محمد الدويمي - ليالي شتوية.. "المَرْدودْ" تاج الأطباق ليلة "النايَرْْ"، ونواة التمر لمحظوظ العائلة...

يزخر فصل الشتاء بصور عدة جميلة..
سأوقظها من مرقد النسيان، وأترك العنان لعبق الذكريات يحتضن الحاضر ويرسم لوحة تعيد الروح للحظات التي لن تتكرر..
سأحتفظ بأسماء الأشياء وأصلها كي تبعث الدفء في الذاكرة..
أتركها كما كنا نرددها حتى لا أخدش كبرياء الماضي..
إنه "النايَرْ" أو "حاجوجا"..
بعد العصر بقليل، شرعت جدتي في تحضير المَرْدودْ رغم أنها بلغت من الكبر عتيا..
أرادت أن تستعرض بعضا من مهاراتها في فن الطبخ التقليدي الخاص بمثل هذه المناسبات..
شمرت عن ساعديها..
وضعت قصعة خشبية كبيرة أمامها يحيط بها كل ما يلزم هذه الأكلة الشعبية من ماعون وتوابل وقطاني وسمن و"لكْليلَة"...
أصرت أن تطهو بالحطب على الكانون و"المنصَبْ" وليس على "الفورْنو" الذي يشتغل بالفحم..
أما الوالدة فاكتفت بدور المساعدة...
انتشر عبق "الدّْهانْ" في أجواء البيت..
انطلق أريجه مخترقا الأجواء الباردة فوصلت نسائمه عدة أمتار في الخارج..
قبل المغرب، أتى الوالد محملا ببعض المكسرات والفواكه الجافة..
وضعتها الوالدة بانتظام في طبق من الحلفاء..
خبأته بعيدا عن أعيننا وأيدينا نحن الصغار..
بعد المغرب، جلسنا قرب الفورْنو يحتضننا بدفئه وحاستي شمنا وبصرنا ترفرفان حول لَخْديمَة التي بدأت ترسل إشارات قرب جاهزية "المَـرْدودْ"..
أحطنا بالقصعة المملوءة عن آخرها من كل جانب.. ولكي تحفزنا الجدة على الأكل، قالت لنا بأن فيها حبات من نوى التمر ومن جمع أكبر عدد منها سيكون محظوظا هذا العام..
أكلنا حتى شبعنا وما بقي منه، وزعته علينا مناصفة على شكل "حَرّيفْ"..
بعد استراحة وجيزة، وضعت الوالدة طبق الحلفاء المزهو بمحتوياته أمام جدتي لكونها هي الأكبر.. أعطت نصيبا متساويا لكل فرد منا.. حتى الرضيع خصصت له نصيبا سلمته لمرضعته...
اتخذتُ لي مكانا بالقرب من الجدة.. أعلم جيدا أن بـلّوطْ النصارى والتين الجاف لا يطربانها لهذا سأقايضها بدلهما "القاوْقاوْ" الذي تحبه .
وبما أن فم جدتي لا أضراس وأسنان به، فإنها استعانت بدَقّاق ومَهْراز فتتت بهما نصيبها من المكسرات وبدأت ترسله على دفعات بالملعقة إلى فمها..
وكل ناير وأنتم بألف خير

محمد الدويمي

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى