من أهم مميزات شعر الملحون ـ الذي اختلفت تعاريفه بين منظري هذا الادب ـ الاختلاف حول سبب تسميته، فهناك من يرجع سبب هذه التسمية لكونه خارج عن دائرة الفصيح المعرب وتخلصه من القواعد اللغوية والنحوية، وآخرون يرون أن مرد التسمية إلى كونه القول الفني الذي يتغنى به ويطرب له، وكلا التعريفين ينطبقان على فن الملحون الذي له قواعده الخاصة وخصائصه المتميزة، فهو مادة شعرية يتلذذ المستمع بها أثناء غنائه، ومن أهم ما يمتاز به كونه متأثر بالبيئة المحلية التي نشأ فيها، وببيئة المدن التي احتضنت شعراءه واعتنت بقصائدهم، والذين تطرقوا لمواضيع وأغراض متنوعة و كثيرة، سنقصر فيها الحديث عن موضوع نال إعجاب عشاق الملحون، كما نال عناية خاصة من شعرائه، ذلك هو موضوع "الفكاهة في شعر الملحون"، وهو نمط شعري بتعبيرات دقيقة تجمع في طياته تداخل الواقع المعاش، والحقيقة الحسية، وعالم الخيال تصوراته ورمزياته، يوظف فيه الشاعر حيله ومكره في تشويه الحقائق الموضوعية، وقلب الموضوع الجاد لشاعر من الشعراء، ومسخه بقصيدة هزلية فكاهية تدخل في موضوع الشعر الفكاهي الذي وصفه الدكتور عباس الجراري بانه "... تعبير عن روح الاستمتاع والابتهاج..."، وقال عنه محمد الفاسي في المعلمة "...لشعراء الملحون براعة في الشعر الفكاهي..."، وتعرف قصائد هذا النوع بالزردة والفار والطجين والضمانة...
وأود هنا ان أقصر الحديث على ما جادت به قرائح الشعراء المراكشيين، الذين وقفنا على قصائدهم في هذا الباب، وكيف لا يبدعون فيه وهم أبناء هذه الأرض الطيبة التي عُرفت منذ قرون ببهجتها وبأسلوبها المتداول بين ساكنتها، مدينة البهجة والنكتة بامتياز، امتاز أهلها بالمحادثة الرقيقة الشيقة، التي تحمل في ثناياها الفكاهة والفرجة والمرح، مما حدا بوصف المدينة بكاملها بالبهجة، والقاطنين بها من السكان بالبهجاويين، هذه المدينة التي حباها الله منذ تأسيسها في عهد الدولة المرابطية إلى يومنا هذا بفضاء واسع مشترك للترفيه والفكاهة والفرجة المتعددة، ساحة جامع الفناء التي يؤطرها الحكواتيون ورواة الأحاجي والسير والقصص، والموسيقيون باختلاف اصنافهم ولهجاتهم، كما شارك شعراء الملحون وادلوا بدلوهم في فضاء ساحة جامع الفناء، الفضاء المشترك بين السكان المحليين والزوار، يؤمه الجميع كبارا وصغار.
وعرفت المدينة على مدى تاريخها بالبهجة، إلى درجة التصق لقب البهجة بكل المراكشيين أينما كانوا، فكان من الطبيعي لشعرائها في الملحون ان يتأثروا بسماتها وعادات وتقاليد وطبائع أهلها واهتماماتهم المعيشية المختلفة، وأن يمتعونا ويترجموا لنا حس الفكاهة في هذه المدينة كل بأسلوبه وطريقته ومنظوره، وتنتقل بالمهتمين والعاشقين لهذا الأدب الفني الى عالم آخر يغمر فضاءه سحر حكايات لها دلالتها ومعانيها، وقصص بعمقها التاريخي، بأسلوب المرح، والتفكه، والتنكيت، والحبور، والسرور.
وقبل التطرق لشعراء الملحون المراكشيين الذين نظموا في هذا الموضوع، تجب الإشارة إلى أن موضوع الفكاهة كما أشار إلى ذلك الباحثون، يضم كما قلنا سابقا قصائد (الزردة والطاجين والفار والضمانة...)، وقد نظيف لها قصائد (الخصام والحراز...) التي صنفت من قبل بعض الشيوخ والباحثين ضمن مواضيع (الترجمة)، ونبتدئ في عرضنا بفاكهة الأشياخ:
1/ الشيخ "الجيلالي امتيرد" في قصيدة (الزردة) التي وثق فيها وصفَة للوجبات الغذائية، وترجم من خلالها أحوال المجتمع وظروف عيشه وثقافته المعيشية، وذلك في أسلوب فكاهي ساخر وجذاب في آن واحد، يقول في حربتها:
يَالْوَالَــعْ بَالزَّرْدَة كُــلْ كُــنْ بَطَّـــارْ * لاَ تْكُـونْ بْخِيلْ اَتْشَمَّرْ عْلَى اَلزّْرَادِي
مطلعها:
صَاكْ لِيَّ حُــبّْ اَلنَّعْمَة بْجُنْـدْ جَرَّارْ * فِي حْشَايَا دُكّْ اَطْنَابُـــه عْلَى كْبَــادِي
هَـزْنِي وَدْعَانِي قَلْـبْ وَلْسَانْ وَصْيَارْ* لَلنّْعَايَــمْ نَغْــدَى فَالْقُــرْبْ وَالْبْعَـــادِي
و يقول مستعرضا أنواع الأكلات المحببة:
أَنَا اَلمـُولُوعْ بَالنّْعَايَـمْ عَلَى الأصْنافْ * حَتَـى وَكَّــالْ فَالْبْطَــرْ ما نَـرْضَى بِــهْ
إِلَى يْنُوضْ اَلَحْـواصْ رَبَّاجْ وُخَطَّـافْ * مَثْلْ اَضْبَابْ اَلْهْوَى إِلَى يَدْفَعْ غَرّْ بِيهْ
وَالزَّايَــدْ لُو يْكُــونْ خُــويَا مَـا نَبْغِيــهْ
اَلْكْسَاكَـسْ كَتَعْجَبْنِي اَسْمِيدْ فَي اَسْمِيـدْ * بَالْمْـــدَوَّبْ وَالْغَنْمِــــي لَـــدَّةْ اَلنّْعَايَـــمْ
اَلْمْعَسَّــلْ وَالْمَرْكَــة وَالدّْجاجْ وَاتْرِيـدْ * حُبّْهُـــمْ رَايَمْنِــي قَلْبِي عْلِيهُـــمْ رَايَـــمْ
والمروزية والخبز من الخالص لذيذ * بالزرارع معجــون نهايـــتْ المطاعـم
حــب السفــة بالقرفـة وطيب سكــار * باهيـــة مدعـوبة قصــدي مع مـرادي
