د. أحمد الحطاب - يقولون المرأةُ ناقصةُ عقلٍ ودينٍ…

مَن هم الذين يقولون؟ إنهم علماء وفقهاء الدين، وبالأخص، السلفيون المتطرِّفون منهم. إنهم ينطقون بما هم غير متأكدين منه. والدليل على ذلك، هذه الأسئلة الموالية :

1.على ماذا يستندون هؤلاء القائلون؟

2.هل قاموا بأبحاث علمية واستندوا إلى نتائجها؟

3.هل هم متخصِّصون في العلوم الإنسانية، وخصوصا، في علم الاجتماع والفلسفة والتَّاريخ وتاريخ الفكر الإسلامي؟

4.هل، على الأقل، اطَّلعوا على الأبحاث التي قام بها غيرُهم وبيَّنت هذه الأبحاثُ أن المرأة، فعلا، ناقصة عقلٍ ودين؟

5.ألم يُدركوا أن كلامَهم يتناقض مع الواقع الصارخ؟

6.ألم يروا بأم أعينِهم أن المرأةَ أصبحت لها مكانة عالية ومُشرِّفة في المجتمع؟

7.لماذا لم يخطر على بالهم أن التَّاريخَ الإسلامي حافلٌ بذكرِ النساء اللواتي بلغن القمةَ في العطاء السياسي، الأدبي، الثقافي، التجاري…؟

لا، أبدا، إنهم يتنكَّرون لكل هذه الأشياء ولا يريدون حتى مجرَّد التفكير فيها. بل إنهم مُصرُّون ومتشبِّثون على ما/بما قالوه ويقولونه. بل أكثر من هذا وذاك، لا يريدون تشغيلَ عقولهم! لماذا؟

أولا، لأن تشغيلَ العقول سيجعلهم يتناقضون مع أنفسهم حينما يصطدمون مع الواقع الصارخ. ثانيا، لأن فقهاءنا وعلماءنا، وبالأخص، السلفيون المتطرِّفون منهم، الصادر عنهم هذا الكلامَ الذي يحطُّ من قيمة المرأة، اجتماعيا وأخلاقيا، يستندون في أقوالهم هذه، فقط وحصريا، على ما تناقلته كُتُبُ التُّراث الإسلامي. وعلى رأس هذه الكتب، كتاب "صحيح البخاري" و"صحيح مسلم" و كثير من الكتب التي نقلت وتناقلت الأحاديث النبوية.

وللتذكير، فكثير من الفقهاء وعلماء الدين يقولون إن "صحيح البخاري" هو أصحُّ كتابٍ بعد كتاب الله، أي القرآن الكريم.

بل إنهم، لتبرير قولِهم بأن المرأةَ "ناقصة عقل"، استندوا ويستندون إلى آية قرآنية لها علاقة بالشهادة، يقول فيها سبحانه وتعالى: "...وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِن رِّجَالِكُمْ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَن تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَىٰ…"(البقرة، 282).

في هذه الآية، الله، سبحانه وتعالى، لا ينتقص من قيمة المرأة. بل إنه يقول، عزَّ وجلَّ، إذا استعصى عليكم وجودُ رجُلين إثنين، فعليكما برجلٍ وامرأتين. في هذه الحالة، الله يريد أن يسهِّلَ الأمرَ. واختيار امرأتين لا يعني أن شهادةَ المرأة تُساوي نصفَ شهادة الرجل. بل إن الله يُحدِّر من "أَن تَضِلَّ إِحدَاهُمَا"، أي أن تنسى أو تُخطئ أو أن تحيدَ عن الصواب فتُذكِّرها المرأة الثانية. لكن ما هو أهم هو أن اللهَ، عزَّ وجلَّ، يقول : "...فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ…"، أي أنتم مَن يختار رجلا وامرأتين بسبب نزاهتهم وصدقهم وإيمانهم… وبحكم توفُّر الرجل والإمرأتين على النزاهة والصدق والإيمان، فمسئولية الشهادة تقع على مَن يشهد، سواءً كان ذكرا أو أنثى، وليس لأن المرأةَ ناقصة عقل ودين.

أما حينما يقول فقهاءُ الدين وعلمائه إن المرأة "ناقصة دين"، فمبرِّرُهم الوحيد هو أن هذه المرأةَ، حينما يأتيها الحيض menstruation، فإنها تتوقَّف عن الصلاة والصوم.

فلماذا حكمَ الفقهاء وعلماء الدين على المراة انطلاقا من آية واحدة؟ ولماذا لم يأخذ الفقهاء وعلماء الدين الآيات الأخرى بعين الاعتبار؟

ألم يقل سبحانه وتعالى في سورة التين، الآية رقم 4 : "لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ". ومصطلح "إنسان" يشمل الذكر والأنثى. و"أحسن تقويم" تعني أحسن صورة. ثم، ألم يقل كذلك، عزَّ وجلَّ، في سورة التغابن، الآية رقم 3 : "خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ". "فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ" تعني أتقن صورَكم وأحكمها. والمرأة هي مخلوق من مخلوقات الله. تحيض أو لا تحيض، فالله أحسن خلقَها وتصويرَها كما هي! فلماذا تغاضى علماء الدين وفقهائه عن هاتين الآيتين وركَّزوا اهتمامَهم، فقط، على الآية رقم 282 من سورة البقرة؟
وهاتان الآيتان ليستا الآيتين الوحيدتين اللتين تبيِّنان أن المرأةَ ليست "ناقصةَ عقل ودين" كما يريد أن ينتقصَ من قيمتِها علماء الدين وفقهائه. هناك آياتٌ أخرى تبيِّن أن المرأةَ لها قيمة خلافا لما يدَّعيه هؤلاء الفقهاء والعلماء. من بين هذه الآيات، أذكر، على سبيل المثال :

1."وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ" (التحريم، 11)

2."قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّىٰ تَشْهَدُونِ" (النمل، 32).

في الآية الأولى يتعلق الأمرُ بزوجة فرعون، أَسِية بنتّ مُزاحم، بينما في الآية الثانية، يتعلَّق الأمرُ ب"بلقيس"، ملِكَة سبأ.

فهل الله سبحانه وتعالى سيذكر في كتابه الكريم هاتين المرأتين لو كانتا ناقصتي عقل ودين؟ بل إنه اختارهما لتكونا عبرةً لكثيرٍ من الرجال.

في الآية الأولى، يتبيَّن لنا أن فرعون لم يستطع أن يُقنِعَ زوجتَه بادِّعاده الألوهية، كما فعل مع قومه كلُّهم رجال مصداقا لقوله سبحانه وتعالى : "فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ" (الزخرف، 54). وبالتالي، لم يستطع فرعون أن يصُدَّ زوجته هذه عن الإيمان بالله، والتي ستُصبح الأم بالتَّبنِّي للرسول موسى عليه السلام. فهل الله، جلّ علاه، سيُسند تربيةَ رسوله موسى، عليه السلام، لإمرأة ناقصة عقل ودين؟

في الآية الثانية، أراد الله سبحانه وتعالى أن يبيِّنَ لنا أن بلقيس، ملكة سبأ، بلغت القمة في التَّعقُّل والديمقراطية، حيث لم تُرِد أن تحسمَ في أمرٍ ما إلا بعد استشارةٍ من الملأ، أي من عِلِّية القوم. أليست هذه الملكة عادلةً ومنصفةً في حكمها؟ هل هذه المرأة، ملكة سبأ، ناقصة عقل ودين؟

وفي المقابل، ماذا فعل فرعون الرجل؟ فعوض أن يطلبَ المشورة من الملأ، فإنه أبان عن طُغيانه وادِّعاده الألوهيةَ، مصداقا لقوله سبحانه وتعالى : "وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَل لِّي صَرْحًا لَّعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَىٰ إِلَـٰهِ مُوسَىٰ وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ (القصص، 38).

ومن جهة أخرى، لماذا لم يتذكَّر :

1.فقهاء الدين وعلماءه زوجات الرسول (ص)، وعلى رأسهم السيدتان خديجة بنت خويلد وعائشة بنت أبي بكر الصديق. فهل العقل السليم والمنطق يقبلان أن الرسول تزوَّج بنساء وهنَّ ناقصات عقل ودين؟

2.فقهاء الدين وعلمائه أنه، من بين الصحابة، كان هناك صحابيات؟ علما أن اللهَ، سبحانه وتعالى، كرَّمَ الصحابةَ برضوانه و وعدهم بالجنة مصداقا لقوله، عزَّ وجلَّ : "وَالسّابِقونَ الأَوَّلونَ مِنَ المُهاجِرينَ وَالأَنصارِ وَالَّذينَ اتَّبَعوهُم بِإِحسانٍ رَضِيَ اللَّـهُ عَنهُم وَرَضوا عَنهُ وَأَعَدَّ لَهُم جَنّاتٍ تَجري تَحتَهَا الأَنهارُ خالِدينَ فيها أَبَدًا ذلِكَ الفَوزُ العَظيمُ (التوبة، 100).

3.فقهاء الدين وعلمائه أن الصحابيات كنَّ يُرافقن الرسول وصحابتُه في الغزوات حيث كنَّ تقمن بتطبيب الجرحى وإعداد الطعام للجنود؟

4.فقهاء الدين وعلمائه أن الإسلام جاء ليحرِّرَ المرأةَ من عبودية وطُغيان الجاهلية؟ فكيف لهؤلاء الفقهاء والعلماء، الذين يدافعون عن الإسلام، أن يتناقضوا مع هذا الإسلام بإرجاع المرأة إلى ما كانت عليه في الجاهلية؟

ما أختم به هذه المقالة، هو الإلحاح على أن فقهاء الدين وعلمائه تنكروا ويتنكَّرون للواقع الصارخ الذي يكذُّب ما يتبنَّونه من انتقاص من قبمة المرأة. فهل من المنطقي أن نقبلَ هذا الادِّعاءَ والواقع يثقُب أعينَنا؟ أو بعبارة أخرى، هل العقل السليم، النَّيِّر والمستنير يقبل هذا الادِّعاءَ أمام واقع صارخ؟ une réalité qui crève les yeux.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى