د. أحمد الحطاب - المقاومة ليست إرهابا

إسرائيل تعتبِر أن أي فلسطيني حمَلَ ويحمِل سلاحا للدفاع عن قضيتِه المشروعة، هو إرهابي. بل إنها تعتبِر أن ألفلسطينيين أو الفلسطينيات، بمجرَّد تفكيرهم في عدالة قضيتِهم، فهم إرهابيون، وبالتالي، يجب التَّخلُّصُ منهم بطريقة أو أخرى.

لهذا السبب، امتلأت وتمتلئ السجون الإسرائلية بالسَّجناء الفلسطينيين، بغضِّ النظر عن سِنِّهم، كانوا أطفالا، مُسِنِّين أو كهولا أو شبابا. ولهذا السبب، كذلك، إسرائيل تُقبِل على إبادة الفلسطينيين بغزة دون التَّقريق بين الأهداف العسكرية والأهداف المدنية، لأنه، في اعتقاد إسرائيل، كل فلسطيني ليس إرهابيا اليوم، سيصبح إرهابيا غدا!
وهذا يعني أن إسرائيل تتعمَّد الخلطََ بين الإرهاب والمقاومة كي لا يبقى ولو فلسطيني واحدٌ حيّاً يتحرَّك في الوجود. شعارُ إسرائيل، في هذه الحالة، هو اجتثاث الجنس البشري الفلسطيني éradication du genre humain palestinien من الوجود.

عادةً، لما نتحدَّث عن المقاومة، فإن الأمرَ يتعلَّق بصمود طرفٍ أمام عدوانِ وطغيانِ طرف آخر يُعتبَر عدوا. ولتوضيح فكرة المقاومة، أستشهِد بالمقاومة التي عرفتها بلادُنا لما كانت مستعمرةً من طرف فرنسا. وقد بلغت هذه المقاومة أوجَها لما أقدم المُستعمِرُ على نفيِ السلطان محمد الخامس إلى كورسيكا Corse ثم إلى مدغشقر Madagascar. حينها، كان المُقاوِمون يُسمَّون "الفدائيون".

والمقاومة، غالبا ما تكون في مواجهة جيوش أقوى منها بكثير من حيث السلاح والعتاد الحربي، كما هو الشأن حاليا بين كتائب القسام والجيش الإسرائلي، في غزة، علما أن هذا الجيش يُعدُّ من أقوى الجيوش في العالم. ومع ذلك ورغم قوة الجيوش التي تواجِهها المقاومة، فإن النصرَ يكون دائما وسيكون، طال الزمن أم قصُر، حليفَ المقاومة.

وبما أن ميزان القوة لا يميل، بالطبع، إلى جانب المقاومة، فأسلحتُها الأساسية هي العمل في الخفاء مستعملةً الحيلةَ astuce، المباغثة effet de surprise، الاستخبارات renseignements والأعمال التَّخريبية sabotage. ورغم ضُعف المقاومة، ظاهريا en apparence، أمام القوة العُدوانية، فإن المقاومين لهم أهدافٌ عسكرية تتمثَّل في إضعاف العدوِّ وجعله يستسلم أمام العزيمة القوية لهؤلاء المقاومين. وقد تلجأ المقاومةُ إلى إصدار صحُفٍ سرية لربط الاتِّصال بين المقاومين والرفع من معنوياتِهم.

وضُعف المقاومة الظاهري أمام قوة العدو القاهرة تحتِّم على هذه المقاومة أن يقودَها دَاهِيَةٌ، أي إنسانٌ من ذوي التَّبصُّر بالأمور، مفكِّرٌ وقادرٌ على استشراف هذه الأمور، وقادِرٌ كذلك على التّخطيط والابتكار. كل هذه المواصفات تنطبق على المقاومة الفلسطينية، وبالضبط، على كتائب القسام، الدِّرعُ العسكري لحماس، التي، اليوم، تواجه وحدها عدوانَ الكِيان الصهيوني الغاشم، الظالم، اللاإنساني واللاأخلاقي.

وللتَّذكير، إن حماس، إلى يومنا هذا، ترفض الاعترافَ بإسرائيل وترفض، كذلك، الاعترافَ باتفاقيات أوسلو التي أُبرِمَت سنة 1993 بين السلطة الفلسطينية الممثَّلة آنذاك بالمرحوم ياسر عرفات ورئيس الحكومة الإسرائلية آنذاك إسحاق رابين تحت إشراف الولايات المتحدة برئاسة آنذاك بيل كلنتون Bill Clinton.

بعد هذا التَّوضيح القصير، أعود لفكرة المقاومة لأقولَ إن المقاومة عملٌ نبيلٌ وراءه قضيةٌ، هي الأخرى، نبيلةٌ. قضيةٌ نابعة من أعماق وِجدان الفلسطينيين ويرضعُها أبناء وبنات فلسطين من ثُدي أمهاتِهم. بل إنها اصبحت تابثة من توابث الأمة الفلسطينية تزداد مع الرُّضَّع وتُتوارَثُ من جيلٍ لآخر!

ونُبلُ القضية الفلسطينية، هنا، يستمِدُّ وجودَه من عدالتها ومن مشروعيتِها قانونيا وتاريخيا. والإيمانُ الراسخُ والقوي بهذه القضية هو الذي جعل المُقاومَ الفلسطيني يحمل السلاحَ للدفاع عن هذه القضية ولإرجاع الأرض المحتلَّة من طرف العدو الصهيوني، ظُلما وعُدوانا، إلى أصحابها الشرعيين.

أما الإرهابُ، فهو كذلك حملُ السلاحِ، لكن دون الاستناد إلى القانون والمشروعية. الإرهابُ، بالطبع، يسير ضد القانون ويعمل خارجٌه. وهو عملٌ دنيءٌ ومُخالف للقيم الإنسانية والأخلاق النبيلة. إنه يتسبَّبُ في قتل الأرواح البريئة علما أنه، في نفس الوقت، عملٌ جبان يقتل ويُخرِّب ويدمِّر لتحقيق أهدافٍ دنيئة وفاقدة للمشروعية. ولهذا، إسرائيل تدافع عن قضية غير مشروعة. وعدم مشروعية قضيتِها هو الذي جعلها ويجعلها تلجأ لإرهاب الدولة لفرض وجودها على الفلسطينيين وعلى المجتمع الدولي.

هذا المجتمع الدولي الذي، بما فيه الولايات المتَّحدة، يميل، حاليا، إلى الجانب الفلسطيني. لماذا؟ لأن الكيانَ الصهيوني، إذا استطاع أن يكذبَ على هذا المجتمع بتبريك من الولايات المتحدة، فإنه، إلى يومنا هذا، لم يستطع أن يكذبَ على الفلسطينيات والفلسطينيين. وإن نجحت إسرائيل في قلب الموازين، على المستوى الدولي، فإنها لم تستطع من محو عدالة القضية الفلسطينية من وِجدان و وعيِ ولاوعيِ الفلسطينيات والفلسطينيين.

ولهذا، فبالنسبة لإسرائيل، كل فلسطيني حمل ويحمِل السلاحَ للدفاع عن قضيته المشروعة، يُعدُّ إرهابي حلالٌ قتلُه. بالنسبة للفلسطيني، ما تعتبره إسرائيل إرهابا، هو، في الحقيقة، مقاومة.

والمقاومة حق مشروع أوصى الله سبحانه وتعالى عبادَه بالكفاح من أجل نَيلِه مصداقا لقوله : "وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ (الأنفال، 60).

وبالطبع، إن القوَّةَ، في عهد الرسول (ص) ليست هي القوة في عصرنا الحاضر. وعبارة "مَّا اسْتَطَعْتُم" تنطبق، بالتَّمام والكمال على المقاومين الفلسطينيين حيث لا مقارنةَ بين ما تملكه إسرائيل من عددٍ وعتاد الدمار والخراب، وبين ما استطاع أن يملكَه المقاومون من أسلحة. والقوة هنا لا تنحصر، فقط، في الأسلحة. بل تشمل كذلك، وكما أسلفتُ أعلاه، في العملَ في الخفاء والحيلةَ والمباغتةَ والاستخباراتِ والأعمالَ التَّخريبيةَ…، أي كل ما يُقوِّي المقاومة ويجعل قهرَها أمرا مستحيلا.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى