المحتويات
مقدمة
أصول الكسكس المغربي
هل الكسكس أكلة مغربية خالصة؟
أنواع الكسكس التي يعدها المغاربة
مقدمة
أكلة مغربية – ومغاربية أيضا- ترتقي إلى اعتبارها أكلة وطنية بامتياز وبدون منازع، فلا يذكر المغرب وعاداته الغذائية دون ذكر الكسكس. فلا تكاد تسمع بزائر أجنبي للمغرب، سواء في الماضي أو الحاضر، دون أن يقف على شهرة هذه الأكلة بين المغاربة بمختلف فئاتهم الاجتماعية. كما لا تكاد تخلوا مائدة المغاربة بمختلف طبقاتهم الإجتماعية والثقافية، سواء كانوا في الحواضر أو البوادي، من وجبة وطبق سكسو (الكسكس أو الكسكسو) على الأقل مرة كل أسبوع (خاصة يوم الجمعة). فرغم تغير العادات الغذائية للمغاربة، بفضل إيقاع الحياة السريع وانتشار المطاعم والأكل خارج البيت، فإن طبق الكسكس ظل محافظا على عرشه وصدارته لاختياراتهم في مائدة الطعام.
أصول الكسكس المغربي
وقد عرف طبق الكسكس منذ التاريخ الوسيط الأعلى على الأقل، و يرجع إلى فترة تاريخية قبل ذلك، فهي أكلة أمازيغية أصيلة، كما سجل ابن خلدون عندما أورد أن “البربر” لما سئلوا عن هويتهم بعد الفتح الإسلامي للمغرب أجابوا: “نحن قوم نحلق الرؤوس ونلبس البرنوس ونأكل الكسكوس”، وهذه العناصر الثلاثة المحددة للهوية وردت في أوصاف الرحالة الذين زاروا المغرب خلال مختلف العصور[1].
وكما أن أصل الأكلة أمازيغي فإن أصل الكلمة تابع لهذا الأصل، فيسمى أيضا أسْكْسُو؛ سْكْسْو؛ ؤوفتي؛ أرْواي؛ ،أدنبو، اشينك. ويكنى عن الكسكس ب”ؤتشي” و”ؤتشو” بمعنى الطعام لأنه هو الطعام القومي الأمازيغي. فهو إذن لفظة أمازيغية. واشتقت منها أفعال وأسماء ئكسكس أو ئسكسو بمعنى صنع الكسكس، وأيضا كلمة الكسكاس؛ وهو الإناء الذي ينضج فيه الكسكس بواسطة بخار القدر [2]. وتسميه بعض الجهات في المغرب ب: “الطعام” و”الفار” و”فور” أي إعداد الكسكس، ومنها المثل المغربي الشائع “والله ما قفلتي لا فورتي”[3].
ومن كتابات القرن 13م/7ه، التي أسهبت في الحديث عن الكسكسو (الكسكس) كتاب الطبيخ في المغرب والأندلس المسمى “فضالة الخوان في طيبات الطعام والألوان” لصاحبه ابن رزين التيجيبي الأندلسي (المتوفي 692ه/1292م). وقد تحدث عنه في الفصل الخامس من الكتاب والذي عنونه ب: مما يسقى سقي الثرايد أو يطبخ طبخ الأحساء. وقد أورد إبن رزين كيفية إعداده تحت عنوان: عمل الكسكسو، وقال في ذلك : “يؤخذ السميد الرطب فيوضع في المعجنة ويرش بماء قد حل فيه قليل ملح ويحرك بأطراف الأصابع حتى يلتئم بعضه ببعض، ثم يحك بين الكفين برفق حتى يصير مثل رؤوس النمل، ثم ينفض بغربال خفيف حتى يذهب عنه ما بقي من الدقيق ويترك مروحا مغطى”[4].
وفي موضع آخر تحدث المؤلف عن وصفة طبخه قائلا: “أن يؤخذ من أطايب اللحم البقري الفتي السمين ومن عظامه الكبار ويوضع ذلك في قدر كيبرة ويجعل عليها ملح وزيت وفلفل وكزبرة يابسة ويسير بصل مقطوع وما يغمره من الماء وزيادة، وتوضع القدر على النار فإذا بدا اللحم أن ينضج جعل فيه ما تيسر من الخضرة الموجودة في الوقت مثل الأكرنب واللفت والجزر والخس والبسابس والفول الأخضر والقرع والباذنجان، فإذا نضج اللحم مع الخضرة أخذت القدر المعدة للكسكسو وهي مثقبة الأسفل وتملأ من الكسكسو برفق ثم توضع على القدر الكبيرة التي باللحم والخضرة ويلصق ما بينهما بطرف من عجين حتى لا يخرج من بخاره شيء، ويشد فم قدر الكسكسو بمنشف غليظ لينعكس بخاره وليستحكم طبخه، وعلامة طبخه قوة البخار الذي يصعد على فم القدر وأن يضرب على الكسكسو باليد فيسمع له دوي. فإذا طبخ فرغ في معجنة ويحك باليدين بالسمن الطيب والقرفة والمصطكي (المسكة الحرة) والسنبل حتى ينفصل بعضه من بعض ويوضع في مثرد ولا يملأ المثرد بل يعمل حساب ما يزيد فيه بالسقي…” وأضاف ابن رزين :”ومن أراد عمله باللحم الغنمي أو بالدجاج فليعمله عل نحو ما ذكر بحول الله وقوته”[5]. كما تحدث عن أنواع أخرى من الكسكسو (الكسكس) بالجوزي، ونوع آخر من غير سقي، ونواع ثالث سماه الكسكسو بالبيسار [6].
هل الكسكس أكلة مغربية خالصة؟
ورغم كون أكلة الكسكس /كسكسو تشترك فيه الدول المغاربية إلا أن الأكلة تكاد تكون أكلة مرتبطة بالمغرب والمغاربة فقط، بالنظر إلى أنهم أعطوها إشعاعا أكثر من غيرهم عالميا، كما أعطتهم بالتبع نفس الإشعاع على المستوى العالمي. فقد بات الكسكس المغربي علامة إجتماعية لصيقة بالمغاربة في أعين العالم، فبمجرد ذكر طبق الكسكس يأتي إلى ذهن السامع والمتلقي المغرب والمغاربة. ويعود ذلك إلى أن المغاربة برعوا وأبدعوا في طرق إعداده وبمختلف الطرق والمكونات، وعرفوا العالم على طريقتهم و”كسكسهم” أكثر مما فعل غيرهم من الشعوب المغاربية، كما أن حضور الكسكس في المائدة المغربية سواء في الأيام العادية (يوم الجمعة من كل أسبوع) أو المناسبات الدينية والإجتماعية لا ينافسه أي طبق آخر تقريبا باستثناء الطاجين، كما لا ينافسهم في ذلك أي شعب آخر. فارتباط الكسكس بالمغرب وارتباط المغاربة بالكسكس جعله يتحول إلى رمز من رموز الكرم المغربي، وأيقونة من الأيقونات الكثيرة للطبخ المغربي.
إذن فوصف الكسكس بالمغربي لا يتعارض أبدا مع كونه طبقا مغاربيا، فكما يجوز الحديث عن الكسكس الجزائري والتونسي والموريتاني وحتى الليبي، فإن هناك الكسكس المغربي، بموصفاته الخاصة وأنواعه الخاصة وطرقه إعداده المغربية وطقوس إعداده وتقديمه. فنسبة الكسكس هنا للمغرب مرتبط أساسا بالمهارات والعادات أكثر منها بالإسم والأصل. وهذا ما جعل المغرب يتقدم بملف مشترك مع الجزائر وتونس ومويتانيا لتسجيل الكسكس لإدراج “المهارات والخبرة والممارسات المتعلقة باإنتاج واستهلاك الكسكس” في قائمة اليونسكو للتراث الثقافي غير المادي، وقد تم بالفعل تسجيل بشكل مشترك في دجنبر 2020. كما أن المغرب سجل في قائمة لجنة التراث في العالم الإسلامي بالإسيسكو (منظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة) المهارات والعادات المرتبطة بالكسكس المغربي.
أنواع الكسكس التي يعدها المغاربة
تختلف أنواع الكسكس التي يعدها المغاربة باختلاف الجهات والفئات الإجتماعية، سواء من حيث مكوناته أو طرق التحضير والطبخ والتقديم. فنجد الكسكس البسيط والرديء الصنع، الذي يقتصر تحضيره على الماء وقليل من الزيت أو الشحم والبصل والملح، أما مادته الأساسية فتكون خشنة مكونة من خليط من الدقيق والنخالة الرقيقة المعروفة عند النساء في البادية المغربية ب”الحمرة”، ويسمى في الأمازيغية ب”أحلحول”. وكان هذا الصنف منتشرا أساسا في الأوساط الفقيرة، وتختلف مسمياته باختلاف الجهات.
وهناك الكسكس المسمى ب”كسكسو بسبع خضاري”،وهو ، عكس النوع البسيط، نوع لذيذ وغني بتوابله: حيث يتم إعداده من سميد القمح الصلب، ومن اللحم والخضر والسمن. وهناك النوع المسمى “التفاية” الذي يتم إعداده من السميد والبصل والزبيب المعسل والحمص ولحم الغنم. كما نجد نوعا آخر يعد من سميدة الشعير وغالبا ما يستعمل في تحضيره لحم الرأس (البقري) أو رؤوس الأغنام. وهناك نوع آخر يمسى بالأمازيغية “باداز” أو “أباداز”، والذي يتم تحضيره من سميدة (سويق) الذرة[7]. ويمكن أن نضيف إلى الأنواع السابقة ما يسمى ب “سيكوك”، أو “أزيكوك“ ، ويتم إعداده هو الآخر من سميدة القمح الصلب أو الشعير أو الذرة وتطبخ بنفس الطريقة، إلا أنه لا يؤكل ساخنا، بل ينقع ويغمر في اللبن الحامض(اللبن المخيض) . وكان هذا النوع شائعا في البوادي في فصل الصيف، وقد كان التغدية الرئيسية ل”الحصادة”، ومنه نوع آخر حباته أكبر من حبات الكسكس العادي ويحضر بالحليب ويؤكل ساخنا وتغمره الزبدة الطرية المذابة، ويسمى “بركوش” أو “أبركوكش“، وهو الكسكس الغليظ الحب. ونجد أيضا “السفة”، وهو الكسكس المدهون بالزبد، ويعتمد فيها على القمح الصلب، مع تقديمه مزينة بمسحوق السكر والقرفة[8].
أما طريق التحضير فتقوم أساسا على بخار الماء الذي يسمى بالدارجة المغربية “لْفار”، وأجود أنواع الكسكس هو ما فور ثلاث إلى أربع مرات.
المراجع
[1] معلمة المغرب، الطويل محمد حجاج، مادة الكسكس، الجزء20، منشورات الجمعية المغربية للتاليف والنشر والترجمة، ص 6805.
[2] شفيق محمد، المعجم العربي الأمازيغي، أكاديمية المملكة المغربية، الجزء الثاني، 1996، ص 389.
[3] معلمة المغرب، الطويل محمد حجاجن مرجع سابق، ص 6805.
[4] التجيبي إبن رزين، فضالة الخوان في طيبات الطعام والأوان، تحقيق محمد بن شقرون، دار الغرب الإسلامي،بيروت، ص 87.
[5] التجيبي إبن رزين، فضالة الخوان في طيبات الطعام والأوان، مرجع سابق، ص 78-88.
[6] التجيبي إبن رزين، فضالة الخوان في طيبات الطعام والأوان، مرجع سابق، ص 88-89.
[7] شفيق محمد، المعجم العربي الأمازيغي، مرجع سابق، ص 390.
[8] معلمة المغرب، الطويل محمد حجاج، مرجع سابق، ص 6805.
مقدمة
أصول الكسكس المغربي
هل الكسكس أكلة مغربية خالصة؟
أنواع الكسكس التي يعدها المغاربة
مقدمة
أكلة مغربية – ومغاربية أيضا- ترتقي إلى اعتبارها أكلة وطنية بامتياز وبدون منازع، فلا يذكر المغرب وعاداته الغذائية دون ذكر الكسكس. فلا تكاد تسمع بزائر أجنبي للمغرب، سواء في الماضي أو الحاضر، دون أن يقف على شهرة هذه الأكلة بين المغاربة بمختلف فئاتهم الاجتماعية. كما لا تكاد تخلوا مائدة المغاربة بمختلف طبقاتهم الإجتماعية والثقافية، سواء كانوا في الحواضر أو البوادي، من وجبة وطبق سكسو (الكسكس أو الكسكسو) على الأقل مرة كل أسبوع (خاصة يوم الجمعة). فرغم تغير العادات الغذائية للمغاربة، بفضل إيقاع الحياة السريع وانتشار المطاعم والأكل خارج البيت، فإن طبق الكسكس ظل محافظا على عرشه وصدارته لاختياراتهم في مائدة الطعام.
أصول الكسكس المغربي
وقد عرف طبق الكسكس منذ التاريخ الوسيط الأعلى على الأقل، و يرجع إلى فترة تاريخية قبل ذلك، فهي أكلة أمازيغية أصيلة، كما سجل ابن خلدون عندما أورد أن “البربر” لما سئلوا عن هويتهم بعد الفتح الإسلامي للمغرب أجابوا: “نحن قوم نحلق الرؤوس ونلبس البرنوس ونأكل الكسكوس”، وهذه العناصر الثلاثة المحددة للهوية وردت في أوصاف الرحالة الذين زاروا المغرب خلال مختلف العصور[1].
وكما أن أصل الأكلة أمازيغي فإن أصل الكلمة تابع لهذا الأصل، فيسمى أيضا أسْكْسُو؛ سْكْسْو؛ ؤوفتي؛ أرْواي؛ ،أدنبو، اشينك. ويكنى عن الكسكس ب”ؤتشي” و”ؤتشو” بمعنى الطعام لأنه هو الطعام القومي الأمازيغي. فهو إذن لفظة أمازيغية. واشتقت منها أفعال وأسماء ئكسكس أو ئسكسو بمعنى صنع الكسكس، وأيضا كلمة الكسكاس؛ وهو الإناء الذي ينضج فيه الكسكس بواسطة بخار القدر [2]. وتسميه بعض الجهات في المغرب ب: “الطعام” و”الفار” و”فور” أي إعداد الكسكس، ومنها المثل المغربي الشائع “والله ما قفلتي لا فورتي”[3].
ومن كتابات القرن 13م/7ه، التي أسهبت في الحديث عن الكسكسو (الكسكس) كتاب الطبيخ في المغرب والأندلس المسمى “فضالة الخوان في طيبات الطعام والألوان” لصاحبه ابن رزين التيجيبي الأندلسي (المتوفي 692ه/1292م). وقد تحدث عنه في الفصل الخامس من الكتاب والذي عنونه ب: مما يسقى سقي الثرايد أو يطبخ طبخ الأحساء. وقد أورد إبن رزين كيفية إعداده تحت عنوان: عمل الكسكسو، وقال في ذلك : “يؤخذ السميد الرطب فيوضع في المعجنة ويرش بماء قد حل فيه قليل ملح ويحرك بأطراف الأصابع حتى يلتئم بعضه ببعض، ثم يحك بين الكفين برفق حتى يصير مثل رؤوس النمل، ثم ينفض بغربال خفيف حتى يذهب عنه ما بقي من الدقيق ويترك مروحا مغطى”[4].
وفي موضع آخر تحدث المؤلف عن وصفة طبخه قائلا: “أن يؤخذ من أطايب اللحم البقري الفتي السمين ومن عظامه الكبار ويوضع ذلك في قدر كيبرة ويجعل عليها ملح وزيت وفلفل وكزبرة يابسة ويسير بصل مقطوع وما يغمره من الماء وزيادة، وتوضع القدر على النار فإذا بدا اللحم أن ينضج جعل فيه ما تيسر من الخضرة الموجودة في الوقت مثل الأكرنب واللفت والجزر والخس والبسابس والفول الأخضر والقرع والباذنجان، فإذا نضج اللحم مع الخضرة أخذت القدر المعدة للكسكسو وهي مثقبة الأسفل وتملأ من الكسكسو برفق ثم توضع على القدر الكبيرة التي باللحم والخضرة ويلصق ما بينهما بطرف من عجين حتى لا يخرج من بخاره شيء، ويشد فم قدر الكسكسو بمنشف غليظ لينعكس بخاره وليستحكم طبخه، وعلامة طبخه قوة البخار الذي يصعد على فم القدر وأن يضرب على الكسكسو باليد فيسمع له دوي. فإذا طبخ فرغ في معجنة ويحك باليدين بالسمن الطيب والقرفة والمصطكي (المسكة الحرة) والسنبل حتى ينفصل بعضه من بعض ويوضع في مثرد ولا يملأ المثرد بل يعمل حساب ما يزيد فيه بالسقي…” وأضاف ابن رزين :”ومن أراد عمله باللحم الغنمي أو بالدجاج فليعمله عل نحو ما ذكر بحول الله وقوته”[5]. كما تحدث عن أنواع أخرى من الكسكسو (الكسكس) بالجوزي، ونوع آخر من غير سقي، ونواع ثالث سماه الكسكسو بالبيسار [6].
هل الكسكس أكلة مغربية خالصة؟
ورغم كون أكلة الكسكس /كسكسو تشترك فيه الدول المغاربية إلا أن الأكلة تكاد تكون أكلة مرتبطة بالمغرب والمغاربة فقط، بالنظر إلى أنهم أعطوها إشعاعا أكثر من غيرهم عالميا، كما أعطتهم بالتبع نفس الإشعاع على المستوى العالمي. فقد بات الكسكس المغربي علامة إجتماعية لصيقة بالمغاربة في أعين العالم، فبمجرد ذكر طبق الكسكس يأتي إلى ذهن السامع والمتلقي المغرب والمغاربة. ويعود ذلك إلى أن المغاربة برعوا وأبدعوا في طرق إعداده وبمختلف الطرق والمكونات، وعرفوا العالم على طريقتهم و”كسكسهم” أكثر مما فعل غيرهم من الشعوب المغاربية، كما أن حضور الكسكس في المائدة المغربية سواء في الأيام العادية (يوم الجمعة من كل أسبوع) أو المناسبات الدينية والإجتماعية لا ينافسه أي طبق آخر تقريبا باستثناء الطاجين، كما لا ينافسهم في ذلك أي شعب آخر. فارتباط الكسكس بالمغرب وارتباط المغاربة بالكسكس جعله يتحول إلى رمز من رموز الكرم المغربي، وأيقونة من الأيقونات الكثيرة للطبخ المغربي.
إذن فوصف الكسكس بالمغربي لا يتعارض أبدا مع كونه طبقا مغاربيا، فكما يجوز الحديث عن الكسكس الجزائري والتونسي والموريتاني وحتى الليبي، فإن هناك الكسكس المغربي، بموصفاته الخاصة وأنواعه الخاصة وطرقه إعداده المغربية وطقوس إعداده وتقديمه. فنسبة الكسكس هنا للمغرب مرتبط أساسا بالمهارات والعادات أكثر منها بالإسم والأصل. وهذا ما جعل المغرب يتقدم بملف مشترك مع الجزائر وتونس ومويتانيا لتسجيل الكسكس لإدراج “المهارات والخبرة والممارسات المتعلقة باإنتاج واستهلاك الكسكس” في قائمة اليونسكو للتراث الثقافي غير المادي، وقد تم بالفعل تسجيل بشكل مشترك في دجنبر 2020. كما أن المغرب سجل في قائمة لجنة التراث في العالم الإسلامي بالإسيسكو (منظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة) المهارات والعادات المرتبطة بالكسكس المغربي.
أنواع الكسكس التي يعدها المغاربة
تختلف أنواع الكسكس التي يعدها المغاربة باختلاف الجهات والفئات الإجتماعية، سواء من حيث مكوناته أو طرق التحضير والطبخ والتقديم. فنجد الكسكس البسيط والرديء الصنع، الذي يقتصر تحضيره على الماء وقليل من الزيت أو الشحم والبصل والملح، أما مادته الأساسية فتكون خشنة مكونة من خليط من الدقيق والنخالة الرقيقة المعروفة عند النساء في البادية المغربية ب”الحمرة”، ويسمى في الأمازيغية ب”أحلحول”. وكان هذا الصنف منتشرا أساسا في الأوساط الفقيرة، وتختلف مسمياته باختلاف الجهات.
وهناك الكسكس المسمى ب”كسكسو بسبع خضاري”،وهو ، عكس النوع البسيط، نوع لذيذ وغني بتوابله: حيث يتم إعداده من سميد القمح الصلب، ومن اللحم والخضر والسمن. وهناك النوع المسمى “التفاية” الذي يتم إعداده من السميد والبصل والزبيب المعسل والحمص ولحم الغنم. كما نجد نوعا آخر يعد من سميدة الشعير وغالبا ما يستعمل في تحضيره لحم الرأس (البقري) أو رؤوس الأغنام. وهناك نوع آخر يمسى بالأمازيغية “باداز” أو “أباداز”، والذي يتم تحضيره من سميدة (سويق) الذرة[7]. ويمكن أن نضيف إلى الأنواع السابقة ما يسمى ب “سيكوك”، أو “أزيكوك“ ، ويتم إعداده هو الآخر من سميدة القمح الصلب أو الشعير أو الذرة وتطبخ بنفس الطريقة، إلا أنه لا يؤكل ساخنا، بل ينقع ويغمر في اللبن الحامض(اللبن المخيض) . وكان هذا النوع شائعا في البوادي في فصل الصيف، وقد كان التغدية الرئيسية ل”الحصادة”، ومنه نوع آخر حباته أكبر من حبات الكسكس العادي ويحضر بالحليب ويؤكل ساخنا وتغمره الزبدة الطرية المذابة، ويسمى “بركوش” أو “أبركوكش“، وهو الكسكس الغليظ الحب. ونجد أيضا “السفة”، وهو الكسكس المدهون بالزبد، ويعتمد فيها على القمح الصلب، مع تقديمه مزينة بمسحوق السكر والقرفة[8].
أما طريق التحضير فتقوم أساسا على بخار الماء الذي يسمى بالدارجة المغربية “لْفار”، وأجود أنواع الكسكس هو ما فور ثلاث إلى أربع مرات.
المراجع
[1] معلمة المغرب، الطويل محمد حجاج، مادة الكسكس، الجزء20، منشورات الجمعية المغربية للتاليف والنشر والترجمة، ص 6805.
[2] شفيق محمد، المعجم العربي الأمازيغي، أكاديمية المملكة المغربية، الجزء الثاني، 1996، ص 389.
[3] معلمة المغرب، الطويل محمد حجاجن مرجع سابق، ص 6805.
[4] التجيبي إبن رزين، فضالة الخوان في طيبات الطعام والأوان، تحقيق محمد بن شقرون، دار الغرب الإسلامي،بيروت، ص 87.
[5] التجيبي إبن رزين، فضالة الخوان في طيبات الطعام والأوان، مرجع سابق، ص 78-88.
[6] التجيبي إبن رزين، فضالة الخوان في طيبات الطعام والأوان، مرجع سابق، ص 88-89.
[7] شفيق محمد، المعجم العربي الأمازيغي، مرجع سابق، ص 390.
[8] معلمة المغرب، الطويل محمد حجاج، مرجع سابق، ص 6805.