عصري فياض - جنوب لبنان والحرب الواسعة...مبالغات أم حقائق؟

بقلم :عصري فياض

بعد طوفان الاقصى،تبدلت أُمور كثيرة،وحسابات جمَّة،فلم يعد الردع والإمساك بناصية المعادلات بشكل مُحْكَمْ،ولم تَعد السيطرة والتحكم بالتطورات الميدانية العسكرية متاحة مئة بالمئة،بل يمكن أن تنقلب الحالة من شكل لآخر عند أيّ تطور غير محسوب،وهذا الامر ينطبق على جبهة جنوب لبنان بين المقاومة الاسلامية في لبنان،وبين الجانب "الاسرائيلي"، فمنذ الثامن من اكتوبر الفائت،عندما دخل حزب الله على خط المواجهة مع "الاسرائيلي" في جنوب لبنان اسنادا لغزة على قاعدة منضبطة ومسيطر عليها، بيَّن أن قواعد الاشتباك في هذه المواجهة ممكن أن تتطور حسب مقتضيات الميدان في الجنوب، وحسب التطورات الميدانية في غزة،ومنذ ذلك الحين، وبعد أكثر من أربعة شهور من المواجهات اليومية ،وما جرى عليها من تصعيد عدواني ومن تصعيد مضاد، وعلو في الكثافة النارية، واستخدام أنواع جديدة من الاسلحة، وتوسيع دائرة الرماية النارية من قِبَلْ المقاومة ردا على توسيع العدوان، وتوغله بشكل اعمق من المناطق الجنوبية الحدودية، احدثت هذه الحالة مما أحدثت نزوح عدد كبير من مستوطني شمال فلسطين المحتلة إلى وسطها،قدر عددهم بنحو مئة الف مستوطن نازح، أحدثت كيَّ وعيّ عندهم من الذي جرى في طوفان الاقصى على حدود غزَّة، وعاشوا هاجس ان يحدث معهم ما حدث بمستوطني غلاف غزَّة، فرفضوا العودة لمناطقهم في شمال فلسطين المحتلة،رغم الاغراءات الكبيرة، إلا بعد أن يزول خطر فرقة الرضوان التابعة لحزب الله في جنوب لبنان، وأبعادها الى ما خلف نهر الليطاني، وأمام الاخفاق في تحقيق أيّ من اهداف الحرب على غزَّة، وأمام ارتفاع تكلفة ايواء مستوطني شمال فلسطين المحتلة التي بلغت مئة وخمسون مليون دولار شهريا، وأمام خلق شبه "حزام امني " في شمال فلسطين المحتلة بفعل تواصل ضربات المقاومة من جنوب لبنان،فقد خلقت هذه المواجهة الطويلة المتواصلة والمتصاعدة،والتي يتعمَّد الاحتلال اخفاء خسائره البشرية والآلية فيها بشكل فاضح خوفا من إنكشاف حقيقة الخسائر، وانعكاس ذلك على معنويات الجيش والجبهة الداخلية، فقد وظفت حكومة الاحتلال كلاً من الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا والمانيا والعديد من الدول الاخرى لممارسة الضغوط الهائلة على الحكومة اللبنانية وعلى المقاومة من أجل تحقيق تطبيق القرار الاممي 1701 بما يخص بند سحب قوى المقاومة (قوة الرضوان) لما بعد نهر الليطاني، تحت وابل من التهديدات من المستويين السياسي والعسكري الاسرائليين، فكان جواب الحكومة اللبنانية وحزب الله موحدا عنوانة : - لتقف الحرب اولا على غزة، ولكل حادث حديث.

وحتى هذا اليوم، لا تفوِّت المقاومة اللبنانية لحظة واحدة في تطبيق مواقفها المعلنة في هذه المواجهة،من رد متضامن ومساند،وثأر لاغتيال،او توسيع لدائرة النار، او استخدام اسلحة جديدة ومتنوعة، أو مساندة فصائل فلسطينية تعمل من الجنوب، أوالابداع في الاعلام الحربي،ودقة في تصوير الاصابات، وارسال الطائرات المسيرة بكافة اشكالها إلى عمق الاسرائيلي، وأثر ذلك في الحرب النفسية على الجبهة الداخلية،ولا تترك مساحة من الوقت أو الجغرافيا، إلا وسطرت فيها بالسرعة المطلوبة فعلها المقاوم كما وكيفا بعيدا عن كل تراجع وملل، وبالرغم من ان شهداء المقاومة وجمهورها قد قاربوا او زادوا عن المئتين، إلا أن وتيرة المشاركات الحاشدة ومراسم تشييعهم لم تتراجع أو تخبوا،حتى في البلدات والقرى الحدودية، بالمقابل المستوطنات في الشمال خاوية على عروشها بعمق يتجاوز الخمس كيلومتر، ولم تعد معسكراته المحصنة مكانا آمنا،حيث يلوذ الجيش الاسرائيلي في بيوت المستوطنين هناك،هربا من جحيم الصواريخ الموجهة،والطائرات الانقضاضية، والرمايات الثقيلة.

إزاء ذلك، هل تنجح الوساطات الغربية، على رأسها الوسيط الامريكي عاموس هوكشتاين وغيره من الفرنسيين والبريطانيين والالمان في تحقيق الحلم "الاسرائيلي" في ابعاد قوة الرضوان لما بعد نهر الليطاني ؟

الجواب لا، والسبب ان العقلية الامريكية والغربية التي وقفت ولا زالت تقف إلى جانب "اسرائيل" هدفها الاول ان تحقق الرغبة " الاسرائيلية "،غير آبهة بالمطالب اللبنانية التي ينص عليها القرار الاممي 1701،والقاضية بالانسحاب من مزارع شبعا وتلال كفارشوبا والجزء الشمالي من قرية الغجر،وثلاثة عشر نقطة على طول الخط الازرق من الناقورة غربا الى مزارع شبعا شرقا،وهذه المناطق تساوي بالمساحة اربعماية وخمسون كيلومتر مربعا حسب الاحصائيات الرسمية اللبنانية،فهل ستوافق اسرائيل على هذا الثمن مقابل تحقيق عودة المستوطنيين الى مستوطناتهم في شمال فلسطين؟ وإذا ما وافقت او أبدت استعدادات للموافقة،من هو الضامن من دول العالم لإجبار" إسرائيل " على تنفيذ قراراتها؟ وهل تثق المقاومة والحكومة اللبنانية بأحد في العالم ممكن ان يضمن "اسرائيل"؟ مع العلم أن تنفيذ تلك البنود الواردة في القرار الاممي كانت يجب ان تطبق خلال ثلاثة شهور من وقف المعارك في صيف عام 2006

وما رشح عن عروض الوسيط هوكشتاين،هو تحقيق انسحاب المقاومة اولا لما بعد الليطاني،مقابل اعطاء محفزات للاقتصاد اللبناني،وبحث النقاط الخلافية على طول الخط الازرق،دون الاشارة الصريحة والتلميحية لمزارع شبعا وتلال كفارشوبا والجزء الشمال من قرية الغجر،على اعتبار أن مزارع شبعا وتلال كفار شوبا وقرية الغجر في المفردات السياسة الاسرائيلية اراض سوريا.

كما ان للبنان قرى سبع،تم احتلالها والسيطرة عليها إبان حرب عام1948،وهي تبريخا والمالكية وصالحا والنبي يوشع وقدس وهونين وابل القمح،وقد نقلت هذه القرى من المجال الفرنسي إلى البريطاني نتيجة لاتفاق الحدود المبرم في عام 1923.وقد تم إخلائها جميعها من سكانها خلال الحرب العربية الإسرائيلية عام 1948،وتقع مواقعها السابقة على الحدود الشمالية.

إن الملفات شائكة ومعقدة،والحقوق اللبنانية كثيرة وكبيرة،والبون بين موقف الجانبيين عميق،والثقة باسرائيل ووعودها معدومة،والمقاومة يقظة وفطنة،فما نصح به السيد حسن نصر الله خلال لقاءه بمثلي فصائل المقاومة الفلسطينية أخيرا قبل ايام،حيث قال : لا يثقوا بالضامنين،وان أخروا الاسرى والمحتجزين الاسرائيليين الورقة الرابحة بين يديكم في غزَّة الى آخر خطوة من خطوات التفاوض بشان الهدن وانهاء الحرب،يدل على عدم ثقته بما يقدمه الوسطاء والضامنين من تعهدات،لذلك لن ينجح هوكشتاين ولا غيره في تمرير اللعبة على لبنان ،وهذا سيجعل اسرائيل في مازق متزايد ستضطر على إثره بالخروج ربما إلى مواجهة واسعة في جنوب لبنان إذا لم يتوقف العدوان على غزّة،وقد تتدرج الامور إلى حرب شاملة تكون أكثر تكلفة من طوفان الاقصى بنتائجها ومآلاتها على دولة الكيان.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى