو كونجا كو دون دالى
أوووووووو .. دالى .. دالى
كرو كونجا كو دون دالى ..) .
إستمرت المقاومة ، استمر الشعر و إستمرت المرأة شاعرة و مقاتلة . و ها هي مهيرة بت عبود فى أقصى الشمال تستنهض همم فرسان قبيلتها (الشايقية) ليهبوا و يطردوا المستعمر و تقول :
(.. غنيت بالعديلة لعيال شايق
البراشو الضعيف و يلحقوا الضايق
الليلة استعدوا و ركبوا خيل الكر
و قدامم عقيدم بالأغر دفر
جنياتنا الاسود الليلة تتنبر
ياالباش الغشيم قول لجدادك كر .) . و فى 14 نوفمبر 1820 انطلقت جحافلهم ، و فى كورتى حصدهم الرصاص ليسقط 400 فرساً منهم و على رأسهم خطيب مهيرة بت عبود . و تمضى المرأة مقاتلة بسيفها و شعرها فى آنٍ واحد ، و ها هى بنونة بت المك نمر ملك الجعليين المشهور ، و الذى حرق اسماعيل ابن محمد على باشا التركى ، الذى غزا السودان بحثا عن الذهب و الرجال ، ها هي تكتب و تنشد أقوى أشعار الحماسة فى التراث الشعبي السوداني . لقد قالت القصيدة فى أخيها الفارس عمارة و الذى توفى متأثراً بـ(الجّرب) ، و قيل متأثراً بجراحه فى مصادمة الأنراك .
( .. إن ادَّاك وكَتَّر ما بيقول اديت
أب درق الموشح كلو بالسوميت
أب رسوة البكر حجَّر شراب سيتيت
كاتال في الخلا وعُقُبن كريم في البيت .
ماهو الفافنوس ماهو الغليد البوص
ود المك عريس خيلا بيجن عركوس
احى على سيفوا البحد الروس .
ما دايرا لك الميتة ام رمادا شح
دايراك يوم لقى بدماك تتوشح
الميت مسلوب والعجاج يكتح
احى على سيفوا البسوى التح .
إن وردن بجيك في أول الوردات
مرنن مو نشيط إن قبلن شاردات
أسد بيشة المكربت قمزاتو مطبقات
وبرضع في ضرايع العُنَّز الفاردات .
كوفيتك الخودة ام عصا بولاد
درعك في ام لهيب زي الشمس وقاد
سيفك من سقايتو استعجب الحداد
قارحك غير شكال ما بيقربو الشداد
يا بُقَّة عقود السم
يا مقنع بنات جعل العزاز منجم .
الخيل عركسن ماقال عدادن كم
فرتاك حافلن ملاي سروجن دم
وماهو الفافنوس ماهو الغليد القوص
ود المك عريس خيلا بجن عركوس
احي على سيفوا البحد الروس . )
(.. الفافنوس : نوع من النباتات رخو السيقان ينمو على جانبى النهر وهى كلمة نوبية الاصل
الغليد: السمين الذى يعجز عن الحركة
البوص : هو القصب الجاف وهى تعنى هنا انه ليس هشا سهل الكسر
خيلا بجن عركوس : الخيل التى تاتى متجمعة
ما دايرالك الميتة ام رمادا شح : الشخص الذى يموت ميتة عادية يبكون عليه ويكشحو الرماد اما الذى يموت فى ساحات الوغى فارسا فلا يبكو عليه ويكشحو الرماد وهنا قصدت انها لم تكن ترغب له فى ميتة عادية ، كوفيتك : تعنى درع الحرب
الخودة : هى الخوذة التى توضع على راس المحارب ، بولاد : قيل انه الفولاذ ، ام لهيب : الحرب ، سيفك من سقايتو استعجب الحداد : اى انه سنين ، ان وردن بجيك فى اول الواردات : تقصد ان الخيل ان جاءت للحرب ياتى عمارة متقدما على الاخرين
مرنا مو نشيط ان قبلن شاردات : وان فرت الخيول وفرسانها من ساحات الوغى فانه لا يكون نشيط على الفرار
اسد بيشة : بيشة هى منطقة فى الجزيرة مشهورة بكثرة الاسود فيها ، قمزاتو متطابقات : اى خطواته متتابعات الخطوة تتبع الاخرى
يا جرعة عقود السم : اى انك سم قاتل للاعداء فى ساحة الحرب ، الخيل عركسن ما قال عدادن كم :عركسن اى تجمعت الخيل للحرب عندها هو الفارس الذى لا يهاب ولا يسال عن عدد بل يقتحم الحرب بقلب فارس فرتاق حافلن : الحافل هو التجمع وتعنى انه قادر على تفريق جيش العدو ..) .
و لقد كانت العاصمة القومية الخرطوم وقوداً لكل تلك الثورات ، بل كانت لها رحماً و سندا . فانعقد الاجتماع التأسيسي للمؤتمر العام للخريجين في 12 فبراير 1938م ، خلال عطلة عيد الأضحى وكان اجتماعاً ( رهيباً ) حضره ألف و مائة و ثمانون ( 1180 ) خريجاً من مختلف نوادي الخريجين في شتى أنحاء السودان ، و إن كان أكثرهم من العاصمة المثلثة . و تبارى الشعر و الشعراء فى وفع الهمم و إتثارة روح المقاومة و المصادمة ، و نذكر هنا الشاعر خضر حمد ( 1910 – 1970) الذى أسهم بقدر وافر فى فعاليات المؤتمر ، كما كان له اهتمام كبير بالدراسات اللغوية خاصة علاقة العامية بالفصحى و له كتاب في ذلك ، و نشر عدداً من القصص في مجلتى (النهضة) و (الفجر) بامضاء مصور ، أما في مجالات العمل العام الاخرى فقد كان من مؤسسي ملجأ (معهد) القرش الصناعي ، و المدرسة الأهلية بأم درمان ، و لا يفوت علينا القول بأن الشاعر خضر حمد هو الذي نظم نشيد المؤتمر (الى العلا.. الى العلا)
و كان ذلك النشيد آنذاك بمثابة النشيد الوطني لأهل السودان :

4.jpg

كلمات _ الشاعر خضر حمد
الحان _ اسماعيل عبد المعين

للعلا... للعلا
وابعثوا مجدنا الآفل
واطلبوا لعلاه المزيد... للعلا
......
اكفروا بالشمال والجنوب
فهي أصل البلاء والخطوب
واجمعوا شملنا للوثوب
واغرسوا حبه في القلوب
وطني في هواه نذوب
شرقه غربه أو جنوب.. للعلا .
أنظر الرابط : نشيد للعلا للعلا .
و هناك و فى أمدرمان و تحديداً فى دار الشول بت حلوة أو كما إشتهرت (دار فوز) ، يتسامر كبار شعراء و كتاب و مثقفى الخرطوم ، و على رأسهم الشاعر الكبير خليل فرح و الذى جمع بين الملحن المغنى و الشاعر العاشق لتراب بلده ، و قد أُشتهر بقصيدته العصماء (عازه فى هواك) ، و التى ترمز للوطن و صراعه مع قوى الظلام و الإستعمار . لا ذالت هذه الأغنية تغنى و بأصوات معظم المطربين السودانيين ، أنظر الرابط :
*عازه في هواك .. فيديو كليب من إخراج الطيب صديق .
*عزة في هواك كلمات و الحان و غناء خليل فرح . كلمات القصيدة : عزه في هواك ... عزه نحن الجبال
و للبخوض صفاك ... عزه نحن النبال
عزه مابنوم الليل محــــال
و بحسب النجوم فوق الرحال
خلقة الزاد كمل و أنا حاليحال
متين أعود أشوف ظبياتنا الكحال
عزه ما سليت وطن الجمــال
ولا إبتغيت بديل غير الكمــال
و قلبي لي سواك ما شفتوا مال
خذيني باليمين و أنا راقد شمال
عزه ما نسيت جنــة بلال
و ملعب الشباب تحت الظلال
و نحن كالزهور فوق التلال
نتشابي للنجوم و أنا ضافر الهلال
عزه جسمي صار زي الخلال
و حظي في الركاب صابوا الكلال
و قلبي لسه ما عرف الملال
أظنه ود قبيل و كريم الخلال
عزه ما إشتهيت نوم الحجال
و لا السوار بكى في يمينا جال
و عزه في الفريق لي ضيق مجال
قبيلة بت قبيل ملأ الكون رجال
عزه شفتي كيف نهض العيال
جددوا القديم تركوا الخيال
روحك أم سماح سري كالسيال
شجوا الفؤاد حيوا محسور الليال
عزه في الفؤاد سحرك حلال
و نار هواك شفى و تيهك دلال
و دمعي في هواك حلو كالزلال
تزيدى كل يوم عظمه إزداد جلال
عزه في حذا الخرطوم قبال
و عزه من جنان شمبات حبال
و عزه لي ربوع أم در جبال
و عزه في الفؤاد دوا يشفي الوبال .

5.jpg

و الشاعر خليل فرح 1894 - 1932 من مواليد وادى حلفا و هو يعتبر من أبرز رواد التجديد فى الغناء و الأدب الشعري الغنائي ، كتب بالعامية السودانية مثلما كتب كذلك بالفصحى .
و لقد كان يمارس نشاطاً سياسياً كبيراً من خلال عضويته فى الحركات الوطنية مثل جمعية الإتحاد السوداني السرية 1921 و التى كانت مناوئة للإستعمار ، و جمعية اللواء الأبيض 1924 . و قد إشتهرت أغانيه حتى أصبحت رمزاً للحرية و الإستقلال .
و كانت (دار فوز) هى واحتهم ، و الشول بت حلوة هى ملهمتهم و موطن أسرارهم .
و هناك فى (إبو دَكنة فحل الديوم ، فاشر السلطان) كما يسمون مدينة الفاشر و فى العام 1926 ولدت حواء جاه الرسول و الشهيرة بـ (حواء الطّقطَاقة) ، و بموهبتها الشعرية و الغنائية تقدمت الصفوف و برزت فى مقاومة الإستعمار الإنكليزى حيث تعرضت للإعتقال و عمرها فقط 16 عاماً و معها الراحل الفنان حسن خليفه العطبراوي ايام الانجليز و دخلت السجن لمدة 3شهور بعد احياء حفلة وطنية بمسرح العمال بعطبرة . و حواء هي أول من تغنى للإستقلال ، كما كانت من أميز داعمات القضية الفلسطينية ، و قد أهداها ياسر عرفات شاله (الكوفية) و عقاله . تحكى حواء الطقطاقة و تقول :
(..كان في مظاهرات في الخرطوم شاركت فيها مع العازة زوجة البطل علي عبد اللطيف و خالدة زاهر أول طبيبة سودانية و الأزهري و مبارك زروق و إبراهيم المفتي.. أها طلعت المظاهرة أهتف أقول:«يسقط الاستعمار يسقط الحاكم العام لا حاكم عام على السودان».. لاقاني القائد العام للجيش الإنجليزي اسمه مستر دروين قال لي: «الحاكم العام دا سيدك».. قلت ليهو: «لا سيدك إنت و يسد عقابك».. طوالي مسك البندقية كسر لي بيها أسناني و ضربني رصاصة واحدة في الرقبة -تشير بيدها- ياها دي لي هسه ظاهرة ، و واحدة في رجلي -تشير إليها قائلة- «ياها دي أثر الطلقة شوفو عشان تعرف الخواجات ديل عذبونا كيف..)
و عن تسميتها بالطقطاقة تقول :
(..في الخرطوم كان في شجرة.. التمر بتاعها كتير فيه صوت طقطقة و كنت محل ما ألقى مظاهرة أشارك فيها يوم يسجنوني و يحلقوا لي شعر رأسي لاقاني المفتش الإنجليزي قال لي إنت محل ما نمشي نلقاك في الخرطوم و بحري و ام درمان انت عاملة زي الشجرة الطقطاقة و من ديك الاسم سار عليَّ.) .
و عن لبسها للعلم :
(.. قبل يوم الاستقلال سألت عن ألوان العلم قالوا لي : اللون الأخضر يرمز للزراعة و الأصفر للصحراء و الكحلي للنيل قمت مشيت اشتريت القماش و فصلتو توب و مشيت شارع النيل بالرجلين و بتنا اليوم داك و نمنا في الشارع عشان الزحمة.. و كنت لابسة توب عادي لما أصبح الصبح مرقتو و رميتو في النيل و لبست التوب الفيه العلم.. المذيع قال المرأة دي لبست العلم قبل ما يرفعوه في السارية و جاء صورني المصور العم جاد الله جبارة.) .


6.jpg 7.jpg

ومن أشهر أعمالها "العديل و الزين" و"الشيخ سيرو" و"قمر السبوع، و تعد "حواء" الأم الروحية لما يعرف بـ"أغاني البنات"، و هي التي ساهمت في إغناء الساحة الفنية ، و تميزت بالغناء الشعبي "السيرة و"الدلوكة" و أغاني" الحماسة" دون غيرها من رائدات و فنانات جيلها
و تميزت حواء بقوة الشخصية و جمال الصوت القوي و كانت امرأة وطنية تؤمن بقضايا الوطن حيث انضمت الي حزب الاشقاء بقيادة الزعيم الراحل الازهري .
و هكذا أسهمت المرأة شاعرة و كنداكة مع مجايليها من الشعراء و الفرسان السودانيين إلى ان تحقق الإستقلال فى الأول من يناير 1956 . و منذ ذلك التاريخ دخل السودان فيما عُرف بـ (الدائرة الشريرة) و هي ديمقراطية يطيح بها إنقلاب عسكري تُطيح به ثورة شعبية ، و لا تستمر الديمقراطية فسرعان ما يلتهمها إنقلابٌ عسكري و هكذا .
( 17 إنقلاب الجنرال أبراهيم عبود فى نوفمبر 1957 ، تورة أُكتوبر 1964 ، إنقلاب الجنرال جعفر نميرى 25 مايو 1969 ، انتفاضة أبريل 1985 ، إنقلاب الجنرال عمر البشير 30 يونيو 1989 ، ثورة ديسمبر 2018 ) . لقد كتبت قصيدة و انا طالبٌ بالثانوية العليا إبان دكتاتورية نميرى أتنبأ فيها بهكذا ظلمات و قهر للشعب السوداني ، فى تلك الفترة كتبت العديد من القصائد ، ضاع معظمها و لكنى أذكر بشكل خاص هذه القصيدة النبوءة و التى أعتبرها كشفاً معرفياً تنبأت فيها بما حدث و يحدث فى السودان . من ظلمات و قهر و إستبداد قائلاً بأن الرؤية لا تُنبئ بالخير ، و هذا ما حدث طيلة فترتى الرئيس المخلوع نميرى و المخلوع عمر البشير . اسم القصيدة :
(العاشق و الرؤيا أو الرؤية لا تُنبئ بالخير) :
(1)
طير ليلي أبيض ، رائع كالحلم البكر ..
ينداح بعيدا ، تشربه العتمة ،
نجم يغمز لي .. يتوهج ، ينطلق بطول و عمق الجرح
يتلاشى فجأة .......
مدن تصحو متورمة الأجفان ،
دور تحجب ضوء الشمس ،
و الساحة عاطلة م الخضرة و الأطفال .
( ياترياق القدرة .. شمس الامكان : غذيني
فالوجع المخبوء هنا .. يجتز شراييني ،
يمتص دفق العافية ، النشوة ، شنشنة الأفراح ..
يحرجم فى النفس ، أبدا لايستاح ..
يأخذني عنوة .)
علمني جدى أن أتلو أورادي ، أتحصن قبل النوم ،
أقابل آمالي باول يوم فى الشهر ، و أدعو :
يا رب الأخضر و اليابس ، المتغير و الثابت ،
فصل الأشياء هواك .
قوينى و الهمني الصبر ،
و فراسة كشف المنظور .. و اختمني برضاك .
كان بصيرا جدى ..
يحكى أن المدد / الخير ... يبيض و يفرخ فى دينابه :
يا ضارع وجه الأرض وحيدا ، نضاحا بالحب الخلاق ،
كن يقظا .. أسرج عينيك براق ،
فالساحة عاطلة م الخضرة و الأطفال ..
و الرؤية لا تنبئ بالخير ؟
(2)
عفو الخاطر ، عفو الخاطر
أكتب عنك :
حبك خبز القلب و نبضه ،
مطر يغسل وجه الصيف ،
نسم القدرة .. داعب سعف النخل خفيفا ،
فأهتز ، تساقط رطبا دون لقاح ،
حبك عادي ..
كالنفس الطالع و النازل ، القاء سلام ،
عادي سيظل ..
كنضوج الثمرة ، شغب الأطفال ،
ضجيج المقهى ، طلب الرزق ،
عناق الحنة
و الطلح / الشاف .
(3)
أشتَاقُك ..
أمسّكَ خَطوِي رُعبٌ قَذِرٌ ،
كَفَّت إِمرأةٌ شِلفِحةٌ ع الفَّرحِ بِنَقر الضَّيف ،
شَاخت كُّل الأفراحِ ،
إِنطَفَأت ألوانُ الطَّيف .
أشتَاقُك ..
عَوسَج عُشبُ الدَّربِ ،
هَمدَّت نَارُ بِيوتِ الحَّي ،
رَهَز الشَّرُ بِوجدانِ القَّوم ،
خَافَ الغِّمد السِّكين ..
صَّفَقَ ، طَار النَّوم .
أشتَاقُك ..
لا دَاعِّى للإِنكَار ،
عِشقُكِ يُّنقِّي أصواتَ البَّاعةِ فِى الأَسواق ،
يُنغِّمُ ضَربَات الفَّاس ،
يُمِيسُ أعوادَ الذُّرةِ القَّمح ..
يَمشِى بَين النَّاس .

8.jpg

هذه القصيدة و إلى الآن و فى فرنسا أفتتح بها كل قراءاتى الشعرية أو أختم بها محاضراتى عن تجربتى و الكتابة . فقط لقد أضفت إليها مقاطع غنائية ، و هو أمرٌ غير مألوف فى السودان . إذن و فى عز جبروت تلك الأنظمة الإستبدادية ظل الشعر يتغنى بالشعب و الحرية و ظل الشراء يمشون على الملح فى سجون شالا بالبحر الأحمر و يعزلون فى الزنازين الإنفرادية فى سجن كوبر ، و هذا هو أشهر سجن سياسي فى السودان ، و ما قبل الطاغية البشير و زمرته من الإسلاميين (الدواعش) الذين صنعوا (بيوت الاشباح) ، و جاءوا ببدعة (الإغتصاب) و عينوا عساكر غلاظ شداد مهمتهم إغتصاب الرجال و النساء .
و برغم كل تلك الفظائع و التى قدحت زناد ثورة ديسمبر 2018 ، إلا أن روح المقاومة و الشعر لم تنكسر ، و لعل أبلغ تعبير عن ذلك هو قصيدة الشاعر و أحد مؤسسى جماعة أبادماك الثقافية ، المنافحة عن الحريات و المتغنية بعظمة الشعب السوداني :
أيّ المشانقِ لم نُزّلزّل بالتباتِ و قارها ،
أيّ الأناشيدِ السماوياتِ لم نشدُد لأعراسِ الجديدِ بشاشةُ أوتارها ..
يهزم الشعر الموت و الظلام . و يظل الفن هو كتاب الإنسان و شجرة أُنسه و سلاحه الأمضى فى مناوئة كل الدكتاوربات ، و كل أشكال العسف و الطغيان . إذن جاء القائمقام عبود فى 1957 و أطاحت به ثورة شعبية عاتية ، وقودها الناس جميعاً و الشعر .
و من أبرز محطات تلك الثورة هي (ليلة المتاريس) .
و عن تلك الليلة يحكى و يقول الشاعر/ مبارك حسن خليفة :
(.. أنا حضرت ثورة أكتوبر و أنا في شندي و بعدين بقيت عضو في جبهة الهيئات و جيت منتدب مندوب من شندي للخرطوم و كان في اجتماعات و لقاءات . اليوم الوحيد القلنا نرتاح فيهو ، اتجمعنا نحن بعض الأصدقاء كدا ، يا داب يوم وحيد ما كان عندنا فيهو اجتماعات ، نسمع فاروق أبو عيسى في الراديو يكورك (أحموا الثورة ، أحموا الثورة ، أحموا الثورة) أنا كنت في بانت. طلعت معاي بعض الأصدقاء و جينا حرسنا كبري النيل الأبيض للصباح ، حتى كانت فيهو صيانات ، جبنا الكمر و قفلناهو . و طلع بيان من الحكومة أنو ما في حاجة ، قام جاء عبد الكريم ميرغني و كان وزير ، فتحـنا ليهو الطريق ،قام قال: ( أسمعوا أنا جاي من اجتماع مجلس الوزراء ، و الحكومة طـلـَّـعَـت بيانها ، برضو أمشوا أحرسوا الكبري . أحرسوه ، ما مضمون ، حرسناه للصباح . شفت كيف. بعد كدا قمت أنا ألـَّـفـتَ قصيدة (المتاريس) و نشرتها في صحيفة الميدان ، إطلع عليها مكي السيـِّــد، و لحـنَـها و اتصل بي، قال لي: (أنا لحنتها و حأديها لمحمد الأمين) . قلت ليهو (أتفضل) ، و حضرت معاهو البروفات ، و اتـغـنَّــت. كان ذلك في يومي 9 و 10 من شهر نوفمبر 1964 و التى عرفت بليلة المتاريس فبعد إذاعة خبر خطر الانقلاب المضاد للثورة كان القرار الجماعي للشعب بالاستيلاء على شوارع المدن الثلاثة و اغلاق الرئيسية منها بهياكل العربات و الحجارة و البلوكات الخرسانية و غيرها لإعاقة سير المدرعات .
تغنى محمد الامين بالمتاريس في ديسمبر 1964
المتاريس التي شيدتها
في ليالي الثورة
هاتيك الجموع
و بنتها من قلوب و ضلوع
و سقتها من دماء و دموع
سوف تبقى شامخات في بلادي
تكـتمُ الانفاس في صدر الاعادي
فالمتاريسُ دماءُ الشهداء
و المتاريسُ عيونُ الشرفاء
و المتاريسُ قلوبُ الكادحين
و المتاريسُ ضلوعُ الثائرين
و المتاريسُ شـفاهٌ لصغارٍ يلتقون
و المتاريسُ أيادٍ لكبارٍ يـهدرون
و المتاريسُ حِـدَاءٌ الثائرات
فـالمتاريس ستبقى
شامخاتٍ في بلادي .
أنظر الرابط : الاستاذ محمد الامين - المتاريس التي شيدتها في ليالي الثورة الحمراء هاتيك الجموع – اكتوبريات .
في 13 /11 /1964 صدح الاستاذ ( محمد وردي ) بنشيد (فرحة) الذى كتبه الشاعر القامة / الفيتوري حين بدأ الإستعمار يغادر القارة الأفريقية نهائيا ً، و منذ منتصف الخمسينيات من القرن الماضي و لكن وردي لحنه و غناه لاول مرة في نوفمبر 1964 .
أصبح الصبح
و لا السجن و لا السجان باقي
و اذا الفجر جناحان يرفان عليك
و اذا الحزن الذي كحل هاتيك المآقي
و الذي شد وثاقا لوثاق
و الذي بعثرنا في كل وادي
فرحة نابعة من كل قلب يا بلادي
أصبح الصبح
و ها نحن مع النور التقينا
التقى جيل البطولات
بجيل التضحيات
التقى كل شهيد
قهر الظلم و مات
بشهيد لم يزل يبذر في الأرض
بذور الذكريات
أبدا ما هنت يا سوداننا يوما علينا
بالذي اصبح شمسا في يدينا
و غناء عاطرا تعدو به الريح
فتختال الهوينى
من كل قلب يا بلادي
فرحة نابعة من كل قلب يابلادي .

9.jpg

و من سهوب كردفان و صوالين الدبلوماسية ، جاء الشاعر / محمد المكى إبراهيم و نفث فى ديوانه (أُمتى) الروائع و عبر عن جيل أُكتوبر فقال :
من غيرنا
من غيرنا يعطي لهذا الشعب معنى أن يعيش وينتصرْ
من غيرنا ليقرر التاريخ والقيم الجديدةَ والسيرْ
من غيرنا لصياغة الدنيا وتركيب الحياةِ القادمةْ
جيل العطاءِ المستجيش ضراوة ومصادمةْ
المستميتِ على المبادئ مؤمنا
المشرئب إلى السماء لينتقي صدر السماءِ لشعبنا
جيلي أنا...
هزم المحالاتِ العتيقة وانتضى سيفَ الوثوقِ مُطاعنا
ومشى لباحات الخلودِ عيونهُ مفتوحةٌ
وصدوره مكشوفةٌ بجراحها متزينهْ
متخيرا وعر الدروب.. وسائراً فوق الرصاص منافحا
جيل العطاءِ لك البطولاتُ الكبيرةُ والجراحُ الصادحهْ
ولك الحضورُ هنا بقلب العصر فوق طلوله المتناوحهْ
ولك التفرّد فوق صهوات الخيول روامحا
جيل العطاءْ...
أبداً يزلُّ المستحيل لعزمنا .. وسننتصرْ
وسنبدعُ الدنيا الجديدةَ وفقَ ما نهوى
ونحمل عبءَ أن نبني الحياة ونبتكرْ .

10.jpg

و تغنى له فنان أفريقيا الأول الموسيقار محمد وردى بقصيدته :
إسمك الظافر ينمو في ضمير الشعب
إيمانا وبشري
وعلي الغابة والصحراء يمتد وشاحا
وبأيدينا توهَّـجت َ ضياءً وسلاحا
فتسلحنا بأكتوبر لن نرجع شبرا
سندق الصخر حتي يخرجٌ الصخر لنا
زرعا وخضرا
ونرود المجد حتي يحفظ الدهر لنا
إسماً وذكري
***
بإسمك الأخضر يا أكتوبر الأرضُ تغني
والحقول إشتعلت .. قمحا ووعداً وتمنـي
والكنوز أنفتحت .. في باطن الأرض تنادي
بإسمك الشعب إنتصر .. حائط السجن إنكسر
والقيود إنسدلت جدلة عـُرس ٍ في الأيادي
***
كان أكتوبر في أمتنا منذ الأزل
كان عبر الصمت والاحزان يحيا
صامدا منتصرا حتي إذا الفجرُ أطل
أشعل التاريخ نارال فإشتعل
كان أكتوبرَ في غضبــتنا الأولي
مع المك النمر
كان أسياف العـُشر
ومع الماظ البطل
وبدم القرشي.. حين دعاه القرشي
حتي إنتصر .
ثم كتب لوردي نشيد ( إنني أؤمن بالشعب حبيبي وأبي ) . و أنشد وردى للشاعر الدبلوماسي الضخم الراحل / صلاح احمد إبراهيم قصيدة (يا ثوار إكتوبر .. يا صناع المجد) ، و للراحل الشاعر على عبد القيوم نشيد (نحن رفاق الشهداء) .
لقد أنتجت ثورة إكتوبر أدباً عظيماً و قطعاً لا يمكن تغافل (الملحمة) قصيدة الشاعر هاشم صديق ، و التى تعتبر عملاً ضخماً و بكل المقاييس ، و لقد أراد لها المطرب الموسيقار، محمد الأمين أن تكون لحناً حماسّياً من خلال طبقات صوت القرار و الإيقاعات ، و لقد صاغ الأستاذ الومسيقار / موسى محمد إبراهيم توتتها الموسيقية ، و قام بأدائها كبار الفنانين و على رأسهم محمد الأمين ، خليل إسماعيل ، عثمان مصطفى و كروانة كردفان الفنانة / أم بلينا السنوسى ، و بمشاركة 40 عاوفاً من مختلف الآلات الوترية و النحاسية ، بجانب كورالاً ضخماً يضم 70 فتاة و فتى . و لا ذالت هذه الملحمة تستدر دموع السودانيين و تهيج أشجانهم .

11.jpg

لما الليل الظالم طول
فجر النور من عينا اتحول
قلنا نعيد قلنا نعيد الماضي الأول
ماضي جدودنا الهزموا الباغي
وهدوا قلاع الظلم الطاغي .
وكان في الخطوة بنلقى شهيد
بدمه يرسم فجر العيد .
و كان القرشي شهيدنا الأول وما تراجعنا
نذرنا الروح مسكنا دربنا .
يا ساحة القصر يا حقل النار
يا واحة تحضن روح نصار
روينا ورودك دم ثوار
وشلنا الشهدا مشينا ونهتف
و جرح النار في قلوبنا ينزف
الرصاص لن يثنينا الرصاص لن يثنينا
و هزمنا الليل هزمنا الليل و النور في الآخر طل الدار
و هزمنا الليل هزمنا الليل و العزة اخضرت للأحرار
لما يطل في فجرنا ظالم نحمي شعار الثورة نقاوم
و نصبح صفوف تمتد و تهتف لما يعود الفجر الحالم .

أنظر الرابط : الملحمة ، قصة ثورة .
و لم تمض إلا فترة ديمقراطية قصيرة ، و فى 25 مايو 1969 ها هو إنقلاب عسكري بقوده الجنرال جعفر نميرى يستولى على الحكم ، و هنا تمت أكبر (دقسة) فى تاريخ الأدب السوداني و الفنون ، حيث خُدع الشّعر و الشعراء مع الحزب الشيوعى السوداني على حدٍ سواء ، فكتب الشاعر العملاق / محجوب شريف : (انته يا مايو الخلاص ، با جداراً من رصاص ، يا حبالاً للقصاص ..) و صدح بها وردى .
لكن قبل أن يُكمل «انقلاب مايو» أشهره الأولى ، كان محجوب من أول معارضيه بعدما رأى تلك الثورة تسير فى الإتجاه المعاكس لأحلام و تطلعات الشارع السوداني ، فكان طبيعياً أن تُحجز له إقامة طويلة في أحد المعتقلات ، و لقد أمضى «شاعر الشعب» ــ كما أُطلق على محجوب شريف ــ نحو 13 عاماً متنقلاً بين معتقل و آخر، خلال مختلف فترات حكم الأنظمة العسكرية السودانية منذ نهاية الستينيات حتى أواخر التسعينيات . و في السجن ، كتب أول دواوينه «يا والدة يا مريم».
كان محجوب شريف مؤمناً بضرورة بقاء مساحة فاصلة بين أي مبدع و السلطة ، أياً كانت و مهما كانت سلطة عادلة. مساحة الابتعاد تلك تسمح للفنان بأن يكون مستقلاً و غير واقع تحت أي تأثير . و هكذا إنحاز دوماً للشارع و أصبح لسان حاله .
و محجوب يتطابق فيه الشاعر مع الإنسان ، فهو فى شعره مثلما هو فى حياته ، الفنان الملتزم و الإنسان الخلوق . و بمناسبة مرور أربعين سنة على تأسيس الحزب الشيوعى السوداني ، كتب قصيدة عام 1986 بعنوان (أنا قلبي مساكن شعبية) ، يقول فيها (الحزب حبيبي و شرياني ، أهداني بطاقة شخصية) . و ما لبثت أن تحولت أثناء تلحينها عن طريق الملحن وردي الصغير إلى (الشعب حبيبي و شرياني) . وقد أعاد المطرب المصري محمد منير قبل سنوات قريبة توزيع هذه الأغنية لتلاقي نجاحات كثيرة .

12.jpg

و هنا لابد لنا أيضاً من التوقف أمام قصيدة مهمة ، صارت المعبر الحقيقي لتلك (الدائرة الشريرة من ديمقراطية – إنقلاب عسكري – ثورة شعبية – ديمقراطية – إنقلاب ...) و كان إسمها (الساقية) و هي من كلمات الشاعر المرهف / عمر الدوش و غناء الفنان الكبير / حمد الريح . لقد أشعلت هذه الأغنية الأرض السودانية ، و صارت على كل لسان ، مما دفع الطاغية النميري لاعتبارها موجّهة ضده ، خصوصاً بعدما أطلقتها الجماهير شعاراً لها أثناء خروجها في التظاهرات الاحتجاجية ( و عشان يكون الحق ليك/ تعبر بحور/ تهدم جبال/ الحق هوا النضال/ و الحق في ساحة مجزرة ) . لم يكمل العام دورته حتى كان الموسيقار الذى قام بتلحينها ناجي القُدسي في المعتقل ، و حتى الآن تعتبر (الساقية) مثلها مثل (الملحمة) و إكتوبريات وردى من أهم المحطات فى تاريخ الغناء السوداني و أشعار المقاومة .
13.jpg

و لم تمض إلا سنتين و إثر فشل إنقلاب آخر فى يوليو 1971 بقيادة الضابط / هاشم العطا ، إلا و قام نظام نميرى بإرتكاب أكبر مجزرة (للمثقفين) فى تاريخ السودان ، هي (مجزرة الشجرة) التى راح ضحيتها سكرتير عام الحزب الشيوعى السودانى الأستاذ / عبد الخالق محجوب و كوكبة من النجوم على رأسهم القائد العمالى العالمى و حامل نجمة لينين الأستاذ / الشفيع أحمد الشيخ . و من مهجره فى المغرب العربي كتب الشاعر الكبير / الفيتورى قصيدته الشهيرة و التى رثى فيها عبد الخالق فقال :
حين يأخذك الصمت منا
فتبدو بعيداً
كأنك راية قافلة غرقت
في الرمال
تعشب الكلمات القديمة فينا
و تشهق نار القرابين
فوق رؤوس الجبال
و تدور بنا أنت
يا وجهنا المختفي خلف ألف سحابه
في زوايا الكهوف التي زخرفتها الكآبة
و يجر السؤال ، السؤال
و تبدو الإجابةُ نفس الإجابة
***
و نناديك
نغرس أصواتنا شجراً صندلياً حواليك
نركض خلف الجنائز
عارين في غرف الموت
نأتيك بالأوجه المطمئنه
و الأوجه الخائفة
بتمائم أجدادنا
بتعاويذهم حين يرتطم الدم بالدم
بالصلوات المجوسية الخاطفة
بطقوس المرارات
بالمطر المتساقط في زمن القحط
بالغاب، و النهر، و العاصفة
***
قادماً من بعيد على صهوة الفرس الفارس الحلم ذو الحربة الذهبيه
يا فارس الحزن
مرِّغ حوافر خيلك فوق مقابرنا الهمجيه
حرِّك ثراها
انتزعها من الموت
كل سحابة موت تنام على الأرض
تمتصها الأرض
تخلقها ثورة في حشاها
انترعها من الموت يا فارس الحزن
.. أخضر
قوس من النار و العشب
أخضر
صوتك
بيرق وجهك
قبرك
لا تحفروا لي قبراً
سأرقد في كل شبر من الأرض
أرقد كالماء في جسد النيل
أرقد كالشمس فوق حقول بلادي
مثلي أنا ليس يسكن قبرا
لقد وقفوا
و وقفتَ
- لماذا يظن الطغاة الصغار
- و تشحب ألوانهم –
إن موت المناضل موت القضية
أعلم سر احتكام الطغاة إلى البندقية
لا خائفاً
إن صوتي مشنقة للطغاة جميعا
و لا نادماً
إن روحي مثقلة بالغضب
كل طاغية صنم..دمية من خشب
..و تبسمت
كل الطغاة دُمىً
ربما حسب الصنم، الدمية المستبدة
و هو يعلق أوسمة الموت
فوق صدور الرجال
انه بطل ما يزال
- و خطوت على القيد
- لا تحفروا لي قبرا
سأصعد مشنقتي
و سأغلق نافذة العصر خلفي
و أغسل بالدم رأسي
و أقطع كفي
و أطبعها نجمة فوق واجهة العصر
فوق حوائط تاريخه المائلة
و سأبذر قمحي للطير و السابلة
***
قتلوني..
و أنكرني قاتلي
و هو يلتف بردات في كفني
و أنا من ؟
سوى رجل واقف خارج الزمن
كلما زيَّفوا بطلا
قلت : قلبي على وطني .


و واصل الشعر مسيرته الصعبة عاضاً على الجمر و ماضياً قُدماً نحو سودانً جديد رسم ملامحه شاعر الشعب / محجوي شريف

حا نبنيهو
البنحلم بيهو يوماتي
وطن شامخ وطن عاتي
وطن خير ديمقراطي
وطن بالفيهو نتساوي
نحلم نقرأ نداوي
مساكن كهرباء وموية
تحتنا الظلمة تتهاوي .. إلى أن يقول :
مكان الحسرة اغنية
مكان الطلقة عصفورة
تحلق حول نافورة
و تمازح شفع الروضة .
و فى أرض الجزيرة فى 1982 كانت إنتفاضة جماهير ود مدنى التى قوبلت و قمعت بعنف مرعب، و أستشهد فيها الفنان التشكيلى طه يوسف عبيد ، فكتب الشاعر / محمد محي الدين رائعته :
عشرة لوحات للمدينة و هي تخرج من النهر
الى روح الشهيد طه يوسف عبيد
واحد : لوحة صباحية
شجر البان استعاد الريح
وارتاح على رقصته نسوة
يغسلن الجلاليب،
الثياب الخضر
أركان البيوت إنتفضت
بالارجل الراكضة
الطير إنتشى
صفقت الزونيا
وضجت ساحة الجميز بالطير الصباحي
الحمامات تبرجن
ورجرجن على الابراج ريشا ابيضا
والنهر أخفى لونه العادي
أجيال من الاسماك ترمي ظلها المائي
تخضر و تحمر علي الشاطئ
عمال المجاري
بائعات الكسرة
الشماسة
النسوة
ارباب المعاشات اشتروا ظلا جديدا
في انتظار السفر
الباصات ملّت
جسد الأسفلت
ألقت
راكبيها
وتخلت
عن مواعيد لعشاق يعيشون الجوى فيها
كراسي الخشب المكسورة الايدي زمانا في مقاهي السوق
تشتاق لرواد يضئون الزوايا
والدراويش استفاقوا من نشيج الرعشة الاولي
على ايقاع بوب مارلي استفاقوا
لحظة أخري
من الظل الذي جاور جدران المراحيض العمومية
والنسوة يدخلن تباعا
والضريح انفتحت منه الشبابيك
يلملمن الزوارات
وأرداف التجار المرحليين على باب المديرية تهتز
وآلاف من الطير الصباحي على بوابة النيل تحيي
حمد النيل
ورايات الضياء الخضر شوشن إذاعات جنود الشعب
في الحامية الباسلة الطير انتشى
شجر البان استعاد
القبعات
الموسميات
استراحت
غابة النيم
علي وقع خطى الجند
رجال الأمن يوفون
نذور الحب
للتجار
والسادة
والقادة
والاطفال يوفون يذور الحب للأرض
البيوت انتفضت
بالأرجل الراكضة
الأردية الخضراء و الزرقاء
والكتب الحكايات
المجلات
الطباشير
المناديل
الزهور النور
والنسوة نشرن الجلاليب على الجدران
جهزن الملاءات
الحنوط
الكسرة الصامتة /الصامدة
الشايا
وعبَّأن الأناشيد
المواعيد
وأقلام الرصاص
(الجرس الاول دقّ
الجرس الثاني دقّ
(الجرس الثالث ..
دقت الاجراس دقّ
جرس جرس
النحاسى
الاساسي
الخلاسي
الخلاصي
الرصاصي
الرصاص .

( .. و يعد محمد محيي الدين من رواد التجديد الشعري في القصيدة السودانية منذ سبعينيات القرن الماضي ، و هو من أوائل الذين كتبوا قصيدة التدوير و وسم ببصمته جيلاً كاملاً بمدرسته التجريبية الشعرية و المسرحية . و قد نادى محيي الدين بكتابة القصيدة المفتوحة التي تستفيد من تقنيات السينما و الحوار و النثر ، و شكل بذلك تيارًا شعريًا رائدًا في الكتابة التجريبية ، و يختصر محيي الدين تجارب شعرية و سردية عديدة داخل النص الواحد . و قد جرب الفقيد كتابة القصيدة و السيناريو و المسرحية ، و كان مشاركا في كثير من المنتديات و المهرجانات العربية و السودانية ، و تعتبر تجربته المسرحية ذات فضاء مسرحي مختلف ارتكز على التجريب في المسرح العالمي . و يعد محيي الدين من مؤسسي مسرح الشارع ، و عرضت مسرحياته في الشوارع السودانية في كثير من المدن ..) .. مواقع . و فى مدينة مدنى أيضاً لم تتخلف (قصيدة النثر) ، و كان الشاعر ، عادل عبد الرحمن :

14.jpg

كيف الحال أيّها العالم .
بقبضتي أمسِكُني من قفايْ أقذفني بعيدا ً عن الكرة الأرضية ولا أهوي آمنتُ بالماء ِ بالرطوبةِ فوق الجدار ، بالبرك ِ ، بالينابيع ِ، بالمستنقعات الزنخةِ ، بالسحاب ِ ، بالنبات الصحراويِّ ذي الوريقات الكثيفةِ ، بالأنهار ِ ، بالبلل في الجسد المستحمّ ِ ، بالمحيط ِ، بالعرق فوق الجباه النزيهةِ ، بالبحر ِ ، بالبئر ِ ، باللعاب ِ ، و بالثلج ِ القطبيّ .
آمنت بالماء ِ - إذ حككت ُ عطشي
رأيتُ التعب َ ،
توقّفَ القلب فجأةً ، حوادثَ المرور السريعة ، النصل الخائن ، انزلاق الجسد من سلّمٍ ، رصاص الحاكم المتكبّر، العقارب والثعابين ، الشيخوخة ، صواعق الرعد ، الحماقة البشريّة ، حمم ا لبراكين ، الحروب ، السقوف المتآكلة ، غضبة الأرض إذ تهتزّ ، انفلات التكنولوجيا من يد الإنسان ْ
رأيتني مائتا ً لا محالة - ما دمت حيّا .
من أجل النساء انشغلت بنفسي قليلا
من أجلكِ - أيّتها المرأة ُ ذات الطعجة ِ فوق الخدّ -
سأقف أمام العمر طوال الدهر ...
هيّأتُ مساءً لنا /
بما يشبه العراك - بما يشبه تحدي جسدين - تبعثرت الأشياء نحو الزوايا - انسحب صوت المذياع - بالطبيعة الفذّة تنغرز الأصابع في اللحم بلا وجع ٍ - بالخبرة الآدميّة يُهصر الجسد بلا شكيّة - باليد تُرى خبايا البدن - بنهنهة ٍ يُغطّى الصخبُ الشارعيّ ُ
يميد العالمُ تحت سرير
إنما فرحي هو من شُغلكِ / أيتها المرأةُ
أكرّس لنفسي غابةً - بساتينَ من كرومٍ - حملانَ وأرانبَ بريّةً - طيوراً وكائناتِ بحر - قمحاً و فاصوليا - مقانقَ ولحومَ مقددّةٍ - أطباقاً من موائدِ ملوكٍ وسلاطينَ مولعين بالطعام
و لا أشبع ْ
أنظرُ البسيطةَ َ
أسأل الجند من ربّكم
أقرأ للفقراء تاريخ العزّة و الجاه
أهمس للعبيد بما لا يودّ الأسياد
أوزّع التجارب على الشعوب
أفتل ساعدي
و بحكمةٍ بليغةٍ لا تحدث ا لثورة
كيف الحال أ يتها العصور الغابرة ؟
كيف الحال يا سمندل ؟
كيف حال حرب النجوم يا أمريكا ؟
وشكرا لكِ - مازال من شعب هيروشيما بقيّةْ !
كيف حالكنّ أيتها الأمهات ؟
هايْ : كيف حالك يا صديقي الذي .. ؟
كيف حالكم يا جدي الفهد ، ياعمّتي الفراشة ، يا أخي أيها السنجاب ؟
كيف حالك أيتها القمصانُ والشراباتُ
أيتها السفن ؟
أيتها المراكب ؟
كيف حالكمْ طبقةً .. طبقة ْ ؟
وشكرا ً جزيلا ً لك أيها العالمْ
فلقد أبقيتني حتى سمعت ُ ، و رأيت ُ ، و شممتْ
بقبضتي أخمش ا لكرة الأرضيّة
أقذفها بعيدا ً في الفضاء
فتهو
و
و
و
وي
في القلبْ . و من مدينة مدنى أيضاً جاء الشاعر المجود (السودا إريتري) محمد محمود الشيخ ، و الشهير بـ ـ

20.jpg

بــ محمد مدنى :
أحتاج دوزنةً
تفك حبالَكم عني
و تربطني بكم
كيف التقيتم ...خلفَ نافذتي
تجمهرتِ البنادق"
ناصبتني الشعرِّ
و الخوف َ المسيج بالخمور
قربتّ بين النساء
و باعدت بين النساء و بيننا
-نادوا الوصيفات الشهود
و كل خدام البلاط
-هذا النكوِص يخيفني
سأدس باطن راحتي في صدرها
و اظل أعلن أنه – قد من دبر –
فكيف برونني ...؟
أحتاج دوزنة
وتراً جديداً
لا يضيف إلى النشيد
سوى النشاز
لغة ً
تفتش عن أرضٍ
خصبةٍ
شمساً
تغير طعم َ فاكهةِ الشتاء
وقتاً أجاوزه لوقت قادم
لا وقت فيه لباعةِ التصفيق
و اسم العائلة
-هذا زمانك ياعمائم
فلتقودي (القافلة)
نحن السكوت "
نموت"
إذ تختارنا ضمن َ المفاضلةِ
البيوت"
يفرّ" لون دمائنا عنا
فتنسحب القصائد أو
تبادلنا الحياد
صمتا تحاورنا الطريق
و تنزوي طرق البلاد
لا
لأعدائك و المعتزلة
للذين يحاصرون الحرب من تمييعها
حتي تباشر الفطام
عن الصدام
لا
لكل اليشبهونك
من بيوت و بنات
و بلاد
لا لابتعاد الحزب
عن حرب تقود الي
السلام
لا
لاقتراب الحرف من حل
يحيل الي الرماد
للشهداء
و الفقراء
جمهرة النساء
العاهرات
لطفلنا الآتي
وكوم اللاجئين
للداعين في صلوات
ان نشتم عطرك
اي نعم
هتفنا
ما سمعتم ,
ثم هاترنا
انصرفتم ,
هددنا بأن ...
ما استثرتم
هدرنا :-
ها يهتف دمعنا
و دم
يعاند ان يجف و لا يرد
سيمل اطفالي الصغار البحر
يا بحرا يجاوز في سكونة
كل حد
يا بحر ...قم
حرك ..تحرك او فعد
نحو ابتدائيك فالنهايات البعيدة
لا تحد
الفظ جحيمك
او فغادر ساحليك الي الابد
جيئي بخاتم مرسليك فقامتي
ضده اتجاه الريح لا
تستغربي صمتي و لا
تثقي بقافيتي التي
تختار ان اختار
ان اشتط فيك و في
مواجهه السؤال
المستمد من السؤال
الينتهي
بعلامة
لا تحمل اللون المحدد
للصفوف , انا احدد
شكل قافيتي , اكابد
لونها , فيحيلني للموقف
الآتي , انا الآتي
هلمي
املأي كفيك من
زبد الوداع
احتاج مفرزة م الشعراء
و الجوعي
لنعلن سخطنا او ....
ننتهي منا
باغنية تذاع
اف لأمي
ألف أف للجميع
أبي
أولي الأمر
الذين تآمروا
و تدبروا
امر العوائل
و العيال
هذا زمانك
يا زلازل
زوجينا
ما نكابدان ننال
لليوم غد
ها ...ارعدت
في الافق مد
انا تعبنا
من خروج الطفل في
حجم اللحد
هزي بجزعك
انني
اشتاق ان
القاك في و هج الجسد
مدي بخنجر ناهديك
فتستقيم خريطة الاخصاب
ياتي جيلنا ...
كالرمل
منفصلا / احد
لماذا
لا نغني باللغات الأم
إنا
مازلنا
من
رؤوس
انوفنا
الا
لنصعد في الغياب
و لم التفتنا
للسماء...
لعلها
و السر يحضنة التراب
هذا
كساد تجارة العراف
و العراب
و الامل /الخراب
للعشق
و العشاق
مرثيتي
و اغنيتي
لقبر فوق ظهري
يبتدرني
كلما ازف الستار
قبض المياه هنا
و تشكيل الهواء
ه
ن
ا
ك
هندسة الدمار
يالهفة الماموم
صلي فرضة
قبل الوضوء
هذا ظلام النار تحرق
مشعليها
دون ضوء
كتبي و اطفالي المضوا-آتون
عمدا –في القصائد في العلاقات
الجديدة للكلام /الفعل بالتنظير ,
بالتنظيم , بالتنجيم ...يا حزب
الصدام الفصل هذي
نقطة للبدء –خط للمسير
فلا تهادن
لماذا تضخم هذا الجبل ؟
و اي طريق يسد؟ إلى أن يقول :
طاوعوا من خفتموا
فالزاحفون الي الفجيعة
انتمو
فقط افهموا
ان
لا و ثيقة او وفاق
و لا حقيقة او و ثاق
يخفي عن الأطفال عورة
من دفنتم من رفاق .
ثم جاء العام 1983، عام الرمادة السوداني حيث قام الطاغية نميرى من بعد إرتمائه فى أحضان الشيخ الدكتور / حسن الترابى و زمرته ، قام بتطبيق ما عُرف بـقوانين (الشريعة الإسلامية) ، و أعدم الشيخ الجليل و المفكر العظيم الأستاذ / محمود محمد طه فى 18 يناير 1985 ، و كانت تلك هي قاصمة الظهر و كما تنبأ بها الأستاذ محمود و الذى قال لن يذهب هذا النظام إلا بتضحية كبيرة ، و كان هو كبش الفداء . و لم تمضى إلا أشهرقلائل و اندلعت ثورة أبريل 1985 و التى كنست نميرى و عصابته ، و جاءت بالديمقراطية الثالثة . لينقض عليها فى 30 يونيو 1989 إنقلاب المتأسلمين الداعشيين بقيادة العميد ، عمر البشير و توجيهات حسن الترابى . و على طيلة الثلاث عقود من بطش الإسلاميين و إرتكابهم للعديد من المجازر و الإبادة العرقية فى دارفور و جبال النوبة و جنوب النيل الأزرق و بالطبع فى جنوب السودان حيث جئ بالعميد البشير من غاباته كمجرم حرب ، مما أدى إلى إنفصال و إستقلال جنوب السودان ليصبح دولة حرة مستقلة فى يوليو 2011 . على طيلة تلك عقود الظلام الثلاث إزدهرت (القصيدة العامية) و نافحت بضراوة و تضحيات عن حق الشعب فى الحرية و الكرامة و كان الشاعر محمد الحسن سالم المولود فى جريف نورى 1956 و الشهير بــ (حُميد) .

15.jpg

له العديد من دواوين الشعر :
حجرالدغش - مجموعة نورا - الجابرية - ست الدار - الرجعة للبيت القديم - مصابيح السما التامنة و طشيش ، ثم أخيراً أرضاً سلاح الذى صدر فى عام وفاته فى 2012 .
غنى له كبار المطربين و ارتبط بشكل خاص مع الفنان الأشتاذ / مصطفى سيد أحمد ، و من أشهر قصائده : من الواسوق أبت تطلع ، من الأبرول أبت تطلع
من الأقلام أبت تطلع ، من المدفع طلع خازوق
خوازيق البلد زادت .
و من أعذب قصائده (نورا) و التى يزاوج فيها بين الحبيبة و الوطن .
نــــــــــــــورة :
هيي أقيفن
هيي أقيفن نوري فيكن
نورة نقاحة الجروف
نورة حلابة اللبيني
للصغيرين والضيوف
نورة ساعة الحر يولع
تنقلب نسمة وتطوف
تدّي للجعان لقيمة
وتدّي للعطشان جقيمة
وتكسي في الماشين عرايه
وفوقا ينقطع هديمه
ما عرفتن نوري انتن قولن انتن شن عرفتن
نورة بت الواطه أختي
نورة إخيت كل الغلابه
نورة حاحاية الشقاوه
نورة هدّياة الضهابه
نورة عايز تقرأ قالت
فوقه حيطت الدنيا مالت
ختت الكراس وشالت
منجلاً صالت بو جالت
ساعة انجرحت بو شالت
كوم رماد في آيده كالت
نورة يوم في الدونكه لدغت
جا الفقير بالليل حواها
يوم ملاها الهم قطائع
جا البصير وبالنار كواها
نورة ما قدرت تمانع
وتقنع الناس المعاها
مره شافت في رؤاها
طيره تآكل في جناها
حيطه تتمطى وتفلع
في قفى الزول البناها
والخلق بقت بلاها
والشمش بلعت ضحاها
فسرت للناس رؤاها
وقالوا جنت وما براها
نورة زادت في شقاها
صدت الأيام تخش
نورة للآمال ترش
عرفت الشقا والشقاوة
ألا ما عرفت تغش
نورة تحلم ببيوت
بديار.. بنور.. ودش
بمحبه تشق دروبه
وفي قلوب الناس تخش
نورة تحلم بوجود
مامشت بينو القيود
أفضل افضل بكتير
بوطن من غير حدود
نورة تحلم بعوالم
زي رؤا الأطفال حوالم
لا محاكم.. لا جرائم
لا مظاليم.. لا مظالم
نورة تحلم نورة ترجف
من أليم الواقع المر
للعشيش احلامها تنسف
نورة تنزف........
نورة تحلم صاحي تحلم و لما تحلم نورة ترجف .
أنظر الرابط : عقد الجلاد نعمة .
من جهة أُخرى ظلت هنالك هجمات شرسة و مخطط لها على كل ما له صلة بالثقافة و مصادرة الكتاب . و كان الأمر كله ممنهجاً بدءاً بإلغاء الفعاليات الثقافية و تجميد الإتحادات و الكيانات و منظمات المجتمع المدني التى تعمل فى هذا المجال و على رأسها (اتحاد الكتاب السودانيين) و الذى تأسس فى ثورة أبريل 1985 .
و واصلت القصيدة المقاومة فى منازلة جحافل الظلمة و الظلاميين ، و كانت (القصيدة العامية) أقرب إلى المزاج العام ، و كان شعراؤها ينشدون قصائدهم سراً و علناً و من أميز الأصوات الشعرية و أغناها صورة و إيقاعاً هو الشاعر الفخم / محمد طه القدال و الذى تغنى أيضاً بشعره كبار المغنين . و ها هو و من البدية يعلن (المانفستو) الخاص به فيقول :
" أبيت الكلام المغتغت
و فاضي ...
و ... خمج !
أشوف العساكر تباري الكباري
و تفتش قلوب الجهال الشلوخهم هوية
و ... أغني الزيوت و الكنانة،
كضب !
أقول البنات المفتح صدورهن
يقالدن رشاشك
و يخلن حبيبهن ...
كضب ! " ...
و يقول :
19.jpg

