المنظومة التربوية، كمفهوم، عبارة عن مجموعة متناسقة من الهيئات والبنيات والوسائل المنتمية للقطاع العام والخاص والتي تمكِّن أعمالُها وتفاعلاتُها من صياغة وتنفيذ السياسة الوطنية في مجال التَّعليم والتربية والتكوين علما أن المؤسسات التعليمية والمدرسين يُعتبرون حجر الزاوية في هذه المجموعة.
والمؤسسات التعليمية عبارةٌ عن وسطٍ تنشط وتتفاعل بداخله باستمرار جماعاتٌ بشريةٌ تتمثَّل في هيئة الإدارة، في هيئة التدريس وفي المتعلمين. كما أن هذه الجماعات البشرية تتفاعل بدورها مع محيطها، وبالأخص، مع أسر هؤلاء المتعلمين وجمعيات آباء وأولياء هؤلاء المتعلمين.
وحتى تقومَ بأدوارها على أحسن وجه، فرضت الجماعات السالفة الذكر على نفسِها ما يُسمَّى بمساطرَ أو قواعدَ (قانون) المهنة code de .déontologie ومجموع هذه المساطر أو القواعد هو، في الحقيقة، عبارة عن مجموع حقوق و واجبات تُسيَّر بواسطتها إدارةُ وممارسةُ مهنةِ التَّعليم وتُحدِّد سلوكَ الجماعات البشرية المتفاعِلة فيما بينها في الوسط المدرسي تفادياً للتجاوزات والاختلالات والانحرافات. قواعد ومساطر تخدم الصالحَ العام المدرسي وتتطلب من الجماعات البشرية المتفاعِلة فيما بينها أن يسودَ بينها احترام متبادل.
غير أن الواقعَ، داخل المؤسسات التعليمية، غالبا ما يختلف عن ما هو مطلوب من احترام متبادل حيث تظهر، من حين لآخر، تجاوزات واختلالات وانحرافات يكون وراءها أحدُ الأطراف المتفاعلة في الوسط المدرسي.
والحديث هنا عن مساطر أو قواعد السلوك لن يتعلَّقَ بالصفات والقيم مثل المواطنة، الإخلاص، التضحية، الانضباط، الحيوية، احترام الآخر، روح الواجب، نكران الذات، الخ. التي يجب أن تميز الهيئة الإدارية وهيئة التدريس، والتي هي ضرورية، لا محالة، لإنجازٍ جيِّدٍ لمهام هؤلاء وأولئك. سيتعلق الأمر، بصفة خاصة، بالَتجاوزات والانحرافات التي تسيء لسُمعة ومصداقية المنظومة التربوية.
وفي هذا الصدد وللتذكير، إن مهمة المُدرِّس لا تنحصر، فقط، في التثقيف ونقل المعارف. المدرس، أولا وقبل كل شيء، مربي (بمعنى أنه يساهم في بناء شخصية المُتعلِّم) من خلال تعليمه. فبِواسطة سلوكه كمربي، إنه يساهم في تحسين صورته وصورة مؤسسة الانتماء وكذلك صورة المنظومة التربوية.
ولعل أحسن قاعدة يجب أن يتميَّزَ بها سلوك المدرس، كمربِّي، احترامُه لمبدأ تكافؤ الفرص الذي هو ركيزة من ركائز المنظومة التربوية والذي على المدرس، بصفته مربيا، أن يدافع عنه بقوة قولا وفعلا. وتحقيقا لهذا الدفاع، عليه أن يبذل المجهودات الضرورية لوضع المتعلمين على قدم المساواة من خلال تعليمه. ولهذا الغرض، فهو إذن مطالبٌ أن تكون لديه معرفةٌ شخصيةٌ عن المتعلمين ليتمكن من مساعدتهم عندما تصادفهم صعوبات في مسارهم التَّعليمي والتَّعلُّمي.
غير أن واقعَ الوسط المدرسي بيَّن ويبيِّن، ومنذ عدة سنوات، أن مبدأ تكافؤ الفرص لم يعد محلَّ احترام، كما كان في الماضي، لعدَّة أسباب منها على الخصوص تنامي ثقافة الدروس الخاصة (الإضافبة).
عادة، وهذا حق مشروع، أولياء التلاميذ هم الذين يَدعون المدرسين لإعطاء دروس شخصية لبناتِهم ولأبنائهم. لكن عندما يكون المدرسون هم الذين يحثون، يدفعون إن لم نقل يُجبرون المتعلمين على الخضوع لمثل هذه الدروس، إن الأمر يصبح مُقلقا. مقلقا، لأن الظاهرةَ أصبحت تكتسي طابعا بنيويا وتوجِّه ضربةً قاضية لسمو ونبل مهمة المدرس، وفي آن واحد، لمبدأ تكافؤ الفرص.
وبما أن الأسرَ الميسورة هي التي لها القدرة على تسديد واجبات هذه الدروس، إن هذه الممارسة تخلق عدم توازن في التَّحصيل داخل الأقسام من خلال المس بمبدأ تكافؤ الفرص. وفضلا عن ذلك، إن هذا الوضعَ المخالفَ للأخلاق والأدبيات، ترسَّخ و تجذَّر في المشهد المدرسي إلى حد أنْ أصبح يؤرق الأسرَ، وبالأخص، تلك التي لا تملك الوسائل المادية للولوج إلى هذه الدروس.
إن الوسط المدرسي، الذي هو أصلا حاملٌ وناشرٌ لقيمٍ إنسانيةٍ وسامية بامتياز، أصبح مكانا للمتاجرة واستغلالٍ دنيء للظروف الاجتماعية للمتعلمين. في هذه الحالة، نوعان من التعليم يتساكنان في نفس المؤسسة التعليمية : التعليم العمومي، المشروع، النظامي والمفتوح للجميع مجانيا وباسم تكافؤ الفرص، وتعليم خاص، غير نظامي وغير مشروع (ليس هناك قانونٌ ينظِّمه)، مفتوح حصريا لأولائك الذين لهم الوسائل لشرائه. حينها، يُفتَح البابُ لخطرِ حلول المحسوبية والتفضيلية بالوسط التَّعليمي، واللتان قد تصبحان معاييرَ للنجاح المدرسي.
إن هذا الوضعَ، المنافي لغايات ومبادئ المنظومة التربوية، هو خرقٌ لأخلاقِيات ولأَدبيات المهنة ولنُبل وظيفة التعليم. فعِوض أن يأخذ المدرس، أثناء أداء مهمته، بعين الاعتبار الفوارقَ بين المتعلِّمينن، فإنه يقويها. وعوض أن يتتبَّع عن كتب المسارَ الدراسي للمتعلمين، فإنه يقويه عند البعض على حساب البعض الآخر. وباختصار، يضحي بمبدأ تكافؤ الفرص تفضيلا للجشع والطمع.
ما العمل إذن أمام هذا الوضع الذي يُفسِد، نوعا ما، المنظومةَ التربوية؟ أو بعبارة أخرى، في أي مستوى يوجد الضُّعفُ أو الخللُ الذي يسمح باللجوء إلى الدروس الخاصة؟ هل على مستوى المنظومة التربوية نفسِها أو جودة التعليم أو تكوين المدرسين أو مواصفات المتعلم، أو علاقة الأسرة بالمدرسة، الخ.؟
إن التصدي لهذه الظاهرة قد يكون أو يكاد من باب المستحيل نظرا لتجذُّره في الحياة المدرسية وفي المجتمع. إنها مهمة صعبة حيث تحظى بتواطؤ بين الوسط المدرسي وآباء وأولياء التلاميذ.
ومن جهة أخرى، فمن باب العِناد أن لا يتم الاعترافُ بفائدة الدروس الخاصة وانعكاساتها الإيجابية على المسار الدراسي للمتعلمين. ويمكن، إلى حد ما، القول بأن هذه الدروس تساهم في تخفيض الرسوب المدرسي. لكن ما يُزعِج في هذا الوضع، هو الطريقة غير المنصفة المتَّبعة التي، أحيانا، تنتسب إلى الابتزاز. إنها ممارسة تُقوي، تُديم وترسِّخ الفوارق الاجتماعية.
وتحميل مسئولية الظاهرة لطرف دون الآخر، يكون بمثابة عدم الاعتراف بتعقيد هذه الأخيرة. إن هذه المسؤولية متقاسمة بين جميع الأطراف (منظومة تربوية، تعليم، مدرس، متعلم، أسرة، مجتمع، الخ.).
وهنا، تجدر الإشارةُ إلى ضرورة الاعتراف كذلك بأن أداء المنظومة التربوية غير مرضي. هدرها ضخم. وهي كذلك منبع تأرقٍ للأسر التي لها الاستعداد للتضحية من أجل نجاح بناتِها وأبنائها علماً أن التعليم لم يصل بعدُ إلى الجودة المطلوبة. إنه، لا محالة، يعاني من نواقص على مستوى التعلُّم. وتكوين المدرسين لا يزال غير مرضٍ من الناحيتين الديداكتيكية والتربوية النفسية.
هل هؤلاء المدرسون قادرون على تكييف تعليمهم مع الاختلافات الاجتماعية والنفسية للمتعلمين؟ هل هم قادرون على اكتشاف صعوبات التعلُّم عند المتعلمين ومعالجتها ببذل جهود خاصة على المستوى التربوي؟ هل التعليم مكيَّفٌ مع الحاجيات الحقيقية للمتعلمين؟ أم إنهم هم الذين يستجيبون لمتطلبات هذا الأخير؟ كيف يتصور المتعلمون العلاقة "مدرسون/متعلمون"؟ هل التعليم الموجَّه لهم فيه شيءٌ من الإكراه؟ أو هل يسمح لهم بالإفراج عن قدراتهم وطاقاتهم، الفكرية منها، على الخصوص؟ هل يوجَّه اللوم إلى كون الامتحانات نخبوية، الخ.؟
لقد حان الوقت لتُؤخذَ هذه الظاهرةُ مأخذ الجد من طرف المسؤولين، من متخذي القرار، من السياسيين، من النقابات، من الوسط التربوي، من الأسر ومن المجتمع المدني.
يجب لا محالة الاعتراف بأن الحلول ليست سهلة المنال حيث يُخشى أن تتساكنا معا منظومتان تربويتان، الأولى رسمية ونظامية ومجانية، والثانية متخفية وغير نظامية ويؤدَّى عنها، وخصوصا، أن حجمَ المال المُضخِّ في هذه الأخيرة لا يستهان به بدون شك.
هل تجب الزيادة في أجور المدرسين لإقناعهم بالتخلي عن هذه الدروس؟ ومما لا شكَّ فيه أنه ليس من المؤكد أن يكون هذا الحل جيدا لأن الجشع لا حد له من جهة، ومن جهة أخرى، إن المنظومة التربوية تشكل أصلا هُوَّةً مالية gouffre financier. وفضلا عن ذلك، إن التخفيض من النفقات العمومية شيءٌ ضروري في الظروف الاقتصادية للبلاد. هل سيتم اللجوء إلى تكنولوجيات الإعلام لدمقرطة هذا النوع من الدروس؟ هل يتم تصور طريقة أو وسيلة متوافق عليها لتنظيم وترتيب الظاهرة، وخصوصا، أنها غير ملموسة. باختصار، إنها إشكالية يتطلب حلُّها مساهمة الجميع.
والمؤسسات التعليمية عبارةٌ عن وسطٍ تنشط وتتفاعل بداخله باستمرار جماعاتٌ بشريةٌ تتمثَّل في هيئة الإدارة، في هيئة التدريس وفي المتعلمين. كما أن هذه الجماعات البشرية تتفاعل بدورها مع محيطها، وبالأخص، مع أسر هؤلاء المتعلمين وجمعيات آباء وأولياء هؤلاء المتعلمين.
وحتى تقومَ بأدوارها على أحسن وجه، فرضت الجماعات السالفة الذكر على نفسِها ما يُسمَّى بمساطرَ أو قواعدَ (قانون) المهنة code de .déontologie ومجموع هذه المساطر أو القواعد هو، في الحقيقة، عبارة عن مجموع حقوق و واجبات تُسيَّر بواسطتها إدارةُ وممارسةُ مهنةِ التَّعليم وتُحدِّد سلوكَ الجماعات البشرية المتفاعِلة فيما بينها في الوسط المدرسي تفادياً للتجاوزات والاختلالات والانحرافات. قواعد ومساطر تخدم الصالحَ العام المدرسي وتتطلب من الجماعات البشرية المتفاعِلة فيما بينها أن يسودَ بينها احترام متبادل.
غير أن الواقعَ، داخل المؤسسات التعليمية، غالبا ما يختلف عن ما هو مطلوب من احترام متبادل حيث تظهر، من حين لآخر، تجاوزات واختلالات وانحرافات يكون وراءها أحدُ الأطراف المتفاعلة في الوسط المدرسي.
والحديث هنا عن مساطر أو قواعد السلوك لن يتعلَّقَ بالصفات والقيم مثل المواطنة، الإخلاص، التضحية، الانضباط، الحيوية، احترام الآخر، روح الواجب، نكران الذات، الخ. التي يجب أن تميز الهيئة الإدارية وهيئة التدريس، والتي هي ضرورية، لا محالة، لإنجازٍ جيِّدٍ لمهام هؤلاء وأولئك. سيتعلق الأمر، بصفة خاصة، بالَتجاوزات والانحرافات التي تسيء لسُمعة ومصداقية المنظومة التربوية.
وفي هذا الصدد وللتذكير، إن مهمة المُدرِّس لا تنحصر، فقط، في التثقيف ونقل المعارف. المدرس، أولا وقبل كل شيء، مربي (بمعنى أنه يساهم في بناء شخصية المُتعلِّم) من خلال تعليمه. فبِواسطة سلوكه كمربي، إنه يساهم في تحسين صورته وصورة مؤسسة الانتماء وكذلك صورة المنظومة التربوية.
ولعل أحسن قاعدة يجب أن يتميَّزَ بها سلوك المدرس، كمربِّي، احترامُه لمبدأ تكافؤ الفرص الذي هو ركيزة من ركائز المنظومة التربوية والذي على المدرس، بصفته مربيا، أن يدافع عنه بقوة قولا وفعلا. وتحقيقا لهذا الدفاع، عليه أن يبذل المجهودات الضرورية لوضع المتعلمين على قدم المساواة من خلال تعليمه. ولهذا الغرض، فهو إذن مطالبٌ أن تكون لديه معرفةٌ شخصيةٌ عن المتعلمين ليتمكن من مساعدتهم عندما تصادفهم صعوبات في مسارهم التَّعليمي والتَّعلُّمي.
غير أن واقعَ الوسط المدرسي بيَّن ويبيِّن، ومنذ عدة سنوات، أن مبدأ تكافؤ الفرص لم يعد محلَّ احترام، كما كان في الماضي، لعدَّة أسباب منها على الخصوص تنامي ثقافة الدروس الخاصة (الإضافبة).
عادة، وهذا حق مشروع، أولياء التلاميذ هم الذين يَدعون المدرسين لإعطاء دروس شخصية لبناتِهم ولأبنائهم. لكن عندما يكون المدرسون هم الذين يحثون، يدفعون إن لم نقل يُجبرون المتعلمين على الخضوع لمثل هذه الدروس، إن الأمر يصبح مُقلقا. مقلقا، لأن الظاهرةَ أصبحت تكتسي طابعا بنيويا وتوجِّه ضربةً قاضية لسمو ونبل مهمة المدرس، وفي آن واحد، لمبدأ تكافؤ الفرص.
وبما أن الأسرَ الميسورة هي التي لها القدرة على تسديد واجبات هذه الدروس، إن هذه الممارسة تخلق عدم توازن في التَّحصيل داخل الأقسام من خلال المس بمبدأ تكافؤ الفرص. وفضلا عن ذلك، إن هذا الوضعَ المخالفَ للأخلاق والأدبيات، ترسَّخ و تجذَّر في المشهد المدرسي إلى حد أنْ أصبح يؤرق الأسرَ، وبالأخص، تلك التي لا تملك الوسائل المادية للولوج إلى هذه الدروس.
إن الوسط المدرسي، الذي هو أصلا حاملٌ وناشرٌ لقيمٍ إنسانيةٍ وسامية بامتياز، أصبح مكانا للمتاجرة واستغلالٍ دنيء للظروف الاجتماعية للمتعلمين. في هذه الحالة، نوعان من التعليم يتساكنان في نفس المؤسسة التعليمية : التعليم العمومي، المشروع، النظامي والمفتوح للجميع مجانيا وباسم تكافؤ الفرص، وتعليم خاص، غير نظامي وغير مشروع (ليس هناك قانونٌ ينظِّمه)، مفتوح حصريا لأولائك الذين لهم الوسائل لشرائه. حينها، يُفتَح البابُ لخطرِ حلول المحسوبية والتفضيلية بالوسط التَّعليمي، واللتان قد تصبحان معاييرَ للنجاح المدرسي.
إن هذا الوضعَ، المنافي لغايات ومبادئ المنظومة التربوية، هو خرقٌ لأخلاقِيات ولأَدبيات المهنة ولنُبل وظيفة التعليم. فعِوض أن يأخذ المدرس، أثناء أداء مهمته، بعين الاعتبار الفوارقَ بين المتعلِّمينن، فإنه يقويها. وعوض أن يتتبَّع عن كتب المسارَ الدراسي للمتعلمين، فإنه يقويه عند البعض على حساب البعض الآخر. وباختصار، يضحي بمبدأ تكافؤ الفرص تفضيلا للجشع والطمع.
ما العمل إذن أمام هذا الوضع الذي يُفسِد، نوعا ما، المنظومةَ التربوية؟ أو بعبارة أخرى، في أي مستوى يوجد الضُّعفُ أو الخللُ الذي يسمح باللجوء إلى الدروس الخاصة؟ هل على مستوى المنظومة التربوية نفسِها أو جودة التعليم أو تكوين المدرسين أو مواصفات المتعلم، أو علاقة الأسرة بالمدرسة، الخ.؟
إن التصدي لهذه الظاهرة قد يكون أو يكاد من باب المستحيل نظرا لتجذُّره في الحياة المدرسية وفي المجتمع. إنها مهمة صعبة حيث تحظى بتواطؤ بين الوسط المدرسي وآباء وأولياء التلاميذ.
ومن جهة أخرى، فمن باب العِناد أن لا يتم الاعترافُ بفائدة الدروس الخاصة وانعكاساتها الإيجابية على المسار الدراسي للمتعلمين. ويمكن، إلى حد ما، القول بأن هذه الدروس تساهم في تخفيض الرسوب المدرسي. لكن ما يُزعِج في هذا الوضع، هو الطريقة غير المنصفة المتَّبعة التي، أحيانا، تنتسب إلى الابتزاز. إنها ممارسة تُقوي، تُديم وترسِّخ الفوارق الاجتماعية.
وتحميل مسئولية الظاهرة لطرف دون الآخر، يكون بمثابة عدم الاعتراف بتعقيد هذه الأخيرة. إن هذه المسؤولية متقاسمة بين جميع الأطراف (منظومة تربوية، تعليم، مدرس، متعلم، أسرة، مجتمع، الخ.).
وهنا، تجدر الإشارةُ إلى ضرورة الاعتراف كذلك بأن أداء المنظومة التربوية غير مرضي. هدرها ضخم. وهي كذلك منبع تأرقٍ للأسر التي لها الاستعداد للتضحية من أجل نجاح بناتِها وأبنائها علماً أن التعليم لم يصل بعدُ إلى الجودة المطلوبة. إنه، لا محالة، يعاني من نواقص على مستوى التعلُّم. وتكوين المدرسين لا يزال غير مرضٍ من الناحيتين الديداكتيكية والتربوية النفسية.
هل هؤلاء المدرسون قادرون على تكييف تعليمهم مع الاختلافات الاجتماعية والنفسية للمتعلمين؟ هل هم قادرون على اكتشاف صعوبات التعلُّم عند المتعلمين ومعالجتها ببذل جهود خاصة على المستوى التربوي؟ هل التعليم مكيَّفٌ مع الحاجيات الحقيقية للمتعلمين؟ أم إنهم هم الذين يستجيبون لمتطلبات هذا الأخير؟ كيف يتصور المتعلمون العلاقة "مدرسون/متعلمون"؟ هل التعليم الموجَّه لهم فيه شيءٌ من الإكراه؟ أو هل يسمح لهم بالإفراج عن قدراتهم وطاقاتهم، الفكرية منها، على الخصوص؟ هل يوجَّه اللوم إلى كون الامتحانات نخبوية، الخ.؟
لقد حان الوقت لتُؤخذَ هذه الظاهرةُ مأخذ الجد من طرف المسؤولين، من متخذي القرار، من السياسيين، من النقابات، من الوسط التربوي، من الأسر ومن المجتمع المدني.
يجب لا محالة الاعتراف بأن الحلول ليست سهلة المنال حيث يُخشى أن تتساكنا معا منظومتان تربويتان، الأولى رسمية ونظامية ومجانية، والثانية متخفية وغير نظامية ويؤدَّى عنها، وخصوصا، أن حجمَ المال المُضخِّ في هذه الأخيرة لا يستهان به بدون شك.
هل تجب الزيادة في أجور المدرسين لإقناعهم بالتخلي عن هذه الدروس؟ ومما لا شكَّ فيه أنه ليس من المؤكد أن يكون هذا الحل جيدا لأن الجشع لا حد له من جهة، ومن جهة أخرى، إن المنظومة التربوية تشكل أصلا هُوَّةً مالية gouffre financier. وفضلا عن ذلك، إن التخفيض من النفقات العمومية شيءٌ ضروري في الظروف الاقتصادية للبلاد. هل سيتم اللجوء إلى تكنولوجيات الإعلام لدمقرطة هذا النوع من الدروس؟ هل يتم تصور طريقة أو وسيلة متوافق عليها لتنظيم وترتيب الظاهرة، وخصوصا، أنها غير ملموسة. باختصار، إنها إشكالية يتطلب حلُّها مساهمة الجميع.