كل شيء يخضع للمَأْسَسَة institutionnalisation في المنظومة التربوية، انطلاقا من السلطات العمومية التي تسهر على تنظيمها إلى أدنى تفاصيل الممارسة التربوية. حتى المعرفة التي تنقلها المدرسة مُمأسسةٌ حيث يتم تقديمها على شكل برامج ومراجع مدرسية منمطة ومفروضة من طرف الجهات الوصية.
إن هذه المأسسة، بطبيعة الحال، ضروريةٌ ما دامت تهدف إلى توحيد معايير تدبير المنظومة التربوية وإعطائها طابَعا و وُجودا رسميا وقانونيا. ومع ذلك، لا بد من الاعتراف بأن المأسسة المُفرِطة يمكن أن تشكِّل عقبةً أمام التغيير كما يمكن أن تكبحََ أو أن تقتلَ الابتكار والإبداع واتِّخاذ المبادرة.
مع مرور الوقت وإذا لم يحصل أي تغيير، وتحت ضغط الرتابة routine، يمكن للمأسسة أن تُفرزَ عاداتٍ وأعرافاً وطرقَ عملٍٍ وسلوكاتٍ وردودَ أفعال نمطية ولاإرادية غير مرغوب فيها تترسَّخ في المنظومة التربوية حيث قد تنتهي بإلحاق أضرار بالسيرورة الجيدة لهذه الأخيرة.
إن الأمرَ لا يتعلَّق بتاتا بتبخيس المأسسة ولكن بجلب الانتباه أن هذه الأخيرة، إذا تمَّ اللجزءُ لها بإفراطٍ، يمكن أن تكبح روحَ المبادرة والإبداع اللذان هما فعلا ضروريان لتشبيب المنظومة التربوية ولتجديد الممارسة التعليمية/التربوية. وعلى سبيل المثال، إن تمركزَ اتخاذ القرار يخلق مشكلةً تسيء للسيرورة الجيدة لهذه المنظومة وتُخضِِعها إلى ممارسات بيروقراطية غير مجدية تؤدي إلى ضياعٍ في الوقت وهدرِ الوسائل. وفضلا عن ذلك، إن التَّمركزَ يحد من مدى المسؤولية جاعلا إياها مقتصرة على سلطات الوصاية (متخذو القرار) حيث أن المكوِّنات الأخرى للمنظومة تشعر أنها أقلَّ مسؤولية، وبالتالي، أقل مبادرة وأقل ابتكار.
والابتكار وروحُ المبادرة والإبداع مميزات تتطلب منظومةً تربويةً مرِنةً لها القدرة على التكيُّف بصفة مُرضية مع التغيُّرات الاجتماعية والاقتصادية. وهذا يعني أن هذه المنظومةَ، من المفترض، أن يُعاد فيها النظر بانتظام لتُحسِّن تموقعَها بالنسبة للمجتمع، لعالم الشغل، للإقتصاد، الخ. وإعادة النظر هذه يمكن أن يترتَّب عنها العديدُ من التساؤلات من ضمنها الأمثلة الآتية :
1.هل العلاقات القائمة، من جهة، بين المكونات التربوية والبنيات الإدارية، ومن جهة أخرى، بين هذه الأخيرة والسلطة التنظيمية، مُرضية؟
2.هل اتخاذ القرار سيظل مركزيا أو سيتم اللجوء إلى لاتمركز جزئي وتدريجي؟
3.ما هو مستوى الاستقلالية (إداريا، تربويا، ماليا، الخ.) الذي يمكن تخصيصُه للبنيات المكلفة بتنفيذ السياسة التربوية لتضطلع بأكبر قدر من المسؤولية وتحفيزها على أخذ المبادرة؟
4.ما هو الدور الذي من الممكن أن تلعبَه الجماعات المحلية في المساهمة في تحسين أداء المنظومة التربوية؟
5.هل من الممكن أن تكون الجهوية مفيدة للمنظومة التربوية؟ إذا كان الجواب إيجابيا، كيف يمكن أن تُترجَمَ هذه الفائدة على أرض الواقع؟
6.هل ستبقى المدرسة منغلقة على نفسها أو أنها ستنفتح على العالم الخارجي وبالأخص، على الأوساط التربوية الأخرى والأسرة؟
7.هل ستحتفظ البنيات التربوية بشكلها الحالي من حيث 1) علاقات مدرسون-متعلمون 2) جودة البرامج والطرائق البيداغوجية والتقييم؟ 3) كيفية التعامل مع البرامج؟ (هل سيحتفظ بالحواجز التي تفصل التخصصات (المواد) أو سيتم الاتجاه إلى تكامل هذه التخصصات؟)
8.ما هي الإجراءات التي يلزم اتخاذُها لإعادة المتعلم (كإنسان، مواطن المستقبل المسؤول وليس كفرد عابر) إلى صلب العملية التعليمية-التعلمية؟ الخ.
كل واحد من هذه التساؤلات يتطلب لوحده دراسة بأكملها. كل ما يمكن قوله هو أن المأسسة المفرطة هي، بكيفية أو أخرى، مسؤولة عن الخمول والبيروقراطية اللذان يصيبان بعض بنيات المنظومة التربوية، وبالأخص، تلك التي تدبِّر الحياةَ اليوميةَ للمدرسة.
أقول وأُعيد وأُكرِّر أن الغرضَ من هذه المقالة ليس الطَّعن في المأسسة. هذه الأخيرة ضرورية لتنطيم المنظومة التَّربوية وجعلها تخضع لمعايير وقوانين موحَّدة، وجعلها كذلك تتماشى مع متطلَّبات السياسات التَّربوية ومع متطلَّبات وطموحات وتطلُّعات المجتمع. لكن، كما سبق الذِّكرُ، لا يجب أن يتمَّ اللجوءُ لها بإفراط. والمقصود هنا، هو أن يُعطَى للمؤسسات التَّعليمية وللمدرِّسين هامشٌ من الحركة أو، بالأحرى، هامش من التَّصرُّف لتفجير قدرات المُشرفين على المؤسسات التَّعليمية والمُدرّْسين على اتِّخاذ المبادرة وعلى الإبداع والابتكار. ويتعلَّق الأمرُ هنا باقتراح أنشطة تستجيب لرغبات وتطلُّعات المتعلِّمين سواءً كانت فكرية، معرفية، تربوية، ثقافية، اجتماعية، ترفيهية، بيئية، فنية… على أن لا يُمتحنوا فيها.
وعندما أتحدث عن اقتراح أنشطة، فالمقصود ليس الأنشطة الموازية activités parascolaires. المقصود هو تخصيص حيِّزٍ من الزمن يُقتطَعُ من الزمن المخصص للأنشطة التَّعلمية التَّعلُّمية داخلَ الأقسام.
ومما لا شكَّ فيه، والتَّجربة بيَّنت ذلك، أن هذه الأنشطة لها وقعٌ إيجابي على مردودية المتعلَّمين وعلى تنشئتِهم الاجتماعية. بل قد تؤدِّي إلى اكتشاف مواهب talents لم تكن في الحُسبان. وفضلا عن اكتشاف المواهب، إن هذا النوعَ من الأنشطة يقود إلى إغناء معارف المتعلِّمين وصقل كفاءاتهم وتعويدهم على تحمُّل المسئولية. علما أن كلَّ ما يختاره المتعلٍّمون عن طيب خاطر وغير محسوب على البرامج التَّعليمية المُقرَّرة، سيوفِّر لهؤلاء المتعِلمين قسطا من الأوقات المُمتِعة.
هنا، لا بد من التَّذكير أنه، بالنسبة للمتعلِّمين، لا شيءَ يُساوي شعورُهم (فرحتُهم) بالرغبة في التَّعلُّم le plaisir d'apprendre، سواءً أثناء الأنشطة التَّعليمية/التَّعلُّمية المقرَّرة أو سواءً أثناء ما أقتَرحُه من أنشطة أخرى. وتزداد فرحتُهم إذا وجدوا مَن ينقلهم من مرحلة "الرغبة في التَّعلُّم" إلى مرحلة "مسرَّة أو فرح الفهم والإدراك". هنا، يبرز دور المدرس والمدرسة.
المدرس، عليه أن يستعملَ كل الوسائل المتاحة، أولا، لتقوية "الرغبة في التَّعلُّم"، ثانيا، لنقل المتعلم من هذه الرغبة إلى فرحة الفمه والإدراك. أما المدرسة، فدورها هو توفير الظروف الازمة لاستدامة هاتين الرغبة والفرحة.
إن هذه المأسسة، بطبيعة الحال، ضروريةٌ ما دامت تهدف إلى توحيد معايير تدبير المنظومة التربوية وإعطائها طابَعا و وُجودا رسميا وقانونيا. ومع ذلك، لا بد من الاعتراف بأن المأسسة المُفرِطة يمكن أن تشكِّل عقبةً أمام التغيير كما يمكن أن تكبحََ أو أن تقتلَ الابتكار والإبداع واتِّخاذ المبادرة.
مع مرور الوقت وإذا لم يحصل أي تغيير، وتحت ضغط الرتابة routine، يمكن للمأسسة أن تُفرزَ عاداتٍ وأعرافاً وطرقَ عملٍٍ وسلوكاتٍ وردودَ أفعال نمطية ولاإرادية غير مرغوب فيها تترسَّخ في المنظومة التربوية حيث قد تنتهي بإلحاق أضرار بالسيرورة الجيدة لهذه الأخيرة.
إن الأمرَ لا يتعلَّق بتاتا بتبخيس المأسسة ولكن بجلب الانتباه أن هذه الأخيرة، إذا تمَّ اللجزءُ لها بإفراطٍ، يمكن أن تكبح روحَ المبادرة والإبداع اللذان هما فعلا ضروريان لتشبيب المنظومة التربوية ولتجديد الممارسة التعليمية/التربوية. وعلى سبيل المثال، إن تمركزَ اتخاذ القرار يخلق مشكلةً تسيء للسيرورة الجيدة لهذه المنظومة وتُخضِِعها إلى ممارسات بيروقراطية غير مجدية تؤدي إلى ضياعٍ في الوقت وهدرِ الوسائل. وفضلا عن ذلك، إن التَّمركزَ يحد من مدى المسؤولية جاعلا إياها مقتصرة على سلطات الوصاية (متخذو القرار) حيث أن المكوِّنات الأخرى للمنظومة تشعر أنها أقلَّ مسؤولية، وبالتالي، أقل مبادرة وأقل ابتكار.
والابتكار وروحُ المبادرة والإبداع مميزات تتطلب منظومةً تربويةً مرِنةً لها القدرة على التكيُّف بصفة مُرضية مع التغيُّرات الاجتماعية والاقتصادية. وهذا يعني أن هذه المنظومةَ، من المفترض، أن يُعاد فيها النظر بانتظام لتُحسِّن تموقعَها بالنسبة للمجتمع، لعالم الشغل، للإقتصاد، الخ. وإعادة النظر هذه يمكن أن يترتَّب عنها العديدُ من التساؤلات من ضمنها الأمثلة الآتية :
1.هل العلاقات القائمة، من جهة، بين المكونات التربوية والبنيات الإدارية، ومن جهة أخرى، بين هذه الأخيرة والسلطة التنظيمية، مُرضية؟
2.هل اتخاذ القرار سيظل مركزيا أو سيتم اللجوء إلى لاتمركز جزئي وتدريجي؟
3.ما هو مستوى الاستقلالية (إداريا، تربويا، ماليا، الخ.) الذي يمكن تخصيصُه للبنيات المكلفة بتنفيذ السياسة التربوية لتضطلع بأكبر قدر من المسؤولية وتحفيزها على أخذ المبادرة؟
4.ما هو الدور الذي من الممكن أن تلعبَه الجماعات المحلية في المساهمة في تحسين أداء المنظومة التربوية؟
5.هل من الممكن أن تكون الجهوية مفيدة للمنظومة التربوية؟ إذا كان الجواب إيجابيا، كيف يمكن أن تُترجَمَ هذه الفائدة على أرض الواقع؟
6.هل ستبقى المدرسة منغلقة على نفسها أو أنها ستنفتح على العالم الخارجي وبالأخص، على الأوساط التربوية الأخرى والأسرة؟
7.هل ستحتفظ البنيات التربوية بشكلها الحالي من حيث 1) علاقات مدرسون-متعلمون 2) جودة البرامج والطرائق البيداغوجية والتقييم؟ 3) كيفية التعامل مع البرامج؟ (هل سيحتفظ بالحواجز التي تفصل التخصصات (المواد) أو سيتم الاتجاه إلى تكامل هذه التخصصات؟)
8.ما هي الإجراءات التي يلزم اتخاذُها لإعادة المتعلم (كإنسان، مواطن المستقبل المسؤول وليس كفرد عابر) إلى صلب العملية التعليمية-التعلمية؟ الخ.
كل واحد من هذه التساؤلات يتطلب لوحده دراسة بأكملها. كل ما يمكن قوله هو أن المأسسة المفرطة هي، بكيفية أو أخرى، مسؤولة عن الخمول والبيروقراطية اللذان يصيبان بعض بنيات المنظومة التربوية، وبالأخص، تلك التي تدبِّر الحياةَ اليوميةَ للمدرسة.
أقول وأُعيد وأُكرِّر أن الغرضَ من هذه المقالة ليس الطَّعن في المأسسة. هذه الأخيرة ضرورية لتنطيم المنظومة التَّربوية وجعلها تخضع لمعايير وقوانين موحَّدة، وجعلها كذلك تتماشى مع متطلَّبات السياسات التَّربوية ومع متطلَّبات وطموحات وتطلُّعات المجتمع. لكن، كما سبق الذِّكرُ، لا يجب أن يتمَّ اللجوءُ لها بإفراط. والمقصود هنا، هو أن يُعطَى للمؤسسات التَّعليمية وللمدرِّسين هامشٌ من الحركة أو، بالأحرى، هامش من التَّصرُّف لتفجير قدرات المُشرفين على المؤسسات التَّعليمية والمُدرّْسين على اتِّخاذ المبادرة وعلى الإبداع والابتكار. ويتعلَّق الأمرُ هنا باقتراح أنشطة تستجيب لرغبات وتطلُّعات المتعلِّمين سواءً كانت فكرية، معرفية، تربوية، ثقافية، اجتماعية، ترفيهية، بيئية، فنية… على أن لا يُمتحنوا فيها.
وعندما أتحدث عن اقتراح أنشطة، فالمقصود ليس الأنشطة الموازية activités parascolaires. المقصود هو تخصيص حيِّزٍ من الزمن يُقتطَعُ من الزمن المخصص للأنشطة التَّعلمية التَّعلُّمية داخلَ الأقسام.
ومما لا شكَّ فيه، والتَّجربة بيَّنت ذلك، أن هذه الأنشطة لها وقعٌ إيجابي على مردودية المتعلَّمين وعلى تنشئتِهم الاجتماعية. بل قد تؤدِّي إلى اكتشاف مواهب talents لم تكن في الحُسبان. وفضلا عن اكتشاف المواهب، إن هذا النوعَ من الأنشطة يقود إلى إغناء معارف المتعلِّمين وصقل كفاءاتهم وتعويدهم على تحمُّل المسئولية. علما أن كلَّ ما يختاره المتعلٍّمون عن طيب خاطر وغير محسوب على البرامج التَّعليمية المُقرَّرة، سيوفِّر لهؤلاء المتعِلمين قسطا من الأوقات المُمتِعة.
هنا، لا بد من التَّذكير أنه، بالنسبة للمتعلِّمين، لا شيءَ يُساوي شعورُهم (فرحتُهم) بالرغبة في التَّعلُّم le plaisir d'apprendre، سواءً أثناء الأنشطة التَّعليمية/التَّعلُّمية المقرَّرة أو سواءً أثناء ما أقتَرحُه من أنشطة أخرى. وتزداد فرحتُهم إذا وجدوا مَن ينقلهم من مرحلة "الرغبة في التَّعلُّم" إلى مرحلة "مسرَّة أو فرح الفهم والإدراك". هنا، يبرز دور المدرس والمدرسة.
المدرس، عليه أن يستعملَ كل الوسائل المتاحة، أولا، لتقوية "الرغبة في التَّعلُّم"، ثانيا، لنقل المتعلم من هذه الرغبة إلى فرحة الفمه والإدراك. أما المدرسة، فدورها هو توفير الظروف الازمة لاستدامة هاتين الرغبة والفرحة.