حيزيا.... أوبرا حيزيا
كيف لتلك القصّة القديمة المغيّبة قصدا أن تستفيق مجددا وتُبعث من مرقدها ، وأن تولد من رحم مخطوطة كاد يتجاوزها الزمان ، وكيف لقصّة منسيّة أن تستجيب لنداءات خفيّة مطالبة حقّها بالخلود والبعث من جديد ...؟
لعلّها نظرية استنساخ العشّاق التي تنسخ لنا عاشقا جديدا يكتب ملحمة حيزيا بالقلم والوتر ، و يسردها بالكلِم والنّغم . و كأنّ الأقدار توحي بتواطؤ مباح بين الموسيقى والكلمة ، فتستنطق صمت الزمان و تحرّك هدأة المكان ، وبين زفير المذبوح وشهيقه ، تنبثق قصة جميلة ترويها ميرا ونغمة اجمل يعزفها وتر الإمزاد الذبيح ، ليسافرا بنا في رحلته إلى مرافئ الإمتاع . و يشدّ انتباهنا منذ البداية إلى أن البعد الموسيقي الفلسفي يؤثث هذا العمل الذي تجسّد في رواية "حيزيا" للروائي الجزائري واسني لعرج الذي تكاد تميّز أغلب أعماله الروائية ثيمات المكان والمرأة والموسيقى .
إنّ توظيف الموسيقى في الأعمال الروائية للكاتب الاعرج يعاز إلى ثقافته الموسيقية، فهو لا يكتب من فراغ، فالشخصيات والأحداث التخييلية ما هي إلاّ تشظيات لانفجار ابداعي ينزاح عن المألوف و يستجلي الظليل من شخصيته ، فالموسيقى بالنسبة للاعرج لغة كونية وشيفرة سردية لا مناص من حضورها في الرواية . إنها سطوة الوتر في مواجهة الضجر ، ومن منظور فلسفي فإنّ الموسيقى تتجاوز الصور إلى ما هو جوهري التحليق نحو الخلود ، فلا يترك كاتبنا مجالا للتشكيك بقناعة ان الفنون قبس من قيم الكون الخالدة الممتدة في سرمد الزمان لا تخضع لمقاييس القطر و المكان . إنّ شغف الأعرج بالموسيقى يتجلىّ في معظم رواياته كنوع من الذوق الفني الجمالي ، اذ تجد الرابط الوثيق بين هاته الأخيرة و الكلمات التي تخترق روح الشخصيات وتحرق الشُّر بداخلها كنوع من التطهير و السمو الصوفي في المتخيل السردي، فتقودنا قناعاتنا إلى التفكير في أن فعل الكتابة عند واسيني لعرج هو نوع من التهجّد الفكري ، وأنّ إقحام الموسيقى ضرب من التسامي الروحي
بالانفعالات البشرية نحو ترانيم الخلود .
إنّ كاتبنا و عبر رواياته العازفة إنّما يمتطي الفنّ كي يعانق أحلامه و ينتشي بزيغها عن المألوف . فيستعير صفة الخلود و يصبّها في شخصية خالد الوجه الجلي الذي يشقّ طريقه نحو تحقيق الحلم ، حلم إماطة اللّثام عن حقيقة حيزيا ، واستحضار المغيّب قصدا واستنطاق المسكوت عنه في القصة ، فالتاريخ يعيد نفسه باستبدال الزمان والمكان وقد كان الاعرج هو ذاته من أنصف مي زيادة بالبحث عن حقيقة مأساتها ، يدرك مبدعنا تماما أن الخلود لن يكون إلاّ في السير وفق الحقّ والخير والحبّ و الجمال ، و يقتبس من فلسفة الوجود فيحاكي نظرية البعث ويخرج الحيّ من الميّت ، باستنطاق النغم الحي من وتر ذبيح ، وتر الإمزاد ….لالّة ميرا وهي تعزف على وتر الإمزاد إنّما تبلغ رسالة لا يفهما إلاّ خالد ، إنّها الحقيقة الكامنة تحت سرادق النورانية وحجب العرفان والفيض المقدّس ، أماّ أنغام وترها الذبيح فتروي قصّة لا يمكن تفسيرها إلاّ بالرمز الذي لا يؤوّل إلا بفلسفة الموسيقى التي هي بدورها فرع من الميتافيزيقا و الأنطولوجيا .فلسفة انبثاق الكثرة عن الواحد ، هذا الوتر الواحد الذي تنشطر منه سبع نغمات ( اوكتفات) ، أليس هذا الانبثاق محاكاة للطبيعة والكون ، الواحد (الله) الذي انبثقت عنه سبع سماوات وسبع أراضين ، والمجرّة التي تسبح بها سبعة كواكب ، والأسبوع ذو السبعة أياّم .......يرى واسيني لعرج متقمّصا شخصية خالد أنّ هذا الإصغاء لعزف العارفة "ميرا" يجعلنا نسبح في ملكوت الكون و تداخل متناقضاته ، و تحسّس مواطن الدّهشة فيه . فتصدح الموسيقى بما لم يجرؤ صمتنا الصّدح به . يطمح خالد إلى تأليف "أوبرا حيزيا" على غرار أوبيرا السيدة بترفلاي "فراشة" ، و يرى أنّها الطريقة الأكثر إبداعا و أمانا و عمقا لنقل رسالة تتجاوز الكلمات . فهل يمكن لهذا الإبداع الموسيقي الطرقي البدوي الغربي أن يظلّ عصيّا على النسيان، حيّا في الوجدان ؟ وهل يمكن أن يلتقي الإمزاد الشجي مع التشيللو القوي ويشكلان جمالا مسموعا ؟ وهل بالإمكان تطويعهما وتحقيق فكرة التّلاقي و الخلود .....؟
كيف لتلك القصّة القديمة المغيّبة قصدا أن تستفيق مجددا وتُبعث من مرقدها ، وأن تولد من رحم مخطوطة كاد يتجاوزها الزمان ، وكيف لقصّة منسيّة أن تستجيب لنداءات خفيّة مطالبة حقّها بالخلود والبعث من جديد ...؟
لعلّها نظرية استنساخ العشّاق التي تنسخ لنا عاشقا جديدا يكتب ملحمة حيزيا بالقلم والوتر ، و يسردها بالكلِم والنّغم . و كأنّ الأقدار توحي بتواطؤ مباح بين الموسيقى والكلمة ، فتستنطق صمت الزمان و تحرّك هدأة المكان ، وبين زفير المذبوح وشهيقه ، تنبثق قصة جميلة ترويها ميرا ونغمة اجمل يعزفها وتر الإمزاد الذبيح ، ليسافرا بنا في رحلته إلى مرافئ الإمتاع . و يشدّ انتباهنا منذ البداية إلى أن البعد الموسيقي الفلسفي يؤثث هذا العمل الذي تجسّد في رواية "حيزيا" للروائي الجزائري واسني لعرج الذي تكاد تميّز أغلب أعماله الروائية ثيمات المكان والمرأة والموسيقى .
إنّ توظيف الموسيقى في الأعمال الروائية للكاتب الاعرج يعاز إلى ثقافته الموسيقية، فهو لا يكتب من فراغ، فالشخصيات والأحداث التخييلية ما هي إلاّ تشظيات لانفجار ابداعي ينزاح عن المألوف و يستجلي الظليل من شخصيته ، فالموسيقى بالنسبة للاعرج لغة كونية وشيفرة سردية لا مناص من حضورها في الرواية . إنها سطوة الوتر في مواجهة الضجر ، ومن منظور فلسفي فإنّ الموسيقى تتجاوز الصور إلى ما هو جوهري التحليق نحو الخلود ، فلا يترك كاتبنا مجالا للتشكيك بقناعة ان الفنون قبس من قيم الكون الخالدة الممتدة في سرمد الزمان لا تخضع لمقاييس القطر و المكان . إنّ شغف الأعرج بالموسيقى يتجلىّ في معظم رواياته كنوع من الذوق الفني الجمالي ، اذ تجد الرابط الوثيق بين هاته الأخيرة و الكلمات التي تخترق روح الشخصيات وتحرق الشُّر بداخلها كنوع من التطهير و السمو الصوفي في المتخيل السردي، فتقودنا قناعاتنا إلى التفكير في أن فعل الكتابة عند واسيني لعرج هو نوع من التهجّد الفكري ، وأنّ إقحام الموسيقى ضرب من التسامي الروحي
بالانفعالات البشرية نحو ترانيم الخلود .
إنّ كاتبنا و عبر رواياته العازفة إنّما يمتطي الفنّ كي يعانق أحلامه و ينتشي بزيغها عن المألوف . فيستعير صفة الخلود و يصبّها في شخصية خالد الوجه الجلي الذي يشقّ طريقه نحو تحقيق الحلم ، حلم إماطة اللّثام عن حقيقة حيزيا ، واستحضار المغيّب قصدا واستنطاق المسكوت عنه في القصة ، فالتاريخ يعيد نفسه باستبدال الزمان والمكان وقد كان الاعرج هو ذاته من أنصف مي زيادة بالبحث عن حقيقة مأساتها ، يدرك مبدعنا تماما أن الخلود لن يكون إلاّ في السير وفق الحقّ والخير والحبّ و الجمال ، و يقتبس من فلسفة الوجود فيحاكي نظرية البعث ويخرج الحيّ من الميّت ، باستنطاق النغم الحي من وتر ذبيح ، وتر الإمزاد ….لالّة ميرا وهي تعزف على وتر الإمزاد إنّما تبلغ رسالة لا يفهما إلاّ خالد ، إنّها الحقيقة الكامنة تحت سرادق النورانية وحجب العرفان والفيض المقدّس ، أماّ أنغام وترها الذبيح فتروي قصّة لا يمكن تفسيرها إلاّ بالرمز الذي لا يؤوّل إلا بفلسفة الموسيقى التي هي بدورها فرع من الميتافيزيقا و الأنطولوجيا .فلسفة انبثاق الكثرة عن الواحد ، هذا الوتر الواحد الذي تنشطر منه سبع نغمات ( اوكتفات) ، أليس هذا الانبثاق محاكاة للطبيعة والكون ، الواحد (الله) الذي انبثقت عنه سبع سماوات وسبع أراضين ، والمجرّة التي تسبح بها سبعة كواكب ، والأسبوع ذو السبعة أياّم .......يرى واسيني لعرج متقمّصا شخصية خالد أنّ هذا الإصغاء لعزف العارفة "ميرا" يجعلنا نسبح في ملكوت الكون و تداخل متناقضاته ، و تحسّس مواطن الدّهشة فيه . فتصدح الموسيقى بما لم يجرؤ صمتنا الصّدح به . يطمح خالد إلى تأليف "أوبرا حيزيا" على غرار أوبيرا السيدة بترفلاي "فراشة" ، و يرى أنّها الطريقة الأكثر إبداعا و أمانا و عمقا لنقل رسالة تتجاوز الكلمات . فهل يمكن لهذا الإبداع الموسيقي الطرقي البدوي الغربي أن يظلّ عصيّا على النسيان، حيّا في الوجدان ؟ وهل يمكن أن يلتقي الإمزاد الشجي مع التشيللو القوي ويشكلان جمالا مسموعا ؟ وهل بالإمكان تطويعهما وتحقيق فكرة التّلاقي و الخلود .....؟