السيسي؛ تأريخ للاسم

أنا من أشد دعاة الرأي والرأي الآخر, ولكني لا أعمل إلا بما يتوفر لدي، مثلا نحن نعيش في ظل دولة عسكرية -وصدقني أنا افتخر بذلك وسأوضح السبب- يمكنها ببساطة أن تسحق أي معارض, وما قيمة أن يموت المرء دون أن يحقق شيئا. في الواقع, إن النظام المصري نظام قوي (نقطة إيجابية) ولكنه يقمع أي مبادرة لإخراج الصوت الآخر (نقطة سلبية). ولهذا أود أن أمثل أنا هذا الصوت الآخر, والمعارضة الوحيدة القائمة حاليا داخل الجمهورية المصرية. مع ذلك أنا متحير, فهذا ليس الغرض الوحيد الذي أريد تحقيقه, لأن هناك رغم ذلك الكثير من الأصوات المعارضة بالفعل في العالم العربي, والغربي, والشرقي, ليس داخل مصر, ولكن الأصوات كثيرة جدا وتكاد تجتمع كلها في نوع من المؤامرة ضد النظام المصري. الشيء الوحيد الذي يجعل إعلاما ما, يتصف بأنه نزيه, هو كونه إعلام محايد. كل القنوات الإعلامية للمعارضة عربية أو غير عربية هي إعلام موجه أبعد ما يكون عن أي حياد.

وقد تحدثت ولازلت أتحدث عن المطاعن ضد النظام, وقد سجلت في سياق ذلك اعتراضاتي الشخصية على النظام الحالي, والتي لازالت جارية ومتجددة أحبذ لو أقوم بالتذكير بها قبيل البدء بالخوض في الدفاع عنها ضد المطاعن المسددة ضدها.

أول هذه المطاعن (وآخرها أيضا) هو

هل نحن نعيش في ظل نظام حكم شمولي؟

والإجابة هي بالتأكيد نعم. ولكن هذا التعريف ولو كان متوافق إلى حد كبير مع ما ينادي به دعاة التحررية والديمقراطية, إلا أنه تعريف ينبثق عن أصل لغوي يقبح المسميات العربية والإسلامية بناءا على نزعات غربية لتشويه صورتنا. ومثلما ترجع الأصولية أحكامها على الأمور إلى أصل واحد, ولهذا هي قريبة الشبه بالأصولية. فإن الشمولية في العربية معناها اشتمال الحكام على كل مقاليد الحكم. والشمولية -في أصلها- تختلف عن الأصولية لأنها تشتمل على أكثر من نموذج للحكم على الصعيد الاجتماعي والشعبي (دون السياسي). نعم .. هذا قد يفتح مجالا للعنف السياسي على المستويات السياسية وفوق السياسية, ولكن التاريخ السياسي كله ليس إلا تأريخا للعنف. ورسولنا الكريم محمد, معروف -بالنسبة للتاريخ- أنه النبي الأكثر دموية من بين جميع الأنبياء, لا يضاهيه في ذلك تقريبا إلا ملوك اليهود مثل سليمان وموسى والمعروفين عبر التاريخ بأنهم قادة عسكريين محنكين لهم باع في الحروب. إن (إقامة الحرب من أجل تحقيق السلم) هو أساس منطقي لأي حكم عادل مهما تباينت المذاهب السياسية, والتاريخ والواقع يؤكد على ذلك. ولهذا تتذرع به دولة أمريكا اليوم لفرض سيطرتها وبسط نفوذها على منطقة الشرق الأوسط, كما حاولت أن تفعل قبلا في العديد من المناطق والدول حول العالم. فهي تزعم أن حربها على الإرهاب, أو من أجل تحقيق السلام في الشرق الأوسط. لذا فجميع رجال السياسة أولاد كلب, إلا من رحم ربي بالطبع, وهم قلة في هذا العالم, ويتم تشويه صورتهم باستمرار.

مع ذلك, وقولا واحد, أسرد أكبر أربع نكبات تسبب فيها النظام,وهي

1-القمع

2-الغلاء

3-الاقتطاع

4-التطبيع

مع ذلك,مرة أخرى، أنا لن أقول المزيد عن هذه المسائل, عدا ما أكون مدافعا فيها عن النظام فقط, وللقارئ الكريم أن يقبل أو يرفض رأيي, ولكن عليه أن يحترم رأيي مثلما احترم رأيه ورأي كل من له عقل.

هناك مسألتين يجب تناولهما هنا؛ الأولى هي الحفاظ على النظام القائم. والثانية لاحقة على الأولى, وهي التعبير عن قوة هذا النظام.

من خلال تحليل المسألتين, يمكننا إضاءة بعض النقاط حول حقيقة (الواقع السياسي المصري والعربي). عبر بيان العلاقة القائمة بين النظام, والمواطن. وهي علاقة نفعية يفترض فيها أن الشعب يغذي النظام بقوته, مقابل أن يقوم النظام برعايته.

من خلال شواهد عديدة, ربما نعرضها بالتفصيل لاحقا, نستنتج أن النظام -وأقصد هنا النظام المصري خاصة- هدفه الأول هو الحفاظ على بقاءه. وخلق مشهد لا وجود للمواطن فيه. هذا المشهد المستمر حتى اليوم والممتد إلى بعض أطراف النظام التي لا تشكل قيمة كبيرة بالنسبة للقوى الأمنية, مثل أمناء الشرطة ومندوبي ومعاوني الشرطة, وحتى بعض المجندين. ويعرض صاحب هذه التدوينة على جريدة المصري اليوم, بتاريخ 16/6/2010 لبعض الشواهد التي مرّ بها هو شخصيا.

"عندما نتكلم عن الشرطة أو رجل الشرطة بالأخص فلابد أن نتكلم عن الأمن والأمان والثقة الكبيرة الموجودة بين المواطن ورجل الشرطة فى حفظ الأمن داخل الوطن.

ولابد أن نتذكر أيضا شعار الشرطة الرئيسى وهو أن «الشرطة فى خدمة الشعب»، ونتذكر أيضاً أنه عندما نتحدث عن أوجه التعامل بين رجل الشرطة والمواطن فلابد أن يكون هذا التعامل مبنياً على الاحترام والتعاون المتبادل، حتى لا تحدث فجوة معنوية بين المواطن ورجل الشرطة التى بدورها سوف تثير نوعاً من الجدل المستمر دائماً إذا لم يكن هناك أسلوب مبنى على الاحترام لآدمية الإنسان.

ولا أحد ينكر المجهود الذى يبذله رجال الشرطة فى حفظ الأمن والأمان للمواطن والوطن، ولكن دائماً ما تجد هناك قلة من الناس فى كثير من المجالات والأجهزة الحكومية وليس أجهزة الشرطة بعينها تغمق الصورة قليلاً أمام الرأى العام والصورة التى التمستها بنفسى لهذه القلة من الناس تنحصر فى أسلوب التعامل مع المواطن، خاصة إذا كان هذا المواطن لم تثبت أى إدانة عليه أو أى نوع من المشاكل أو الجرائم التى سوف تسبب له نوعاً من التساؤل على الأقل فى ذلك الموقف وتتم معاملته على أنه مذنب .. هذه الصورة رأيتها بنفسى كثيراً، والتمستها بنفسى كثيراً فى كثير من المواقف التى حدثت مع أناس آخرين أمام عينى، خاصة فى كمائن الشرطة بحكم سفري الدائم والمستمر!!

فأسلوب التعامل مع المواطن يصل أحياناً إلى نوع من الاحتقار لآدمية الإنسان والتدني الأخلاقى فى الألفاظ دون أى سبب أو مشكلة، والسؤال الذى أسأله لنفسي دائماً لماذا لا يتم التعامل مع المواطن بنوع من الاحترام حتى تثبت إدانته..

وبكل أسف هذه السلبيات تحدث من أشخاص دون أقل من صف الضابط فى جهاز الشرطة مثل أمناء الشرطة والمندوبين والمجندين، وعلى سبيل الحصر وليس الجمع فالحديث هنا عن قلة معينة حتى لا نغمق الصورة بأكملها ضد هذه النوعية من الناس وأغلب هذه المشاكل تأتى عن عدم الوعى لأساس العلاقة بين رجل الشرطة والمواطن والتى لابد أن تكون مبنية على الاحترام المتبادل لكى يحدث نوع من التعاون الذى بدوره سوف يساهم ويساعد على حفظ الأمن والأمان فى الوطن.. فلماذا لا يكون هناك دور من الوعى المستمر من قبل وزارة الداخلية لهذا النوع من الكوادر البشرية حتى لا تنعكس الصورة بأكملها على الوزارة؟". [انظر الرابط

https://www.almasryalyoum.com/news/details/278426].

وبالرغم من مرور أكثر من عشرة سنوات على هذه التدوينة, إلا أن شواهدها لازالت حاضرة إلى اليوم أشهدها أنا أيضا بنفسي, سواء في المواصلات القريبة داخل القاهرة أو البعيدة أو في المعارض أو المحاكم وأقسام الشرطة وخلافه. بل وللأسف، تم تحويلي إلى مجرم في إحدى المرات، بسبب تقصد أحد الضباط لإيذائي، فقط لأنني رفضت احتقاره لي!. أي تم تلفيق قضية لي، أظهرت المحاكمة براءتي ولكن من يدفع حق (البهدلة) والحبس، وسمعتي التي تم ضربها في مقتل، والملف الذي لم يعد أبيض بعد أن كنت افتخر بأنه ليس لي أي سوابق (أصبح لي سابقة إدانة) وللموضوع قصة نحكيها في موضع آخر.

والإعلام, بوصفه صوت النظام, عبّر عن ذلك عبر رفع شعار (الجيش والشرطة والشعب في خدمة الوطن), بديلا عن شعار (الشرطة في خدمة الشعب) الذي وإن ظل قائما, ولكنه لا يعبر بالضرورة عن تلك الحتمية الضرورية التي تفترض أن الشرطة والجيش في خدمة الشعب. وتم هذا التعديل, بالتعديل على شعار آخر شهير رُفع أثناء الثورة المصرية في 25 وهو (الجيش والشعب والشرطة يد واحدة) الذي كان القصد منه المرور من أزمة ظرفية لا تتعدى الوقت المستغرقة فيه الفترة الإنتقالية, التي انتهت بالتأكيد من خلال تسليم السلطة من نظام عسكري إلى نظام عسكري آخر. ولكن هناك نوع من التشويه القمعي والإعلامي الذي يقوم به النظام (نعم هناك تكميم للأفواه في مصر) من أجل مد الأزمة, والمحافظة عليها قائمة أو خلق أزمات وهمية لتهميش أي نوع آخر من الأزمات القائمة بالفعل حول تزايد معدلات الفقر والجوع والجهل والجريمة في مصر. ويعمل النظام على إلغاء كيان الشعب تماما من خلال خلق كيان آخر وهمي هو الوطن, الذي يُفترض أن نخدمه جميعا. وهذه العبارة وإن كان فيها شيء من الصحة, إلا أنها تقوم على مغالطة لأن الشعب يفترض أنه هو الوطن الذي يلزم حمايته (وليس الجمادات فيه مثلا). ولا جماد أهم من الأرض التي يعيش فوقها الشعب, بينما الجيش والشرطة والرئيس نفسه ليس إلا مؤسسات تعمل في خدمة هذا الشعب / الوطن. والمواطن, متروك لحاله, ينظر في أمره بنفسه, ويعين نفسه على نفسه, وليس عليه أن يطالب الدولة بأي شيء, بل وعليه أن يأكل عيش (حتى ولو لم يكن العيش موجود) ويحمد الله أنهم سمحوا بوجوده من الأصل. لهذا نجد أن إعلام النظام, لا يسلط الضوء على الفقراء إلا من خلال تقديمهم على أنهم (مجرمين فقط لا أكثر), أو بقايا من مجتمع بائد في أحسن الأحوال. في مقابل الكثير جدا من الأضواء على حياة الأثرياء, هذا لأن الثراء هنا لا يتعارض مع النظام في شيء. فالأثرياء قادرين على الحصول كل ما يريدون من مأكل ومشرب ومسكن وصحة وتعليم, وعلى أحسن مستوى, دون أن يضطروا لمطالبة النظام بأي شيء. بل أن ما يوفروه لأنفسهم من رفاهية ورغد في العيش, يعجز النظام نفسه عن توفيره عبر مؤسساته البالية والمتراكمة كأنها غيلان من زمن ولى, وتعيش على إلتهام الأجساد المريضة والهزيلة للفقراء. بما في ذلك المؤسسات الإعلامية التي أصبحت هزلية جدا, وسطحية لأبعد مدى. وراجت عبارة (تم الإرسال من جهاز سامسونج) تعبيرا عن التهكم والسخرية من هذا النظام الإعلامي الفاشل.

ومع ذلك, وبعد أن سلخنا أم النظام بكلماتنا هذه, يخطر في بالي جهتين أعمل حساب لهما؛ الأولى هي جهة المعارضة التي لن تعجبها أغلب كلماتي القادمة. لأنني, ولك أن تتصور, مؤيد تماما للنظام ومن أشد المنادين بالحفاظ على بقاءه. وهي نقطتنا التالية. مع ذلك, أنا أصنف نفسي ككاتب حرّ, ربما أتجاهل عمدا تحليل ثغرات النظام, ونقده في المواضع التي يلزم نقده فيها. ولكني لا أقول أبدا إلا ما أؤمن به, فأقوله صادقا مصدقا له. لكلامي أنا المعبر عن أفكاري أنا. ولكن أحسب أن المعارضة ليست نزيهة كفاية لتشهد لي بذلك, وهي بدورها سوف تسلخني سلخا, وتنحت فروة رأسي, ولا أمانع ذلك, ولكن أن يكون تحليلا صائبا صادقا لا موجها. وهو ما لا أجده لليوم للأسف بعد.

الجهة الثانية التي تعنيني هنا, هي النظام نفسه, أيها النظام المصري الحاكم لدولتنا, أنا آسف عن أي إساءة غير مقصودة قد ترد هنا (وقد أحذفها لاحقا إذا أشار أحد لها). وأنا لا أكتب ما أكتب إلا لأن مرادي هو الحفاظ على بقاءك. وتصحيح أخطاءك من أجل الحفاظ على بقاءك. ومهمتي تتلخص حول استكشاف مكامن المعارضة والتعريض على حد سواء, وما يمكن أن يسبب نفور الشعب, والشعب قوة طاغية يجب عمل ألف حساب لها في أي خطوة.

ولهذا أنا أركز في العادة على ثلاث قوى رئيسية

1-الحكام

2-والمال

3-والمحكومين

وهي المواضيع التي نركز عليها أكثر فيما يأتي

ولكن علينا أن نكرر السؤال مرة أخرى

-هل نظامنا قمعي؟

نعم, هو كذلك, فقط لو اتبعنا بشكل أعمى تلك التصنيفات الساذجة التي يموضع بها الغرب حكامنا ودولنا, ويجعلنا فقط مجرد موضوعات للدراسة, في حالة يظل هو بمعزل تام عن ذلك.

في الواقع, وفي ظل النظام العالمي الحديث, لا وجود لدولة قمعية, وأخرى غير قمعية, هذه توصيفات خاطئة تماما, لأنها تفترض وجود هذا النظام الطوباوي الذي حوّل دولته إلى يوتوبيا!. وأكبر الزاعمين بذلك هي أمريكا نفسها, التي ورغم كوني كنت أكثر عربي يحبها, وربما لازلت كذلك. إلا أن الكراهية في قلبي تتزايد لها يوما بعد يوم. وإذا كانت المعارضة الممثلة في شخصيات مشهورة مثل أحمد بحيري (الإسبوع في كيس), ويوسف حسين (جو شو), ونيكولاس خوري (السليط الإخباري) تركز على مظاهر القمع في مصر والعالم العربي, دون عمل حساب لأي (ضرورات سياسية) في نوع من الخطاب المستثير فقط لمشاعر الجماهير. فهم يغفلون تماما وعن عمد في الكثير من أحيان, توجيه النقد لأي كيانات غربية مؤثرة فعلا إلا فيما قل وندر. وأنا هنا ذكرت فقط منصات الإعلام المرئي, ولم نتكلم عن الإعلام النصي. ناهيك عن التغاضي عن الممولين، مثلا من كانت تركيا تدفع له، يستميت للدفاع عنها، وإظهارها كأنها الدولة المثالية، والأولى، والأعظم في العالم. هذا ما نجده من مصري، متخلي عن مصريته، مثل أحمد بحيري، الذي كنت أفكر يوما بالعمل معه تحت وطأة الحاجة إلى المال، وهو يدفع جيدا، ولكني تخليت سريعا عن الفكرة حتى لا يتم تصنيفي كمعارض سياسي للنظام المصري.

ينادي أغلب منظري الغرب بأننا وصلنا إلى المرحلة الرابعة, أو حتى الخامسة, من الإعلام الرقمي الحرّ القائم على شبكة تفاعلية لا تسيطر عليها أي جهات بعينها, أي أنه نظام قائم بالكامل على فكرة (من الجمهور وإلى الجمهور). هذه الفكرة, التي يتم ضخ ملايين, بل مليارات الدولارات والجنيهات من أجل تضخيمها وترسيخها باعتبار أن هذا (أي الإنترنت) هو الإعلام الجديد الحرّ والذي يعد بمجتمع رقمي افتراضي وطوباوي تماما. بالطبع من أجل الحفاظ على الهيمنة الإعلامية الكبرى والتحكم بأهم منصة إعلامية في العالم اليوم (أي الإنترنت) مع الزعم بأن كل ما يخرج فيها هو خطاب ذو مصداقية عالية. وبالطبع لا حاجة للحديث هنا عن تأثير المال وقدرته على التحكم بدول, فما بالك بمجرد منظومة اتصالية, يزعم البعض أنها متجاوزة لإمكانات الدول.

سأعرض لك نموذجين فقط على سبيل الذكر لا الحصر؛ الأول من الغرب, فأهم المنصات الاجتماعية النصية مثل العملاقين الأزرقين فيس بوك وتويتر,أ و المرئية مثل المارد الأحمر يوتيوب,تحظر أي إساءة, وربما أي استخدام يرد فيه كلمة (إسرائيل)!.

والنموذج الثاني, هو ما يُعرف عن الصين بوصفها مجتمعا مغلقا بالكامل, بل وفي وسائل التواصل الاجتماعي والوسائط الشبكية (الإنترنت) المستعملة داخل الدولة. حتى أن المؤسسات الأمريكية الكبرى مثل يوتيوب وفيس بوك وتويتر مُنعت من دخول الصين. واليوم أصبحت الصين تصدر لنا منتجاتها مثل تطبيق تيك توك.

ولكن "من غير المنطقي القول بأنه ليس هناك بديل لأشياء مثل انعدام الكفاءة والديكتاتورية, فالبدائل عديدة ومعروفة منذ الأزل". [سلام بلا أرض / إدوارد سعيد / دار المستقبل العربي,ص 6.] هكذا يقول أكبر معارض للنظم الشمولية الغربية إدوارد سعيد.

والبدائل برأيي لا تنتظر مقترحا مني للتعديل عليها, فقد أضاف النظام الكثير جدا من التعديلات على سلك الشرطة, متقدما بمراحل عما كان سائدا في ظل النظام الناصري بظلمه وجوره الممتد إلى عهد السادات وحسني مبارك, وهي نظم يمكن وصفها بأنها قمعية بامتياز.

أجمل ما يميزني, حسب رأيي أنا, وأرجو أن تعذروني في هذا التمييز أو الخيلاء كما قد يحسبه البعض, هو قدرتي على تعيين ما الذي أتميز به, وما الذي أخيب فيه, ويخيب ظني في نفسي عنده. وبالتالي, أستطيع دائما, ليس تقييم نفسي ومحاسبتها فحسب, بل وتقييم أحكام الغير عليّ. كما أنني أعد الإنسان ذو رؤية قاصرة إلى أن يقرأ أو يجرب, ولا مجال لأي نوع من التعالم خارج هذين السياقين, والأفضل عدا عن ذلك أن أقول (لا أعلم) فيما لا أعلم بالفعل. بعيدا عن القراءة التي قد تعطي معطيات سياسية واجتماعية عن الوضع الراهن يمكن التشكيك فيها. أقول من مبدأ التجربة أنني عشت في هذه الدنيا ربع قرن خبرت فيها الكثير, الكثير جدا. ما يشهده الناس في قرن, شهدته أنا في سنين عمري القليلة تلك, وهو زعم كبير قد لا يصدقه الكثيرين. ولست معني هنا بتقديم الأدلة على أقوالي (قد أفعل لاحقا), ولكني مهتم أكثر بعرض بيان صادق, بافتراض صدقه يمكن الاستفادة من تجربته.

وهي تجارب تفيض بنتائج تدين الجميع بلا استثناء. ويبدوا أن رجل الدولة, وهو السيسي مثل الذئب الوحيد, الذي يحاول قيادة القطيع, ولكن الكل يتكالب ضده, بما فيهم بعض أفراد المجلس العسكري نفسه، ولي تحفظات أذكرها لاحقا، ولكن وإن كان التكالب يأتي من الكلاب فالكلاب حقا هي تلك التي تنثر مزاعم على الشبكة بدون أي أدلة، لم يرد لي دليل واحد حتى الآن يدين المجلس العسكري، ولا حتى أي من حاشية الحكم، نلحظ أنه لنا فترة لا يوجد أي فضيحة في أي وزارة. مع ذلك وفي ظل بعض التضييق من الجيش, ومن رجال الأعمال الجشعين, ومن رجال الدين, ومن الإعلام المعارض, وحتى من الإعلام المؤيد الذي يكتب له خطابات بلهاء, ويعد برامج أكثر بلاهة, مما جعل السيسي مثار سخرية بين قنوات المعارضة, والوسائل الشعبية الاجتماعية. في ظل كل هذه الظروف يبدوا الرجل عاجز عن تقديم أي إصلاح فعلي, خاصة وأنه لا يوجد من يقدم له أي توعية سليمة أو إرشاد على الصعيد السياسي أو الاقتصادي. مع ذلك, فالرجل عبقري, قدم الكثير من المنجزات التي يجب أن نشهد له بها، منجزات كثيرة تتخطى تخصصه السياسي / العسكري / الأمني إلى طفرة صناعية ومعمارية ملحوظة في مصر, وما زال يقدم المزيد. ولا يزيد كلامنا إلا عن مجرد نوع افتراضي من (حزب المعارضة) الذي لا يقيم محاكمة لا للمجلس العسكري, ولا لكبار رجال الدولة مثل رئيس الوزراء أو الفاسدين داخل النظام, دع الفاسدون ينعمون بما يملكون. فأنا حين أدين شخصا بعينه, ولو فرضنا أنه نافذ كفاية لدرجة أنه لن يتم تقديمه للمحاكمة, والتحايلات على القانون عديدة. فما فائدة الكلام عنه. ما يمكننا فعله هو الإشارة إلى الثغرات التي يمكن سدها, وبهذا نصل إلى القصد, وهو تحقيق جانب من الإصلاح. وهذه الإصلاحات لا يمكن تحقيقها إلا من خلال برنامج إصلاح ثقافي-اقتصادي انطلاقا من القول (لا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم), أي من الأسفل إلى الأعلى, وليس من الأعلى إلى الأسفل كما يزعم كبار المعارضين خارج البلاد.

وأهم قاعدة لحدوث هذا الإصلاح, هو بقاء النظام. يقول عبد الرحمن بدوي عن الفيلسوف العظيم شوبنهاور: "كان حرا كأوسع ما تكون الحرية بإزاء السلطات الثلاث, فلم يحفل بالسياسة على الإطلاق. وإن كان نصيرا للنظام ولهذا أبغض الثورة التي قامت في ألمانيا عام 1848م, لأن فيها إخلالا بالنظام" [في صحبة الكتب / علي حسين / أثر,ص 59].

فالنظام يعني الأمان.

ونعم أنا هنا أساوم على الحقوق الأخرى مقابل الأمان, فالحقوق الأخرى مثل المأكل والمشرب غير مسلوبة من المواطن المصري كما تزعم المعارضة الخارجية دائما.

ويمكنك قراءة مقالي المعنون (يوم تجمدت فيه الحياة) لمزيد من الإيضاح حول ضرورة بقاء الدولة آمنة مستقرة. رايفين فرجاني - يوم تجمدت فيه الحياة

-وقول الحق غير النضال من أجله

هنا يجب أن نعرف أن الوضع، يمكن النظر إليه من زاوية معكوسة، مثلا النظام مشغول بإعادة بناء البنية التحتية, وبالإعمار، وتوطيد العلاقات السياسية على الصعيد الخارجي والداخلي، وتجاوز الكثير من الأزمات الأمنية والمالية. لما ننظر إلى أكثر ما أدين به النظام على التوالي؛ القمع، يأتي الرد، بأن كل الدراسات العلمية أثبتت أنه أكثر بيئة تحقيقا للسلام والأمان وقدرة على القضاء على الجرائم والعنف، هي الدولة العسكرية, وذلك يلزمه شرح يطول. طيب .. ماذا عن الغلاء، والله يا عزيزي القارئ، ويا عزيزي المعارض، لو تعلم حال كاتب هذا المقال، من جوع وتقشف وشقاء، لشاب شعرك، ومع ذلك، لم أمد يدي قط، لا لأسرق، ولا لأتسول، ولا لأدين النظام. آبائنا كانوا قادرين دائما على كسب القرش، ومصر غنية فعلا، وعامرة بالخيرات. وأنا لم أنجح لليوم، في التكسب من الكتابة. ورغم أن لدي إعاقة بسبب كسر في ساقي وبعض المشاكل في عموم العظام ناتجة عن حادث سيارة ما يعجزني عن مزاولة الأنشطة والمهن التي كنت أعمل بها. إلا أنني لا زلت أعمل مثل أي عامل شريف وبشكل مثالي لا يصدق. طيب، هناك من يقول أن مصر قامت بالتطبيع. التطبيع في حد ذاته، مصطلح مراوغ يراد به أن يسوء كل مطبع. مع أن التطبيع هو ضرورة سياسة قصوى للحفاظ على موقع مصر الإقليمي ودورها السياسي بالغ الأهمية في المنطقة. ينسى بعض المعارضين، ينسون أو يتناسون عمدا، أن دولة مثل تركيا، يشاد بها عند أي تدخل لتحقيق السلم بين إسرائيل والأطراف المنازعة. مع أن لمصر دور أكثر أهمية في إيقاف الصراع من خلال عمل هدنة مؤقتة أو مطولة أكثر من مرة بين إسرائيل وفلسطين. بالإضافة إلى دورها في إرسال المساعدات، التي ساءني أن بعض العاملين استغل المحنة وطمع في المنحة الغذائية والطبية لبيعها أو الاستيلاء عليها والدولة المصرية بريئة من فعالهم. إن إسرائيل دولة قائمة، والدولة المصرية تعرف كيف تتعامل معها، كونك لا تعترف بأن النمر خلفك، لا يعني أنه لا وجود لهذا النمر خلفك. حفظ الله مصر. وبنفس المنطق يمكننا أن نفهم سبب بعض التقسيمات الإدارية والإقليمية الجديدة، من باب مقتضى السياسة أو الضرورة السياسية.

نفس الضرورة السياسية، هي التي تجعل الحاكم يأخذ خيارات صعبة، من أجل تحسين الأوضاع الاقتصادية في البلاد. فكما نعلم

-المال قيمة حقيقية

فهو -ضمن واحدة من توظيفاته العديدة- يشكل (المعيار الاقتصادي للسياسة).

يقول الطيب تيزيني: "إن نكوص الطبقة البرجوازية العربية عن تحقيق المسائل الثورية الأساسية (البرجوازية), خلق مجموعة من الارتكاسات الأيديولوجية النظرية التي انعكست على نحو مباشر في الموقف التراثي لأولئك الليبراليين, ومنهم زكي نجيب محمود." [من التراث إلى الثورة / الطيب تيزيني / دار ابن خلدون, ص 147].

هذه المطامح إلى نوع من الإصلاح المالي الكبير, كانت تخايل أعين السادة المفكرين العرب دون أي نقد أو إصلاح حقيقي للوضع الاقتصادي القائم في مصر. وكنت أود عنونة الكتاب بـ (الرسالة السيساوية), وهناك عدة أسباب وراء اختيار العنوان, فقد آثرت قبلا أن أرفع الألف ولا أميل بالياء (كما في الرسالة السيسية) حتى لا أقلل من شأن أو أحط من قدر الرئيس الكريم, حتى ولو من باب اللغة. خاصة بعد أن شاهدت على الشبكة مقاطع فيديو أو قرأت نصا يشير إلى ارتباط الاسم، بالسيسي، وهو نوع من البغال، أو بالسيس وهي لفظة متنمرة تطلق على من لا يوثق في رجولته. فأردت هذا العنوان لأنه أولا نص يعبر عن الرسالة السيساوية, أي الرسالة التي يقصدها السيسي ورؤيته المنتظرة خلال ربع قرن (لنمهله وقته أيها المثقفين). وأسميتها كذلك لأنها الرسالة التي أتوجه بها إلى شخص الرئيس بنفسه, ولما تذكرت أنه ربما لن يعبأ بمقالي هذا (فمن أنا على أية حال), آثرت تدوين النص في صورة رسائل أو مقتطفات متفرقة من نصوص أخرى لي. آمل أن أصل بها إلى نوع من الفهم السليم والصحيح حول السياسة عموما, وحول السياسة القائمة في مصر خاصة. ومن هنا، من هذا اللفظ، السياسة، ومنها لفظة السائس، وكلها كلمات تشير في العربية إلى القيادة. من هذه الزاوية، يمكن أن يرتبط اسم السيسي بالموضع الصحيح الذي يجب أن نفهم منه شخص الرئيس؛ قائد عظيم وحاكم أعظم.

يمكن النظر إلى حقيقة الوضع القائم في مصر, بل و(الواقع السياسي المصري والعربي) من خلال منظار اقترحه دائما على أصدقائي, إلى أن وجدت مجموعة من الباحثين السوريين يتفقون معي إلى حد كبير, عبر مدونتين أتفق تماما مع ما تنادي بها. الأولى هي مدونة التحولات التي تقترح إصلاحا ثقافيا, والثانية هي مدونة القيامة الآن التي تقترح إصلاحا اقتصاديا.

انظر هنا إلى بيان القيامة الذي تعرّف به المدونة عن نفسها

-بيان القيامة الآن

بيان القيامة الآن

ويمكنك بعدها أن تقرأ المقال المعنون (اقتصاد الأثرياء) فيه العديد من الملاحظات الذكية الحاضرة فعلا في حياتنا المعاشة. والدحيح قدم حلقة عن التفاؤل والتشاؤم, تطرق فيها إلى بعض هذه الملاحظات.

وشخص واحد هو السيسي قدم العديد من المشاريع التجارية الغير مجدية اقتصاديا حسب زعم العديدين. في حلقة لأحمد بحيري من برنامج (الأسبوع في كيس) حملت عنوان (الضرورات تبيح المجمدات) وهي الحلقة رقم 334. في الحلقة ينتقد المقدم هذا القانون السياسي الكبير (الضرورات تبيح المحظورات) الذي له شرعية حتى في الشرع والشريعة الإسلامية نفسها, وليس فقط الشرائع السياسية. مع ذلك, فأحمد بحيري المعروف بجمعه للمتناقضات في خطاباته الهجومية ضد السيسي أقوالا أو أفعالا, يبرر أي تناقض بين نقده لموقف أو جهة ثم دعمه أو التحول من الموقف السلبي إلى الإيجابي من هذه الجهة, يبرره بأن السياسة, هي العلم الذي يعني بتسيير العمل بناءا على أولوية المصلحة. شخص واحد هو السيسي الذي يتناوله بالنقد في أكثر من 80% من محتوى ثلاثة برامج رئيسية تابعتها بنفسي. هي

1-الأسبوع في كيس

2-السليط الإخباري

3-جو شو

في الحلقة 331 من برنامج (الأسبوع في كيس) يقدم المقدم أحمد بحيري تساؤلا عن الغاية من وراء اجتماع رئيس الدولة مع رئيس شركة القطارات تالجو, رغم أن هذا أمر شائع ويحدث في العالم كله. ولا عجب من تقديمه للمغالطات وقد سمى الحلقة بـ

-اقتصاد العرص والطلب
-التدليس في زمن التعريص (الأسبوع في كيس، اعتقد حلقة 332)

والمذيع المحترم, لا يتورع عن استخدام هذه الألفاظ النابية, بل وفي غاية البذاءة سواء من خلال التصريح كما في استخدام كلمة عرص ومشتقاتها التعريصية -وهو لم يعد يستعمل صوت البطة للتغطية عليها- أو من خلال التلميح مثل عنونة حلقة أخرى (333) بـ

-الفجوة عازة عجوة

وما فيه من إيحاء جنسي فظيع.

من تجربتي مع المدونات، تأكد لي، أن معظم أموال المعارضة، تحكمها الوساطة، والأجندات الجاهزة، وقد تم رفضي كثيرا مع أن أغلب من رفضي أكد على إمتيازية مقالاتي، وأغلب الظن أنهم لا يريدون مؤيد للنظام بينهم، وأفضلهم هم من رفضني فقط لكي لا يوسع رقعة الذين سيتنعمون بالأموال المدفوعة من الدعم. هذا دليل على عدم وجود أي إعلام حر ونزيه أو غير موجه. ولو تابعت الوضع المصري، لأكتشف أن أغلب تجار الخردة يعملون بدون الحاجة إلى الشبكة، ويضخون أموال تقدر بالملايين. هذا دليل آخر على أن الدنيا ماشية بدون شبكة / إنترنت.

وأنا خضت تجارب اجتماعية كثيرة جدا مع شتى أنواع البشر, وسوف استشهد بتجاربي هذه كثيرا، وهي تجارب يمكن من خلالها عرض سبعة شرائح محددة جدا من الناس، على سبيل المثال, تعاملت معهم جميعا. أولهم أصحاب الوظائف النافذة أو المؤثرة. وأقصد بالنفوذ هو أي قدرة تتخلل مصائر الأشخاص وأفراد الشعب, سواء كانت ممثلة في شخص أو مؤسسة. إن تحول أي خدمة إنسانية مثل الحماية أو الإنقاذ أو المساعدة إلى وظيفة, يقتل تماما أي ميل لإخراج بادرة طيبة, ويصبح الحال في ظل ضيق الحال, هو الاهتمام بأحد أمرين

1-إما بسط السلطة من باب بسط السلطة فقط

2-وإما السعي لكسب المزيد من المال

هذا يحدث في المصالح الحكومية, والطبابة, ومع رجال الإنقاذ المدني أو الشرطة. مع ذلك نلحظ أن الشرطة, وهي أكثر المؤسسات تمثيلا للدولة, قل معدل التنمر فيها إلى حد كبير. وهم لا يتعاملون بغلظة أو بقسوة أحيانا إلا مع من يستحق من المجرمين والأفاقين. وكنت أعاني دائما لكوني دائما موضع اشتباه, لأسباب عديدة, منها عدم العناية بملبسي في العديد من الأوقات, أو الجروح في وجهي وعنقي, أو حتى ملامحي الغليظة بعض الشيء, أو التي تحمل شيء من الخبث. نلحظ أن عهد السيسي، هو أفضل عصور مصر من حيث الأمن والأمان الملازم للمواطن في الشارع بدون التعرض لأي تنمر أو مضايقة من أفراد الشرطة وعناصرها المختلفة. ولكن للأسف، بعض أقسام الشرطة، بعضها، لعنة الله عليها، تفسد ما يحاول سيادة الرئيس السيسي ترسيخه في ذهن المواطن المصري. لي قصص سأرويها مع قسم شرطة المرج، وقسم شرطة عابدين، وقد جلت بأغلب أقسام شرطة القاهرة وكل كمائنها تقريبا, إلا أن هذين القسمين، لا يتعاملان مع البشر على أنهم بشر، علما أن هذا الوصف لا ينطبق على كل قسم شرطة المرج، مثلا، الأمين محمود مشحوت (لو تذكرت اسمه بشكل صحيح) محترم، ولا يتعرض إلا للمجرمين فقط، أو هذا ما بدا لي حتى الآن. في قسم شرطة عابدين، يحظى نائب المأمور، النقيب ماجد بيه مراد، باحترام كبير من أفراد الشرطة، ومن المحتجزين أنفسهم.

ولكني لا أحتمل أن يسيء إلي أحد أيا كان هو، فالضباط لا يمثل سلطة الدولة (بل الوزير والرئيس وربما القاضي، وهؤلاء هم من يستحقون كامل الاحترام في مختلف الظروف). ولقد اشتبكت -لفظيا على الأقل- حتى يومنا هذا مع أكثر من مائة ضابط داخلية لو لي أن أعد, يخدمون في جهات مختلفة، على العكس من ضباط الجيش، فلم أقابل ضابط عسكري واحد حتى اليوم، مهما علا شأنه ورتبته، إلا تجده متواضعا قمة التواضع يتعامل ع الجميع بمودة. الشرطة ملوثة نعم بالفساد الذي تجابهه وتحاربه، لكن عدد كبير من أفراد الشرطة الأقل رتبة مثل الأمناء والمجندين, وبعض المسؤولين المدنيين في مؤسسات تستدعي تقاربا بين السلطة المدنية والشرطة تفسد أي محاولة لتلمس العذر. وأكثر من مرة كدت أشتبك معهم يدويا, لولا أنه, والحق يقال ,يعون تماما -وإن كان متأخرا بعض الشيء- كوني شخص محترم, فيظهر في الكثير منهم الجانب الآخر المحترم لهم (إلا في قسم عابدين على ما يبدو). في السابق, ما كان يمكن أن تتحدث بطريقة غير لائقة إلى ضابط وتمر عليك هكذا بالسلامة. وفي عهد حسني مبارك, ضربت شرطيا لأنه مد يده عليّ, وهو تجاوز لا يمكن حدوثه بأي حال في عهد السيسي. وكدت أقتله أو كاد يقتلني لولا تدخل بعض الرجال الأقوياء من معارفي, وهي معارف لا تشرف بأي حال من الأحوال. ولا أذكر أحد منهم ولا أعرفهم وقد انقطعت صلتي بهم منذ عهد بعيد. ولكن القصد أنه لولا تدخل بعض المجرمين لتحول أحدنا (أنا أو هذا الضابط) إلى مجرم, لأن أحدنا كان غالبا سيقتل الآخر. ولم أكن أعلم أنه ضابط أصلا. كان يرتدي ملكي وقد حسبته بلطجي يتهجم علي ويدعي أنه ضابط صارخا بالقول في وجهي. أما المرة التي ضربت فيه ضابط في الزي الميري لأنه ضربني، كان ضربي، وإن كان فيه تجاوز لا يصح، والأصح دائما الإلتجاء إلى القانون، ولكنه كان مجرد دفاع عن الآلام التي لحقت بي وأنا مكسور، ولم يراعي أفراد الشرطة في قسم عابدين أنني مكسور، وتكالبوا جميعهم عليّ خاصة شخص اسمه الأمين إبراهيم بسيوني، من أجل امرأة اتهمتني أنني نصبت عليها, وكنت أتهمها أنا أيضا، لأنها هي التي احتالت علي، فنصرها الرجال عليّ، وحصلت على مال ليس حقها إدعاءا أنني سرقته منها، ولا عزاء لي، إلا أن نصرة المرأة أمر جميل. ولكن قد يقع أحيانا ظلم على الرجل. ولولا ظروف خاصة، لكنت تفرغت لرفع بلاغ إلى النيابة العامة والنيابة الإدارية بما حاق بي في قسم عابدين. ربما سأفعل لاحقا.

ثم هناك الطبقة الراقية وبقايا الطبقة الوسطى، وبينهم العديد من الشخصيات المحترمة جدا في حال تخلصت من غرورها وعلياءها الطبقي. هناك المثقفون والفنانون، وهم قريبين الشبه في الأوضاع الخاصة بهم من الطبقة الراقية والنافذة. وفي موضع آخر، ربما نحكي قليلا عن أزمة المثقف في مصر والعالم العربي.

هناك السلفيون بأنواعهم المختلفة، فالشريحة المجتمعية الثالثة هم ممثلي السلفية على أنواعها المختلفة والمتباينة شديدة التابين بقدر ما أن القرب في المصدر أو المرجعية الفكرية يكاد يولد بذورا متلاصقة. منهم أصناف بشر هم أنصاف بشر، يشمئز المرء لسيرتهم، ذلك راجع أن ذاكرتي استدعت إلى الذهن، واحد منهم، كدت أقتله وتربصت به حتى أؤذيه، أضربه أو أدميه، ولكني استعذت بالشيطان, وقلت هذا ليس من طباعي، كانت تلك واقعة بعد واقعة عابدين، لأنه أساء إلي كما لم يفعل أحد من قبل. ولكن هذه قصة أخرى.

ثم تأتي الطبقة الشعبية والريفية، وهي أولى الشرائح المجتمعية وأكثرها أهمية بالتوازي مع الطبقة الراقية وشبه المتوسطة. أنا من الشعب .. من هذا الشعب.

وبقى من كل ذلك، ما يمكن أن ندعوهم بـ كبار رجال الدولة، هؤلاء لم أتعامل معهم بعد بشكل مباشر, وإن كنت أستطيع إعطاء تقييم شبه أكيد من خلال مخالطتي لبعض العارفين بهم -وبعض من يمكن احتسابهم ضمن الأقوياء في الدولة- ومن خلال متابعتي للأخبار عن تفاعلاتهم أو تأثيراتهم على مجريات الأمور في محيطهم, أو على الصعيد الإقليمي للدولة.

والتقييم القاطع والنهائي هو

-والله لا يملأ العين إلا رئيس الدولة نفسه

وذلك, ومع احترامي للمجلس العسكري (فهذا غير), وبعض رجال الأعمال الغير معني بهم هذا الكلام. فأغلب رجال الأعمال (غلابة), وهي الكلمة التي قيلت لي مرارا وتكرارا. لا هم يستطيعون الكسب جيدا أمام حيتان رجال الأعمال والسياسية. ولا هم قادرين على تقديم إصلاح سياسي أو اقتصادي نتذكرهم به. عدا قلة بالطبع, الذين وإن لم يقدموا إصلاحا, إلا أنهم وفروا خدمات جليلة بحق للبلد. وفيما بعد ربما نفصل أكثر حول دور كل نوع على حدة. وربما نتحدث أكثر عن دور بعض الشخصيات، ولكن وللتأكيد مرة أخرى، حتى بعض القضاة, واللواءات، والمناصب العليا، والنواب والأعضاء البرلمانية أو الحزبية، والمناصب الوزارية، إن مصر، تعد من أكثر البلاد في العالم إنتاجا للرجال الأقوياء في معترك السياسة والسلك التنفيذي. ورغم كل ذلك، لا يوجد منهم من يحدث، أو يمكنه أن يحدث تغيير حقيقي، إلا قلة قليلة ربما.

نحن نتحدث عن كبار رجال الدولة, والكبير واحد فقط، هو الرئيس السيسي نفسه.

طيب .. ماذا عن القوى العلوية وحديث مع الله؟ ما هذا إلا خطأ من كتبة نصوص الرئيس السيسي، الذين يحاولون تصديره على أنه نبي، مع العلم، أن فكرة مقارنة الحكام بالأنبياء ليست فكرة قبيحة، نظرا لأن الحاكم يسأل عن قومه، والرسول كان قائد، ومشرع، وحاكم أمة، وقاضي في السلم مثلما كان محارب في الحرب. طيب .. ماذا عن القوى السفلية, أو برنامج الإبادة. نحن لا نقول أن السيسي نزلنا على الأرض كأنه من السماء. ومبدأ الرسوخ يختلف عن مبدأ التقبل والاحترام. السيسي يستخدم منظومة من الحاكمية تتيح له أن يحكم بقبضة من حديد. الحاكمية مصطلح يراد به, أو أريد أنا به أن أصف السلطة شبه المطلقة للحاكم. وهو نظام سياسي معروف, يشكل أحد قطبي الأنظمة السياسية في العالم شرقه وغربه؛ المنسوب إلى الغرب هو النظام التحرري (الديمقراطي), بينما المنسوب للشرق هو النظام الإستبدادي (الديكتاتوري). وكما هو واضح من المسميين؛ تم تصدير النظام الأول على أنه النظام الوحيد السياسي المثالي والعادل. أما الثاني, فهو نظام سيء وجائر ببساطة. ولعلنا في تبديل المصطلح من الإستبدادية إلى الحاكمية نرفع بعض الظلم عن هذا النظام. وهو الغاية الرئيسية من هذه الدراسة / المقالة. والقائمة على ثلاث حجج أساسية

أولا بيان أن النظم السياسية في العالم أجمع, يعتروها الفساد, هذا خطأ أنظمة وليس خطأ أفراد. والسيسي يحاول انتشال البلاد من الضياع على حد تعبيره هو، صادقا حسبما يتراءى لنا.

ثانيا التطلع إلى تاريخ الفكر العربي, بأمجاده وخيباته, لنشهد على أهمية منظومة الحاكمية، للتأكد من النتائج الثقافية المثمرة، حين تعاون الحاكم مع المثقف.

ثالثا تحليل وتفكيك بنيات الحاكمية أو الحاكمية العسكرية لتسليط الضوء على سماتها، وأهمها بالطبع، احتواء كل المشكلات القائمة. إن أي منظومة عسكرية قوية، تملك من القدرة، ما يؤهلها للقضاء على فساد العالم. والتعاون مع المثقف، في ظل الحاكمية العربية، يجب أن يتجاوز ذلك إلى نوع من السوق الاحتكارية تكون في يد الجيش، بالإضافة إلى الشرطة العسكرية، وتكليفها بإدارة الشؤون المدنية. الاحتكار في حد ذاته ليس أمر سيء، أمريكا نفسها، دولة محتكرة, ودولة عسكرية. إن حكم العسكر, سوف يكون, وعلى نحو واسع، حكما عادلا لأنه حكم ناضج، وحكم لا زال طازج بعد، في معترك شؤون الدولة. لن يكون هناك مجال تقريبا لأي محسوبية فاسدة أو وساطة في غير حق. أنا أؤيد تماما فكرة التوسط في الخير. إن استعمال جنودنا في التجارة، يعطي قدرة على القضاء على البطالة. كنت أقبض راتبا أثناء تأدية الخدمة العسكرية. ولن يترك الحاكم العسكري، المجال لأي تاجر بأن يغش أو يغالي أو يستغل أي أوضاع غير مستقرة في السوق. وهذا ما يحدث حاليا في نظامنا الحالي، ثم نلقي باللوم دائما على الدولة!.

هذا يقودنا إلى إشكالية بالغة الأهمية

-الهوان في النظام

أو بذور الهوان في آليات النظام, وهو مقال يمكن إدراجه ضمن ملف (المعارضة أو نقد النظام), يهدف إلى تناول العديد من الملفات الحاوية لكبرى القضايا السياسية في بلدنا الحبيب. وهو نقد ليس بغرض المعارضة, بقدر ما هو بغرض النقد, لإطلاق حكم, للبناء. ولتنبيه النظام إلى ثغراته, واضعا نصب عيني بناء نظام كامل متكامل بلا أي ثغرات. ليس مثلا (قلب نظام الحكم لا سمح الله) بل أحاول الوصول إلى النقاط التي تصنع المعارضة أصلا، للقضاء عليها، ونعم، أن متبني تماما، لفكرة مفادها، أن أي معارضة, قد تؤثر سلبا على استقرار البلاد، وبالتالي يجب القضاء عليها، والمعارضة الوحيدة المسموح بها، تكون في إطار منظم من الصحافة والقانون، وتحت رقابة الدولة نفسها.

إذن, هذا يلزمنا أولا التعرف, ولو جزئيا (ولنقل سطحيا) على لعبة السياسة في مقال لي حمل نفس العنوان. وثانيا ربما يلزمنا التعرف على معنى الحاكمية, في مقال آخر حمل هذا العنوان. خاصة وأن السياسة في حديثنا هنا, قرينة الدولة التي نعيش بها.

