د. أحمد الحطاب - علم النفس التَّربوي، توفيق بين البيداغوجيا وعلم نفس المتعلِّم

علم النفس التربوي psychopédagogie عبارة عن دمج بين البداغوجيا وعلم النفس (علم نفس الطفل والمراهق على الخصوص). وهو ما يوفِّره هذا الأخير من سندٍ ودعمٍ على المستوى العلمي للبداغوجيا. وهو فرعٌ من علوم التَّربية، وبالضبط، فرعٌ من علم نفس التَّربية psychologie de l'éducation. وهذا الأخير يهتمُّ بدراسة وتطوير وتطبيق نظريات التَّعلُّم على أرض الواقع، أي بالأخص، في الوسط المدرسي. ويهتمُّ، كذلك، من منظور علمي نفسي، بدراسة المؤسسات التعليمية والتربوية والطرائق والأساليب والسياقات والمعدات matériel… التي تستعملها من أجل تسهيل عملية التَّعلُّم…

وبعبارة أخرى، علم النفس التربوي، الذي هو جزءٌ لا يتجزَّأُ من علم نفس التربية، هو نوعٌ من علم النفس التَّطبيقي psychologie appliquée، هدفُه الأساسي هو التَّصدي لكل ما من شأنه أن يُعيقَ التَّعلُّم عند الأطفال والمراهقين.

ولقد سبق أن قلتُ في مقالات سابقة أن الطفلَ، قبل التحاقه بالمدرسة، يبني construit تمثُّلات تلقائية représentations spontanées تمكِّنه من التفاعل مع الوسط الذي يعيش فيه، بما في ذلك الوسط الأسري. وقد قلتُ أيضا أن الطفلَ، عندما يلتحق بالمدرسة لأول مرة، فإنه يعاني من صراعٍ conflit يحدث بين تمثُّلاته التلقائية وما توفِّره له المدرسةُ من معرفة منظمة وعقلانية.

وقد سبق أن قلتُ، كذلك، في إحدى مقالاتي أن الظروف الاجتماعية والاقتصادية والأسرية لها تأثيرٌ، في الاتجاه الإيجابي أو في الاتِّجاه السلبي، على قدرة المتعلمين على التَّعلُّم. فظروف الطفل الذي يعيش في وسط فقير ليست هي ظروف طفل يعيش في وسطٍ ميسور. وظروف الطفل الذي يعيش في وسط أسري مثقَّف و واعي ليست هي ظروف طفل يعيش في وسط أسري أمي وغير واعي… المقصود ب"واعي" هنا، هو إدراكُ، بكيفية عقلانية وعن دراية وسابق معرفة، الأمورِ التي تدور مُجرياتُها في الوسط الذي يتفاعل معه شخصٌ ما. والوعي يقتضي أن كل ما يجري في الوسط المذكور له مسبِّبات وله نتائج. أما ضعفُ الوعي أو عدمُه، فهو ناتجٌ، في غالب الأحيان، عن القيل والقال colportage والتقليد الأعمى imitation aveugle والنمطية stéréotypes…

علم النفس التَّربوي هو الذي يسعى، بالتَّدريج، لإزالة التَّمثُّلات التلقائية، المشار إليها أعلاه، لتحُلَّ محلَّها المعرفة المدرسية المنظمة والعقلانية. وعندما أقول معرفة عقلانية، فالأمر يتعلَّق بمعرفة ناتِجة عن التفكير والتَّحليل والتركيب والاستنتاج والتَّجريب والمقارنة والاستنباط والاستقراء… وعلمُ النفس التَّربوي هو الذي يدرس، عبر التَّجريب expérimentation، تأثيرَ الفوارق الاجتماعية والاقتصادية على قدرة التَّعلُّم.

وفي نهاية المطاف وكما سبق الذكرُ، علمُ النفس التربوي هي الأداة أو الوسيلة التي، من المفروض، أن يلجأَ لها المدرِّسون لتسهيل التَّعلُّم من طرف الطفل والمراهق. وعلم النفس التَّربوي هو، كذلك، الوسيلة التي، بواسطتها، يتمُّ تحريرُ émancipation المتعلمين فكريا واجتماعيا، وتتِم كذلك تقوية رغبتُهم leur désir في التعلُّم. ولهذا، فمن الضروري أن يتضمَّن تكوينُ المدرسين إحاطةً بعلم النفس التَّربوي لِما يوفِّره لهم من معطيات علمية تُمكِّنُهم من تكييف أساليبِهم البيداغوجية مع نفسية المتعلِّمين. كما تمكِّنهم من الاطلاع على نُقََط الضعف التي قد تعترض تعلُّمَ بعض المتعلِّمين.

وبعبارة أوضح، يتعلق الأمر باستعمال السند العلمي الذي يوفِّره البحثُ ليتم التوفيق بين البداغوجيا وعلم نفس الطفل والمراهق أو لتكييف البداغوجيا مع نمو الطفل والمراهق وبالخصوص مع نمو قدرته على التَّعلُّم والإدراك والمعرفة développement cognitif. وحينما نتحدث عن نمو قدرة الإدراك والمعرفة، فالأمر يتعلق بنمو مَلَكَةِ بناء المعرفة أو التعرُّف على الأشياء بواسطة قدرة المعرفة cognition.

ومن البديهي أن نقول إن هذه القدرة أو المَلَكَة ليست متشابهة عند الطفل والمراهق والراشد. علم النفس التربوي يحث المدرس/المربي على أخذ هذه الفوارق بعين الاعتبار أثناء ممارسة العملية التعليمية التعلمية.

فعليه أن يصيغَ بداغوجيا تمكِّن من تكييفٍ تدريجي للبنيات الدماغية structures cérébrales للطفل والمراهق مع التعَقُّد التَّدريجي للمعارف complexité progressive du savoir. وهذا يعني تسهيل مَلَكَة بناء أو إعادة بناء المعرفة، أي تسهيل امتلاكها (استبطانها) من طرف الطفل والمراهق حسب سنهما، ;في نهاية المطاف، تسهيل التَّعلُّم.

وهكذا، يجب أن تتكيَّف عمليةُ التعليم والتَّعلم مع سياقات processus قدرة الإدراك والمعرفة التي يستعملها الطفلُ والمراهقُ للفهم compréhension والاستبطان appropriation علما أن هذه السياقات تتطوَّر باستمرار من الطفولة إلى سن الرشد.

فعِلم النقس التربوي يتوسط بين المدرس (كبداغوجي pédagogue، مثقِّف instructeur ومربي éducateur) والمتعلِّم (فرد في طور النمو) لتسهيل هذا التطور وتوفيقه مع قدرة الإدراك والمعرفة. يُعتبر المدرسُ، في هذه الحالة، حجر الزاوية في هذه الوضعية. أسلحتُه هي البداغوجيا والديداكتيك والمعرفة بينما تتمثل مهارتُه في قدرته على صَهْر، تنظبم ومَزْجِ هذين السلاحين لجعلِهما أداةً بنَّاءةً لقدرة الإدراك والمعرفة (التَّعلُّم).

وعلمُ النفس التَّربوي هو الذي يمكِّن الطِّفلَ والمراهقَ من الانتقال من التفاعل التلقائي (الساذج) إلى تفاعلٍ عقلاني ناتجٍ عن معرفة منظَّمة. وهذا الانتقال يُعد مرحلة من مراحل بناء شخصية الطفل والمراهق. كما يُعتبَر كذلك أول خطوة في بناء مستقبل المتعلمين.

وباختصار، علمُ النفس التَّربوي يساعد، من خلال التَّعليم، الأطفالَ والمراهقين على تقوية راحتهم النفسية فيما يخصُّ التَّعلُّمَ، وذلك، بالاستجابة لحاجياتهم المتمثِّلة في تحسين مردوديتهم المدرسية، وبالتَّصدي لكل السلوكات التي، من شأنها، إعاقة هذا التَّعلُّم. وفضلا عن كل هذا، علم النفس التَّربوي يُقَوِّي ثقةَ الأطفال والمراهقين بأنفسِهم، وبالتالي، يُقوِّي رغبتَهم في التَّعلُّم والفهم والإدراك.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى