د. أحمد الحطاب - حوارٌ بين وليِّ أمرٍ ومدرسٍ حول مسار ابنه في الدراسة

كثيرون هم آباء وأمهات المتعلِّمين أو أولياء أمورهم، الذين يتردَّدون على المدرسة، وبالأخص، على المدرِّسين لتتبُّع المسار الدراسي لبناتهم وأبنائهم. وحينما يتعلَّق الأمرُ بتراجع المستوى الدراسي لهؤلاء البنات والأبناء، فغالبا ما يدور حوارٌ بين المدرس وأولياء المتعلِّمين حول نقط ضُعف المتعلِّمين وحول الحلول الممكنة لتجاوز هذا الضعف. وحتى نبقى وفيِّين لمحتوى هذا النوع من الحوار، سأقدٍِمه، فيما يلي، باللهجة الدارجة. إليكم الحوارَ :

وليُّ الأمر : لَاحَظْتْ هَادْ لِيَامْ الوَلْدْ ضْعِيفْ فالدِّرَاسَ دْيَالُو
المدرس : خَاصُو يبْدا إركّز في القسم، وبالأخص، يَحْفَظْ الدًّرُوسْ دْيَالُو
وليُّ الأمر : ولكن راه كنظن راه ماشي هذا هو المشكل. المشكل راه كيركّز ولكن ماكيفهمش مزيان
المدرس : آشْ بْغَيْتِنِي نْدِيرْ لِيهْ إِلَا مَا كَيْفْهَمْشْ؟
وليُّ الأمر : كِيفَاشْ أًأُسْتَاذْ؟ ساعْدُو باش يفهم!
المدرس : رَانِي كَنْشْرَحْ لِهُمْ الدُّرُوسْ كَامْلِينْ إلَا مَا كَيْفْهَمْشْ مَا عَنْدِى مَا نْدِيرْ لِيهْ
وليُّ الأمر : حتى أنا راني كنعيا معاه باش يحْفظْ الدروس ديالو في المنزل. دابا أشنو المعمول أَأُستاذ؟
المدرس : دِيرْ لِيهْ اسْوَايْعْ الإِضَافِيَ!
وليُّ الأمر : إلا غيتحل المشكل، ندير ليهْ السوايع الإضافيَ!

تحليل الحوار

استنتاج عام
إن هذا الحوار، رغم قِصره، يُلخِّص وحده أزمةَ المدرسة المغربية. وباختصار، سواءً تعلَّق الأمرُ بوليِّ الأمر أو بالمدرس، بالنسبة لهما، المدرسة هي مدرسةُ الحِفظ mémorisation والاستظهار restitution. وهذا شيءٌ يلاحَظ فيما تتداوله الأسرُ والمجتمعُ من أحاديث حول المدرسة. من بين هذه الأحاديث، نسمع مثلا، على مستوى الأسَر، جملاً من قبيل : "واش حْفَظتِ دروسك"، نوض تحفظ"، "بَرَكَ من اللعْبْ ونوض تحفظ"...

بصفة عامة، الأسرُ والمجتمع يتمثَّلون se représentent المدرسةَ كمكان سرُّ وجوده هو الحِفظ والاستظهار. والدليل على ذلك أن وليَّ الأمر، عندما أراد أن يستفسرَ عن مسار ابنه في الدراسة، كان رد فعل المدرس التلقائي أنه يجب على ابنه أن يحفظ دروسَه. وحتى وليُّ الأمر، الذي اهتم بمشكل ابنه في مجال الفهم، قال، في آخر المطاف، إنه تَعِبَ من حَثِّ ابنِه على حفظ دروسه. يُستنتجُ من كل هذا أن مُهمة ابنه (المتعلم) الأساسية ، خارج القسم وقبل أن يعود إليه، هي الحفظ والاستظهار.

الاستنتاجات الأخرى
1.مهمة المدرس هي التعليم enseignement وليس مساعدة المتعلم على التَّعلُّم apprentissage علما أن التُّعلم هو الطريق الذي يؤدي للفهم والإدراك. وإذا كانت مهمة المدرس هي التعليم، فهذا يعني أنه فقط يبلغ المعرفة. غير أن التعليم، إن لم يكن وسيلةً تربويةً moyen éducatif لتقوية قدرة التَّعلم، فإنه يُرْغِمُ المتعلمَ على اللجوء إلى الحفظ في غياب الفهم والإدراك.

2.أولا، حين قال المدرس "مَا عَنْدِي ما ندير ليه"، فإنه بتصرفه هذا، يضرب عرض الحائط مبدأ تكافؤ الفرص égalité des chances الذي هو قيمة أساسية ترتكز عليها المنظومة التربوية. عملا بهذا المبدأ، من المفروض أن يسعى المدرسُ، من خلال تدريسه، إلى المساواة بين المتعلمين لسدِّ ما بينهم من تفاوتات من حيث التَّعلُّم بالخصوص. غير أن المدرسَ أبدى استعدادَه بكيفية غير مباشرة لتطبيق مبدأ تكافؤ الفرص ولكن خارج المدرسة وبمقابل. ثانيا، المدرس لا يأخذ بعين الاعتبار التَّفاوتات الموجودة بين المتعلِّمين من حيث التَّعلُّم حينما يكون منهمِكا في شرح الدَّرس. وهذا يعني، بالنسبة للمدرس، أن قدرةَ التَّعلُّم capacité d'apprentissage متساوية لدى جميع المتعلِّمين. وهذا خطأٌ لأن قدرةَ التَّعلُّم لها ارتباطٌ بالظروف الاجتماعية والاقتصادية التي ترعرع ويترعرع فيها المتعلِّمُ.

3.لم يفكر المدرس ولو هنيهة واحدة في أن الإبنَ (المتعلِّم) يعاني من مشكل في التَّعلم، وإن لم يفلح هذا المدرسُ في اكتشاف هذا المشكل، فالإبن وحده هو المسئول وليس قطعا طريقة تدريس المدرس وبيداغوجيتُه وتواصلُه مع المتعلمين، ولا كيفية شرحِه وتبليغه للمعرفة وتكوينه... وهذا يعني أن المدرس دائما على صواب حينما يكون مُنْهَمِكا في العملية التعليمية التعلمية.

4.ما يبدو مهما من خلال هذا الحوار هو هيمنة المدرس والمعرفة داخل الفصل. أما المتعلم فمهمتُه الأساسية هي الإنصاتُ والخضوعُ لتعليمٍ يُتوَّجُ، في أحسن الظروف، بالحفظ والاستظهار. إنه تعليمٌ، أقل ما يمكن أن يقال عنه هو أنه قهري contraignant، أو بعبارة أخرى، المتعلِّم هو الذي يجد نفسَه مسخَّرا للتعليم وليس العكس.

5.ولي الأمر مُستعد للتضحية ليضمنَ تَفَوُّقَ ابنه في الدراسة. وهذا يعني أنه لا حولَ ولا قوَّةَ له إلا قبول الأمر الواقع، أو بعبارة أخرى، قبول واقع التعليم الذي أصبح موضوعَ متاجرةٍ واتِّجارٍ، أي أصبح عبارةً عن سلعة تُباعُ وتُشترى.

وبكلام أوضح، البيع يجد مصدرَه داخل المنظومة التربوية نفسها، الشيء الذي أدى إلى تكاثر البائعين، أفرادا وجماعات. أما المشترون، فهم الميسورون، أي القادرون على أداء ما يفرضه البائعون من أسعار.

وبصفة عامة، فإن هذا الحوار يفرض علينا طرحَ أسئلة كثيرة منها على سبيل المثال :

-أين دور المدرسة في التعليم والتعلم والتربية؟
-إين روح المواطنة والقيام بالواجب؟
-أين المدرس الذي تحدث عنه أحمد شوقي؟
-أين هي المِهَنية professionnalisme؟
-أين أخلاق المهنة déontologie ou éthique de la profession؟
-أين القيم؟ (تكافؤ الفرص، حق المتعلم في الفهم والإدراك وإلا لماذا يتردَّدُ على المدرسة؟)
-ماذا يريد المجتمع : مدرسة التَّفتُّح والتَّحرُّر أم مدرسة البَبْغَائِيَةِ Psittacisme!
-ما هو موقع المدرسة من المجتمع؟
-أهو ظلم حينما تُرَتَّبُ المدرسة المغربية عالميا في آخر المراتب؟
-هل المدرسة تُكَرِّسُ فعلا مبدأ تكافؤ الفرص أم أنها تُعَمِّقُ فوارق التَّعلُّم différences d'apprentissage؟
-هل المدرسة تتفاعل مع الأسر لتلعبَ دورها كاملا؟
-هل الذين يبعثون أبناءهم للمدارس الخاصة مخطئون أم أنهم أدركوا فعلا عدم جدوى المدرسة العمومية في أداء مهام التَّعَلُّمِ والتَّرْبِيَةِ؟
-أين الجودة؟
-أين، ماذا، ما، هل...

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى