حدثني صديقي، قال:
منذ عشرين عاماً كنت أسكن جهة درب سعادة. ذلك الحي القديم ذو الشارع الضيق والمباني المتزاحمة الأثرية. وكنت إذ ذاك في التاسعة عشرة من عمري أحضر لإمتحان الشهادة الثانوية. وفي أوقات فراغي كنت أجلس أمام البوابة أتفرج على الرائح والغادي. وكان يمر أمام الدار (من وقت لآخر) شيخ بملابس بسيطة ضامر الوجه، بلحية خفيفة فيها آثار الشيب ظاهرة. هادئ المشية. يسير في وقار. منكس الرأس على صفارته يناجيها بألحان شجية. فكنت استوقفه وأطلب منه أن يسمعني شيئاً من أنغامه. وكانت جميع ألحانه تحوي كثيرا من معاني اليأس والحنو. ولاحظت أنه قنوع يرضى بالقليل. وكان إذا استرسل في صفيره خيل لك أن الصفارة تتكلم وتنوح كأنها تحاول أن تفشي سراً! وهو على طهارة قلبه ومظاهر الصلاح الناطقة على وجهه، لا يؤدي أي فرض من فروض الصلاة، ولا يذهب إلى الجامع مطلقا! ولا يتكلم عن شيء اسمه مغفرة ورحمة. وإذا ذكر اسم الله أمامه طأطأ رأسه ذليلا، وتمتم بألفاظ متقطعة غير مسموعة!.
وتوثقت بيني وبين الشيخ ألفة ساذجة. وحاولت أن استوضحه حقيقة آلامه فلم يرض أن يبوح لي بشيء. فاحترمت رغبته وصممت أن لا أفاتحه في هذا الموضوع. وظل الرجل وقتا ما لغزاً لا أستطيع الوصول إلى حله. ومرت الأيام والشيخ يزورنا مرة في الأسبوع فأحظى منه بألحان شجية، وحديث هادئ جميل!. وكان يسترسل في الكلام بعض الأحيان فتفلت منه من غير وعي جمل وكلمات بدأت تكشف لي شيئا من سره. وكان ينشد لي كثيراً من المواويل الريفية في الحب والتشبيب بالنساء وكان إذا لفظ كلمة (الغيط) لفظها مفخمة منغمة واتسعت عيناه ولمعت بوميض غريب. واتسع صدره وتمددت طاقتا أنفه وهو يستنشق في شغف الهواء الذي يحسبه هواء الريف. ثم يعقب ذلك تنهد حار عميق، ومناجاة طويلة لصفارته وباغته ذات يوم بقولي:
- اقسم بالله لقد اكتشفت سرك يا شيخ (عفا الله)! فارتعد مذعوراً. وأتممت كلامي:
- انك فلاح من الريف
فنظر ألي بحيرة وقال بعد تردد:
- وهل أستطيع أن أنكر (أصلي)!
- وانك تتألم من حب دفين.
فأمسك بيدي وشد عليها، وقال:
- اسكت يا سيدي، اسكت:
- وانك ارتكبت معصية كبرى، وتريد التكفير عنها
فامتقع وجهه ونظر ألي محملقا، وقال:
- أعالم سري. .؟ أعالم سري؟. .
وأخذت استدرجه في القول حتى لان. وبدأ يروي لي قصته كالآتي:
لم اكن أدعى بالشيخ (عفا الله) فيما مضى، بل كنت اعرف (بسرحان) وهو اسمي الحقيقي، وكان لي أخ يدعى (محمد الرخ) كان إماما لمسجد القرية التي نشأت فيها. وكان قد تجاوز الأربعين، بينما كنت في السابعة عشر. أو كنت اعتبره كأبي واحبه حبا عظيما وكان هو الآخر يحبني كابن له: وقد حفظني القرآن وعلمني أصول الدين وأشركني معه في خدمة المسجد. وكنت قد بدأت أتعلم الصفير في ذلك العهد على شيخ طريقة مجذوب يجيد التوقيع على الصفارة وإنشاد القصائد الصوفية. ولما برعت في الصفير كان يلتف حولي على باب الجامع. بعد العشاء. جمع كبير من الفلاحين يستمعون إليَّ.
وكانت زوجة أخي قد توفيت منذ عام، فتزوج بفتاة في الخامسة عشر لم تقع عيني على املح منها. لها جاذبية غريبة سحرتني وخبلت عقلي. رأيتها للمرة الأولى فلم أتمالك أن أحببتها حبا تملك على جميع مشاعري وكبلني بالرغم مني بقيود ظالمة لم استطع التخلص منها. وخجلت من نفسي ومن أخي واعتبرت هذا الحب الشائن اكبر خيانة لذلك الشخص الذي وهبني حنانه وإخلاصه وثقته، وأردت أن أحطم هذه العاطفة الذميمة، ولكني لم استطع فكتمتها في قلبي ولم أبح بها الا لصفارتي! فقد كانت عزائي الوحيد في نكبتي.
وكنت أتعمد أن لا أخلو بزوجة آخي أتحاشى أن أكلمها إلا في الأمر الضروري. وكنت امكث بعيدا عن الدار في فحمة الليل، أناجي حبي بالحان الشكاية والنوح. وحدث مرة أن كنت في موضع خلوتي غير بعيد عن الدار، اصفر في شبه غيبوبة، وأنا ملتذ بآلامي إذ شعرت بإحساس غريب فرفعت رأسي. والتفت حولي فوجدت (هنية) زوجة آخي جالسة غير بعيدة عني تنظر ألي في صمت وخشوع. فذعرت وقمت من فوري وأنا أقول:
- أنت هنا. .؟
- منذ برهة وجيزة. . . إني أحب صفيرك وأشعر عند سماعه برغبة في البكاء.
وتحركت أريد الهرب، فأمسكت بطرف جلبابي وقالت:
- لماذا لا تريد أن تجلس؟
فصرخت بالرغم مني قائلا:. .
- دعيني!
فنظرت إليَّ دهشة ولم تتكلم. ثم قالت:
- ما الذي يدعوك إلى كرهي. لماذا تهرب مني. .
وبغتة أجهشت بالبكاء. فشعرت كأن قلبي يتمزق وأن دماغي يحترق. ثم هبطت عليها دفعة واحدة، وأخذتها بين ذراعي، وأنا أقول:. .
- أنا أكرهك يا هنية!. .
وأنحنيت عليها أشبعها ضما وتقبيلا معبرا عن حبي الكبير بأحر العبارات. . وكانت الفتاة مستسلمة إليَّ في نشوة وغرام!.
وبينما نحن على هذا الحال إذ طرق سمعنا أصوات من بعيد فصحونا من حلمنا اللذيذ. ورأينا على جسر الترعة أشباحا تسير متمهلة. فاضطربت هنية وهمست في أذني قائلة:
هذا أخوك عائد مع المستأجرين.
ثم قامت دفعة واحدة وقالت:
- سوف أسبقه إلى الدار، متخذة طريق الغيط.
وقامت تعدو كالظبي المذعور، وأنا أراقبها في لهفة حتى ابتلع الظلام شبحها الجميل! وسرت أنا إلى الدار متمهلا في طريق الجسر فوجدت أخي قد جلس أمام الطعام منتظراً حضوري، ولما رآني صاح بي مداعبا: أيصح أن تتركنا ننتظرك. تعال يا ملعون وشاركنا الطعام!. أريد أن أقص عليك كيف أجْرت الفدادين هذا العام بقيمة لم اكن احلم بها.
وجاءت (هنية) ووضعت العيش أمامنا. وجلست مبتعدة قليلا عنا. وبدأنا نأكل. وكنت منهمكا في تفكيري، لا أفهم شيئاً مما يرويه لي أخي، مع تظاهري بالإصغاء إليه. وكنت أرفع بصري بين وقت وآخر نحو (هنية) فأجدها مسبلة الأجفان في شبه ذهول تأكل بحركات ميكانيكية، ووجهها ممتقع. وحدث مرة أن رفعت نظرها إليّ واشتبكت عينانا. وخيل لي أن وجهي يدنو من وجهها، وأن شفتينا على وشك التلاقي. وبغتة سمعت صرخة اهتزت لها الدار فارتعت، وتنبهت لنفسي فرأيت (هنية) تشهق بالبكاء قائلة:
لا أستطيع! لا أستطيع!
وهب أخي فزعا نحوها. وضمها إلى صدره وهو يقول:
- ما لك يا هنية؟. ما لك؟.
ليس لي رغبة في الأكل. دايخة. أريد أن أنام.
- قومي يا حبيبتي لتستريحي. .
وقامت متجهة نحو حجرتها، وهي معتمدة على ذراع أخي. وكنت شاهد هذا المنظر وأنا في شبه خبل. أشعر بأني قد تحجرت وصرت جزءاً من الأرض التي كنت أنا جالس عليها.
وعاد أخي بعد هنيهة، وقال لي:
- المسكينة أجهدت نفسها اليوم في أعمال الدار.
وكنت لا أطيق أن أنظر إلى أخي في هذه اللحظة فقمت من فوري ووجهتي الباب. وسألني أخي؛
- إلى أين؟
- إلى الجامع. أريد أن اصلي العشاء. ثم أقفله أعود.
وخرجت أعدو إلى مأواي المختار (الذي قابلت فيه (هنية) منذ وقت قريب) وارتميت على الأرض أمرغ وجهي في الموضع الذي كانت جالسة فيه، وأنا أنشج نشيجا حارا وأمضيت ليلتي هناك، وأنا لا يهنأ لي مضجع. أبكي وأغفو وأحلم، ثم أصحو برجفة تزلزل جسمي، وكان يتراءى لي شبح أخي في يقظتي ونومي. يحوم حولي يريد أن يقتلني، فكنت العنه بأشنع اللعنات. وفي الفجر غلبني نعاس عميق، لم أصحو منه الا عند الظهر. وفتحت عيني وأردت النهوض فخانتني قواي، إذ كنت أشعر بآلام شديدة وضعف هائل.
فجلست مستندا إلى جذع شجرة خلفي وأخذت استعيد قواي شيئا فشيئا. وكان الغم يخيم على قلبي، وشعور الندم الشديد يكتسح نفسي. فقمت مهرولا نحو الجامع، واعتذرت لأخي عن تأخيري بمختلف الأعذار ثم هبطت على يده اقبلها، وأنا أقول له:
أني احبك يا أخي!. واقسم بالله أني احبك حبا لم يضمره ابن لأبيه. أريد دائما أن أنال رضاك وعفوك. قل لي أتحبني!.
فأجابني:.!
- ما هذا الكلام يا سرحان. هل رأيت مني غير الحب الكبير؟. أنت ابني بل أنت افضل من ابني:.
ونظرت إلى أخي فوجدت آيات الإخلاص مرتسمة على وجهه. فأندفعت اقبل يديه من جديد؛ وأنا ابكي بصوت عال. وأنتابتني نوبة عصبية شديدة، فارتميت على الأرض في حالة تشبه الصرع. ولما أفقت وجدت نفسي ممددا في ركن من أركان الجامع وأخي بجانبي مهموم الخاطر من اجلي؛ يمرضني ويحنو عليّ.
ومضى أسبوع وأنا لا اقصد الدار الا في أوقات قليلة. وكثيرا ما كنت أتناول الطعام في الجامع، وأنام ليلا فيه، ولو استطعت لأمتنعت تماما عن الذهاب إلى المنزل. ولكني كنت احتاط للأمر حتى لا يشك أخي في سلوكي. وكنت أجاهد ما أمكن في سبيل ضبط عواطفي وأكلم (هنية) أمام أخي كلاما عاديا متحاشيا دائما النظر إليها. وإذا تصادف وخلونا نحن الاثنان برهة صغيرة ظللنا صامتين منكسي الرأس وإذا تقابلت الأعين اهتزت منا الأجسام كأن مستها الكهرباء.
ومضت الأيام والنار تأكلني أكلا، أنام نوماً سيئاً، وأقضي يقظتي في شبه أحلام مشوشة. وإذ أديت صلاتي أخطأت الأداء وكان قلبي مسرحا لمختلف الاحساسات المتباينة، الغضب والرحمة، والكفران، والتوبة والحب والبغض تتطاحن كلها باختلاط.
وتركت الدار (يوماً) بعد منتصف الليل بقليل وخرجت أعدو كالوحش المطعون وأنا أردد: - أنه معها في الحجرة. إنها له. . وهو يتمتع بها. . .
وهمت على وجهي لا أدري أي وجهة اقصد. وأخيرا وجدت نفسي أمام الجامع فدخلته بدون وعي وارتميت على الأرض أعض يدي واضرب رأسي في الحائط، وأنا ما زلت أردد قولي: انه معها في الحجرة. . إنها له. وهو يتمتع بها. . .
وبينما كنت على هذه الحالة، شعرت بيد وضعت على كتفي. فالتفت مذعورا. فإذا (هي) أمامي. . هي (هنية) في تلك الساعة الموحشة من الليل، وفي ذلك المكان المنعزل. فأخذتها بين ذراعي بلا كلام واحتضنتها بوحشية وأنا أهذي.
وأمضيت معها ساعة غرام عنيفة، من أشهى ساعات الوجود. وأقسم لك انه ليس على وجه الأرض منذ خلقت الدنيا شخص نال مثلي نعيم تلك الساعة. إنها ساعة تساوي أعماراً بأكملها.
وبعد ذلك نمنا متعانقين. . . وتنبهت فإذا الباب يقرع. وإذا ضوء الشمس يغمر المكان، وسمعت صوت أخي يقول:
- افتح يا سرحان
فوجدتني أجيب بلا وعي:
- سأفتح في الحال
وكان للجامع نافذتان مشبكتان بالحديد. وليس ثمة مخبأ تستطيع أن تختبئ فيه هنية أو منفذ تنفذ منه إلى الخارج. فأختبل عقلي. ولكن خاطراً مر برأسي فقلت لها هامسا!
- أصعدي إلى السطح. . أصعدي سريعاً
فقامت هنية وصعدت في الحال إلى السطح؛ وقمت أنا إلى الباب ففتحته. وتظاهرت بالفتور الشديد ودخل أخي وعليه شيء من مظاهر الغضب. وقال:
- أما زلت تنام في المسجد يا سرحان؟ اليس لنا دار تسعك معنا؟
- يحلو لي الآن أن أتعبد في المسجد حتى مطلع الفجر!. .
وجلس أخي صامتا. وبعد برهة تكلم بلهجة قلقة.
- لقد أستيقضت من النوم؛ فلم أجد هنية بجانبي. وقد بحثت عنها طويلا في الدار فلم اعثر عليها. .
فارتجفت. ولكني تغلبت على ضعفي وقلت:
- لعلها تكون قد خرجت لتملأ جرتها من الترعة
- ربما. . إنما. . . .
ثم ابتلع ريقه وتمتم بكلمات لم أفهمها وقام وقال:
- هيا نصل الصبح!
وقمنا إلى الصلاة. ولكن أي صلاة هذه التي أديتها في ذلك الوقت. كانت صلاة للشيطان لا لله! وأنتهت الصلاة. وبدأ الناس يفدون على الجامع وأصبحت في حالة يرثى لها. وأخيراً خرج أخي عائداً إلى الدار. وما كاد يفعل حتى انسللت صاعدا إلى سطح الجامع لأدبر حيلة لهرب هنية. وما كانت أشد دهشتي حينما رأيت السطح خالياً. ودرت فيه وأنا كالمخبول، ابحث هنا وهناك. وشعرت بإحساس غريب يجذبني نحو حافة السطح. وما كدت أشرف منه إلى الأرض حتى صرخت مرتاعاً. ووجدت نفسي بعد لحظة على الأرض ولا أدري كيف نزلت. وكانت هنية ملقاة بجوار الجدار تئن أنينا خافتا فدنوت منها وأنا في جزع ولهفة وأمسكت بها وسألتها عما أصابها ففتحت عينيها بصعوبة وقالت:
- لقد انكسرت يا سرحان. انكسرت!
وكانت تعض على شفتيها محاولة كتم تأوهاتها!
فاحتضنتها وأنا أواسيها وأشجعها. وسمعتها تقول:
- آلامي لا تطاق. . أني أموت!
وحملتها بكل عناية واحتراس. وأنا أكاد اجن من الحزن، وذهبت بها إلى دار أم عبد الجليل. وكانت امرأة وفية ولي محبة. وأخبرتها بشيء من الحقيقة ورجوتها أن تذهب إلى أخي لتبلغه خبرا ملفقاً. فقامت المرأة من فورها إلى داره.
ونقلوا هنية إلى دارنا وقد أشاعت أم عبد الجليل أنها سقطت من سطح منزلها بينما كانت تأتي بوقود لها!
ومضى يومان وهنية تعيش في أتون متقد من آلام لا يتصورها العقل. أما أنا فكنت أذهب إلى زريبة المواشي، وأحكم أقفالها عليّ. ثم انهال على وجهي باللطم. وأنفجر في نواح طويل وأنا أقول: - أنا سبب كل هذا!. أنا الذي يجب أن يعذب!. أنا الذي يجب أن يموت!
وماتت هنية في اليوم التالي ودفناها في قرافة القرية باحتفال بسيط. أما حالتي يوم وفاتها فقد اعتراني خبل غريب، فلم أصدق أنها ماتت. وكنت أؤدي عملي الذي كلفت به في مأتمها ببساطة وهدوء، بل كان يعتريني بعض الأحيان نوبات ضحك يعقبها خمول ووجوم. ولكن بعد أيام بدأت أشعر برد فعل شديد، فأخذت أهيم في الغيطان؛ وأختبئ في الذرة، وأنا ابكي وأندب بلا انقطاع. وأخيرا هدأت حالتي نوعا فعدت إلى عملي في الجامع. ولكن مرآي ذلك الجامع كان يزيد شجوني وعذابي. فتتمثل أمامي جريمتي كلما وطئت عتبته ويخيل لي أني أسمع صوت سقوط جسم من أعلى السطح إلى الأرض. فتعتريني قشعريرة واخبىء وجهي في يدي وأجهش بالبكاء.
لقد عملت المستحيل لكي أضلل أخي؛ وأبعد شكه من ناحيتي وتحملت أكبر العذاب في سبيل إخفاء جرمي. ولم اكن أجسر على النظر إليه. وكان يخيل إلي أنه يرفع يده في وجهي يريد سحقي.
ومضت الأيام وسري ينمو ويتضخم في قلبي فأشعر بثقله الهائل. ويخيل ألي في كل وقت إن قلبي يتمزق وان السر يطير منه ويعلن إلى الملأ فضيحتي. وكانت أيام عذاب لا أظن عذاب الجحيم يفوقها.
وفي ليلة عقب صلاة المغرب خرجت لأروح عن نفسي قليلا فقادتني قدماي، بدون شعور، إلى المكان الذي سقطت فيه هنية بجوار حائط الجامع. وبغتة قابلت أخي وجها لوجه ولا أدري ما لذي أرسله إليّ في هذه الساعة وفي هذا المكان. أهي المصادفة أم شيء آخر. لا ادري!. ووقفنا أمام بعضنا بالقرب من ذلك الجدار الرهيب. وشملنا الصمت برهة. وبغتة وجدت نفسي أصرخ وأقول:
- لا تقربني!. لا تقربني!.
وأندفعت أجري كالمجنون أهيم على وجهي. وكان هذا آخر عهدي بأخي وبتلك الديار!. وأخذت منذ ذلك الوقت أطوف المدن، وأعيش عيشة الطريد الشريد.
ثم أطرق الشيخ عفا الله صامتا. وشاهدت دمعة تتحدر في بطأ على خده. فقلت وأنا شديد التأثر بما سمعت.
- لماذا لا تعود إلى صلاحك، وتطلب مغفرة الله.
فرفع عينيه وقال:
- لقد تألبت عليْ الأقدار. وسأظل حتى النهاية ذلك المتمرد العاصي.
ثم سحب صفارته من عبه في هدوء وأخذ يوقع عليها لحنا شجيا فيه معنى الصبابة والتضحية. وكان منتشياً، بلحنه يتذوق آلامه الدفينة في شبه غيبوبة مسكرة.
مجلة الرسالة - العدد 1
بتاريخ: 15 - 01 - 1933
=========================
محمود أحمد تيمور (1312- 1392هـ/ 1894-1973م) كاتب قصصي ومسرحي وروائي، ولد في القاهرة في أسرة اشتهرت بالأدب؛
فوالده أحمد تيمور باشا (1871-1930م) الأديب المعروف، الذي عرف باهتماماته الواسعة بالتراث العربي، وكان «باحثاً في فنون اللغة العربية، والأدب والتاريخ، وخلّف مكتبة عظيمة هي» التيمورية«، تعد ذخيرة للباحثين إلى الآن بدار الكتب المصرية، بما تحوي من نوادر الكتب والمخطوطات» وعمته الشاعرة الرائدة عائشة التيمورية (1840-1903م) صاحبة ديوان «حلية الطراز»، وشقيقه محمد تيمور (1892-1921م) هو صاحب أول قصة قصيرة في الأدب العربي.
نشأته
ولد في أحد أحياء مصر القديمة في (12 من المحرم 1312هـ = 4 من يونيو 1894م)، ونشأ في أسرة عريقة على قدر كبير من الجاه والعلم والثراء؛ فقد كان أبوه أحمد تيمور باشا واحدًا من أبرز أعلام عصره ومن أقطاب الفكر والأدب المعدودين، وله العديد من المؤلفات النفيسة والمصنفات الفريدة التي تكشف عن موسوعية نادرة.
وكان درب سعادة -وهو الحي الذي وُلد فيه محمود تيمور- يتميز بأصالته الشعبية؛ فهو يجمع أشتاتًا من الطوائف والفئات التي تشمل الصناع والتجار وأرباب الحرف من كل فن ولون، وقد تَشربَّت نفسه وروحه بتلك الأجواء الشعبية منذ نعومة أظفاره، واختزنت ذاكرتُه العديدَ من صور الحياة الشعبية والشخصيات الحية التي وقعت عيناه عليها، وأعاد رسمها وعبر عنها -بعد ذلك- في الكثير من أعماله القصصية.
وما لبثت أسرته أن انتقلت إلى ضاحية عين شمس؛ فعاش في ريفها الساحر الجميل الذي كان ينبوعًا لوجدانه، يغذيه بالجمال والشاعرية، ويفجر فيه ملكات الإبداع بما فيه من مناظر جميلة وطبيعة خلابة ساحرة.
نقطة التحول
وقد تعلم محمود تيمور بالمدارس المصرية الابتدائية والثانوية الملكية، والتحق بمدرسة الزراعة العليا، ولكن حدثت نقطة تحول خطيرة في حياته وهو لم يتجاوز العشرين من عمره بعد؛ فقد أصيب بمرض التيفود، واشتدت وطأة المرض عليه؛ فانقطع عن دراسته الزراعية، ولزم الفراش ثلاثة أشهر، قضاها في القراءة والتأمل والتفكير، وسافر إلى الخارج للاستشفاء بسويسرا، ووجد في نفسه ميلاً شديدًا إلى الأدب؛ فألزم نفسه بالقراءة والاطلاع، وهناك أتيحت له دراسة عالية في الآداب الأوربية؛ فدرس الأدب الفرنسي والأدب الروسي، بالإضافة إلى سعة اطلاعه في الأدب العربي.
واتسعت قراءاته لتشمل روائع الأدب العالمي لعدد من مشاهير الكتاب العالميين، مثل: «أنطون تشيكوف»، و«إيفان تورجنيف»، و«جي دي موباسان».
خطواته الأدبية الأولى
وكان شقيقه "محمد" خير مرشد له بما يسديه، وبما لديه من ثقافة واسعة، وموهبة أدبية رفيعة، وقد تأثر محمود تيمور بأخيه في اتجاهه نحو المذهب الواقعي في الكتابة القصصية، والذي ظهر واضحًا في مجموعته القصصية الأولى "ما تراه العيون"، فأعجب بها محمود إعجابًا دعاه إلى أن يؤلف على غرارها؛ فكتب باكورته القصصية " سنة (1345 هـ = 1915م خرشو).
وفجأة تُوفِّي أخوه محمد وهو في ريعان الصبا وشرخ الشباب؛ فشعر محمود بانهيار آماله، وفقد حماسه، وأصابه اليأس، وانزوى حزينًا مستسلمًا للأسى والإحباط، ولكن بمرور الأيام بدأ الجرح يندمل في قلبه، وأقبل من جديد على الحياة، وراح ينفض عن نفسه الفشل والإحباط، واعتمد على نفسه مهتديًا بهُدى شقيقه الراحل، ومترسمًا خطاه في عالم الأدب والإبداع، وأقبل على الكتابة بنشاط
رومانسية تيمور
ومما لا شك فيه أن تيمور الابن قد ورث عن أبيه العديد من الملكات والصفات؛ فقد كان مغرمًا بالأدب واللغة، شغوفًا بالقراءة والبحث والاطلاع، محبًا للكتابة والتأليف، وقد عُني أبوه منذ سن مبكرة بتوجيهه إلى القراءة والاطلاع، وتنشئته على حب فنون الأدب واللغة؛ فأقبل الابن على مكتبة أبيه العامرة بنَهَمٍ شديد، ينهل منها، ويَعُبّ من ذخائرها، ويجني من مجانيها.
وكان له شغف خاص بالمنفلوطي الذي غرس فيه نزعته الرومانسية، كما تأثر بعدد من الشعراء، خاصة شعراء المهجر، وعلى رأسهم «جبران خليل جبران»، الذي كان لكتابه «الأجنحة المتكسرة» بنزعته الرومانسية الرمزية تأثير خاص في وجدانه.
بين المحن والمنح
لم يكن المرض هو مأساة تيمور الوحيدة؛ فقد كان فقدُهُ لأخيه محمد مأساةً أخرى، صبغت حياته بحالة من الحزن والتشاؤم والإحباط، لم يستطع الخروج منها إلا بصعوبة بالغة، وكان على موعد مع مأساة ثالثة أشد وطأة على نفسه ووجدانه، زلزلت حياته، وفجعته في ولده الذي اختطفه الموت وهو ما زال في العشرين من عمره؛ وقد تركت تلك المأساة في نفسه مرارة لا تنتهي، وحزنًا لا ينقضي، وكان ملاذه الوحيد وسلواه في كل تلك المحن والأحداث هو الكتابة، يَهرع إليها ليخفف أحزانه، ويضمد جراحه، ويتناسى آلامه. وقد انعكس ذلك في غزارة إنتاجه وكثرة مؤلفاته.
مكانة تيمور الأدبية
وقد حظي محمود تيمور بحفاوة وتقدير الأدباء والنقاد، ونال اهتمام وتقدير المحافل الأدبية ونوادي الأدب والجامعات المختلفة في مصر والوطن العربي، كما اهتمت به جامعات أوروبا وأمريكا، وأقبل على أدبه الأدباء والدارسون في مصر والعالم.
وم شادن تيمور مصر في العديد من المؤتمرات الأدبية، مثل: مؤتمر الأدباء في بيروت سنة (1373هـ = 1954م)، ومؤتمر القلم ببيروت سنة (1373هـ = 1954م) أيضًا، ومؤتمر الدراسات الإسلامية في جامعة بشاور بباكستان، ومؤتمر الأدباء في دمشق.
كما نال إنتاجه القصصي جائزة مجمع اللغة العربية بمصر سنة (1366هـ = 1947م)، وما لبث أن عُيِّن عضوا فيه عام (1368هـ = 1949م).
وحصل على جائزة الدولة للآداب سنة (1369هـ = 1950م)، وجائزة «واصف غالي» بباريس سنة (1370هـ = 1951م)، ومُنِح جائزة الدولة التقديرية في الأدب سنة (1382هـ = 1963م) من المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب. واحتفلت به جامعات روسيا والمجر وأمريكا، وكرمته في أكثر من مناسبة.
وقد كتب محمود بن الشريف كتابا عنوانه «أدب محمود تيمور للحقيقة والتاريخ»، توجد منه نسخة في مكتبة الدكتور أكرم علي حمدان الخاصة، في منزله بلندن، كانت من مقتنيات محمود تيمور وقد أهداها لبعض أصدقائه، مع بطاقته الشخصية التي تحمل اسمه وعنوانه، وقد كتب عليها بخط يده: «مع تحيات».
منذ عشرين عاماً كنت أسكن جهة درب سعادة. ذلك الحي القديم ذو الشارع الضيق والمباني المتزاحمة الأثرية. وكنت إذ ذاك في التاسعة عشرة من عمري أحضر لإمتحان الشهادة الثانوية. وفي أوقات فراغي كنت أجلس أمام البوابة أتفرج على الرائح والغادي. وكان يمر أمام الدار (من وقت لآخر) شيخ بملابس بسيطة ضامر الوجه، بلحية خفيفة فيها آثار الشيب ظاهرة. هادئ المشية. يسير في وقار. منكس الرأس على صفارته يناجيها بألحان شجية. فكنت استوقفه وأطلب منه أن يسمعني شيئاً من أنغامه. وكانت جميع ألحانه تحوي كثيرا من معاني اليأس والحنو. ولاحظت أنه قنوع يرضى بالقليل. وكان إذا استرسل في صفيره خيل لك أن الصفارة تتكلم وتنوح كأنها تحاول أن تفشي سراً! وهو على طهارة قلبه ومظاهر الصلاح الناطقة على وجهه، لا يؤدي أي فرض من فروض الصلاة، ولا يذهب إلى الجامع مطلقا! ولا يتكلم عن شيء اسمه مغفرة ورحمة. وإذا ذكر اسم الله أمامه طأطأ رأسه ذليلا، وتمتم بألفاظ متقطعة غير مسموعة!.
وتوثقت بيني وبين الشيخ ألفة ساذجة. وحاولت أن استوضحه حقيقة آلامه فلم يرض أن يبوح لي بشيء. فاحترمت رغبته وصممت أن لا أفاتحه في هذا الموضوع. وظل الرجل وقتا ما لغزاً لا أستطيع الوصول إلى حله. ومرت الأيام والشيخ يزورنا مرة في الأسبوع فأحظى منه بألحان شجية، وحديث هادئ جميل!. وكان يسترسل في الكلام بعض الأحيان فتفلت منه من غير وعي جمل وكلمات بدأت تكشف لي شيئا من سره. وكان ينشد لي كثيراً من المواويل الريفية في الحب والتشبيب بالنساء وكان إذا لفظ كلمة (الغيط) لفظها مفخمة منغمة واتسعت عيناه ولمعت بوميض غريب. واتسع صدره وتمددت طاقتا أنفه وهو يستنشق في شغف الهواء الذي يحسبه هواء الريف. ثم يعقب ذلك تنهد حار عميق، ومناجاة طويلة لصفارته وباغته ذات يوم بقولي:
- اقسم بالله لقد اكتشفت سرك يا شيخ (عفا الله)! فارتعد مذعوراً. وأتممت كلامي:
- انك فلاح من الريف
فنظر ألي بحيرة وقال بعد تردد:
- وهل أستطيع أن أنكر (أصلي)!
- وانك تتألم من حب دفين.
فأمسك بيدي وشد عليها، وقال:
- اسكت يا سيدي، اسكت:
- وانك ارتكبت معصية كبرى، وتريد التكفير عنها
فامتقع وجهه ونظر ألي محملقا، وقال:
- أعالم سري. .؟ أعالم سري؟. .
وأخذت استدرجه في القول حتى لان. وبدأ يروي لي قصته كالآتي:
لم اكن أدعى بالشيخ (عفا الله) فيما مضى، بل كنت اعرف (بسرحان) وهو اسمي الحقيقي، وكان لي أخ يدعى (محمد الرخ) كان إماما لمسجد القرية التي نشأت فيها. وكان قد تجاوز الأربعين، بينما كنت في السابعة عشر. أو كنت اعتبره كأبي واحبه حبا عظيما وكان هو الآخر يحبني كابن له: وقد حفظني القرآن وعلمني أصول الدين وأشركني معه في خدمة المسجد. وكنت قد بدأت أتعلم الصفير في ذلك العهد على شيخ طريقة مجذوب يجيد التوقيع على الصفارة وإنشاد القصائد الصوفية. ولما برعت في الصفير كان يلتف حولي على باب الجامع. بعد العشاء. جمع كبير من الفلاحين يستمعون إليَّ.
وكانت زوجة أخي قد توفيت منذ عام، فتزوج بفتاة في الخامسة عشر لم تقع عيني على املح منها. لها جاذبية غريبة سحرتني وخبلت عقلي. رأيتها للمرة الأولى فلم أتمالك أن أحببتها حبا تملك على جميع مشاعري وكبلني بالرغم مني بقيود ظالمة لم استطع التخلص منها. وخجلت من نفسي ومن أخي واعتبرت هذا الحب الشائن اكبر خيانة لذلك الشخص الذي وهبني حنانه وإخلاصه وثقته، وأردت أن أحطم هذه العاطفة الذميمة، ولكني لم استطع فكتمتها في قلبي ولم أبح بها الا لصفارتي! فقد كانت عزائي الوحيد في نكبتي.
وكنت أتعمد أن لا أخلو بزوجة آخي أتحاشى أن أكلمها إلا في الأمر الضروري. وكنت امكث بعيدا عن الدار في فحمة الليل، أناجي حبي بالحان الشكاية والنوح. وحدث مرة أن كنت في موضع خلوتي غير بعيد عن الدار، اصفر في شبه غيبوبة، وأنا ملتذ بآلامي إذ شعرت بإحساس غريب فرفعت رأسي. والتفت حولي فوجدت (هنية) زوجة آخي جالسة غير بعيدة عني تنظر ألي في صمت وخشوع. فذعرت وقمت من فوري وأنا أقول:
- أنت هنا. .؟
- منذ برهة وجيزة. . . إني أحب صفيرك وأشعر عند سماعه برغبة في البكاء.
وتحركت أريد الهرب، فأمسكت بطرف جلبابي وقالت:
- لماذا لا تريد أن تجلس؟
فصرخت بالرغم مني قائلا:. .
- دعيني!
فنظرت إليَّ دهشة ولم تتكلم. ثم قالت:
- ما الذي يدعوك إلى كرهي. لماذا تهرب مني. .
وبغتة أجهشت بالبكاء. فشعرت كأن قلبي يتمزق وأن دماغي يحترق. ثم هبطت عليها دفعة واحدة، وأخذتها بين ذراعي، وأنا أقول:. .
- أنا أكرهك يا هنية!. .
وأنحنيت عليها أشبعها ضما وتقبيلا معبرا عن حبي الكبير بأحر العبارات. . وكانت الفتاة مستسلمة إليَّ في نشوة وغرام!.
وبينما نحن على هذا الحال إذ طرق سمعنا أصوات من بعيد فصحونا من حلمنا اللذيذ. ورأينا على جسر الترعة أشباحا تسير متمهلة. فاضطربت هنية وهمست في أذني قائلة:
هذا أخوك عائد مع المستأجرين.
ثم قامت دفعة واحدة وقالت:
- سوف أسبقه إلى الدار، متخذة طريق الغيط.
وقامت تعدو كالظبي المذعور، وأنا أراقبها في لهفة حتى ابتلع الظلام شبحها الجميل! وسرت أنا إلى الدار متمهلا في طريق الجسر فوجدت أخي قد جلس أمام الطعام منتظراً حضوري، ولما رآني صاح بي مداعبا: أيصح أن تتركنا ننتظرك. تعال يا ملعون وشاركنا الطعام!. أريد أن أقص عليك كيف أجْرت الفدادين هذا العام بقيمة لم اكن احلم بها.
وجاءت (هنية) ووضعت العيش أمامنا. وجلست مبتعدة قليلا عنا. وبدأنا نأكل. وكنت منهمكا في تفكيري، لا أفهم شيئاً مما يرويه لي أخي، مع تظاهري بالإصغاء إليه. وكنت أرفع بصري بين وقت وآخر نحو (هنية) فأجدها مسبلة الأجفان في شبه ذهول تأكل بحركات ميكانيكية، ووجهها ممتقع. وحدث مرة أن رفعت نظرها إليّ واشتبكت عينانا. وخيل لي أن وجهي يدنو من وجهها، وأن شفتينا على وشك التلاقي. وبغتة سمعت صرخة اهتزت لها الدار فارتعت، وتنبهت لنفسي فرأيت (هنية) تشهق بالبكاء قائلة:
لا أستطيع! لا أستطيع!
وهب أخي فزعا نحوها. وضمها إلى صدره وهو يقول:
- ما لك يا هنية؟. ما لك؟.
ليس لي رغبة في الأكل. دايخة. أريد أن أنام.
- قومي يا حبيبتي لتستريحي. .
وقامت متجهة نحو حجرتها، وهي معتمدة على ذراع أخي. وكنت شاهد هذا المنظر وأنا في شبه خبل. أشعر بأني قد تحجرت وصرت جزءاً من الأرض التي كنت أنا جالس عليها.
وعاد أخي بعد هنيهة، وقال لي:
- المسكينة أجهدت نفسها اليوم في أعمال الدار.
وكنت لا أطيق أن أنظر إلى أخي في هذه اللحظة فقمت من فوري ووجهتي الباب. وسألني أخي؛
- إلى أين؟
- إلى الجامع. أريد أن اصلي العشاء. ثم أقفله أعود.
وخرجت أعدو إلى مأواي المختار (الذي قابلت فيه (هنية) منذ وقت قريب) وارتميت على الأرض أمرغ وجهي في الموضع الذي كانت جالسة فيه، وأنا أنشج نشيجا حارا وأمضيت ليلتي هناك، وأنا لا يهنأ لي مضجع. أبكي وأغفو وأحلم، ثم أصحو برجفة تزلزل جسمي، وكان يتراءى لي شبح أخي في يقظتي ونومي. يحوم حولي يريد أن يقتلني، فكنت العنه بأشنع اللعنات. وفي الفجر غلبني نعاس عميق، لم أصحو منه الا عند الظهر. وفتحت عيني وأردت النهوض فخانتني قواي، إذ كنت أشعر بآلام شديدة وضعف هائل.
فجلست مستندا إلى جذع شجرة خلفي وأخذت استعيد قواي شيئا فشيئا. وكان الغم يخيم على قلبي، وشعور الندم الشديد يكتسح نفسي. فقمت مهرولا نحو الجامع، واعتذرت لأخي عن تأخيري بمختلف الأعذار ثم هبطت على يده اقبلها، وأنا أقول له:
أني احبك يا أخي!. واقسم بالله أني احبك حبا لم يضمره ابن لأبيه. أريد دائما أن أنال رضاك وعفوك. قل لي أتحبني!.
فأجابني:.!
- ما هذا الكلام يا سرحان. هل رأيت مني غير الحب الكبير؟. أنت ابني بل أنت افضل من ابني:.
ونظرت إلى أخي فوجدت آيات الإخلاص مرتسمة على وجهه. فأندفعت اقبل يديه من جديد؛ وأنا ابكي بصوت عال. وأنتابتني نوبة عصبية شديدة، فارتميت على الأرض في حالة تشبه الصرع. ولما أفقت وجدت نفسي ممددا في ركن من أركان الجامع وأخي بجانبي مهموم الخاطر من اجلي؛ يمرضني ويحنو عليّ.
ومضى أسبوع وأنا لا اقصد الدار الا في أوقات قليلة. وكثيرا ما كنت أتناول الطعام في الجامع، وأنام ليلا فيه، ولو استطعت لأمتنعت تماما عن الذهاب إلى المنزل. ولكني كنت احتاط للأمر حتى لا يشك أخي في سلوكي. وكنت أجاهد ما أمكن في سبيل ضبط عواطفي وأكلم (هنية) أمام أخي كلاما عاديا متحاشيا دائما النظر إليها. وإذا تصادف وخلونا نحن الاثنان برهة صغيرة ظللنا صامتين منكسي الرأس وإذا تقابلت الأعين اهتزت منا الأجسام كأن مستها الكهرباء.
ومضت الأيام والنار تأكلني أكلا، أنام نوماً سيئاً، وأقضي يقظتي في شبه أحلام مشوشة. وإذ أديت صلاتي أخطأت الأداء وكان قلبي مسرحا لمختلف الاحساسات المتباينة، الغضب والرحمة، والكفران، والتوبة والحب والبغض تتطاحن كلها باختلاط.
وتركت الدار (يوماً) بعد منتصف الليل بقليل وخرجت أعدو كالوحش المطعون وأنا أردد: - أنه معها في الحجرة. إنها له. . وهو يتمتع بها. . .
وهمت على وجهي لا أدري أي وجهة اقصد. وأخيرا وجدت نفسي أمام الجامع فدخلته بدون وعي وارتميت على الأرض أعض يدي واضرب رأسي في الحائط، وأنا ما زلت أردد قولي: انه معها في الحجرة. . إنها له. وهو يتمتع بها. . .
وبينما كنت على هذه الحالة، شعرت بيد وضعت على كتفي. فالتفت مذعورا. فإذا (هي) أمامي. . هي (هنية) في تلك الساعة الموحشة من الليل، وفي ذلك المكان المنعزل. فأخذتها بين ذراعي بلا كلام واحتضنتها بوحشية وأنا أهذي.
وأمضيت معها ساعة غرام عنيفة، من أشهى ساعات الوجود. وأقسم لك انه ليس على وجه الأرض منذ خلقت الدنيا شخص نال مثلي نعيم تلك الساعة. إنها ساعة تساوي أعماراً بأكملها.
وبعد ذلك نمنا متعانقين. . . وتنبهت فإذا الباب يقرع. وإذا ضوء الشمس يغمر المكان، وسمعت صوت أخي يقول:
- افتح يا سرحان
فوجدتني أجيب بلا وعي:
- سأفتح في الحال
وكان للجامع نافذتان مشبكتان بالحديد. وليس ثمة مخبأ تستطيع أن تختبئ فيه هنية أو منفذ تنفذ منه إلى الخارج. فأختبل عقلي. ولكن خاطراً مر برأسي فقلت لها هامسا!
- أصعدي إلى السطح. . أصعدي سريعاً
فقامت هنية وصعدت في الحال إلى السطح؛ وقمت أنا إلى الباب ففتحته. وتظاهرت بالفتور الشديد ودخل أخي وعليه شيء من مظاهر الغضب. وقال:
- أما زلت تنام في المسجد يا سرحان؟ اليس لنا دار تسعك معنا؟
- يحلو لي الآن أن أتعبد في المسجد حتى مطلع الفجر!. .
وجلس أخي صامتا. وبعد برهة تكلم بلهجة قلقة.
- لقد أستيقضت من النوم؛ فلم أجد هنية بجانبي. وقد بحثت عنها طويلا في الدار فلم اعثر عليها. .
فارتجفت. ولكني تغلبت على ضعفي وقلت:
- لعلها تكون قد خرجت لتملأ جرتها من الترعة
- ربما. . إنما. . . .
ثم ابتلع ريقه وتمتم بكلمات لم أفهمها وقام وقال:
- هيا نصل الصبح!
وقمنا إلى الصلاة. ولكن أي صلاة هذه التي أديتها في ذلك الوقت. كانت صلاة للشيطان لا لله! وأنتهت الصلاة. وبدأ الناس يفدون على الجامع وأصبحت في حالة يرثى لها. وأخيراً خرج أخي عائداً إلى الدار. وما كاد يفعل حتى انسللت صاعدا إلى سطح الجامع لأدبر حيلة لهرب هنية. وما كانت أشد دهشتي حينما رأيت السطح خالياً. ودرت فيه وأنا كالمخبول، ابحث هنا وهناك. وشعرت بإحساس غريب يجذبني نحو حافة السطح. وما كدت أشرف منه إلى الأرض حتى صرخت مرتاعاً. ووجدت نفسي بعد لحظة على الأرض ولا أدري كيف نزلت. وكانت هنية ملقاة بجوار الجدار تئن أنينا خافتا فدنوت منها وأنا في جزع ولهفة وأمسكت بها وسألتها عما أصابها ففتحت عينيها بصعوبة وقالت:
- لقد انكسرت يا سرحان. انكسرت!
وكانت تعض على شفتيها محاولة كتم تأوهاتها!
فاحتضنتها وأنا أواسيها وأشجعها. وسمعتها تقول:
- آلامي لا تطاق. . أني أموت!
وحملتها بكل عناية واحتراس. وأنا أكاد اجن من الحزن، وذهبت بها إلى دار أم عبد الجليل. وكانت امرأة وفية ولي محبة. وأخبرتها بشيء من الحقيقة ورجوتها أن تذهب إلى أخي لتبلغه خبرا ملفقاً. فقامت المرأة من فورها إلى داره.
ونقلوا هنية إلى دارنا وقد أشاعت أم عبد الجليل أنها سقطت من سطح منزلها بينما كانت تأتي بوقود لها!
ومضى يومان وهنية تعيش في أتون متقد من آلام لا يتصورها العقل. أما أنا فكنت أذهب إلى زريبة المواشي، وأحكم أقفالها عليّ. ثم انهال على وجهي باللطم. وأنفجر في نواح طويل وأنا أقول: - أنا سبب كل هذا!. أنا الذي يجب أن يعذب!. أنا الذي يجب أن يموت!
وماتت هنية في اليوم التالي ودفناها في قرافة القرية باحتفال بسيط. أما حالتي يوم وفاتها فقد اعتراني خبل غريب، فلم أصدق أنها ماتت. وكنت أؤدي عملي الذي كلفت به في مأتمها ببساطة وهدوء، بل كان يعتريني بعض الأحيان نوبات ضحك يعقبها خمول ووجوم. ولكن بعد أيام بدأت أشعر برد فعل شديد، فأخذت أهيم في الغيطان؛ وأختبئ في الذرة، وأنا ابكي وأندب بلا انقطاع. وأخيرا هدأت حالتي نوعا فعدت إلى عملي في الجامع. ولكن مرآي ذلك الجامع كان يزيد شجوني وعذابي. فتتمثل أمامي جريمتي كلما وطئت عتبته ويخيل لي أني أسمع صوت سقوط جسم من أعلى السطح إلى الأرض. فتعتريني قشعريرة واخبىء وجهي في يدي وأجهش بالبكاء.
لقد عملت المستحيل لكي أضلل أخي؛ وأبعد شكه من ناحيتي وتحملت أكبر العذاب في سبيل إخفاء جرمي. ولم اكن أجسر على النظر إليه. وكان يخيل إلي أنه يرفع يده في وجهي يريد سحقي.
ومضت الأيام وسري ينمو ويتضخم في قلبي فأشعر بثقله الهائل. ويخيل ألي في كل وقت إن قلبي يتمزق وان السر يطير منه ويعلن إلى الملأ فضيحتي. وكانت أيام عذاب لا أظن عذاب الجحيم يفوقها.
وفي ليلة عقب صلاة المغرب خرجت لأروح عن نفسي قليلا فقادتني قدماي، بدون شعور، إلى المكان الذي سقطت فيه هنية بجوار حائط الجامع. وبغتة قابلت أخي وجها لوجه ولا أدري ما لذي أرسله إليّ في هذه الساعة وفي هذا المكان. أهي المصادفة أم شيء آخر. لا ادري!. ووقفنا أمام بعضنا بالقرب من ذلك الجدار الرهيب. وشملنا الصمت برهة. وبغتة وجدت نفسي أصرخ وأقول:
- لا تقربني!. لا تقربني!.
وأندفعت أجري كالمجنون أهيم على وجهي. وكان هذا آخر عهدي بأخي وبتلك الديار!. وأخذت منذ ذلك الوقت أطوف المدن، وأعيش عيشة الطريد الشريد.
ثم أطرق الشيخ عفا الله صامتا. وشاهدت دمعة تتحدر في بطأ على خده. فقلت وأنا شديد التأثر بما سمعت.
- لماذا لا تعود إلى صلاحك، وتطلب مغفرة الله.
فرفع عينيه وقال:
- لقد تألبت عليْ الأقدار. وسأظل حتى النهاية ذلك المتمرد العاصي.
ثم سحب صفارته من عبه في هدوء وأخذ يوقع عليها لحنا شجيا فيه معنى الصبابة والتضحية. وكان منتشياً، بلحنه يتذوق آلامه الدفينة في شبه غيبوبة مسكرة.
مجلة الرسالة - العدد 1
بتاريخ: 15 - 01 - 1933
=========================
محمود أحمد تيمور (1312- 1392هـ/ 1894-1973م) كاتب قصصي ومسرحي وروائي، ولد في القاهرة في أسرة اشتهرت بالأدب؛
فوالده أحمد تيمور باشا (1871-1930م) الأديب المعروف، الذي عرف باهتماماته الواسعة بالتراث العربي، وكان «باحثاً في فنون اللغة العربية، والأدب والتاريخ، وخلّف مكتبة عظيمة هي» التيمورية«، تعد ذخيرة للباحثين إلى الآن بدار الكتب المصرية، بما تحوي من نوادر الكتب والمخطوطات» وعمته الشاعرة الرائدة عائشة التيمورية (1840-1903م) صاحبة ديوان «حلية الطراز»، وشقيقه محمد تيمور (1892-1921م) هو صاحب أول قصة قصيرة في الأدب العربي.
نشأته
ولد في أحد أحياء مصر القديمة في (12 من المحرم 1312هـ = 4 من يونيو 1894م)، ونشأ في أسرة عريقة على قدر كبير من الجاه والعلم والثراء؛ فقد كان أبوه أحمد تيمور باشا واحدًا من أبرز أعلام عصره ومن أقطاب الفكر والأدب المعدودين، وله العديد من المؤلفات النفيسة والمصنفات الفريدة التي تكشف عن موسوعية نادرة.
وكان درب سعادة -وهو الحي الذي وُلد فيه محمود تيمور- يتميز بأصالته الشعبية؛ فهو يجمع أشتاتًا من الطوائف والفئات التي تشمل الصناع والتجار وأرباب الحرف من كل فن ولون، وقد تَشربَّت نفسه وروحه بتلك الأجواء الشعبية منذ نعومة أظفاره، واختزنت ذاكرتُه العديدَ من صور الحياة الشعبية والشخصيات الحية التي وقعت عيناه عليها، وأعاد رسمها وعبر عنها -بعد ذلك- في الكثير من أعماله القصصية.
وما لبثت أسرته أن انتقلت إلى ضاحية عين شمس؛ فعاش في ريفها الساحر الجميل الذي كان ينبوعًا لوجدانه، يغذيه بالجمال والشاعرية، ويفجر فيه ملكات الإبداع بما فيه من مناظر جميلة وطبيعة خلابة ساحرة.
نقطة التحول
وقد تعلم محمود تيمور بالمدارس المصرية الابتدائية والثانوية الملكية، والتحق بمدرسة الزراعة العليا، ولكن حدثت نقطة تحول خطيرة في حياته وهو لم يتجاوز العشرين من عمره بعد؛ فقد أصيب بمرض التيفود، واشتدت وطأة المرض عليه؛ فانقطع عن دراسته الزراعية، ولزم الفراش ثلاثة أشهر، قضاها في القراءة والتأمل والتفكير، وسافر إلى الخارج للاستشفاء بسويسرا، ووجد في نفسه ميلاً شديدًا إلى الأدب؛ فألزم نفسه بالقراءة والاطلاع، وهناك أتيحت له دراسة عالية في الآداب الأوربية؛ فدرس الأدب الفرنسي والأدب الروسي، بالإضافة إلى سعة اطلاعه في الأدب العربي.
واتسعت قراءاته لتشمل روائع الأدب العالمي لعدد من مشاهير الكتاب العالميين، مثل: «أنطون تشيكوف»، و«إيفان تورجنيف»، و«جي دي موباسان».
خطواته الأدبية الأولى
وكان شقيقه "محمد" خير مرشد له بما يسديه، وبما لديه من ثقافة واسعة، وموهبة أدبية رفيعة، وقد تأثر محمود تيمور بأخيه في اتجاهه نحو المذهب الواقعي في الكتابة القصصية، والذي ظهر واضحًا في مجموعته القصصية الأولى "ما تراه العيون"، فأعجب بها محمود إعجابًا دعاه إلى أن يؤلف على غرارها؛ فكتب باكورته القصصية " سنة (1345 هـ = 1915م خرشو).
وفجأة تُوفِّي أخوه محمد وهو في ريعان الصبا وشرخ الشباب؛ فشعر محمود بانهيار آماله، وفقد حماسه، وأصابه اليأس، وانزوى حزينًا مستسلمًا للأسى والإحباط، ولكن بمرور الأيام بدأ الجرح يندمل في قلبه، وأقبل من جديد على الحياة، وراح ينفض عن نفسه الفشل والإحباط، واعتمد على نفسه مهتديًا بهُدى شقيقه الراحل، ومترسمًا خطاه في عالم الأدب والإبداع، وأقبل على الكتابة بنشاط
رومانسية تيمور
ومما لا شك فيه أن تيمور الابن قد ورث عن أبيه العديد من الملكات والصفات؛ فقد كان مغرمًا بالأدب واللغة، شغوفًا بالقراءة والبحث والاطلاع، محبًا للكتابة والتأليف، وقد عُني أبوه منذ سن مبكرة بتوجيهه إلى القراءة والاطلاع، وتنشئته على حب فنون الأدب واللغة؛ فأقبل الابن على مكتبة أبيه العامرة بنَهَمٍ شديد، ينهل منها، ويَعُبّ من ذخائرها، ويجني من مجانيها.
وكان له شغف خاص بالمنفلوطي الذي غرس فيه نزعته الرومانسية، كما تأثر بعدد من الشعراء، خاصة شعراء المهجر، وعلى رأسهم «جبران خليل جبران»، الذي كان لكتابه «الأجنحة المتكسرة» بنزعته الرومانسية الرمزية تأثير خاص في وجدانه.
بين المحن والمنح
لم يكن المرض هو مأساة تيمور الوحيدة؛ فقد كان فقدُهُ لأخيه محمد مأساةً أخرى، صبغت حياته بحالة من الحزن والتشاؤم والإحباط، لم يستطع الخروج منها إلا بصعوبة بالغة، وكان على موعد مع مأساة ثالثة أشد وطأة على نفسه ووجدانه، زلزلت حياته، وفجعته في ولده الذي اختطفه الموت وهو ما زال في العشرين من عمره؛ وقد تركت تلك المأساة في نفسه مرارة لا تنتهي، وحزنًا لا ينقضي، وكان ملاذه الوحيد وسلواه في كل تلك المحن والأحداث هو الكتابة، يَهرع إليها ليخفف أحزانه، ويضمد جراحه، ويتناسى آلامه. وقد انعكس ذلك في غزارة إنتاجه وكثرة مؤلفاته.
مكانة تيمور الأدبية
وقد حظي محمود تيمور بحفاوة وتقدير الأدباء والنقاد، ونال اهتمام وتقدير المحافل الأدبية ونوادي الأدب والجامعات المختلفة في مصر والوطن العربي، كما اهتمت به جامعات أوروبا وأمريكا، وأقبل على أدبه الأدباء والدارسون في مصر والعالم.
وم شادن تيمور مصر في العديد من المؤتمرات الأدبية، مثل: مؤتمر الأدباء في بيروت سنة (1373هـ = 1954م)، ومؤتمر القلم ببيروت سنة (1373هـ = 1954م) أيضًا، ومؤتمر الدراسات الإسلامية في جامعة بشاور بباكستان، ومؤتمر الأدباء في دمشق.
كما نال إنتاجه القصصي جائزة مجمع اللغة العربية بمصر سنة (1366هـ = 1947م)، وما لبث أن عُيِّن عضوا فيه عام (1368هـ = 1949م).
وحصل على جائزة الدولة للآداب سنة (1369هـ = 1950م)، وجائزة «واصف غالي» بباريس سنة (1370هـ = 1951م)، ومُنِح جائزة الدولة التقديرية في الأدب سنة (1382هـ = 1963م) من المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب. واحتفلت به جامعات روسيا والمجر وأمريكا، وكرمته في أكثر من مناسبة.
وقد كتب محمود بن الشريف كتابا عنوانه «أدب محمود تيمور للحقيقة والتاريخ»، توجد منه نسخة في مكتبة الدكتور أكرم علي حمدان الخاصة، في منزله بلندن، كانت من مقتنيات محمود تيمور وقد أهداها لبعض أصدقائه، مع بطاقته الشخصية التي تحمل اسمه وعنوانه، وقد كتب عليها بخط يده: «مع تحيات».
- السيرة نقلا عن ويكيبيديا