الى نصيــب الشعرية بالفراخ وابزار * بالكصاع ادفــع لي هدي اخلاف هذي
وقصيدة الضمانة التي وظف فيها مجموعة من المغازي الحياتية، كحُب الاستطلاع ودخول "لسواق " والتكلف بما لايستطيع الإنسان القيام به، تقول حربتها:
سَــرّ نَخـلـَــصْ مَــنْ هَــاذِي * حَالَفْ مَا نَضْمَــنْ لاَ قْلِيــلْ وَلاَ كْثِيــرْ
ويتضح حب الاستطلاع وضمان شخص كان مصيره السجن من مطلعها الذي قال فيه :
يافــاهـــم رمــــز انـشــــادي * قصة اجرات ليَّ اعقــول فيها اَتْحِيـرْ
كـُنــت انبـــوه فـي ابــــلادي * للماسين امشيت اسمعت حـس الهدير
نسمــع فــي العــون اينـــادي * نلقا جابــر للحبــس كان غادي ايسير
في الضامــن عاكــز غــادي * قلت أنايا نضمن غيـر طلـق العشيــر
ويصف في قسمها الثاني قبوله الطوعي للضمانة:
انطقت أنا وقلت ضامن كـل فصال * ولاحــال القطيــع نعطيكــم راسي
التي وثقت عدلية:
عنــد العادل زاد بيـــا رب المـــال * وشهــدت عليه بضمانـــة يا ناسـي
المال اللــي اضمنــت شــلا محال * ما نعكــز ما يضيع كتبوا كــراسي
امام الحاضرين ظنا منه ان صغر سنه ستعفيه من تبعات الضمانة
وصغى ماذا ايصير في وقت اخلاصي
انا محجُـور أبا اضمــانتــي ما اتــدوز * واللي ضمني ما يريـد مني فصــال
كابر في حضان الوالدين قبل لا انفوز * ما كنشــري ما كنبيــع سال الفضال
ومع ذلك فهو يفتخر بنفسه ويقول ان له كنوزا كثيرة من الذهب وهي (جبل كليز وبرمرم واللكدا والجبال شلا يحصي بعدادي)، ولما وصل وقت أداء الضمانة على صاحب المال الذي ضمنه، قال بتهكم أن كل ما يخبئه هو:
سيـروا المخــابعــي وجبــدوا ما خبيــت * حاشا نرضا بالــذل وامتاعي مخزون
زوج امسامر امخززين في صدر البيت * وامحشــا حافيـــة وجنـــوي مطحـون
زوج فليســات باش شريــتُه واستغليــت * سيــرو بيعــوه باش ما نبقـــى مرهون
مرادي في القشيش المخــزون انصــون
لا تنساو الصنـــدوق راه تحــت التبـــن * مصنوع من الكلخ الغليض داك المتين
كنت شريتُـه في شالـة من بـني احســن * فيه الرتعـــة فيـــه شكـــال متلايميـــن
فيـــه المخيط في الشــريط فيه الرســن * فيه دجاجــات متخلــدات متكـركـريـن
خــازن فيـــه القنـــــدادي * لميتُـه فشبابــي كنــت باقي اصغيــر
طــامَــع يَــبْــقى لــولادي * واليوم اجريو بيعوه واش بيدي ندير
وهذه القصيدة رغم كونها في موضوع الفكاهة، إلا انها وثقت لمجموعة من الأشياء، واعطتنا معجما آخر من الأشياء التي يمكن أن تتوفر في البيت منها: (المسامير والمحشا والجنويا وصندوق من الخشب والتبن والرتعة والمخيط والشريط والقندادي والفلكات والمغازل والكرعا والسنارة واليبرة والكشينا والمغرفة والكصعا والمهراز والشطاطب والحلفة والطيشور والمصَلْحَة والدوح والكابض والدجاج والفليلسات والنبك...)
2/ الشيخ "محمد بن عمر الملحوني" الذي يصف عملية المضغ أنها فن، وله فرسانه، في قصيدة الزردة التي قال في حربتها:
لمضيغ افــراسا من لا ايليه ضــرسات * كيملــوج فمضيغُـــه عاد تيسرطـُــه
ويصف في مطلع القصيدة الصديق الذي لايعول عليه في شيء ولاعلى طاجينه ومرقتُه:
ولحبيــب الا ينفعنــي ابْـــزُوجْ خُـبْــزَاتْ * مَـا انْـعَـوَّل عــن طجينُـه ولا مرقتُـه
انشد كـَرشــي ونقنعهـــا انقــول شبعات * مـن الطعــام اللاطيبتُــه ولا انصبتـُه
انظن كــرشي عمـرات ولاعتيق حدجات * ونســى مـن بالــي قوتـُـه ولا قبلتُــه
و"الشيخ بن عمر" في هذه القصيدة قلب موضوع قصيدة الوصاية ل"لعلمي"، فأصبح موضوعها عنده هزليا بعد أن كانت جدية، واعتمد فيها نفس القافية ونفس القياس، وقصيدة العلمي تقول حربتها:
اللعب من غير اشطارا فوق روس حربات * هكــذا مثلــت ابنــادم فـي عشرتُــه
ونفس الشي نجده في قصيدته (النونية) التي مسخ بها قصيدة (صارم الطعن) "للشيخ "الشاوي" قائلا في حربتها:
آشْ رَا مَنْ لاَلَهْلْ اَلطَّالْعَة أَرْكَنْ * عَنْدْ اَلْمَحْجُوبْ وَالَفْصِيحْ اَلْعَمْيَانِي * وَالْكْرَاعْنَة *
وِيْــــدَوَّزْ خَبْــزُه عْلَى يَتْقَـــانُــه
3/ الشيخ" محمد احمر الراس" المشهور بمسخ القصائد الجادة، قال عنه "عباس الجراري" ...كان بارعا في مسخ القصائد وقلبها من مواضيع جادة الى مواضيع هزلية، وكمثال على ذلك قصيدة (سبعة رجال) "للشيخ الجيلالي امتيرد":
اللي اخفـاه الصلاح إيجي لبلدنا * يقصد ناس امدينتْ الحضر * مراكش بلد القطاب والتنوير * يزور ناسها ويتزهى فقبوب سلطنة * يسلم لرجاها السبعة * ويعد تـرابها اقــدم بفقيــر
قلبها الشيخ "احمر الراس" لتصبح على الشكل التالي:
اللي اخفاه الفلاس إيجي لبلدنا * يقصد ناس امدينت لمكر * مراكش بلد اللجاج والتحنكيـر* يشوف ناسها يتفجج فـولاد الزنا * ويشوف رجالها اضبـوعة * ويعد ترابها اقدم بشرير
كما قلب أيضاحربة قصيدة (الحراز) للشيخ "البغدادي" التي تقول:
مال حراز الدامي ما يتيق بيا هيهات * غير حاضي لوقات *
بالدوام امجنبني ولا يرومني قطعيا
فأصبحت عند الشيخ "احمر الراس" على الشكل التالي:
مال خراز البالي ما يتم الكلبات * شبات وعزبات *
كل من جات يبطش بها ويقضي ليها اربح وخطيا
وقلب قصيدة (زهرة) للشيخ "التهامي المدغري" التي تقول حربتها:
أللا زهور ازهر وازهارو * بك الزهر اللا ازهر * صولي صولي يا غزالي زهرة
وقلبها قائلا:
سكران ريتي يامس يلفظ بشعارو * اسكر وطاح في دولت لبكار * ما فاق حتى تكون العشرا
4/ الشيخ "مولاي احمد الزمت" قصيدة (المزوج والعزري) وحربتها:
شاهدت اليوم عجايب ما بين العزي مع المزوج * معيار كثير وصغ وتامل كيف صار
وقصيدة في (خصومة المصلي وتارك الصلاة) وحربتها:
شاهدت اليوم افتونة ما بين المولوع بالصلا * والعاجز فالدين يوم الجمعة متقابضين
وقصيدة (الخادم والحرة) وحربتها:
شفت افراجة تعجب فيها اخصام وكلام * ليك نحكي ما بين حرة وخادم
وقصيدة (العشران الثلاثة):
اسمع قصة بحديث عن ثلاثا كانوا متعاشرين يا سامع ليا *
من هما زوج اتزوجوا الثالث ما راد ازواج
5/ ل" المدني لتركماني" اخصامات فكاهية كثيرة منها: (القهوة واتاي) وحربتها:
القهوة واتاي يالفاهم دخلوا مداعيين للقاضي شي اصباح *
قالوا يا حاكم القدرة تحكم بيناتنا ولا تعمل حيلا
و(خصام الخادم والحرة) وحربتها:
واقع البارح صار شلا نحكي بجهارا * ما بين الحرة مع لوصيفة فخصام اكثير*
صيغـــوا لـــي يا حضـــرة
وخصام (الشاب والشابة) حربتها:
كان تسالو يا حاضرين شاهدت اليوم اعجوبا * شايب ضل مع شابا فمعيار وخصام *
صــغ وتصنت كيـــف صـــار
كما تفنن في (خصام العكوزة والشابة) حيث قال في حربتها:
معظمها فالزمان قصا صارت يا فاهم لخطاب * يوم الجمعة على شباب *
خصام كثير خرق عادة بين عكوزة وشابا
6/ الشيخ "العباس الكريعي": وله قصيدة في هجاء "الشيخ قدور الحنش" تقول حربتها:
هذا براح ومشى ليه احمار * من البهجة تبع اثارُه * ووصل حتى الفاس ثم صاب اخبارُه
وموضوع الفكاهة ما زال شعراء الملحون في عصرنا هذا يتحفوننا بقصائد في الموضوع، ودائما أتحدث عن مدينة مراكش ونذكر من بين شعرائها الذين نظموا في هذا الموضوع:
7/ الشاعر "السلسولي مولاي إسماعيل" في (قصيدة المرشح) وحربتها:
فِينْ غَابْ اَلْمُرَشِّحْ وَاشْ مَا جَابْ اَخْبَارْ * فَايَضْ اَلْوَادْ اَلْحَارْ *
عَنْدْنَا فَالْحُومَة غَرْقُوا دْيَارْنَا يَا حَضَّارْ
وفي قصيدته (خصام المجمر والبوطا والكدرة والكوكوت) قال في حربتها:
اخصام اكبير حضرت لو بين المجمر أ سامعين وقت العشوييا *
وبوطا كاز وكدرا مع الكوكوت في شهر رمضان
وقصيدة حول (الفروج) في طبع المشركي وحربتها:
فِينْ غَابْ اَلْفَرُّوجْ اعْشِيرْ كَانْ فَالدَّارْ * كَيْفَيَّقْنِي بَصْيَاحُو فِينْ تَلْقَاهْ
وقصيدة (خصام الفروج البلدي مع الرومي) على قياس (التصلية) للشيخ "الغالي الدمناتي" وحربتها:
يَاهْلِي سَمْعُو كِيفْ اجْرَا اَلْفَرُّوجْ اَلْبَلْدِي * مْعَ اَلرُّومِي كِيفْ اَشْرِيتُو اَتْخَاصْمُو يُومْ اَلزَّرْدَا
قصيدة (الفار) ل"لشيخ اليزيد" وحربتها:
شف ما دار اللفار يعطيه اصحيحتو * هو والفارة ولا اقرا العقوبات
قصيدة (الكيف) للشيخ "مولاي الطاهر قعيش" وحربتها:
يا ربنا الطف بالكيافة * الصالحين والطلبة والعامة مع الاشراف * محي اوزارهم فالدنيا *
ينجاوا من حســاب الكـيــف
8/ "عمر الكوشي" في قصيدة هزلية هاجم بها الشيخ "مولاي إسماعيل السلسولي" قال في حربتها:
اللي اخفــاه الفلاس إيفوت بلدنا * يقصد ناس امدينت لبحــر * يفتـش اعلى احمار اقصير *
واللي يريد بالعار ابلا سبة شياخنا * ينساق لساحة السبوعة * يوجد الحبار فالبلاد اتغير
ونختم بقصيدة نظمت في هذا العصر، (قصيدة ماما حفو) للشاعر الكبير:
9/ الشيخ "احمد بدناوي" والتي نظمها خارج المغرب في رحلة عمل فني لدولة الڭابون، والذي وضعنا من خلالها في صورة ما عاشه خلال رحلته للغابون وفي إقامته بالفندق في قالب فكاهي تترك المستمع يعيش بمخيلته أحدات القصيدة التي قال في حربتها:
زاد فظلامُـه* ليل الزهوبحضرتْ باشت لريام * ماما حَفُّو لغزال جات لرسامي
وفي مطلع القصيد وقسميها الثاني والثالث، قدم الشيخ وصفا دقيقا لهيأتها ولما شهده في (ماما حفو)، حيث تحدث عن القد والقوام والجبين والغنج ولنيام والخدود الساطعة دنجال ونيوف وفم كبير يشبه كير الحداد، أما القسم الرابع والخامس، فقد خصصه الشيخ لزيارتها له في مقر إقامته، وفي ما تبقى من القصيدة وصف لنا أنواع المأكولات التي تعَدُّ في هذا البلد الافريقي، والتي قدمت له كهدية من (ماما حفو) التي قضى معها ليلة في افريقيا ليست كباقي الليالي كما جاء في القسم الأخير من القصيدة، وهذا مضمون الأقسام السادس والسابع والأخير، يقول الشيخ "أحمد بدناوي" في قصيدته هاته مفصلا كل ذلك:
القسم الأول:
قال يانا سيدي گـادة على النخــل فاقــت بجمـال القـوام
شبـشــوب شـايــلاه افحـيـــم * زربــة علــى اجبيــن اظليــم * بســواد فــاق عـــلّ لبهيـــم *
والغُـنـــج صـــال فـَـنْـيــامُــه * جعبات لايحــة بالبارود روام *
نبغيهـا لقلـُــــوب الحســــود لوّامــي
القسم الثاني:
قال يانا سيدي ماريــت عوضها ياوعــدي فــولاد حـام
مــامــا امـنـــوّرة لـَــدْغـــــال * بخــدود ســاطـعـــة دنجـــال * وَنْــيـــوف فايــقــة الجّْـمـال *
والفُـــمّ كـيـــر فـضْـرامُــــــه * ونيابها شواقر تفزع ضرغام *
ريق اغزالي من قير صرف علقامي
القسم الثالث:
قال ياناسيدي رگـبــة احكِــيتهــا رگبـتْ گاموس السنــام
كُـــديـــات فالصــدر عـــلّات * وبطايــح البطـــن حضنـــات * سُـــرّة امغـــارتْ الخلـــوات *
والـــرَّدْف تـَــلّْ بقمــــامُـــــه * وفخاد كَـبروج وسيقان اعلام *
وقـــدام تقول اسْفـون في بحر طامي
القسم الرابع:
قال ياناسيدي وافات مرسمـــي تابعهــا زنجــي اغـــلام
بهـــديْــــتْ الغــزال يميــــــل * عــن كـُـل ناحيـــة ويحيــــل * بَحـمــال مــن انيَـــاب الفيــل *
وَقـــرود سَــــاق قـُـــدّامُـــــه * والفهد والنمر والليث الهجّـام *
فسْـلاسَــلْ مقيــودة وطاعت احكامــي
القسم الخامس:
قال ياناسيدي وقـفـــاصْ مالية بالكـُـوك وبيــض النعـــام
والريـــش والـــودع ومْحَــار * وثــواب زاهيـــة وحجـــــار * وعـبـيـــد خلـفـهـــا وجْــوار *
دَغـْـيَــا ابْحَـفّْــتـــي حَـــامُــوا * بالرقص والصياح وصاخب لرتام *
ناديـــت الناگـــــة للشطيح گــــدامــي
القسم السادس:
قال ياناسيدي وطـْـبَـــاق هايلـــة بِيمـــا لـــذّ امْن الطعـام
"فـــولــو*" امْن الدّرَة لَعجين * والأوملــيــط بالســـرديــــــن * فــوق الْجمــارقـــرد اسميـن *
تهجــي ارْوايْـــح يــــدامُـــه * وزلاگ من اثعابن وصحون اهوام *
وصناف اغريبة عن اعراب وعجامي
القسم السابع:
قال ياناسيدي ودْوات لالـَّـــة مامـــا بلســـــان الكـــــرام
هــاذيــــك قــالت اهْـــديَــــة * مَــن مَــاغْــلَا فَــالبَــرِّيَــــــــة * للشيـــخ نـــاظـْـــم اسجيــــة *
فجمَـــالنـا مـــن اكـْـلامُـــــه * رام الصواب ورفعـــنا علْ لـَريــام *
وعــلانــا عـن حامـي اكـْذلك وسامي
القسم الثامن:
قال ياناسيدي ليلة امْباركــة وغشـاهــا جَـنــح الظــــلام
غـابُــوا انْجـومْهــا ونْـــزاحْ * بَــدْر وهْــــلالْ عَـــلّ للمـــــاح * وكـْـســات بالـــدجى لبطاح *
وَالبُــــومْ صَــاحْ بنـغَـامُـــه * يحيي اقلـُوبنـــا ويصحِّـــي مَــن نَـامْ *
وضْفـــادع بلغَــاها اتْهيّـج اغـــــرامي
انْـــــدِيـــــم بــنـــدامُـــــــه * يشفي ارواحـــنا من سايـــر لغتــــامْ *
افيَــــدُّه گـربة من "كايكـاي" لحـرامي
اعتيـــــق بخــتــــــامُـــــه * فخـــزيــن لالّة ماما كـــان اعــــوام *
تـــرياق اهداتُـــه بالشـــواق لسقــامي
جــــــرّْد اكــمـــــــامُـــــه * ليل الزهـــــو وسلَّمنــــــا للعــــــلّام *
وَغشــــانا ضيف اثقيل خَرْق لخوامي
لَاح بَــعْــــــــلامُـــــــــــه * نـــورالصباح وفـــزعنا من لحــــلام *
قالـــت ماما حَـفــــو ارواح لخيَـــامي
الفـــــرح نَـغْــنَـــامُــــــــه * برشيف "كاي كاي" ازهى طول العام *
وتْمَــــرغ علّ لكــدَى وزوّْل احـزامي
وُهِــيـــم فقــــــوامُــــــــه * تِيــهْ أعشيق بيــن الــزرب والقــــدام *
وزْهَــــى لي فالربوة وكمّْـد اعظـامي
الحــــب وحْــكـَـامُــــــــه * رَسَّى امْحَلّتـــي بيــــن اقـْـوَامْ ادْهَــام *
بحكام اهْــواه ارضيت سَـايْـر إيَّـامِـي
قـَــالْ فـَـنْــظـَــامُــــــــــه * عَـبْـــد الشيَــاخ فالشــــادي والنَّظَّـَّــام *
بدناوي مْن لدغَــالْ فاز بالــــدامِــــي
وفي الختام أود أن أشير إلى ملاحظة تهم موضوع شعر الفكاهة، ذلك أن أغلب القصائد الفكاهية التي نظمت أغلبها ضاع، حيث قام أصحابها بإتلافها نظرا لما كانت تثيره من شنآن بين رجالات الملحون وخصومات، وما تتضمنه من الفاظ قاسية فيها ما فيها من السخرية، والتي اتخذها البعض سخرية من الشعراء، حيث يطلبون أمام الشيخ مثلا قصيد كلب فلان، او فار فلان،... وهي جمل توحي بقدح وشتم ناظمها في حضوره، مما اضطر اغلب الشعراء في جميع المدن المغربية الى احراق قصائدهم من هذا النوع، وما بقي منها إلا القصائد التي يمكن انشادها دون حرج ودون الإساءة لناظمها، كقصيدة الزردة للمسفيوي والطاجين للشيخ قدور الحنش وغيرها.
وأود هنا ان أقصر الحديث على ما جادت به قرائح الشعراء المراكشيين، الذين وقفنا على قصائدهم في هذا الباب، وكيف لا يبدعون فيه وهم أبناء هذه الأرض الطيبة التي عُرفت منذ قرون ببهجتها وبأسلوبها المتداول بين ساكنتها، مدينة البهجة والنكتة بامتياز، امتاز أهلها بالمحادثة الرقيقة الشيقة، التي تحمل في ثناياها الفكاهة والفرجة والمرح، مما حدا بوصف المدينة بكاملها بالبهجة، والقاطنين بها من السكان بالبهجاويين، هذه المدينة التي حباها الله منذ تأسيسها في عهد الدولة المرابطية إلى يومنا هذا بفضاء واسع مشترك للترفيه والفكاهة والفرجة المتعددة، ساحة جامع الفناء التي يؤطرها الحكواتيون ورواة الأحاجي والسير والقصص، والموسيقيون باختلاف اصنافهم ولهجاتهم، كما شارك شعراء الملحون وادلوا بدلوهم في فضاء ساحة جامع الفناء، الفضاء المشترك بين السكان المحليين والزوار، يؤمه الجميع كبارا وصغار.
وعرفت المدينة على مدى تاريخها بالبهجة، إلى درجة التصق لقب البهجة بكل المراكشيين أينما كانوا، فكان من الطبيعي لشعرائها في الملحون ان يتأثروا بسماتها وعادات وتقاليد وطبائع أهلها واهتماماتهم المعيشية المختلفة، وأن يمتعونا ويترجموا لنا حس الفكاهة في هذه المدينة كل بأسلوبه وطريقته ومنظوره، وتنتقل بالمهتمين والعاشقين لهذا الأدب الفني الى عالم آخر يغمر فضاءه سحر حكايات لها دلالتها ومعانيها، وقصص بعمقها التاريخي، بأسلوب المرح، والتفكه، والتنكيت، والحبور، والسرور.
وقبل التطرق لشعراء الملحون المراكشيين الذين نظموا في هذا الموضوع، تجب الإشارة إلى أن موضوع الفكاهة كما أشار إلى ذلك الباحثون، يضم كما قلنا سابقا قصائد (الزردة والطاجين والفار والضمانة...)، وقد نظيف لها قصائد (الخصام والحراز...) التي صنفت من قبل بعض الشيوخ والباحثين ضمن مواضيع (الترجمة)، ونبتدئ في عرضنا بفاكهة الأشياخ:
1/ الشيخ "الجيلالي امتيرد" في قصيدة (الزردة) التي وثق فيها وصفَة للوجبات الغذائية، وترجم من خلالها أحوال المجتمع وظروف عيشه وثقافته المعيشية، وذلك في أسلوب فكاهي ساخر وجذاب في آن واحد، يقول في حربتها:
يَالْوَالَــعْ بَالزَّرْدَة كُــلْ كُــنْ بَطَّـــارْ * لاَ تْكُـونْ بْخِيلْ اَتْشَمَّرْ عْلَى اَلزّْرَادِي
مطلعها:
صَاكْ لِيَّ حُــبّْ اَلنَّعْمَة بْجُنْـدْ جَرَّارْ * فِي حْشَايَا دُكّْ اَطْنَابُـــه عْلَى كْبَــادِي
هَـزْنِي وَدْعَانِي قَلْـبْ وَلْسَانْ وَصْيَارْ* لَلنّْعَايَــمْ نَغْــدَى فَالْقُــرْبْ وَالْبْعَـــادِي
و يقول مستعرضا أنواع الأكلات المحببة:
أَنَا اَلمـُولُوعْ بَالنّْعَايَـمْ عَلَى الأصْنافْ * حَتَـى وَكَّــالْ فَالْبْطَــرْ ما نَـرْضَى بِــهْ
إِلَى يْنُوضْ اَلَحْـواصْ رَبَّاجْ وُخَطَّـافْ * مَثْلْ اَضْبَابْ اَلْهْوَى إِلَى يَدْفَعْ غَرّْ بِيهْ
وَالزَّايَــدْ لُو يْكُــونْ خُــويَا مَـا نَبْغِيــهْ
اَلْكْسَاكَـسْ كَتَعْجَبْنِي اَسْمِيدْ فَي اَسْمِيـدْ * بَالْمْـــدَوَّبْ وَالْغَنْمِــــي لَـــدَّةْ اَلنّْعَايَـــمْ
اَلْمْعَسَّــلْ وَالْمَرْكَــة وَالدّْجاجْ وَاتْرِيـدْ * حُبّْهُـــمْ رَايَمْنِــي قَلْبِي عْلِيهُـــمْ رَايَـــمْ
والمروزية والخبز من الخالص لذيذ * بالزرارع معجــون نهايـــتْ المطاعـم
حــب السفــة بالقرفـة وطيب سكــار * باهيـــة مدعـوبة قصــدي مع مـرادي
الى نصيــب الشعرية بالفراخ وابزار * بالكصاع ادفــع لي هدي اخلاف هذي
وقصيدة الضمانة التي وظف فيها مجموعة من المغازي الحياتية، كحُب الاستطلاع ودخول "لسواق " والتكلف بما لايستطيع الإنسان القيام به، تقول حربتها:
سَــرّ نَخـلـَــصْ مَــنْ هَــاذِي * حَالَفْ مَا نَضْمَــنْ لاَ قْلِيــلْ وَلاَ كْثِيــرْ
ويتضح حب الاستطلاع وضمان شخص كان مصيره السجن من مطلعها الذي قال فيه :
يافــاهـــم رمــــز انـشــــادي * قصة اجرات ليَّ اعقــول فيها اَتْحِيـرْ
كـُنــت انبـــوه فـي ابــــلادي * للماسين امشيت اسمعت حـس الهدير
نسمــع فــي العــون اينـــادي * نلقا جابــر للحبــس كان غادي ايسير
في الضامــن عاكــز غــادي * قلت أنايا نضمن غيـر طلـق العشيــر
ويصف في قسمها الثاني قبوله الطوعي للضمانة:
انطقت أنا وقلت ضامن كـل فصال * ولاحــال القطيــع نعطيكــم راسي
التي وثقت عدلية:
عنــد العادل زاد بيـــا رب المـــال * وشهــدت عليه بضمانـــة يا ناسـي
المال اللــي اضمنــت شــلا محال * ما نعكــز ما يضيع كتبوا كــراسي
امام الحاضرين ظنا منه ان صغر سنه ستعفيه من تبعات الضمانة
وصغى ماذا ايصير في وقت اخلاصي
انا محجُـور أبا اضمــانتــي ما اتــدوز * واللي ضمني ما يريـد مني فصــال
كابر في حضان الوالدين قبل لا انفوز * ما كنشــري ما كنبيــع سال الفضال
ومع ذلك فهو يفتخر بنفسه ويقول ان له كنوزا كثيرة من الذهب وهي (جبل كليز وبرمرم واللكدا والجبال شلا يحصي بعدادي)، ولما وصل وقت أداء الضمانة على صاحب المال الذي ضمنه، قال بتهكم أن كل ما يخبئه هو:
سيـروا المخــابعــي وجبــدوا ما خبيــت * حاشا نرضا بالــذل وامتاعي مخزون
زوج امسامر امخززين في صدر البيت * وامحشــا حافيـــة وجنـــوي مطحـون
زوج فليســات باش شريــتُه واستغليــت * سيــرو بيعــوه باش ما نبقـــى مرهون
مرادي في القشيش المخــزون انصــون
لا تنساو الصنـــدوق راه تحــت التبـــن * مصنوع من الكلخ الغليض داك المتين
كنت شريتُـه في شالـة من بـني احســن * فيه الرتعـــة فيـــه شكـــال متلايميـــن
فيـــه المخيط في الشــريط فيه الرســن * فيه دجاجــات متخلــدات متكـركـريـن
خــازن فيـــه القنـــــدادي * لميتُـه فشبابــي كنــت باقي اصغيــر
طــامَــع يَــبْــقى لــولادي * واليوم اجريو بيعوه واش بيدي ندير
وهذه القصيدة رغم كونها في موضوع الفكاهة، إلا انها وثقت لمجموعة من الأشياء، واعطتنا معجما آخر من الأشياء التي يمكن أن تتوفر في البيت منها: (المسامير والمحشا والجنويا وصندوق من الخشب والتبن والرتعة والمخيط والشريط والقندادي والفلكات والمغازل والكرعا والسنارة واليبرة والكشينا والمغرفة والكصعا والمهراز والشطاطب والحلفة والطيشور والمصَلْحَة والدوح والكابض والدجاج والفليلسات والنبك...)
2/ الشيخ "محمد بن عمر الملحوني" الذي يصف عملية المضغ أنها فن، وله فرسانه، في قصيدة الزردة التي قال في حربتها:
لمضيغ افــراسا من لا ايليه ضــرسات * كيملــوج فمضيغُـــه عاد تيسرطـُــه
ويصف في مطلع القصيدة الصديق الذي لايعول عليه في شيء ولاعلى طاجينه ومرقتُه:
ولحبيــب الا ينفعنــي ابْـــزُوجْ خُـبْــزَاتْ * مَـا انْـعَـوَّل عــن طجينُـه ولا مرقتُـه
انشد كـَرشــي ونقنعهـــا انقــول شبعات * مـن الطعــام اللاطيبتُــه ولا انصبتـُه
انظن كــرشي عمـرات ولاعتيق حدجات * ونســى مـن بالــي قوتـُـه ولا قبلتُــه
و"الشيخ بن عمر" في هذه القصيدة قلب موضوع قصيدة الوصاية ل"لعلمي"، فأصبح موضوعها عنده هزليا بعد أن كانت جدية، واعتمد فيها نفس القافية ونفس القياس، وقصيدة العلمي تقول حربتها:
اللعب من غير اشطارا فوق روس حربات * هكــذا مثلــت ابنــادم فـي عشرتُــه
ونفس الشي نجده في قصيدته (النونية) التي مسخ بها قصيدة (صارم الطعن) "للشيخ "الشاوي" قائلا في حربتها:
آشْ رَا مَنْ لاَلَهْلْ اَلطَّالْعَة أَرْكَنْ * عَنْدْ اَلْمَحْجُوبْ وَالَفْصِيحْ اَلْعَمْيَانِي * وَالْكْرَاعْنَة *
وِيْــــدَوَّزْ خَبْــزُه عْلَى يَتْقَـــانُــه
3/ الشيخ" محمد احمر الراس" المشهور بمسخ القصائد الجادة، قال عنه "عباس الجراري" ...كان بارعا في مسخ القصائد وقلبها من مواضيع جادة الى مواضيع هزلية، وكمثال على ذلك قصيدة (سبعة رجال) "للشيخ الجيلالي امتيرد":
اللي اخفـاه الصلاح إيجي لبلدنا * يقصد ناس امدينتْ الحضر * مراكش بلد القطاب والتنوير * يزور ناسها ويتزهى فقبوب سلطنة * يسلم لرجاها السبعة * ويعد تـرابها اقــدم بفقيــر
قلبها الشيخ "احمر الراس" لتصبح على الشكل التالي:
اللي اخفاه الفلاس إيجي لبلدنا * يقصد ناس امدينت لمكر * مراكش بلد اللجاج والتحنكيـر* يشوف ناسها يتفجج فـولاد الزنا * ويشوف رجالها اضبـوعة * ويعد ترابها اقدم بشرير
كما قلب أيضاحربة قصيدة (الحراز) للشيخ "البغدادي" التي تقول:
مال حراز الدامي ما يتيق بيا هيهات * غير حاضي لوقات *
بالدوام امجنبني ولا يرومني قطعيا
فأصبحت عند الشيخ "احمر الراس" على الشكل التالي:
مال خراز البالي ما يتم الكلبات * شبات وعزبات *
كل من جات يبطش بها ويقضي ليها اربح وخطيا
وقلب قصيدة (زهرة) للشيخ "التهامي المدغري" التي تقول حربتها:
أللا زهور ازهر وازهارو * بك الزهر اللا ازهر * صولي صولي يا غزالي زهرة
وقلبها قائلا:
سكران ريتي يامس يلفظ بشعارو * اسكر وطاح في دولت لبكار * ما فاق حتى تكون العشرا
4/ الشيخ "مولاي احمد الزمت" قصيدة (المزوج والعزري) وحربتها:
شاهدت اليوم عجايب ما بين العزي مع المزوج * معيار كثير وصغ وتامل كيف صار
وقصيدة في (خصومة المصلي وتارك الصلاة) وحربتها:
شاهدت اليوم افتونة ما بين المولوع بالصلا * والعاجز فالدين يوم الجمعة متقابضين
وقصيدة (الخادم والحرة) وحربتها:
شفت افراجة تعجب فيها اخصام وكلام * ليك نحكي ما بين حرة وخادم
وقصيدة (العشران الثلاثة):
اسمع قصة بحديث عن ثلاثا كانوا متعاشرين يا سامع ليا *
من هما زوج اتزوجوا الثالث ما راد ازواج
5/ ل" المدني لتركماني" اخصامات فكاهية كثيرة منها: (القهوة واتاي) وحربتها:
القهوة واتاي يالفاهم دخلوا مداعيين للقاضي شي اصباح *
قالوا يا حاكم القدرة تحكم بيناتنا ولا تعمل حيلا
و(خصام الخادم والحرة) وحربتها:
واقع البارح صار شلا نحكي بجهارا * ما بين الحرة مع لوصيفة فخصام اكثير*
صيغـــوا لـــي يا حضـــرة
وخصام (الشاب والشابة) حربتها:
كان تسالو يا حاضرين شاهدت اليوم اعجوبا * شايب ضل مع شابا فمعيار وخصام *
صــغ وتصنت كيـــف صـــار
كما تفنن في (خصام العكوزة والشابة) حيث قال في حربتها:
معظمها فالزمان قصا صارت يا فاهم لخطاب * يوم الجمعة على شباب *
خصام كثير خرق عادة بين عكوزة وشابا
6/ الشيخ "العباس الكريعي": وله قصيدة في هجاء "الشيخ قدور الحنش" تقول حربتها:
هذا براح ومشى ليه احمار * من البهجة تبع اثارُه * ووصل حتى الفاس ثم صاب اخبارُه
وموضوع الفكاهة ما زال شعراء الملحون في عصرنا هذا يتحفوننا بقصائد في الموضوع، ودائما أتحدث عن مدينة مراكش ونذكر من بين شعرائها الذين نظموا في هذا الموضوع:
7/ الشاعر "السلسولي مولاي إسماعيل" في (قصيدة المرشح) وحربتها:
فِينْ غَابْ اَلْمُرَشِّحْ وَاشْ مَا جَابْ اَخْبَارْ * فَايَضْ اَلْوَادْ اَلْحَارْ *
عَنْدْنَا فَالْحُومَة غَرْقُوا دْيَارْنَا يَا حَضَّارْ
وفي قصيدته (خصام المجمر والبوطا والكدرة والكوكوت) قال في حربتها:
اخصام اكبير حضرت لو بين المجمر أ سامعين وقت العشوييا *
وبوطا كاز وكدرا مع الكوكوت في شهر رمضان
وقصيدة حول (الفروج) في طبع المشركي وحربتها:
فِينْ غَابْ اَلْفَرُّوجْ اعْشِيرْ كَانْ فَالدَّارْ * كَيْفَيَّقْنِي بَصْيَاحُو فِينْ تَلْقَاهْ
وقصيدة (خصام الفروج البلدي مع الرومي) على قياس (التصلية) للشيخ "الغالي الدمناتي" وحربتها:
يَاهْلِي سَمْعُو كِيفْ اجْرَا اَلْفَرُّوجْ اَلْبَلْدِي * مْعَ اَلرُّومِي كِيفْ اَشْرِيتُو اَتْخَاصْمُو يُومْ اَلزَّرْدَا
قصيدة (الفار) ل"لشيخ اليزيد" وحربتها:
شف ما دار اللفار يعطيه اصحيحتو * هو والفارة ولا اقرا العقوبات
قصيدة (الكيف) للشيخ "مولاي الطاهر قعيش" وحربتها:
يا ربنا الطف بالكيافة * الصالحين والطلبة والعامة مع الاشراف * محي اوزارهم فالدنيا *
ينجاوا من حســاب الكـيــف
8/ "عمر الكوشي" في قصيدة هزلية هاجم بها الشيخ "مولاي إسماعيل السلسولي" قال في حربتها:
اللي اخفــاه الفلاس إيفوت بلدنا * يقصد ناس امدينت لبحــر * يفتـش اعلى احمار اقصير *
واللي يريد بالعار ابلا سبة شياخنا * ينساق لساحة السبوعة * يوجد الحبار فالبلاد اتغير
ونختم بقصيدة نظمت في هذا العصر، (قصيدة ماما حفو) للشاعر الكبير:
9/ الشيخ "احمد بدناوي" والتي نظمها خارج المغرب في رحلة عمل فني لدولة الڭابون، والذي وضعنا من خلالها في صورة ما عاشه خلال رحلته للغابون وفي إقامته بالفندق في قالب فكاهي تترك المستمع يعيش بمخيلته أحدات القصيدة التي قال في حربتها:
زاد فظلامُـه* ليل الزهوبحضرتْ باشت لريام * ماما حَفُّو لغزال جات لرسامي
وفي مطلع القصيد وقسميها الثاني والثالث، قدم الشيخ وصفا دقيقا لهيأتها ولما شهده في (ماما حفو)، حيث تحدث عن القد والقوام والجبين والغنج ولنيام والخدود الساطعة دنجال ونيوف وفم كبير يشبه كير الحداد، أما القسم الرابع والخامس، فقد خصصه الشيخ لزيارتها له في مقر إقامته، وفي ما تبقى من القصيدة وصف لنا أنواع المأكولات التي تعَدُّ في هذا البلد الافريقي، والتي قدمت له كهدية من (ماما حفو) التي قضى معها ليلة في افريقيا ليست كباقي الليالي كما جاء في القسم الأخير من القصيدة، وهذا مضمون الأقسام السادس والسابع والأخير، يقول الشيخ "أحمد بدناوي" في قصيدته هاته مفصلا كل ذلك:
القسم الأول:
قال يانا سيدي گـادة على النخــل فاقــت بجمـال القـوام
شبـشــوب شـايــلاه افحـيـــم * زربــة علــى اجبيــن اظليــم * بســواد فــاق عـــلّ لبهيـــم *
والغُـنـــج صـــال فـَـنْـيــامُــه * جعبات لايحــة بالبارود روام *
نبغيهـا لقلـُــــوب الحســــود لوّامــي
القسم الثاني:
قال يانا سيدي ماريــت عوضها ياوعــدي فــولاد حـام
مــامــا امـنـــوّرة لـَــدْغـــــال * بخــدود ســاطـعـــة دنجـــال * وَنْــيـــوف فايــقــة الجّْـمـال *
والفُـــمّ كـيـــر فـضْـرامُــــــه * ونيابها شواقر تفزع ضرغام *
ريق اغزالي من قير صرف علقامي
القسم الثالث:
قال ياناسيدي رگـبــة احكِــيتهــا رگبـتْ گاموس السنــام
كُـــديـــات فالصــدر عـــلّات * وبطايــح البطـــن حضنـــات * سُـــرّة امغـــارتْ الخلـــوات *
والـــرَّدْف تـَــلّْ بقمــــامُـــــه * وفخاد كَـبروج وسيقان اعلام *
وقـــدام تقول اسْفـون في بحر طامي
القسم الرابع:
قال ياناسيدي وافات مرسمـــي تابعهــا زنجــي اغـــلام
بهـــديْــــتْ الغــزال يميــــــل * عــن كـُـل ناحيـــة ويحيــــل * بَحـمــال مــن انيَـــاب الفيــل *
وَقـــرود سَــــاق قـُـــدّامُـــــه * والفهد والنمر والليث الهجّـام *
فسْـلاسَــلْ مقيــودة وطاعت احكامــي
القسم الخامس:
قال ياناسيدي وقـفـــاصْ مالية بالكـُـوك وبيــض النعـــام
والريـــش والـــودع ومْحَــار * وثــواب زاهيـــة وحجـــــار * وعـبـيـــد خلـفـهـــا وجْــوار *
دَغـْـيَــا ابْحَـفّْــتـــي حَـــامُــوا * بالرقص والصياح وصاخب لرتام *
ناديـــت الناگـــــة للشطيح گــــدامــي
القسم السادس:
قال ياناسيدي وطـْـبَـــاق هايلـــة بِيمـــا لـــذّ امْن الطعـام
"فـــولــو*" امْن الدّرَة لَعجين * والأوملــيــط بالســـرديــــــن * فــوق الْجمــارقـــرد اسميـن *
تهجــي ارْوايْـــح يــــدامُـــه * وزلاگ من اثعابن وصحون اهوام *
وصناف اغريبة عن اعراب وعجامي
القسم السابع:
قال ياناسيدي ودْوات لالـَّـــة مامـــا بلســـــان الكـــــرام
هــاذيــــك قــالت اهْـــديَــــة * مَــن مَــاغْــلَا فَــالبَــرِّيَــــــــة * للشيـــخ نـــاظـْـــم اسجيــــة *
فجمَـــالنـا مـــن اكـْـلامُـــــه * رام الصواب ورفعـــنا علْ لـَريــام *
وعــلانــا عـن حامـي اكـْذلك وسامي
القسم الثامن:
قال ياناسيدي ليلة امْباركــة وغشـاهــا جَـنــح الظــــلام
غـابُــوا انْجـومْهــا ونْـــزاحْ * بَــدْر وهْــــلالْ عَـــلّ للمـــــاح * وكـْـســات بالـــدجى لبطاح *
وَالبُــــومْ صَــاحْ بنـغَـامُـــه * يحيي اقلـُوبنـــا ويصحِّـــي مَــن نَـامْ *
وضْفـــادع بلغَــاها اتْهيّـج اغـــــرامي
انْـــــدِيـــــم بــنـــدامُـــــــه * يشفي ارواحـــنا من سايـــر لغتــــامْ *
افيَــــدُّه گـربة من "كايكـاي" لحـرامي
اعتيـــــق بخــتــــــامُـــــه * فخـــزيــن لالّة ماما كـــان اعــــوام *
تـــرياق اهداتُـــه بالشـــواق لسقــامي
جــــــرّْد اكــمـــــــامُـــــه * ليل الزهـــــو وسلَّمنــــــا للعــــــلّام *
وَغشــــانا ضيف اثقيل خَرْق لخوامي
لَاح بَــعْــــــــلامُـــــــــــه * نـــورالصباح وفـــزعنا من لحــــلام *
قالـــت ماما حَـفــــو ارواح لخيَـــامي
الفـــــرح نَـغْــنَـــامُــــــــه * برشيف "كاي كاي" ازهى طول العام *
وتْمَــــرغ علّ لكــدَى وزوّْل احـزامي
وُهِــيـــم فقــــــوامُــــــــه * تِيــهْ أعشيق بيــن الــزرب والقــــدام *
وزْهَــــى لي فالربوة وكمّْـد اعظـامي
الحــــب وحْــكـَـامُــــــــه * رَسَّى امْحَلّتـــي بيــــن اقـْـوَامْ ادْهَــام *
بحكام اهْــواه ارضيت سَـايْـر إيَّـامِـي
قـَــالْ فـَـنْــظـَــامُــــــــــه * عَـبْـــد الشيَــاخ فالشــــادي والنَّظَّـَّــام *
بدناوي مْن لدغَــالْ فاز بالــــدامِــــي
وفي الختام أود أن أشير إلى ملاحظة تهم موضوع شعر الفكاهة، ذلك أن أغلب القصائد الفكاهية التي نظمت أغلبها ضاع، حيث قام أصحابها بإتلافها نظرا لما كانت تثيره من شنآن بين رجالات الملحون وخصومات، وما تتضمنه من الفاظ قاسية فيها ما فيها من السخرية، والتي اتخذها البعض سخرية من الشعراء، حيث يطلبون أمام الشيخ مثلا قصيد كلب فلان، او فار فلان،... وهي جمل توحي بقدح وشتم ناظمها في حضوره، مما اضطر اغلب الشعراء في جميع المدن المغربية الى احراق قصائدهم من هذا النوع، وما بقي منها إلا القصائد التي يمكن انشادها دون حرج ودون الإساءة لناظمها، كقصيدة الزردة للمسفيوي والطاجين للشيخ قدور الحنش وغيرها.
]نماذج لقصائد فكاهية من شعر الملحون - الأستاذ: المصطفى برادي
نماذج لقصائد فكاهية من شعر الملحون الأستاذ: المصطفى برادي من أهم مميزات شعر الملحون ـ الذي اختلفت تعاريفه بين منظري هذا
malhoun.yoo7.com