يقول عنه رفيق دربه الشاعر حميد :
(.. القدال وما أدراك ما القدال .. وهل أتاك حديثه .. كثيراً وأنا فى البلد يسألنى الناس عنه وهل هو شايقى وهذا مرده ربحا أن الشايقيه يكثر بينهم هذا النوع من الخلق الشعرى ، أولا لان قصائده جاءتهم ناضجه ومكتمله النمو وزاخرة بالمفردات والصور الشعبية الخضراء فدخلتهم هكذا كالماء ، أما أنا فأقول مافعله القدال في اللغة العامية يفوق مافعلته المشاريع التنمويه الناجحه بأهل القرى ، ومن يوم ما تزوقت طعم قصائده لم تكتم يداي لعاب التصفيق لها ، وتأكيداً لهذه الدلاله كنا فى الليالى الشعرية التى يشترك فيها القدال نأتى اليها وهى على وشك الإنتهاء لعلمنا التام أن القدال سيكون آخر من يقرأ والا فشلت الليلة وانفض الرواد مبكراً ذلك هو القدال ..) . و لعل قصيدته تجمع بين الترميز حيناً و الصورة المركبة أحياناً ، و لقد عرى (شيوخ السّحت و الظلام فى فصيدته (شبخ تّلب) .
حزينة وجوفك دمدم حزين
حزنت وقلب الحازنك خلى
تعدى الحلم الشفتيهو قديم
و تملا حسارك قلبك ملى
و كل ما هبهب قاصدك نسيم
يلهب جلدك كضباً طلى
فطمت جناك وحضنك رحيم
و حنـّك تب ما صابو البلى
سمعت غناك وصوتك رخيم
شديد اوتارك زايد حلى
عرفت الغم الصارلك نديم
و شفت الكون بى شوفاً جلى
لقيت الكاتلك كافر زنيم
و انت وحيدك قلبك ولى
يا شيخ تلـّب انزل كبكب
و ارمى الحترب فى الميضنة
فى الباردة تعب لى الحارة تسب
عجمان وعرب فى المضنة
البس خضرب وادخل قصرب
و الحس و اشرب فى الميضنة
دى الدنيا تهب شقيش ما تصب
القبلى حرب ..
لى سيدك حب لا تخش ضرب
لى يوسف جب فى الميضنة
دقنا وشنب درويشنا يسوق
تايوتا تكب فى الميضنة
يا شيخ تلب وين الزغلب
الكانو تلب
ديل صبحو غرب
ام اضحو جنب
فى الميضنة
انزل كبكب و ارمى الحترب
فى الميضنة
كبس االهم على
و الحال قبض يا سيد
غبنا فيا كج
و تادو جنبى معيد
مو جنا تجيب
سلسل جنازرو تقيد
بلا غيبوبة البلد
النصيحو مصيد
كنا تلاتة ...
ود النوق و ديك و عتيد
قلنا نكمل الفرض
العلينا نشيـد
جينا عليكى يا المحبوبة
شوقنا يأيـد
بقينا ضهابة متل زولاً
ضرير وبليد
و د النوق مركوبو
العليهو يشفق
بقى يتباطأ
فى خبة مشيهو يلفق
ان جاهو العلوق
صيحة نفاقو تنفق
اصبح جدوا وكل
ما شافلو سلقة يصفق
- وديك الجن
رفيق همى وغنايا وفنى
سوا طريقو فى نخبة
وصبح متهنى
ما هماهو باسط مية
سكرة ينى
كل ما شافلو زفة
جديدة فوقة يغنى
- يا عتيد الرماد
نط الحيط بالزانة
تفضى الخانة
تلقى جنابو سيد الخانة
فارش دارو لى اسيادو
بيت كرخانة
غافل ضبحة الفجرى
و جرى السلخانة
يا حميد اقيف
شوف الخلوق محنانة
كفكف دمعتك
و العبرة فوت خنقانة
عسلك سال بحر
فوقو النحل ونانة
يات من طاق غرف
جازاك دباير دانة .

و تقدمت (القصيدة العامية) و اعتصمت فى (ميدان القيادة) ، و كان الشاعر الأستاذ / أزهرى محمد على :

21.jpg

في شارع القيادة العامة
من كل حتة وفرقة
فجينا الارض ووقفنا
دي الوقفة التشوفها قيامة
ماراحت شمار في مرقة
بتزيدنا ونزيدا وسامة
يوم جرد الحساب بالورقة
حاسب نفسك اللوامة
حاسب والمتاريس درقة
والشجر البيمشي يمامة
عينو علي الرغيف والطرقة
وانت علي المعاك يتامي
بينك والمشارع فرقة
والبحر الكبير دوامة
قول لحسين هناك في الشرفة
حمدالله الوصلنا سلامة
زي يوم الوقوف بي عرفة
والنَّاس الهناك أياما
شاهرين الهتاف سلمية
رافعين الأيادي علامة
أتنين بالكتير في المية
والباقي بنتمو شهامة
لو تصبر علينا شوية
والصبر إن كمل نتسامي
فوق كل الجراح الحية
والنار التذكي ضراما
ما بتعرف كلمة أحيا
والنضم الوراهو ملامة
والعمر البروح إيدية
هدر في مسخرة دعامة
ما بناخد فداهو الدية
ما بنقبل قصادو غرامة
نحنا علي الفداء إتواعدنا
وإتعاهدنا حب وكرامة
زي سرب القماري صعدنا
في لحظة وقوع الطامة
إتوسمنا خير وقعدنا
في جحر الأفاعي السامه
شن طعم القيادة بعدنا
شن معناهو طولة القامة
في القلعة المشيد سورا
قايلين الوراها نشامه
في ذاكرة شعوب محفورة
في صدر المعارك شامة
تبت دوشكتا المأجورة
تاكل من حلالا حراما
تتلامع سماحة صوره
وأولادنا بتموت قداما
يا عار القيادة العامه
والواحدة ميقات التجلي
ميقات صعود الثورة
في هرم المواعيد
زغرودة والشارع يقوم
وتبدا الملاحم بالزغاريد
من وين بنبداها الحكايات
يا حرفنا المختصر المفيد
أنفض حيل الكلمة
وإنفضت ملمات
يا دمنا المسفوح قبائل العيد
نتلاقي في وهج البشارات
والمعاني الخالده في بيت القصيد
دقت النوبات ودندنة الأناشيد
للولاد المارقة حوبات
الشهيد تلو الشهيد
وَيَا خريف الدم سلامات
نحنا بي موتنا بنزيد
والبموت شان وطنو ما مات
بتولد من أول جديد
جينا من رحم البسالات
جونا من بره الأجاويد
خلينا بالنا علي البلاد
ختولنا في الجرح المراويد
جات كلاكلات إيد علي إيد
بري شمبات المسيد
جبره و أمدر
و الحشود المارقة من كبري الحديد
إنت بتكيد و الشعب يفعل ما يريد .

و بالطبع لم تكن القصيدة الفصيحة صورة و صوتاً ، مبنىً و معنى بغائبة و لا خائفة ، بل مبشرة بفجر الخلاص و كان الشاعر الكبير، عالم عباس :

18.jpg

(1)
هدوءٌ ، ولكنه عاصفةْ
هدوءٌ ،
و في صمته الكاظم من غيظه
قنبلةٌ ناسفةْ
هدوءٌ ،
يهندس في السرِّ
ذرّاتِ وثبته ،
و مجرّاتِ ثورته ،
و اكتساحَ جحافله الجارفةْ
هدوءٌ
يدَمْدِمُ غَضْبتَهُ ، و يُكوّرُ قَبْضَتَهُ
و يدوْزِنُ أوتارَ حناجرِهِ الهاتِفةْ
هدوءٌ ،
يسطّر اشعار مسيرته العارفةْ
و يرتّبُ للنصر عبر صفوف كتائبه الزاحفة
هدوءٌ ،
يكدّس الرعدَ و البَرْقَ ضمّادةً
فوق شرايينه الراعفة
هدوءٌ ،
ليملأ عينيه من خناجر جلاده النازفةْ
هدوءٌ ،
يُحَفّزُ خَيْلَ الوُثُوبِ ،
بِمِهْمَازِ هَبّتِه الهادفةْ
هدوءٌ صَمُوتٌ ليكبُت ثرثرةَ المُرْجفينَ ،
و يَفْضَحُ عُرْيَ المُرائين ،
علَى وَهْجِ نيرانها الكاشفةْ
هدوءٌ ،
يُخاتِلُ عُذْرَ التأنِّي ،
و غَدْرَجَلاوِذَةِ الأمْنِ ،
إفْكَ الدجاجلة الملتحين ،
ذوي السحنة الزائفةْ
هدوءٌ ،
و تحسبه هدْأة الموت ،
لكنّها الآزفةْ ،
ستتْبعُها الرادفة
فلا هجعت تلكمُ الأنفس الخائراتُ
و لا وهنت جذوةُ الرفض فينا ،
و لا نامت الأعينُ الخائفةْ

(2)
يا سهادَ الدفاتِرِ في ليلة الصَّمْتِ ،
و الشعراءُ الخليّونَ ناموا
يا صراخَ القوافِي الحبيسةِ ما بين اقلامِهم ،
و اصْطِخابِ محابِرِهِمْ، حيث قاموا
يا ارْتِعاشَ التَّمَرُّدِ في الدمِّ يغلي ،
فلا يستقرُّ إلى أن يقرَّ السلامُ
إلى أنْ يًقامَ القِصاص على ساحةٍ العَدْلِ بالْقِسْطِ ،
لا يَتَفَلَّتُ جانٍ ،
ولا يعْتَرِي المُنْصِفين انْهِزام
هدوءٌ ، يُبَدّدُ وحشَتَهُ ،
و يُحَدّدُ وجْهتَهُ ،
و يُزَلْزِلُ عرْشَ البُغَاةِ، يَدُكُّ صَياصِيَهُمْ ،
حيث حَلّوا و حيث أقاموا
هدوءٌ، تبرْكَنَ يغلي ،
يُؤَكِّدُ أنَّ الطواغيتَ وَهْمٌ ،
و أنَّ دمَ الأبْرِياءِ حرامُ .
و هكذا كان الشعر ، و كانت المرأة ، و كان المشهد كما رأيته أنا منعم رحمه فى ساحة الإعتصام بالقيادة العامة .
ثلاثُ آياتٍ مِن كتاب القِيامة :
كَانت الأرضُ غَيرَهَا ، تأتِى كّل حينٍ أُكلها ، يإِذن ربِّها : سّاناتٍ و كندّاكات ، الخِيامُ أفئدةٌ وثِينها التّرّس .. الـتّرّسُ الأولُ كَان (عبّاس) ترباس الأرض العِرض ، التّرّسُ الثّانِى الثّالثُ .. كان مرسوم فى وّش الناس : البِّنت (آلاء) ، (جّردّل مان) ، (الفِّينقّر بّنت) ، و (منبَّر جّات) (دّسيس) الفردّه و (رِفقه) الرِفقه ، (بُمبان بِّنت) و بُمبان مان .. أُمات ، عمّات خالات ، (شَجن) النّسمه ، الّلافته الأمل البّسمه و .. (الشّاي بى جاي) مويّة صّحه و ناس مِنشرحة ، (لو مَاعِندّك شِّيل و العِندّك خُت) ما كيسنا مَلان .. و بالموجودِ إِنتّه تَجود (تَفتِيش بالذّوق) تُدغدِغ قلبّك يّد مَدنية و يَسرِى عليك مِنّك و فيك الدّم الحار نبض الجوعُ .. سَلام و عداله و كمان حُرية . تختّر تدخُل (وادِى هُور) و (جِيدّن جِيت) (مَيارم) حُبٍ (دامِرقّا) حليب ، عصيده عَضّم و الريد (مَردُوم ) . و ألمَافِى شَنو ؟ مِكوك و عُمد (فَرشات) و شيوخ ، عِيال دارفور .. و يااا (عسكَرِى و مَغرور كّل البّلد دارفُور
نحنه الرّصه و إنته الغصّه المَغَصه ، و ألمَافِى شَنو ؟ إِيتَقدّم خندّق ضَهرو تِرّس التّرس الأول كَان عبّاس ، ترباس الأرض العِرض التّرس الثانى الثالثُ .. الفُور الدّلك ، مِسك الإِبطّ و رّدِ و مَسحِ الرأس .. توضّأ دّم ، التّرس إِدمدّم دّم ، دمدّم سّمى و قام و استّلم القِبلّة الوّرد الماس .. الوّد عبّاس . (الّليلّة يَحضُرنى أهلى ) .. أبشّر (عبدُ الحّي) : كّل الناس مرِّيخ و هلال و هِلالنا صَليب و صَلِيبنا هلال ثالوثُ (الرّصةِ) (الصّبّةِ) كّل الأرضِ فِداوة القِّبطه حديد ، البّحر الطّير و الهُدهُد هو المُرسال . (بعضُ الرّحيقِ أنا ..) يا (وّد مّكّيِ) .. المّكى و مَدنّي و بُّرتُوكان البرتُقالةُ أُمٌ .. (أُم عزّام) ، و كّلِ شهيد إِتسّربّل بالسودان . الدولةُ جماد ، ما عِندها قّلب (لا عِندّها دِين) نطّقت ، صَدَقت .. (دِكتُور جُون) . التّرسُ الأولُ قَام و النّاسُ مَدهوكة مَعايش و جّنجاويد : التّرسُ الأولُ قَام ، قَامَ إِتَقدّم قَام .. قَامَ إِتَقدّم قَام .. يااا عبّاس ، يااا عبّاس و انقّدَ الّليل ، الخِيّم النِيل . و البّت بهناك فى عّز النومه ، الخيمة ، تَحنّن قَمراً مِن (مدنية) و الحبّه الكّنته هناك بى غادى هِناك سادى الخِدمه مِترِّس فِى الوردّية و حلمو معاها مُؤانِسُ ، يطقطِق رِيش الصّدرِ العامِر يبسمّل فوقو سَبِّع سَبعات ، يقرقر منّها و يضحَكُ نّهداً بّكر و يعسِّل فاها بالنحلات .. و إِنبهِتّت جَحظّت عين الخَوذّة ، بوت العّسكّر بطن الحوت : جّنجَاوِيد ، كتائِب الظِّلِ العُود الأعوّج (على عثمان) الزّبل المَسخ .. ربّاطةِ قُوش ، السّقَطّة الفّعلة ، أولاد السُّحتِ ، الدّين الفَاضِى ، عِزرالوط و عِزراموت .. و الّليل إِنقّد ، الّليل بَارودٌ و حريق . يااا عبّاس ، يااا عبّاس .. قَامَ إتَقدّم قَام .. قَامَ تَقدّم قَام يااا عبّاس ، يااا عبّاس .. ما شعرت البّت الشّرِط المُوس إِلّا و تّف (بّت أُم كّف) مِنّ الكّفُ كَفورٌ و (الدِّبشِّك) خندّق و كّنكّش فوق لى تِحت النّهد البِّكر .. إِنخسف إنكسف القَمرُ و ضّلمّم ، غاب : (أصحِى ، أصحِى .. النّار فى الخيمه الناس النّار ..) النّار فى العضم النّار و ياا عباس
النّار فى الراس فى الجّسم النهدو حلال تّندفِع الكنداكات .. عِريانه و مّلط إلّا مِن توبِ الّله ، توب الوطن الأرض ، توب الفِطرة غَيبانه و ما غَبيانه جّن سَحبوها و الدّمُ بِى بقبّق بين فّخذين .. ياا سُتر الّله ، يا سُتر الله شِّقيش وين ؟ ، و العّسكرُ فى أسفّلت الشّارعِ يِفّلفِّل شدّه و عُسره ، أُكّر السُنط الباب
و يمرمِط طاقات القلب العين ؟ قَامَ إِتَقدّم قَام .. قَامَ إِتَقدّم قَام ، يااا عبّاس ، يااا عبّاس .. و نَشَج التّرسُ ، التّرسُ بى حِن ، النّيلُ بى يئّن و إِنفّد الّليل (مطَرُ الّليلِ) يااا مُحيِّ الدِّينِ مُحمد . سَحلو (السّانةَ) مِن دُبُرٍ فَشَخُوه ، صرخت خيمة ، خرّت نجمة ، إهتّز العّرش .. النّار ، النّار ، العسكر يااا عبّاس و انصّك (بلّوكٌ) فوق العُنق الحّر ، و الجِينزِ الراية و تِى شيرتو سَماوي مَدنّيٌ و لون الثورة النيل .. و شَهق إِنخّض النّيل .. مّا إِحتّمل الّليل إرفّضّ ، فارخى الضّفةِ ، ستر الرأس القمر الكامل و انقّد الّليل .. انهمر الّليل . . التّرس الأول الماس عبّاس ،
التّرس الثانى الضُّل عزّام ، التّرس السّابع وّد الخير و انهمر الّليل ميتين ألفين .. بااخ مدنيّة وين ؟ (سقطّت ما سقطّت ) سقطّت وين ؟ كَمّين شهداء الخّيمةِ ، التّرس النِيل ؟ كم مِيّات الشّهداء المفقودين ؟ كّم مِنّا تِرس ، كم مّنا نفق ، كم مّنا شهيداً حايِّم فوق كِرعين ؟ مدنيّة تلّم ، مدنيّة تَضُم .. إلأّ ألبضّع بى شطر أُمو و غاتّس فى الدّم حدّ الإضنين .. مدنيّة ؟!
ياااخ وييين ، ياااخ وييين ؟




.../...

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى