د. أحمد الحطاب - الاحترام بالوسط المدرسي

ما هو الاحترام؟
بكل بساطة وبصفة عامة، الاحترام هو إِعطاء الشخص الاعتبارَ لنفسه وللآخرين. من هذا المنطلق، يُعدُّ الاحترامُ في الوسط المدرسي قيمة أساسية وأفقية، بمعنى أنها تنطبق بكيفية متبادلة على جميع فاعلي وفاعلات الحياة المدرسية. إنه (أي الاحترام) شيئا ما هيكلُ هذه الأخيرة وضامنٌ لجودة عملها. إنه كذلك ضامنٌ لتطبيق مبادئ الأخلاقيات éthique التي تسمح بتعايش coexistence وتساكن cohabitation الفاعلين والفاعلات السالفي الذكر.

من هذا المنطلق، يمكننا القولُ إن صفةَ الاحترام تعني، في نفس الوقت، التَّحلِّي بالمسؤولية. فالشخصُ المسئولُ له فعلا وعيٌ بأهمية قيمة "الاحترام" في إقامة علاقات طيبة بين أعضاء جماعة ما.

فيما يتعلق بالوسط المدرسي، أعضاء الجماعة المسماة "مدرسة"، هم المسؤولون التربويون، الجهاز الإداري، المدرسون والمتعلمون. إنهم، بكيفية أو أخرى، في حالة تفاعل دائم. إذا لم يَسُد بينهم الاحترامُ، تفقد الجماعةُ مبررَ وجودها وصحةَ أساسها. حينها، يُفتح الطريقُ للفوضى إن لم نقل لاختلال الوظائف.

بكل أسف، في أغلب الحالات وفي الوقت الراهن، بدأ الاحترامُ يفقد قيمتَه الاجتماعية في الوسط المدرسي، إذ غالبا ما نلاحظُ تجاوزا وخرقا لمبادئ الأخلاقيات ليس فقط من طرف المراهقين، ولكن كذلك، من طرف الراشدين.

ولكن لماذا بالفعل لم يعد للاحترامِ الوزنُ الذي كان يميزه سابقا، علما أنه يشكِّل قيمةً اجتماعيةً أساسيةً وضروريةً لتواصلٍ سليمٍ ومثمرٍ بين أعضاء الجماعة المدرسية؟

في نظري، الجواب على هذا السؤال بسيط : لقد مررنا من مثال مرجعي Paradigme كان يُكَنُّ الاحترامُ فيه لمؤسسةٍ إلى مثال مرجعي يُكَنُّ فيه الاحترامُ للأشخاص. وللتوضيح، عندما نقول إن على المتعلِّم احترامُ المدرِّس، فالاحترام ليس موجها لشخص هذا المدرس ولكن للمؤسسة التي يجسِّدها هذا الشخص. هذا إن كان المدرّس فعلا يجسِّد بحق هذه المؤسسة! فلهذه الأخيرة إذن قيمةٌ أخلاقيةٌ واجتماعيةٌ.

أخلاقية، لأنها أُنشِئت للإضطلاع بمهام سامية تتمثل في التعليم والتربية. اجتماعية، لأنها أُنشِئت من طرف، في و من أجل المجتمع. احترام المؤسسة هو إذن شرطٌ لا محيدَ عنه ومُسبَق لسَنِّ احترامٍ بين أعضاء الجماعة المدرسية.

والاحترام لا يجب أن يكون وحيدَ الاتِّجاه، وبالخصوص، من المتعلِّم إلى الراشد. لا قيمةَ له إلا إذا تمّت ممارستُه بكيفية متبادلة مع صون كرامة الطَّرفين، علما أن هذه الأخيرةَ لا سِنَّ لها. وبعبارة أخرى، يجب أن لا يُدرَكَ الاحترامُ كاستعلاء لشخص على آخر. حينها، يتحوَّل إلى خضوع وطاعةٍ عمياء. وفي هذه الحالة، لم تعدْ المؤسسةُ المدرسيةُ فضاءً للتربية والتَّعايش والتَّساكن ولكن فضاءً لممارسة الدغمائية dogmatisme.

لا ذكرَ للاحترام إلا إذا كان متبادلاً، و بدونه، تصبح التراتبية hiérarchie قضيةَ مُسيطِرين ومُسَيطرٌ عليهم dominants et dominés، أي السلطة بالمعنى الضيق للكلمة. المؤسسة المدرسية، كوسطٍ للتَّربية والتَّعليم، بمعناها السامي، يجب أن تكون بعيدةً كل البعد عن هذه الصورة.

عندما قلتُ أعلاه إن أعضاءَ الجماعة المدرسية في حالة تفاعل دائم، أقصد تفاعلا حول قضية سامية تتمثَّل في : تثقيف وتربية الأجيال الصاعدة لتسهيل اندماجها في الحياة الاجتماعية والنشيطة. بغضِّ النظر عن السِّن، كل سلوك وكل تصرّف صدر عن هذا أو ذاك من هؤلاء الأعضاء ويسيء للقضية السامية المذكورة، يجب وضعُه في خانة عدم احترام المؤسسة التعليمية.

وهكذا، إنه لا يحِقّ للمسئول التربوي وللمدرِّس وللمتعلِّم أن يُسَيِّدُوا قانونَهم الخاص ولكن قانونَ المؤسسة التعليمية، المعترفَ به والمقبولَ من الجميع. يجب عليهم أن يغادروا أنانيتَهم ليجسِّدوا، كما سبق الذكر، المؤسسة التعليمية. الحق في الاحترام لأي فرد، راشدا كان أم شابا أم طفلا، يجب أن يُمارَسَ في إطار احترام المؤسسة التعليمية.

انطلاقا من هذه الاعتبارات، ما هو وضع الاحترام، كقيمة، ليس فقط في الوسط المدرسي ولكن في المنظومة التربوية بشموليتِها؟

كيف يجب أن يُعَاشَ الاحترامُ في الوسط المدرسي؟

-الاحترام ميزةٌ (رمز) للمؤسسة كوسط عيشٍ جماعي وليس وسط عيش أفراد؛
-إنه واجبٌ على كل فردٍ ينشط ويتحرَّك في هذا الوسط؛
-لا معنى له إذا لم يكن متبادلا؛
-يجب أن يكونَ الاحترامُ مرادِفا للتَّسامح والاعتراف بالآخر؛
-على الأشخاص الذين ينشطون في الوسط المدرسي أن يُجسِّدوا المؤسسة التي لها قواعد سلوك code de déontologie؛
-عليهم أن يقبلوا هذه القواعد وأن يعملوا بها أثناءَ تفاعلهم مع الآخرين تاركين جانبا قواننَهم الشخصية؛
-احترام الآخر يتمُّ من خلال لغة لبِقة، مظهر لائق وسلوك ملائم؛
-الاحترامُ لا يأتي نتيجةً للقهر répression، إنه يُستَحق؛
-لا يجب الخلطُ بين الاحترام وقانون الأقوى؛
-الاحترام لا يتناقض مع السلطة التَّراتُبية autorité hiérarchique شريطةَ أن يتمَّ إدراكُ هذه الأخيرة كضامنٍ لنظامٍ وتناسُقٍ وسطَ الحياة المدرسية وليس كأداةٍ للتَّعسُّف oppression والإكراه contrainte.

ما يجب احترامه في الوسط المدرسي؟ يجب احترام :
-الأشخاص بغض النظر عن سنهم؛
-قواعد السلوك الجماعية؛
-الممتلكات (سيارات، أثاث، معدات، كتب، الخ)؛
-المرافق (أقسام، ساحات، ملاعب، حدائق، مراحيض، الخ).

ماذا على المؤسسة التعليمية أن تفعلَه للنهوض بثقافة الاحترام؟

عليها، من بين أشياء أخرى، أن :

-تُعْتبرَ كمكان للتثقيف، ولكن كذلك وبالأخص، مكان للتربية، للتّحرر، للتّفتّح وتَعلُّم المواطنة وروح المصلحة العامة؛
-تُعِدَّ مساطر سلوك واضحة تستجيبُ لحاجات تواصل سليم و مثمر؛
-تعملَ على سمو فكرة الحقوق والواجبات؛
-تستمعَ لجميع أعضائها؛
-تُشجِّعَ على الحوار؛
-تُرَوِّجَ للتَّسامح في اتجاه قبول الفوارق؛
-تعملَ على أن لا يكون الاحترام مستحقا حصريا للكبار ولكن كذلك، وبالأخص، للأطفال والمراهقين؛
-تعملَ على ارتقاء التربية الوطنية ليس كمادة دراسية ولكن كوسيلة للتّفتّح الاجتماعي؛
-تعطي أهميةً للفنون، وبالأخص، المسرح، من خلال تقمُّص الأدوار والمحاكاة simulation ...؛
-تُشجِّعَ الأطفالَ والمراهقين على الانخراط في مبادرات اجتماعية (جمعيات، تدبير الشأن العام، التَّطوُّع، الخ.).

ماذا يمكن أن تفعله السلطة الوصية على المنظومة التربوية للارتقاء بثقافة الاحترام في الوسط المدرسي؟

حسبَ رأيي الشخصي، ما يمكن فعلُه هو التّدخّل على مستوى تكوين المدرِّسين. في الوقت الراهن، أصبح غير كافي تكوينُ مدرسين يحيطون جيدا بتخصصهم و البيداغوجيا. لا يجب أن نكُفَّ عن القول بأن المدرِّسَ هو في نفس الوقت مُربّي. لا يمكن الاستغناء عن هذه المهمة بحكم أن الطفلَ والمراهقَ يقضيان جزأ مهما من حياتهم في الوسط المدرسي بعيدا عن رقابة أوليائهم وأسَرِهم. أليس لهم الحق في أن ينموا ويتفتَّحوا على المستوى الجسماني، الاجتماعي، الفكري، النفسي، المعرفي... أثناء هذه الفترة؟ للمدرِّس فعلا دورٌ في هذا الاتِّجاه. التربية على الاحترام تندرجُ في هذا السياق.

من أجل هذا، المدرِّسُ الجيد التكوين وكمواطن، من المُفترض أن يكون ملِمًّا ب :

-الإعلان العالمي لحقوق الإنسان؛
-الاتفاقية العالمية لحقوق الطفل؛
-حقوقه و واجباته كمواطن و مدرس؛
-كيفية تدبير الحياة الاجتماعية والصراعات؛
-كيفية التواصل مع الآخرين بطريقة ناجعة وسليمة.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى