شهادات خاصة محمد عيد إبراهيم - طقوس الكتابة [آخر نص كتبه الراحل]

لكلّ كاتب صيغة معينة في حياته قد يبدأ الكتابة معها وفيها. بعضهم يكتب في أي ظرف معيشي، وبعضهم يمضي إلى مكان محدّد، أما أنا فلا بدّ أن يكون الجوّ حولي هادئاً مرتباً نسبياً، لكن حولي الكتب، لا يهم أي كتب، لكن مجرد وجود الكتب يؤنسني ويهيئ لي نفسي، حتى أرتب كل ما في داخلي.
هناك طبعاً (القصائد الهبات) كما قال عنها إليوت، وهي التي (تهبط) عليك ولا تستطيع معها شيئاً، وليس لك أن تغير فيها حرفاً، هذا غير طبيعتي في كتابة الشعر، حيث أكتب وأنظر فيما كتبت مرة ومرات، حتى أرضى عن النص أو يرضى هو عني فلا يعود بي حاجة إليه، الشعر عموماً يأكل روحك حين تكتبه، وعليك أن تهضم أحواله غير المطمئنة غير الثابتة غير المضمونة، وقد يقطع عليك شيء بسيط تفكيرك وأنت تكتب فلا يعود بعدها أبداً، وتموت القصيدة في مهدها، هي عموماً لا تموت نهائياً بل يتم لها نوع من (التحويل) أو (التسامي) بدرجات ما، أو حتى (التناسخ) من جديد في شكل آخر وهيئة أخرى.
الشعر في النهاية، إن كان ثمة نهاية، مثل المرأة الناعمة، كائن خطير، فهي قد تستحيل إلى ذئب في لحظات، لتستكين ثانية، لكن إلى حين، فعليك دائماً أن تستعدّ، تكون أعصابك على وتر مشدود، لكن دون أن ينقطع، حتى لا تخسر كل شيء.


* [شهادة قدمها الشاعر لأسبوعية «الطريق» المغربية، قبل أسبوع من دخوله المستشفى]

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى