كانت الشمس لم تشرق بعد عندما صحا أبو الحسنين من نومه على نشيج زوجه المكبوت، فانقبضت نفسه وقال: لا حول ولا قوة إلا بالله.‏
ثم قام عن سريره وجلس على حافة سريرها وراح يهدهدها بحنان.‏
قال وهي تبتلع دموعها:‏
ـ حلمت أنني أرضعه، فلما صحوت وجدت ثديي يدران لبناً وما وجدته...‏
وراحت تنشج بصوت عال.‏
تصنع أبو الحسنين الجلد، وراح يغالب الدمع وهو يقول: إنا لله وإنا إليه راجعون.‏
ثم قام ووقف أمام النافذة ونظر إلى السماء الموشاة بشفق أحمر أصفر، وأشار إليها بيديه، وقال بنزق:‏
ـ سبحانك... لم ترزقنا الأولاد ثم تستردهم صغاراً...‏
ويصمت قليلاً وهو يكظم غيظه، ويروج يستغفر ويخزي الشيطان، ويتلو آيات من القرآن، فقد كان الرجل تقياً لا ينبغي له أن يعترض على حكم الله.‏
وتهدأ سورته قليلاً فيقول لزوجته برفق وحنان:‏
ـ اعقلي يا امرأة، واصبري على حكم ربك. هذه مشيئته ولا راد لمشيئته... لقد مضى أربعون يوماً على موته ولم ينقطع دمعك، وماذا يجديك البكاء والحزن إلا الهزال والمرض... تعالي نقرأ شيئاً من القرآن عسى الله ينزل على قلبينا السكينة والصبر.‏
سحبها من يدها فانصاعت إليه دون أن تعترض.‏
قالت أخت أبي الحسنين التي جاءت تزور أخاها في صباح ذلك اليوم الكئيب نفسه: كم أود أن أشرب فنجان قهوة من يد امرأة أخي، فما أحب مثل قوتها.‏
قامت أم الحسنين ممتعضة لتغلي القهوة، فقد أدركت فوراً أن بنت حميها تريد أن تختلي بزوجها لتسر إليه شيئاً أثناء غيابها.‏
غلت القهوة على عجل، ثم صبتها في ثلاثة فناجين وضعتها في صينية، ثم سارت على مهل وحذر كي لا يسمع صوت خطواتها، ووقفت خلف الباب تسترق السمع قبل أن تدخل. سمعت صوت أخت زوجها تقول:‏
ـ أؤكد لك يا أخي أن زوجتك امرأة متبوعة، لا يجوز أن تظل في عصمتك، مالك تنظر إليَّ هكذا؟.. ألا تفهم ما أقول لك؟...‏
بدت الدهشة في صوت أبي الحسنين وهو يسأل أخته:‏
ـ وما معنى امرأة متبوعة.. كفانا الله الشر...‏
ـ لا تتغابى... رجل مثلك لا يعرف ما معنى امرأة متبوعة؟؟...‏
ـ أنا والله لا أعرف...‏
ـ أنا إذن أعرفك... امرأة متبوعة يعني أن لها تابعة من الجن تقضي على أولادها قبل أن يكبروا.‏
ـ أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ووقنا الله شر التابعة والمتبوعة.‏
ـ عدت تتغابى... ألم يخطف لك الموت ثلاثة أولاد دون سبب، كل ولد مثل فرحة القلب، وأنت صابر على بلواك لا تفعل شيئاً؟ طلقها يا أخي سأخطب لك امرأة أحلى منها. حرام أن تظل في عصمتك هذه المرأة المتبوعة تخلف لك الأولاد ليموتوا، ويتركوا في قلبك حرقة لا تنطفئ؟؟؟‏
قال أبو الحسنين وفي صوته شيء من الهلع ممزوج بسخرية:‏
ـ ولماذا امرأتي لها تابعة من الجن من دون غيرها من النساء؟؟..‏
ـ لأن بعض الجن تغار من الإنس.‏
ـ تقصدين أن زوجتي جميلة إلى حد تغار منها الجنيات؟...‏
ـ ربما لأنها محظوظة أكثر مما ينبغي لامرأة مثلها.‏
ـ يا لطيف من كيدكن يا نساء... استغفري ربك يا شيخة، كل شيء بأمر الله. وإن يكن حقاً ما تقولين فسأتحمل هذا المقدر من زوجتي، ولن أهجرها، ولن أتخلى عنها أبداً، فما شأنك أنت بنا؟...‏
اضطربت أم الحسنين فرحاً حين أيقنت أن زوجها يحبها، ولن يتخلى عنها، ولم يستمع لوسوسة أخته، فوقعت من يدها صينية القهوة وأحدثت ضجة.‏
خرج أبو الحسنين وأخته من المخدع ليريا ما حدث فإذا الفناجين المكسورة، والقهوة المسفوحة على الأرض، فراح أبو الحسنين يربت كتف زوجته ويقول لها وكأنه يندد بأخته:‏
ـ لا تبالي انكسر الشر إن شاء الله.‏
ولما همت أخته بالذهاب لم يطلب منها البقاء، فخرجت من عنده بائسة، وما كادت تغلق الباب خلفها حتى انفجرت أم الحسنين باكية وهي تقول لزوجها:‏
ـ أختك هذه اخترعت قصة التابعة لأنها تغار مني وتريدك أن تطلقني. يا ويلها من ربها... إني أعرف بنات الاحماء لا يحببن الكنة ذات البخت الأبيض.‏
ضحك أبو الحسنين وقال:‏
ـ الحمد لله... اعترفت أخيراً أن بختك مني أبيض، وهذا ليس بقليل.‏
قالت وهي تنظر إليه بحنان من خلال دموعها:‏
ـ ربنا لا يحرمني منك.‏
فراح الرجل يطريها ويداريها حتى مسحت دموعها وابتسمت له فاطمأن قلبه وغادر بيته إلى مقر عمله.‏
ما كاد يفرغ أبو الحسنين إلى نفسه حتى راحت تنتابه هواجس ووساوس فإذا هو ساهم يفكر بقصة التابعة فيخزي الشيطان ويحاول أن يطردها من ذهنه فلا يقوى على ذلك، يتناساها قليلاً ولكنها تعود بعدئذ أشد إلحاحاً من ذي قبل. ولما عاد إلى بيته كانت غلالة من كآبة تغلف وجهه الطلق المشرق، فلاحظت زوجه ذلك، وأدركت ما يدور في ذهنه فلم تجرؤ أن تسأله عما يهمه.‏
ولما أوى أبو الحسنين إلى فراشه جافاه النوم، وعاودته الهواجس والوساوس ولما غفا بعد جهد رأى في نومه جنية ذات وجه قبيح وشعر منفوش وأنياب بارزة تطل عليه من النافذة وتقهقه ضاحكة بصوت مؤذ ثم تختفي.‏
كان الحلم واضحاً كأنه يراه في تمام يقظته، فهب مذعوراً، وراح يتعوذ بالله من الشيطان. ولما نظر صوت زوجته وجدها هادئة في سريرها دون حراك فلم يدر أنائمة هي أم متناومة؟.‏
لم يشأ أن يوقظها، ظل صامتاً في سريره يسبح ويتلو أوراداً حتى اغتالته سنة من النوم. ولما استيقظ لم يكن نهاره خيراً من ليله.‏
وتمضي الأيام وتزداد مخاوف أبي الحسنين وهواجسه، والجنية تظهر له في الأحلام ويتخيلها في الظلام، وكان أكثر ما يغيظه منها قهقهتها الشامتة ذات الصوت المؤذي.‏
كان هذا كله يضفي على الرجل كآبة سوداء تسربت منه إلى زوجته، فعاش الزوجان في جو رهيب من الخوف، لا يجرؤ أحدهما أن يسأل الآخر، ويؤثر أن يتحاشاه.‏
ذات صباح نظر أبو الحسنين إلى زوجته نظرة فاحصة وقال لها:‏
ـ أذكر أنك قلت يوم كانت أختي عندنا أنك ربما كنت حاملاً فهل تأكدت من أمرك.‏
قالت المرأة بصوت خفيض:‏
ـ نعم تأكدت، وأنا الآن في شهري الثالث.‏
ـولم تكتمين عني ذلك؟‏
تنهدت المرأة بعمق وانصرفت من أمام زوجها دون أن تجيب.‏
فكر أبو الحسنين طويلاً ثم غادر بيته ولم يعد إلا في منتصف الليل على غير عادته.‏
ومنذ ذلك الحين راح يطول غيابه عن بيته في الليل والنهار، وتشعر الزوجة أنه يدبر أمراً يخفيه عنها فراحت تتسقط أخباره حتى بلغها عنه ما يريبها، فصممت على مفاتحته بالأمر بعد أن أعدت نفسها لأسوأ المفاجآت. قالت له ذات صباح:‏
ـ لماذا تخفي عني أمر هذا الرجل الغريب الذي تصادقه منذ زمن بعيد دون أن تأخذ رأيي.‏
ـ آخذ رأيك؟؟... وما شأنك أنت وأصدقائي؟ أصادق من أشاء ومتى أشاء.‏
ـ بلغني أنه ساحر.‏
ـ هو ذلك، ومن أجل ذلك صادقته.‏
ـ وما تجديك صداقته؟‏
ـ أتتغابين؟ صادقته ليعلمني السحر فأطرد تابعتك الجنية التي تهددنا ليل نهار.‏
شهقت المرأة وضربت بيدها على صدرها وقالت:‏
ـ إذن أنت مؤمن أنني امرأة متبوعة كما قالت لك أختك؟‏
ـ هذا واقع لا مفر منه، وأنا مؤمن به منذ زمن بعيد، إن شئت الحق من قبل أن تذكره لي أختي.‏
ـ لماذا إذن كنت تتعامى عنه؟ لماذا كنت تقنع نفسك بعدم وجوده حتى اغتالت لنا الجنية ثلاثة أولاد؟؟..‏
قال بصوت خفيض وهو يتحاشى النظر إليها:‏
ـ كان هذا قدراً من الله.‏
أجابته منددة قد علا صوتها على صوته:‏
ـ كيف تقول قدر من الله وتظل مكتوف اليدين؟؟‏
صرخ بها:‏
ـ أتحاسبينني على الماضي؟‏
ـ الماضي هو الذي أدى بنا إلى هذا الحاضر المخيف.‏
ـ أنا أعرف كيف أتلافى الأمر فلا تخشي شيئاً.‏
ضحكت مستهزئة وقالت:‏
ـ أنت الذي تخشى... أما أنا فما دمت امرأة ولوداً فلا أخشى شيئاً، لابد من أن ألد الولد الذي سينتصر على التابعة الجنية دون معونة أحد.‏
ـ يا له من منطق...‏
ـ منطق، أو لا منطق، أريد الآن أن أعرف ماذا يدور بينك وبين صديقك الساحر هذا.‏
ـ أنصحك بأن لا تتدخلي فيما لا يعنيك.‏
فحملقت به مدهوشة ثم قالت:‏
ـ ماذا تقول؟؟ أتدخل فيما لا يعنيني.. ألست أنا المتبوعة. ألست أم الأولاد المقتولين؟ من حقي إذن أن أعرف ما يدور بينك وبين هذا الساحر بشأني وبشأن أولادي.‏
ـ أنا وحدي صاحب السلطة في هذا البيت، أفعل ما أريد، ومتى أريد.. أفهمت؟؟..‏
ـ ما الذي غيَّرك يا رجل؟ كنت زوجاً تقياً حنوناً، ولو كنت أعرف أن مصيري معك سينتهي إلى ما انتهى إليه الآن لما تزوجتك.‏
ـ أما الآن وقد تزوجتيني فلا مفر لك مني.‏
ـ هذا غبن لا أرضى به.‏
ـ هيه... سترضين مرغمة، شئت أم أبيت.‏
ـ كيف... أتريد أن...‏
قاطعها قائلاً:‏
ـ يا لثرثرة النساء! أقول لك اصمتي يا امرأة. أوجعت رأسي.‏
ـ وإن لم أصمت، فماذا أنت فاعل؟‏
ـ إن لم تصمتي سأعرف كيف أخرسك... سأسلط عليك السحر الذي تعلمته من صديقي الساحر.‏
ـ أمجنون أنت؟ أتعلمت السحر لتسلطه عليَّ وتخرسني، أم لتطرد التابعة الجنية التي تغتال أولادك؟؟‏
ـ سأسلطه على كل من يخالفني. أنا صاحب السلطة في هذا البيت، أفعل ما يروق لي، وكفى.‏
بدا الهلع في عيني المرأة، لأنها وجدت الجد والتصميم في لهجة الرجل، فسكتت على مضض وهي تحدق إليه ذاهلة، فاغرة فمها كأنها صدمت، أما هو فلم يأبه لها، بل غادر البيت كعادته في أي وقت يشاء دون أن تعرف قصده.‏
صبرت المرأة على بلواها، فلم يعد أمامها إلا الصبر. وتظل تراقب زوجها دون أن تعرف عن دخائله شيئاً إلا بالظن والتخمين.‏
ويعود ذات يوم والإعياء باد عليه، فيقعد في الحديقة، ويسند ظهره إلى جذع شجرة ويتناول من الأرض عوداً ينبش به تراب الأرض مفكراً مهموماً.‏
وتجيء المرأة بعد تردد، وتجلس إلى جانبه، وتصمت برهة ثم تسأله برفق:‏
ـ ألا تشركني يا رجل في همومك؟ ألسنا زوجين لنا مصير واحد شئنا أم أبينا؟‏
فقال لها:‏
ـ أعترف لك أنني لا أعرف كيف أدبر أمري مع هذا الساحر الذي وثقت به، لقد بدأ يحاور ويداور.‏
ـ كيف؟؟ ألم يعدك أنه سيعطيك من السحر ما يكفي بقتل التابعة التي تهددنا؟‏
ـ بلى لقد وعد... ولكنه لم يفعل، ولا أخاله سيفعل...‏
شهقت المرأة وقالت:‏
ـ ما حجته في ذلك ما دمت تدفع له ما يطلب مهما تمادى في الطلب؟‏
ـ يدعي ألا قدرة له عليها، كلما أمدني بسحر أمدها أصدقاؤها السحرة بأدهى منه وأمر.‏
ـ لا تصدق ما يقوله... ربما تربطه بها أواصر مودة قديمة... لم لا تتعلم أنت صنع السحر وتطردها أنت بنفسك؟‏
ـ إن ما علمني من فنون السحر لا يكفي لطردها، وإنما يكفي فقط لصدها عن غزونا في عقر دارنا، وخطف أطفالنا.‏
فهزته من كتفه بعنف وقالت:‏
ـ كيف لم تدرك ذلك قبل أن تتورط معه؟‏
ـ هذا الذي حصل...‏
ـ أكاد أجن منك يا رجل، مرة تتعامى وتهرب من الواقع، مرة تقول قدر من الله، مرة تقول هذا الذي حصل، ماذا تنتظر الآن؟ قل لي... لقد غزتنا الجنية ثلاث مرات وقتلت لنا ثلاثة أولاد... أنظل هكذا طوال عمرنا في هلع وخوف؟ ندفع لساحرك تكاليف السحر حتى نكاد نجوع ونعرى، وتظل الجنية تحوم حولنا فلا نستطيع طردها، أو رد أذاها؟ قل لي بربك ما الفرق بين أن تقتل الجنية أولادنا، وبين أن يموتوا جوعاً وهلعاً. كلتاهما ميتة...‏
فنكس رأسه دون أن ينبس بكلمة وعاد ينبش الأرض بعوده اليابس وقد علت وجهه مسحة حزن عميق.‏
وتصمت المرأة عندما تشعر أن شيئاً يغلي في حلقها يمنعها عن الكلام ويكاد يمنعها عن التنفس... ثم تند منها صرخة ألم، فيرفع الرجل رأسه وينظر إليها فإذا أسارير وجهها منكمشة كمن يعاني ألماً شديداً فسألها ما بها، فتشير إلى بطنها المنفوخة وتقول:‏
ـ هذا الجنين... إنه لا يشبه غيره من الأجنة التي حبلت بها، كلما تحرك أشعر كأنه سيفزر بطني ويخرج قبل أوانه.‏
فتبرق عينا الرجل لحظة وهو يمد بصره إلى بعيد، ويتناول من الأرض عوداً لينبش به التراب، فإذا هو عود أخضر...‏




==========
إلفت عمر باشا الإدلبي هي كاتبة وأديبة سورية (1912-22 مارس 2007) ولدت في دمشق في حي الصالحية، من أبوين دمشقيين هما «أبو الخير عمر باشا» و«نجيبة الداغستاني» وكانت البنت الوحيدة بين خمسة أخوة ذكور.
نسبها
يعود نسبها من أبيها إلى أسرة دمشقية الأصل، ومن أمها إلى أسرة داغستانية. حيث نفى السلطان العثماني محمود الثاني جدها الشيخ محمد حلبي، وقسره على مغادرة وطنه داغستان مع أسرته، بسبب نضاله لتحريره من الاحتلال الروسي، ليقيم نهائياً بدمشق.
أسرتها
في عام 1929 تزوجت إلفت من الطبيب حمدي الإدلبي - وهي في السابعة عشرة - دون أن تراه، ولكنه استطاع أن يراها خلسة بمساعدة صديقة للطرفين، وأنجبت له ثلاثة أولاد هم: ليلى وياسر وزياد، وكانت قد انقطعت عن متابعة تعليمها بسبب هذا الزواج المبكر.
تعليمها
تلقت علومها في مدرسة تجهيز البنات، وفي عام 1920 أصبح التدريس في مدرستها باللغة العربية، وحين عاد الملك فيصل الأول من باريس خرجت لاستقباله بزي مدرسي أُعِدَّ خصيصاً لهذه المناسبة التاريخية.
في عام 1921 أُصِيبَت بالحمى التيفية، ونجت منها بأعجوبة، مما أخَّرَها عن الالتحاق بالمدرسة سنة كاملة، ولما أسست مدرسة «العفيف» القريبة من منزلها انتمت إليها، وكانت من المتفوقات في دروسها.
وفي عام 1927 نالت الشهادة الابتدائية وانتقلت إلى دار المعلمات، وكان من أساتذتها فيها أبو السعود مراد، وصادق النقشبندي، ومحي الدين السفرجلاني. وكان صفها قليل العدد لا يتجاوز ستة عشر تلميذاً، أما التلميذات فلا يكاد عددهن يُذْكَر.
البدايات
ظهر ميلها إلى الأدب وهي صغيرة، حتى أن أحد أساتذتها تنبأ لها بأنها ستصبح أديبة مرموقة يوماً ما، وهذا ما حدث فعلاً، وكانت هوايتها المفضلة القراءة الدائبة المستمرة، لا تصرفها عنها مشاغل الحياة الكثيرة. مرضت عام 1932 وظلت طريحة الفراش سنة كاملة، فانتهزت فرصة المرض لتقرأ وتشبع هوايتها وتعب من ينابيع الأدب العربي والعالمي. كانت تقرأ عشر ساعات متواصلة يومياً، تنتقل فيها بين الأدب القديم والحديث والمترجم، إلا أن قراءة القصة كانت هوايتها الأثيرة، وكانت عندها الألذ والأمتع، الأمر الذي جعلها تستنفد جميع مؤلفات محمود تيمور، وتوفيق الحكيم، وإبراهيم عبد القادر المازني، وطه حسين، وميخائيل نعيمة، وجبران خليل جبران، ومارون عبود، ومعروف الأرناؤوط وغيرهم.
شهرتها
حقّقت أعمالها شهرة عالمية فتُرجم العديد من قصصها وكتبها إلى أكثر من عشر لغات عالمية منها: الإيطالية والإسبانية والألمانية، والروسية، والصينية، والتركية، والأوزباكستانية والروسية. كما تمّ اعتماد عدد من قصصها القصيرة لتدرّس في جامعات عالمية: في جامعات الصين، الولايات المتحدة، إسبانيا، روسيا، أوزبكستان. واحدة من مجموعتها القصصية الأولى (قصص شامية) شكّلت منعطفاً مهماً في مسيرة «إلفة الإدلبي» إذ أرسلت قصتها هذه عام 1947 إلى مسابقة في الإذاعة البريطانية لتفوز بجائزة أفضل قصة في الوطن العربي، ما منحها ثقة عالية بالنفس شجعتها على إرسال قصتها (الدرس القاسي) من المجموعة ذاتها إلى مجلة (الرسالة) المصرية ذات الأهمية العالية في عالم الأدب والصحافة، وكانت المفاجأة بنشر المجلة لقصتها، مما زادها ثقة وإصراراً على المتابعة. عضو جمعية القصة والرواية.
نشاطها
جمعية الندوة الثقافية النسائية
في عام (1942م) تنادت ثلة من نساء النهضة السورية لتأسيس جمعية تسعى إلى نشر الثقافة في المجتمع وتهدف إلى تحرير المرأة من قيود الأمية والتخلّف. كانت «إلفة الإدلبي» بين كوكبة النساء النهضويات اللواتي أسّسن بجهودهن لمكانة المرأة السورية وما وصلت إليه من تقدّم علمي ونهضة ثقافة. ترأست «إلفة الإدلبي» اللجنة الثقافية في الجمعية وتضمن عملها الأمور الآتية: 1 ـ تأسيس مكتبة عريقة للجمعية تضم أمات الكتب القيّمة، وكل جديد ومفيد في عالم الأدب والمعرفة والعلوم، وكانت المكتبة وما زالت مفتوحة لكل راغب بالمعرفة والثقافة. 2 ـ تطبيق برنامج للقراءات الثقافية لعضوات الندوة يقرأن فيه كل مستجد في مجال الأدب والثقافة. 3 ـ تنظيم محاضرة في يوم الثلاثاء الأخير من كل شهر تستضيف فيه كبار الأدباء والشعراء والنقّاد والدعوة للحضور عامّة. وقد سعت «إلفة الإدلبي» جاهدة للمحافظة على هذا التقليد الذي تتمسك به الجمعية إلى اليوم واستطاعت من خلال اتصالاتها الثقافية الواسعة أن تجعل من منبر الجمعية منارة ثقافية في وقت كنّا نفتقد فيه للمراكز الثقافية، ولم يكن الكتاب في متناول الجميع. 4 ـ مشروع طباعة ونشر الكتب على نفقة الجمعية أو إعادة طباعة بعض الكتب المهمة وذلك تقديراً لجهود الكتّاب المرموقين، وتشجيعاً لمواهب الكتّاب الشباب.
مؤلفاتها
تركت ألفت الأدلبي وراءها إرثاً ثقافياً كبيراً من القصص والروايات والدراسات الأدبية التي تميزت بالواقعية والتركيز على الحياة الشرقية، وسجلت اسمها كواحدة من أكبر الأديبات السوريات والعرب، حصلت على العديد من شهادات التقدير والجوائز السورية والعالمية.

كتبت أول قصة لها في العام 1947 بعنوان «القرار الأخير»، إذ شاركت بها في مسابقة إذاعة لندن وحصلت على الجائزة الثالثة.
«قصص شامية» العام 1954
مجموعة قصصية بعنوان «وداعاً يا دمشق» العام 1963
مجموعة قصصية بعنوان «يضحك الشيطان» العام 1974
«نظرة في أدبنا الشعبي» العام 1974
«عصي الدمع» العام 1976
رواية «دمشق يا بسمة الحزن» العام 1981
رواية «حكاية جدي» العام 1999
«نفحات دمشقية» العام 1990



5.jpg

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى