عبدالجليل بدزي - الواقع وتجلياته في قصيدة الملحون

بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله وسلم على رسوله المصطفى الأمين سبحان من اقضى واحكم، وعلم الإنسان ما لم يعلم الكثير من الباحثين والمتابعين والمهتمين بفن الملحون المغربي، يعتبرون أن هذا الفن قد انتهى وذهب رونقه وجماله مع شيوخه الأوائل، وأن المتأخرين من الشيوخ لم يستطيعوا تقديم شيء يذكر في هذا المجال، سواء على مستوى المبنى أو على مستوى المعنى، وصراحة أجدني على طرفي نقيض بيني وبين من يقول مثل هذا الكلام، حيث لا يخلو وقتنا هذا من نصوص ذات قيمة فنية ومضمونية أكثر التصاقا بقضايا معاصرة من نصوص سابقة، لذلك سأعمل جاهدا على تقديم نماذج منها لبعض المتأخرين المعاصرين من شيوخنا، وذلك انطلاقا من مرحلة الاستعمار إلى اليوم، ونقارن بين إبداعات هؤلاء وإبداعات من سبقوهم، وأول شيخ أفتتح به هذه الورقات، هو الشيخ حسن اليعقوبي، وهو من أعلام الملحون المعاصر، حيث أن سنة 1970 وجدته حيا يكتب، أصله من دكالة، وهو من شعراء مدينة سلا، كان يبيع القزبور والمعدنوس وأنواع البقولة، وقد كان أمينا لأصحاب هذه التجارة بسوق الرباط الكبير، كان شيخا متمكنا من أدواته، ملما بطريقة كتابة القصائد الملحونة، شعره أغلبه حسن، وذلك ما يدل عليه هذا النص الذي أقدمه اليوم، مع إشارة إلى معضلة التحريف التي طالت هذه القصيدة المعاصرة، نتيجة إهمال تدوينها، حيث تم نقلها عن طريق المشافهة، مما عرضها للزيادة والنقصان، وتغيير في كلماتها، بل حتى أقسامها ليس عليها اتفاق، إذ هناك من يعتبرها سبعة، وآخرون يقولون ثمانية، وإن كنت أرجح أنها سبعة فقط، وإذا كان هذا حال قصيدة تنتمي إلى فترة قريبة من عصرنا، فما بالنا بقصيدة عمرها قرون، إن هذه الآفة هي التي تدفعنا إلى طرق أبواب التحقيق والتصحيح والتدوين بقوة، متمنيا من الشيوخ "الحفاظة والخزانات" والباحثين أن يستجيبوا كلهم لهذا المطلب، حيث سيكون نشرهم لهذه النصوص محققة إنجازا عظيما.
وإذا انطلقنا من تصور مفاده أن الشعر موقف من الوجود، يصرفه الشاعر عبر لغة تعبيرية خاصة، فإنه من الحتمي القول بأن صدى الواقع بأفراحه وأتراحه وصراعاته وتقلباته يتردد داخل القصيدة الشعرية، ومن هذا الجانب أفهم مقولة أن "الشاعر ابن بيئته"، ولا أريد أن أطيل في هذا المضمار، فقط أشير إلى أن قصيدة الملحون شعرية بامتياز، وشاعرها يسعى من خلالها إلى أن يرصد كل الأحداث السياسية والاجتماعية والاقتصادية والفكرية التي مرت بالمغرب والمغاربة، حتى عد شعر الملحون ديوان المغاربة بامتياز، ومن هنا نجد شاعر الملحون يرصد كل حركات المجتمع وسكناته، وكمثال على ذلك، قصيدة "اخْصَامْ الزَّمْنِيَة والعصرية" للشيخ حسن اليعقوبي الذي ذكرت بجانب من حياته سابقا، والذي حاول من خلالها أن يرصد التحولات الأولى لخروج المرأة من البيت كمحتجبة، لتدخل دواليب الحياة من خلال الالتحاق بالمدرسة والتخرج من الجامعة، ودخول عالم الوظيفة شأنها شأن أخيها الرجل، وكل تحول ــ كما نعلم ذلك ــ لابد له من تنويه وتنديد، حيث يختلف الناس حوله، منهم من يؤيد ومنهم من يعارض، ولا يمكن للشاعر كمثقف العصر أن يمر على حدث كهذا مر الكرام، بل أدلى بدلوه في المعركة بهذه القصيدة، التي بناها بناء مسرحيا، يدير الصراع فيها بين فتاة تقليدية محجبة لا تخرج من البيت، وأخرى نهلت من العلم ودخلت عالم التطور من بابه الواسع، وعلى لسانهما معا، يُظهر إيجابيات وسلبيات كل من الأصالة والمعاصرة، مع إشارة إلى أن القالب المسرحي الذي صاغ فيه الشاعر موضوعه ليس من ابتكاره ــ في مجال الشعر الملحون ــ، بل هو غرض قديم يسمى ب "التراجم"، وقد أداره الشعراء القدامى بين أنواع من البشر والأشياء، كما هو الشأن بالنسبة ل"اخصام العربية والمدينية" للشيخ الجيلالي امتيرد، واخصام "الخادم والحرة" للشيخ الحاج أحمد بن غالب، واخصام"القهوة وأتاي" للشيخ المدني التركماني، والعديد من الخصامات التي يعج بها فن الملحون، إلى جانب قصائد الحرارز المشهورة في هذا المضمار.
ومادمنا نتحدث عن القالب المسرحي الذي اختير لتقديم مادة هذه القصيدة، لابد أيضا من الإشارة إلى: "المرمَّة العروضية" التي كتب فيها النص، وهي ما تعرف عند رجال الملحون ب"امرمت السوسي المزلوك"، وهذه هي المرمة الرابعة من امرمات الملحون الخمسة، يكون فيها الشاعر حرا في عدد الأشطر التي يتضمنها كل قسم من أقسام القصيدة، شريطة أن يفتتحه ب:"بيت موزون" من "امرمت لمبيت لمثني"، ثم تتوالى أشطره بطريقة يطلق عليها أهل الملحون لفظ: "كَايَسْرَحْ"، ثم يعود بعد ذلك ليختتم القسم بأبيات على وزن الحربة، وهذا ما يصطلح عليه ب: كَيْبَاتْ"، فشيخ الملحون في مثل هذه الأنواع:"كايسرح ويبات"، أي يتحرر من الوزن لفترة، ثم يعود له مرة أخرى داخل نفس القسم من القصيدة، والمحافظة على الإيقاع الداخلي، والرنة الموسيقية شيء ضروري لا مندوحة عنه، والأسلوب سلس، والنظم جميل، وهو ما يكشف عن أن "امرمت السوسي"، إنما هي تحريف للفظ:"السَّلوسِي"، من السلاسة، وقد أشار الدكتور عباس الجراري من خلال كتابه:"القصيدة"، إلى أن أول من ابتكر هذه المرمة هو الشيخ الحكيم:"عبد الجليل بن عبد الله المراكشي" والمعروف ب: الشيخ "الجيلالي امتيرد"، حيث كتب فيه قصائد عديدة، ومن جاء بعده من الشعراء، تبعوه في ذلك، فكان أكثر النظم في هذه المرمة عبارة عن "امْتَرْجْمَاتْ"، مثل:"الحرارز/ لخصامات/ بعض الحكايات والمسرحيات وغيرها ...".
وبعودتنا لموضوع القصيدة، نجد الشاعر قد افتتحه بتحديد الشخصيات التي تدير الصراع، والمتمثلة في فتاتين صغيرتين في السن، ثم رَاوٍ شاهد على الحدث وراويته، ويحدد الراوي سبب الخصام بين الفتاتين منذ البداية، والمتمثل في كون "تورية" العصرية، تضررت وتدمرت كثيرا من تصرفات "هْنِيَّة" الحاجبة، هذه الأخيرة التي وصفتها جارتها "تورية" بالشريرة التي لا تتوقف عن الخصام والسب والشتم نتيجة عقد ترسبت في داخلها من كثرة جلوسها بالبيت، وعدم اختلاطها بالناس، الشيء الذي نفته "هنية" جملة وتفصيلا "، مشيرة إلى أن جارتها "تورية" لم تفهم قصدها من الحديث عن "الشكارة"/"محفظة الكتب"، وقد تحاملت عليها كثيرا، ثم ترد على بعض الاتهامات التي وجهتها لها، مشيرة إلى أن جارتها قد اختارت سلوك نساء الغرب، وتبعتهم في قصها لشعرها وطريقة لباسها وغير ذلك مما ابتكره الكفار واعتبر منكرا داخل البلاد الإسلامية، وتنصحها بأن الأفضل لها أن تعود إلى أصلها، وتجلس بالبيت لتتعلم شغل الدار مادامت مقبلة على الزواج، وتلك الأمور هي التي ستفيدها، لتنتفظ "تورية" بعد ذلك مشيرة إلى أنها مهتمة أكثر بدراستها وطلبها للعلم، وبخصوص أشغال البيت، فهناك الخادمة التي بإمكانها القيام بذلك دون أن تحمل هي أي هم، كما أن خطيبها موافق على ذلك ولا يعترض أبدا، وتستمر الملاسنة على هذا النحو، حتى يتدخل الجار/الراوي، ويسعى للصلح بينهما، مبينا لهما أن العصر حقيقة قد تغير، ولكي نسايره ونسبح مع التيار، لابد أن نغير نظرتنا نحن كذلك لكثير من السلوكات والعادات الموروثة، حيث واقع الحال في المغرب، يتطلب من المرأة أن تكون متعلمة مثقفة لكي تشارك في تنمية الوطن إلى جانب أخيها الرجل، إذ بالعلم تستطيع فهم دينها، وتعليم أبنائها...، ولا مبرر لها في أن تبقى جاهلة داخل البيت تنتظر الوهم، وفي الوقت نفسه، يجب ألا تلهيها هذه الأمور عن تعلمها لشغل البيت، وإتقانه، حتى لا تكون في حاجة إلى من يقوم عنها بخدمة زوجها وأبنائها، ولذلك طلب منهما أن تعلم كل واحدة منهما الأخرى مما علمها الله، وبعد عامين من الأيام، جاء ليتفقد أحوالهما، فكانت فرحته كبيرة عندما وجد العصرية قد أتقنت شغل المنزل، والزمنية قد حاربت الأمية،ثم قدم لهما التهاني وانصرف جذلا.
هذا باختصار بعض ما جاء في مضمون هذا النص، دون أن ننسى أثناء مقاربته ما يتوفر عليه من رصد لعادات المغاربة على مستوى الأطعمة واللباس والجيرة والعلاقات الإنسانية وغير ذلك من الأمور التي تحتاج إلى وقفة تأملية طويلة ليس هذا وقتها ولا مكانها، ويكفي من القلادة ما أحاط بالعنق.


قصيدة: الزمنية والعصرية

نظم الشيخ: حسن اليعقوبي

امرمت السوسي المزلوك

الحـــربـــة:

أَشْ رَا مَـنْ لَا رَا لَبْنَــاتْ يُــــومْ قَــامُـو لَكحَــــارْ(1)

جُـــــوجْ هِيــفَــــاتْ صْغَـــــارْ

شَابَّــــة عَصْرِيـَّــة وَمْـــعَ الحَاجْــبَــة فَالجُّـــورَة


المقطــع الأول:


يا الحضرة سمعــوا ما صــار * بيــن جـــوج بنــات فْـلَـكْحَـــارْ

شابة عصرية بَكْرَة * والأخرى زمنية عَذْرَة * فرجوني بين الحضرة وكنت

حاضر نصغى لخصامهم * نسمع العصرية تقول للزمنية * يا جارتي هنية سمعي مني

اخبار* من يوم اسكنتي احْدَايْ جارة وأنتيا فَاشْبَارْ(2)* يا حسبي لله

سالبة باخصامك جمع الفكار* ما عَمْرَكْ ما شَفْتِي تْقُول شِي مَدْرَسَة

* ولا احْضَرْتْ مُجَالَسَة * ولا اهْوَاتْكْ الدِّرَاسة إلا الْهْوَاسْ

* بيك اعْوَارْ(3) الناس * جَارحة بلسانك فات القْيَاسْ * مشغولة بيا ولا

العنتي شيطانك الشرير* بُودْنِي نصغاك كاتشتمي فيا * جَهْرَة بْلَا

اخْفِيَّة * فَالسَّتَّة سَاعْتْ العْشِية * عند غْروب النهار* قالوا

للشتامة النار* وبلسانك قلت على الشكارة * مصحوبة دِيمَة امْعَايَا *

مَمْلِــيـَّـــــة بَالْكْـــــذُوبْ عَــــــل الافــتـــخـــــار

ســـــابـقـــــــــة للمعــيــــــــار

كابــــرة أمية فالســــب والغـــتـــب وادْسُــــورَة(4)

لَالَّاكْ المـــدرسيـــة الفايقـــــة عــــــل لبكــــــار

إلــــــى اتسـمـعـــي لخــبـــــار

يا الزمــنيــــة غــشميــــة اموخــــــرة لَلُّـــــورَة


المقطــع الثاني:


قالـــت الـــزمنيــــة باجـهــــار* يا العصريــــــة هـــــــذا عــار

ياك حق الجار على الجار* ما اعرفتي كُودْ(5) الهَضْرَة على الشّْكَارَة*

دَرْتِي كَسْرَة(6) وزايْداها باتْقَرْقِيبْ الحجار* مَخْصُوصَة أداب يَا

السَّرْسَارِيَّة(7) * يَا رهط اللّْبُويَة مشطونة بالأشعار* ولسانك

مطلوق ما اتعرفي مُونَة * ولا اعْجِينْتك معجونة * وامعاك لَامْتَك(Cool

مشطونة طول النهار* أنا زمنية وحاجبة في داري * وامع الشغال طول انهاري

ليا اصْغَاي * وأنتيا دِيمَة امْقَزّْبَة(9) * صَايَة فَالمَحْزَمْ * مع

اقْوِيمْجَة دون اخْفَى امْجِيّْفَاكْ * وُلَكْرِفِيطَة خَانْقَاكْ *

وَانْعَالَة محسوب صَانْدَلة * للخَرْجة والدخول * شرع الله امعاك يا

العصرية * ما درتي اشوار ليا * الشّْعَرْ امْحَلقَاه سِيَّة * دون

اغْراضُه اقْصَار* والسيقان مع الوجه باين * لا دَرَّة لا انْكَابْ *

قالوها مَثْلَة على ابحالك * خرجي سوق الزحام * أشْ اتْعَرْفِي فالأطباخ

* طاجين امحمر بالأفراخ * ولَّا مِيدَة ولا امْخَرّْقَة * ولا بصطيلة

امْوَرّْقَة *

لا قَمَــامَــــــــة لا امْحَنّْـشَـــــة اشْـغَـــــل الـــدار

وزايـــــدهــــــــا تَعْـفَـــــــــارْ(10)

ما اتعـارفـــي فاشغــــــال الـــدار حتـــــى دُورَة

آش غيـــر الدَّهْنَة والرَّاسْ حَالقَــــة لُـــه لشْعَـــار

امخــــالفـــــــــــة للآثــــــــار

فالسـوالــف نظـــرة ماهِي بحال اللـــي مبتــورة


المقطع الثالث:


بَاحْــتْ العصــريــة باســــرار* جاوبـــــت من خلــــف الستـار

قالت العصرية نبغي اتسوليني * باللي فيا اتصارحيني * واتْشَاهَدْ فَنّْ

من افنوني * وما فيها من افضل واكرامة * لَلْمَرْوْ(11) كاتزيد ازْعَامة

* مني امراتب العلامة دون الكذوب * لو كان اقريتي انفرجك فاللي في هاذ

الكتوب * لأني أستاذة امفرجة والفرجة تفجي اكْرُوبْ(12) * عيبك ما نبغيه

سالباني لقراية فالكتوب * ديمة فالمحفظة امعاي * نطلب ربي إيكمل الرجا *

نجتهد فالضي والدجى * حتى نظفر وانفوز* بالسعادة، وما نتمنى انْصِيبْ(13)

* وإلى طال العُمُورْ باقية * نتفوق عن كل راقية * امنين احرزت على

اشهادتي الابتدائية * مع الثانوية وبعدها * الباكالورية في اقريب * حتى

نضحى عضوة امأيدة فالجامعة دون ريب * ونتخرج نعت الطبيب * دكتورة نوريك

ما ينفعك * للآلم الضرير* أنت عصبية *

امْقَلـقَـــة شَتَّـامَــــة ولا يْفِـيـــدْ فيــــك التَّحْـــــزَارْ(14)

فـيــــــك غُـمَّـــــــتْ(15) لَجْـــــدَارْ

كاتباتــــي واتضلــــي فالعـــــذاب يا ميســــورة

غافلــــة أمية مَكْـــــوَاكْ(16) ما انظــــرتي ببصــــار

ما اقـــريـــــــتــــي لســــــوار

بْــــدُورْتْ لبطــــن اتفخـــمي لاش يا مقهــــورة


المقطع الرابع:


بــــان فالــــزمنيــــة لَغْـيَـــــارْ(17)* حين جَــــرَّاتْ

البــــاب الـــدار

زَكْرَمْتْها(18) من غير اشْوارْ* تُمّْ جَاتْ اتْبَرْبَرْ(19)*

واكْسَاتْ وَجْهْهَا لَصْفُورَة * وابدات كاتجاوب بجهار* خرجي انْرَاكْ

يا مغرورة * إلى ارْكَبْتْ(20) عندي لَكْوَارْ*(21) لو ما اقريت(22) حق

الجورة * غَرْضِي انقول ليك * وُسَمْعِي مني * إلى اقبلتِ واهْدَاك الله

يا العصرية * رِيتْ احْيَاك طار * شعرك حَدّْ اقفاك * بالفْلَايَلْ(23)

مَقْبُوطْ * عْلَى اكْسِيوْتَك * كُلا سَاعْ امقابلة مع لمراية * واتقادي

الفرقة عُوجَة * نعت العْجَام(24) * ما درتي شي سَفَّة امْقَرّْفَة(25) *

وشَباكية امْصَنّْفَة(26) * كعب اغزال مع اغْرِيّْبَة * والكعك وفقاس

والمفند واطباخ على الأصناف * واضيافك لو جاوا يا العصرية * تمّْ اتحيري

أنتيا * واتعودي خاسرة امزية * فالدورة والطياب * يَتْفَاكَمْ(27) لك جمع

الحساب * كيف اتقولي يا العايبة *

فاضيافــــك خــرجــــوا را امْطَاعَــــــمْ لَتْجَـــارْ

والغـــــــداء باحْـتِـيـكَــــــــــارْ

اشحال تخفي واشحــال إيـقـــــد فالمخـســـــورة

لالك الحــــرة فــــي دورتــــي انحيــــر لفكــــار

فــــــى ما يــوالــــــي للنـــــار

من القــوت المكـتاب ألا اخفــى فْـشِي حـنجـورة


المقطع الخامس:


هَــــزَّتْ العصريـــة ليــــــزار* شَرّْعَــــــت(28) الدَّفَّــــــة

بَاتْيَـــــار(29)

حَلَّت الباب وقالت * يا أختي اهنية * الطبخ اللي قلت ليا * ما هو حاجة

امزية * فَايَشْتِي(30) بَالهْتُوفْ(31) * أنايا عصرية ابلا اخفية *

واخطيبي راضي اعليا * طاعة لُه كيف شاف * يديا في يديه * فين ما حب

إِيسَارِينِي على الرضى * وانْشُوف ابعيني * وفيه شوفة عندي تحيي البصار*

عرفوني بجميع دارهم * واكذلك عرفوه دَارْنَا * على السنة والكتاب * نوريك

اشغالي * الفلسفة واعلوم الطب * كانْحَقّْ(32) الجغرافية * مع الهندسة

والقسمة * وما يناسب لحساب اللي اكثير * وهاذوك أنواع الطبخ * سولي

دَادَة(33) تعرف ما تْدير * هذا شغل الدار كايعارفُه لكبير مع الصغير*

والطباخة، ما رَافْدِينْ كُلفَة(34) * لرغايف ولا لسفة * ولا خبز الشعير*

وأنا مُوسُومَة بْسِيمْتْ الثقافة * واللي اقرى امريح * ما يشقى لا اعذاب

* نبغيك اتخرجي اتمارسي الزيارة * وانسوق بيك فالسيارة * اتركبي

احْدَايَا واتْشُوفْ كما اتْرِيد * اتزوري لمدارس * تم اتشوفي لبنات * مع

لولاد سَاوَة(35) * باصوات احنان فالتلاوة * والمدير الشهير* بالعلوم

إيشرح الضمير* تبرد نار احشاك يا الزمنية * واتبوسي على إيديا * وانجيبك

للرسام *

دَغْـيـَـــة(36) وتْقُـــولِي يا تــرى انْمَــــــرَّح لبصـــار

مــع أخــتـــي بنــــت الجــــار

أو تبقـــــاي فْحَجْــــبَة دون فايــــدة محصــــورة

والجهـــل ما يــوري مولاه غيـــر سـوق التَّبْجَارْ(37)

كــثيــــــر نـــاس الآثـــــــــار(38)

من النســــوان بحالك يا العَانْسَـــــة(39) المهجــــورة(40)


المقطع السادس:


قالـــــت الزمنيـــــة: لمـــــزار(41) * ما ابعــــاد لنــــاس

اليَضْــمَـــار(42)

يا العصرية أنا تابعة العادة * فاثياب العز والسعادة * وانفيدك غايت

الايفادة * في ذا القول الصريح * أنا زمنية وبعد زمنية حَسْبِيَّة(43) *

ولا انْرُوم الخرجة عُمْري * ولا انْوَجَّه عَرَاضِي للفضيح * ما نرضى

مَذْمُومَة(44) * وحارسة زيني بالعقل الرجيح * حق ابنات الناس * كيف نعرف

ما يرضاوا القبيح * كانفرح لزيارتي فرسمي(45) * ما يخرج عل الباب أسمي *

إلا ناسي ولَامْتِي * واحبابي عَزّْ المليح * أنا دون اخْفَى

امَّلّْكَة(46) * هذا عام ونص * ما اخطات التفكيرة(47) فالعياد * واخطبني

في قلب دارنا * واتولى بَابَا اشغالنا * والخُّوتِي عارفوا اصْهارنا * ما

رفعوا عني احجاب * عمري ما شفته ولا انظرني * هذاك ازواجنا ازواج النية *

ليا اصغاي يا تورية * شرطوا عليه فالعقد المهر اللي يطيق يحمل * كتبوا

لعدول عقدنا فالساعة * ونا في احكامه طاعة * عندي اعزيز* ولد اخيار الناس

* كايقولوا ناسي باقي اصغير* ويكون اصغير ولا اكبير* ياك امرة قالوا من

سعد راجل *

مــــا كايـــــن لاش فاضحـــــــة لــــه لعــــــوار

الخطيــــــــب فَالتُّـــوقَـــــــــارْ

يا العصريـــة عـــن عيبي امحــــزمة مشمــورة

دون شـــــك افضوليــــة لاش زايـــداها تَحْكَـــار

كــــاتــفــضحــــي لعـــــــــوار

سلمــــي فاغْــنَــــانْ(48) وُخَــلِّـــي امحبتــك مستورة


المقطع السابع:


حَــــقّْ عـلــيـــــا أنــــــا جــار* واجـــــب انغيـــــر ذا المنكـــار

لازم النُّوضْ نخرج انشوف هاذ البنات * أَشْ كان فاخصامهم * وأنتوما يا

ذوك البكار* اشْطنْتُونِي(49) بخصامكم * لاش اعليكم هاذ الغيار* واش

أنتوما عَنْوَة(50)، ما اعشقتوا إلا هاذ النهار* عيب اعليكم هاذ الخصام

راه احشومة * وأنتوما ابنات الحومة * ابنات الحسب والنسب * تَرْكوا

اعْتَابكم واللومَة * إبليس اللعين امْحَرَّبْ * هاذي افعايله مشؤومة *

غَرْضُه مَنْ إِيجَرّْ إِيعَذَّبْ * لَايَنْ احْفَرْتُه مَضْرومَة * فرق

النعيم * كايجري بالبغض والعداوة * يصطاد هل الجحيم * أعوذ بالله من

الملعون الشيطان الرجيم * لعْنُوهْ ألبْنَاتْ * بعد لعنوا يبليس افرحت *

وقلت لهم نَصْلَحْكم بالصواب * نْرَى تورية تْحَرّْكَتْ * وكذاك هنية

اتّْزَنّْكتْ(51) * جَمْعَاتْ الوَقْفَة * اتعانقوا باسْمَاحَة * ضحكوا

فحين قالوا ليا * يا شيخ النظام انصحنا * وحْنَا على الرضى أمامك

متسامحين * لكن اتسمعوا وصيتي * ننصحكم من اصميم مهجتي * عرفي شغل ازمان

فات يا هنية * واليوم عصرنا مَتْفَوَّقْ(52) * حَدْثَاتْ فيه آلات ألا

تُدْرَاك * بَالسّْوَامْ(53) انْفِيسَة للشْغُلْ عَامْ * أهنية نبغي

اتحاربي الأمية * واتبعدي الجهل فمرة * واتساعدي مع تورية * وديمة

لْقَايْهَا بَالبَشْرَة(54) * تُورِيك بالصّْفَا والنية * لحروف

وَارْيَة(55) مَشْتَهْرَة * تَبْدَايْ من اللِّيفْ إلى الياء * واتدركي

اتقري لبرا * عساك من اجتاهد واقرا هذاك نال * نطقت لتورية * وقلت ليها

يا بنت العصر* سابقة للرُّقِيّْ والعز والسعادة * لكن اتواضعي وصَرْفِي

لحسان مع ليام * نطقت تورية وجاوبتني * بجواب على الصواب * قالت نوريها

باش تقرا * يَسْهَالْ ما اصَعَابْ * وهنية تُورِينِي ما انْقَصْنِي

فالدُّورَة والطيَابْ * قلت الهنية * الْقِي اجْوَابَكْ نصغاه فى ذا

الخطاب * قالت هنية احبيبتي * الْتُورِية نشري اكتاب * أنا يا خيتي

اخْوِيدْمَك قَرِّينِي * نقرا باش نَحْسَنْ دِينِي * وأنا انعلمك من شغل

المنزل عام *

دابة انقول انخليكم تبقاوا ابخير حين شاءت الأقدار

لا اتــــرومــــــوا للعـــــــــــار

هكـــــذا نبغيكـــــم تبقـــى داركـــــم مبشــــــورة


المقطع الثامن:


هـــــاذي عامايـــــن وانهـــــــار* ما شفـــت ذوك الــزوج ابكار

حق عني نوصل لجدارهم * وانشوفهم آش اخبارهم * واش داروا فاشغالهم *

وأنتما يا لبنات كلموني وأنا نصغى لكم * أنايا يا سيدي احفظت شغل المنزل

* بفضل ربنا عالم لخفية * أو لالة خيتي هنية * علمتني لعجين مع الطياب *

لله الحمد بلا احساب * وأنا يا سيدي اقريت واطَّالعْتْ كذا من اكتاب *

بوجود أختي بنت الصواب * أو جعلك ربي لينا اسباب * وأنا يا لبنات واجب

انحييكم في ذا النظام * اغلبتيوا النفس أو لهوى والعنتوا ولد الحرام *

واتبدل لغيار باسرور الفرحة طهج(56) الرسام* شوفي ثورية اتعلمت جابت لي

مِيدَة(57) اطْعَامْ * واكذاك هنية اقرات * كتبت لي سبعة ذا القسام(58) *

وانسخت قصيدة بالتمام * اتبارك الله *

قلــــت ليهــــم عن ذوق افكاركـــم حيــــر لفكار

فـــــي اجـمـيـــع الأقـطـــــار

ودعــــوني باســلام الباهيات فـــي منــشــــورة

اتبــــارك الله عليــــك أ شيــــخ النظـــام العيـــار(59)

فــــي ارقايــــــق لشعـــــــــار

سلـــم علـــــى لبنات هــــل لمدون وأهــل القرى

قـلـت ليهــم تبقـــاوا ابخير كيــف شاءت الأقــدار

سـاكــنــــي بكــــم حـــــــــــار

بحــت باهـواكــم فالخــيال لا بــوجـه الصـــورة

فالختـــام استغفـــــر الله ما احضـــرت اللبكــــار

ولا اصغـيـــــت المعـــيـــــار

ولا انظـــــرت لشابابيــــة اتحـــاوروا فالجـورة

غيــر فرجـــة تسلـــب بارموزها لناس اليضمار

والســـــــــلام الأطـــهـــــــار

والأشــــراف وطلبة وهــــل المواهـب المذكورة

والجحيــــد بجهله معلـــوم ما اخـــرج من لكـدار

واسـمــــــي يــــا حـضــــــار

ابـــن التهامي فاســـلا حســن نسب شافـع لورى

رمـــز هاذ الحلـــة يا مـــن اتسال شاق اللمــزار

فالسـنـــــــة باخـتـصـــــــــار

في احساب أبجـــد لحـــروف واريــة مشهـــورة

الصــــلاة والســــلام على اشفيعنــــا مـــن النـار

الحـبـيــــــب المخــتــــــــــار

والرضى عن آله بنسايـــــم الزهــــر معطـــورة

والســـلام اكــــذالك للناظــريـــن وجمع الحضار

فــي اجميــــع الأقطــــــــــار

فالحـضـــــر ودزاز واصحــــاري وادشـــــورة

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المعجم:
1/ لكحار: بنطق الكاف جيما مصرية، ومعناها: الخصام/ 2/ أشبار: المكان الذي يحتمي فيه الرامي، ويستعار للمحل الآمن، وتعني أنها منذ أن سكنت إلى جانبها لم تخرج من مكمنها لأنها حاجبة/ 3/اعوار الناس: عيوب الناس/
4/ادسورة: قلة الأدب/ 5/كود: أي قصد /6/ كسرة: ضجة كبيرة/ 7 /السرسارية: التي لا تحفظ الأسرار /8/لامتك: أهلك/ 9/ امقزبة: تلبسين لباسا قصيرا يعري ساقيك/ 10/ تعفار: المبالغة في التجمل والأناقة والرونق، ولعلها سياقيا تفيد تضخم الأنا والتكبر من جراء ذلك/ 11/ المرو: أي المرء/ 12/ اكروب: أحزان/ 13/ ما نتمنى انصيب: كل ما أتمناه أجده/ 14/ التحزار:
الاستعطاف والشفاعة/ 15/ غمت الجدار: عقدة اللواتي لا تخرجن من المنازلهن من النساء الحاجبات، يكون صدرهن ضيقا كمن يصعد في السماء/ 16/ مكواك: يا حزنك وحسرتك/ 17/ لغيار: الغضب/ 18/زكرمتها: أغلقتها بإحكام/ 19/ اتبربر: تتكلم بكلام غير مفهوم من شدة حنقها/ 20/ اركبت: خرجت وظهرت لي/ 21/ لكوار: الكور وهو سلاح حربي يقذف بالمدفع/ 22/ اقريت حق الجورة. راعيت حق الجورة/ 23/ الفلايل: مقابط للشعر القصير/ 24/ العجام: المقصود هنا النصارى الفرنسيين/ 25/ امقرفة: من القرفة وهي نبات طيب من التوابل/ 26/ امصنفة: بأنواعها/ 27/ يتفاكم: يتلف/ 28/ شَرّْعَتْ: فتحت الباب على مصراعيه/ 29/ اتْيَارْ: بسرعة وقوة/ 30/ فايشتي: افتخرت/ 31/ الهتوف: الأمور التافهة/ 32/ كانْحَقّْ: أتقن/ 33/ دادة: الخادمة بالبيت/ 34/ كلفة: هم ثقيل/ 35/ سَاوَة: أي سواسية/ 36/ دَغْيَة: بسرعة ودون تعطيل/
37/ التَّبْجَارْ: النفخة والتكبر/ 38/ ناس الآثار: أي الناس الذين تجاوزهم العصر فأصبحوا من الآثار، وقد استعملت هنا استعمالا قدحيا/ 39/ العانس: أطلقت هنا بمفهومها العربي الدال على الفتاة التي فاتها قطار الزواج/ 40/ المهجورة: التي هجرها كل الخطاب لعيب فيها/ 41/ المزار: البيت وهو المكان الذي يجب على الخطيب أن يزور فيه خطيبته أمام أهلها، عوض التسكع معها في الشوارع/ 42/ ناس اليضمار: ناس الحياء والحكمة والتربية الحسنة/ 43/ حسبية: ابنة أصول/ 44/ مذمومة: أفعال قبيحة/ 45/ رسمي: منزلي/ 46/ امَّلْكة: مخطوبة ويملكني هذا الخطيب/ 47/ التفكيرة: الهدية كل عيد، وهي عادة عندما تخطب العروس ولم يتم البناء بها بعد، كل عيد وعند كل مناسبة، يقدم لها الخطيب هدية يظهر من خلالها تمسكه بخطيبته وإرادته لها زوجة له/ 48/ أغنان: المعاندة والمكابرة دون جدوى/ 49/ اشطنتوني: شغلتموني/ 50)/ عنوة: قصدا/ 51/ اتزنكت: احمرت خجلا/ 52/ عصرنا متفوق: أي عصر متقدم حضاريا/ 53/ بالسوام انفيسة: بالثمن الباهض/ 54/ بالبشرة: بالبشاشة والابتسام/ 55/ وارية: ظاهرة/ 56/ طهج: طفح بالبهجة والسرور/ 57/ ميدة: أي مائدة/ 58/ سبعة الأقسام: أي قصيدة من سبعة أقسام/
59/ العيار: الحاذق الملم بكتابة الشعر.

تعليقات

لا توجد تعليقات.

هذا النص

ملف
ديوان الملحون والزجل والشعر العامي - ملف
المشاهدات
125
آخر تحديث
أعلى