أما أهم الملفات المتناولة هنا, فهي

-حقوق الإنسان
-الإرهاب الدولي
-التوسع الإستيطاني

ونبدأ بـ لعبة السياسة

"إن كلمة السياسة في الإنكليزية politics وفي الفرنسية politique مشتقة من الكلمة الإغريقية polis وفي هذا شبه اتفاق على المفهوم بين الإنكليزية و الفرنسية. وهي تعني الدولة أو (دولة المدينة التي كانت معروفة للإغريق في عصرهم) ومما لا شك فيه أن بين السياسة والدولة رابطة وثيقة، والأصل أنه عندما يذكر لفظ سياسة أو سياسي يفهم منه أنه له شأناً بالدولة وبتحديد أكثر، في حكومة الدولة، كانت السياسة تعني للمواطن الإغريقي بأن واجباً وطنياً وأخلاقياً يحتم عليه ممارسة العمل السياسي وهو المساهمة في وظائف الدولة. والجدير بالذكر أن أرسطو عبر بقوة عن وجهة نظر اليونان (فالسياسة في رأيه هو كل ما من شأنه أن يحقق الحياة الخيرة في مجتمع له خصائص متميزة أهمها الاستقرار والتنظيم الكفء والاكتفاء الذاتي)." [موقع القانون المغربي – أصل كلمة سياسة ومعناها.].

وفي العربية لا يختلف الوضع عن هذا المعنى, حيث السياسة مشتقة من الفعل ساس, ومنها مهنة السائس الذي يسوق البهائم إلى دروب سالمة للحفاظ على أمنهم من مخاطر الطريق.

ويبدوا أن الاصطلاح العربي لا يتورع في الكشف عن الوجه الحقيقي للسياسة, ولها دور محمود في ذلك. لأن وظيفتها الأساسية هي حماية العامة (سكان الدولة) من أي أخطار قد تحيق بهم أو تهدد سلامتهم.

ومهما زعم الزاعمون والمدعون بأن الأصل هو حق الإنسان في التعبير عن رأيه, إلا أن الواقع يقول غير ذلك. نعم .. الغاية الأسمى للإنسان هي تحقيق ذلك. إلا أنه لن يملك القدرة على التفكير أصلا -إلا من رحم ربي- ما لم يتوفر له الأمن, ومن خلال توفير الأمن يمكن الحفاظ على الحقوق الثلاثة الرئيسية للإنسان.

1-الحق في الحياة

2-الحق في الحرية

3-الحق في التملك

الواقع أن الأخيرة, والمتمثلة في المال, تعد أرقى صورة مادية للإشتغال الفكري, ولهذا تبرز قيمة الفن في كونه تحدي صارخ لأزمات الواقع. ولهذا أيضا, يمكن إعتبار الأمن, والتعبير, هما المستويين الرئيسين الذي تسير عليهما الحقوق الثلاثة.

ومن هذا مرة أخرى, يظهر لنا خطورة لعبة السياسة, وهي مثل اللعبة (لأن أي نظام يحدث فيه تبديل وتكرار شبه عبثي بين الأدوار عدا من يستطيعون الغش أو التحايل, أو ببساطة هم الأمهر, يمكن تشبيهه بلعبة). وهكذا الحال في لعبة السياسة, أو لعبة المال. وخطورة السياسة في كون المشتغلين بها هم المتحكمين بالمخاطر الفعلية. وعندهم القدرة على الثواب والعقاب.

هي مثل الطب, حيث يملك الطبيب أرواح الناس, إلا أن مساحتها واسعة جدا من التحكم في مصائر الناس, حيث رقعة اللعبة هي الدولة كلها.

إذن

-هل السياسة صعبة؟

الإجابة, لا .. على الأقل من الناحية الخارجية, أي من منظور التقييم, وليس من منظور الحكم والتطبيق. بمعنى أنه من منظور السياسة من حيث وجهة نظر المواطن في هذه الدولة, تكون سهلة إذا تحصل هذا المواطن على القدر المناسب من المعرفة (وهو ما أخاطبه فيك عزيزي القارئ).

أما من المنظور الداخلي, فالأمر يزداد تعقيدا, ومن زمن, وأنا أعتبر أن أخطر المهن في العالم؛ هي المجال الطبي والتقني / الهندسي أولا, ثم المجال السياسي والقانوني / التربوي ثانيا. لأن في الأولى أرواح الناس من الناحية الجسدية المباشرة. وفي الثانية أرواحه, حيث السلطة تحدد من يبقى ومن لا.

والدولة يلزمها مكان وسكان (بنية تحتية) لتأسيسها, ويلزمها نظام فكري (بنية فوقية) للحفاظ على بقاءها. نلحظ أن المشكلة السائدة في عصرنا بين القضايا السياسة النظرية هي (إشكالية الفصل بين الدين والسياسة). بين الدين والدولة. الدين والدنيا. فيما يُعرف بالعلمانية. والعلمانية مفهوم غربي من تلك المنتجات السياسية والثقافية التي لا يتوقف الغرب عن تصديرها لنا, مثل الحداثة والتحرر وخلافه.

العلمانية نوع من التمرد على التراث (ويبدوا أن الدين هو أكبر كتلة تراثية في التاريخ الإنسانية), أي أنها مقترنة بالحداثة, كما أنه تعد نوع من التحرر الديني. وترجع أهمية العلمانية (الفصل بين الدين والسياسة) في كون الدين يعطي سلطة عليا لقوى غيبية ربما يتم تشخيصها في ذات إلهية. وهذا قد ينزع المنطقية عن بعض القرارات السياسية المستندة في حكمها على أصول دينية. ولهذا اقترنت الأصولية بالمنهجيات الدينية عن السياسة.

على الجانب الآخر, تعطى السلطة لواحد من بني البشر, وفي هذا يرد الإجتماعي العراقي علي الوردي على تعليق أحد الباحثين

"بلى أن المسلمين -والبشر عامة- لو وفقوا لإدراك أيسر خصال الأخوة فيما بينهم وعملوا بها لأرتفع الظلم والعدوان من الأرض, ولرأيت البشر إخوانا على سرر متقابلين قد كملت لهم السعادة الإجتماعية, ولتحقق حلم الفلاسفة الأقدمين في المدينة الفاضلة, فما إحتاجوا حينما يتبادلون الحب والمودة إلى الحكومات والمحاكم, ولا إلى الشرطة والسجون ولا إلى قانون للعقوبات وأحكام للحدود والقصاص, ولما خضعوا لمستعمر ولا خضعوا لجبار, ولا إستبد بهم الطغاة, ولتبدلت الأرض غير الأرض وأصبحت جنة النعيم ودار السعادة". [مهزلة العقل البشري / علي الوردي / دار كوفان لندن,ص].

وكان رد الوردي

"ذلك كلام رائع جميل, هو من خير ما قيل ويقال. لكن فيه عيب واحد: هو أنه مستحيل لا يمكن تحقيقه بين هؤلاء البشر الذين هم من أبناء آدم وحواء." [مهزلة العقل البشري / علي الوردي / دار كوفان لندن,ص 70.].

أي أن الإنسان إنسان, فهو أبعد ما يكون عن الكمال, ولهذا تسود منظومة (ماشية بالكوسة) في عالمنا العربي. ولهذا أيضا قد يلجأ النظام الديني إلى فكرة الردع الأخروي من أجل ضبط نفوس الناس. يقول سيدنا علي: (من ملك إستأثر). "وهذه كلمة تفصح عن طبيعة الإنسان إفصاحا بليغا". [مهزلة العقل البشري / علي الوردي / دار كوفان لندن,ص 71.]. فمشكلة أي نظام سياسي قائم, أنه قائم على شبكة إجتماعية, بنياتها هم الأفراد. هذا يفسر سبب تفشي (الوساطة) و(المحسوبية) لأن التعامل هنا يكون بين فرد وآخر. لذا قد ينجح التودد إلى هذا الآخر, أو ترهيبه, في حصولك على غرضك منه. وهو أيضا قد ينصاع لفعل نفس الشيء. وفق قانون (المصلحة تحكم). وتحت هذا القانون مجموعة من الحواشي الأخلاقية أو شبه الأخلاقية. لذا نجد أن على أي سياسي محنك, أن يتعرف على (مفاتيح الدهاء) ويعرف كيف يستخدمها.

في حال أن السلوك السليم هنا, هو مزيج من التعرف على نفوس الناس,عبر المناهج النفسية والإجتماعية,والسياسية والإنسانية. النصف الثاني من العلم متمثل في دراسة النظم السياسية المثلى. دون مغالاة نحو أي نزعة طوباوية. المطلوب هو معاينة العلاقات الدولية الأفضل نحو تحقيق السلام بين الأمم (هذا قد يفسر اللجوء إلى بيع أراضي معينة أو تبين أنها ملك لبلاد أخرى، وعلى كل حال، ما هذا، إلا من باب تطويد العلاقات بين الأمم العربية ولم يدخل غريب بيننا). وكذلك معاينة العلاقات الداخلية بين مؤسسات الدولية. وأقول مؤسساتها وليس أفرادها لثلاثة أسباب

الأول لأن الفرد, هو نوع من أنواع المؤسسة.

الثاني لأن الدولة في حد ذاتها هي مؤسسة, وهذا يُظهر قدرة المؤسسة كإطار سياسي.

الثالث, وهو الأهم, أنه, وتبعا لما سبق, ولما آت, يتكشف لنا أن المؤسسة / الفرد

هي البنية الأفضل للبناء السياسي. لقدرتها على إستيعاب أي شكل من أشكال التطبيق السياسي على أرض الواقع, الواقع أن النظم السياسية ربما ما هي إلا نوع آخر من المؤسسة. أي أن النظام, والمؤسسة, سيان. والمؤسسة نظام قائم على علاقات بين مجموعة من الأوامر أو القواعد. مثل الآلية التي تعمل بها الحواسيب. والمستخدمة في تنظيم التدفقات المالية والمعاملات الإقتصادية، أو تقنين النظريات القضائية والتشريعية والمخابراتية كأفضل ما يكون.

لذا يلزمنا بناء نظام مثل ذلك, حيث أن الحاسوب, آلة جامدة لا مشاعر لها, ولن تأخذ بواسطة هذا أو ذاك, كما أنه ليس لها طموح شخصي تغلب فيه مصلحتها. إن هي إلا أوامر تنفذها. هذا هو عينه مشروع الرقمنة التابع لوزارة العدل المصرية, الذي نفصل فيه بمقال آخر.

ولكنه قد ينتهي في الأخير إلى النتيجة المرجوة، بناء نظام سياسي قويم

والنظام السياسي (أي نظام) متفرع حسب الدراسات السياسية على ثلاث جهات أساسية

1-السياسة (النظرية العامة)

2-الإدارة (الداخلية والخارجية)

3-العسكرية (فنون الحرب)

ولأن السياسة, هي تسيير أحوال المكان والسكان في أوقات السلم والحرب, وجب تفريعها على شقين؛ السياسة, والفنون العسكرية. والسياسة بدورها, تتفرع إلى فرعين, واحد مني بالمكان, وهي الإدارة, ونلحظ أن الإدارة السياسية, هي التي تحدد تقريبا كفاءة منظومة سياسية عن أخرى. لأنها تابعة لنظام جامد, وليس مجموعة من الشخوص الإنسانية التي يسهل التلاعب بها بعكس الأنظمة المحكمة التي يصعب اختراقها. السياسة في الأخير معنية بالبشر, بسكان هذا المكان.

ولأن النظام,نظام. عادة كان النظام المسير لهذه الأحوال, مؤسسا على منظومة سياسية فلسفية أو دينية. والفلسفات السياسية هي أي فلسفة تتبنى رؤية فلسفية / سياسية.

وينقسم التفكير السياسي إلى نوعين من التصنيف؛ تفكير فلسفي وهو الذي يتبنى رؤية أوسع للوجود أو تميل لأن تكون كذلك (فأغالب الفلسفات لها تطبيقات سياسية).

والنوع الثاني هو التفكير الفلسفي الذي يتخذ من مفهوم (الدولة / المجتمع) محورا لدراساته

وعودة للتعريف أعلاه, فـ

المجتمع هو مجموعة من الناس التي تعيش مع بعضها وفق نظام معين.

والدولة هي مجتمع محدد بقطعة أرض حدودية ونظام معين يحكم الناس داخل هذه الدولة.

وفقا لذلك في الآتي نذكر الفلسفات السياسية الأكثر تأثيرا, بل وتحدد توجهاتها الفلسفية لتنقسم السياسة إلى إتجاهات (والترتيب أبجدي, كما أن التقابلات قد تكون أكثر تعقيدا من ذلك)

-إشتراكية / رأسمالية

-أصولية / علمانية

-الأعيان / العمال

-إقطاعية / دولة

-أممية / عولمة

-توسعية / إنكماشية

-جهوية / مركزية

-دواوينية / لاهرمية

-سلمية / إرهابية

-شمولية / لا سلطوية

-قومية / قطرية

-يمينية / يسارية

هذه هي الإتجاهات السياسية الرئيسية, كما تنقسم التوجهات السياسية -بإتباع تصنيف مختلف- إلى تفكير إجتماعي غرضه الوصول لمناهج أو تطبيقات فكرية تناسب مجتمعا بعينه. مثل منظومة السياسية العربية. وهناك السياسات الألمانية والفرنسية والأمريكية والروسية, إلخ.

ومن ذلك هناك مجموعة منبوذة من السياسات التي تمزج بين التصنيفين, وهي الصهيونية الإسرائيلية, والماسونية اليهودية, والنازية الألمانية, والإمبريالية الأمريكية, والفاشية الإيطالية, والاستعمارية الفرنسية, والعبودية الإنجليزية, والشيوعية الصينية, والإرهابية الإسلامية.

وهو ما نفصل فيه لاحقا.

يبقى أن نعرف, أن كل ما ذكرته في مقالي هذا ومقالات مشابهة ليست إلا ملخصات مخلة لا توفي علم السياسة حقه. علم متأصل بين العلوم الإنسانية, ويتغذى ويستمد قوته منها؛ التاريخ كي يرى الماضي, وعلم الإجتماع والإعلام كي يرى الحاضر, وعلوم الثقافة والإقتصاد كي ينظر إلى المستقبل.

وفي الأخير هذه رؤية جادة وليست جديدة على وظيفة السياسي

وظيفة السياسي باختصار شديد هو حفظ المنطقة التي يحكمها في السلم وفي الحرب, ومرجع الكلمة إلى تسييس الأحوال والأموال والأقوال لخدمة مبدأ واحد؛ في العادة يكون هذا المبدأ متعاليا على كل المفاهيم الاجتماعية الأخرى. وهو في حالتنا هذه, وبحكم كون وظيفة السياسي المعني هنا, هو الحاكم, حاكم البلد, فالمبدأ الوحيد والمكان الوحيد لحفظه هو (البلد) دون النظر لأي اعتبارات أخرى مثل (الشعب) أو (الفرد) لكن مع ذلك، لم يهمل السيسي لا الشعب في عموم، ولا الفرد في شخصه.

وبرأيي، إن أقوى المصطلحات السياسية المعبرة عن الواقع، هي تلك التي لا نجد لها صدى كبير في عالم السياسة, مثل نظريات المؤامرة, ومصطلح الفنكوش، وغيرهما، لها وقع حقيقي يحاول البعض السخرية منه. إن الرئيس، لما يتحدث عن بعض (الأشرار) لا نقصد هنا الجماعة بالمعنى السينمائي، بل قد نقصد جماعة لها حضور قوي، خطير، ومخيف. كنت في البداية أنوي تسمية هذه المدونة بـ (الظن) ثم قررت التعديل إلى السيس؛ السياسي. وهو السياسي الحق.

فقرات للزيادة

1-‏إذا رأيت الخطيب يحثُّ الفقراءَ على الزهد دون الحديث عن سارقي قوتهم؛ فاعلم أنّه لصٌ بملابس واعظ. (ابن رشد) في الواقع .. أنا أحث الناس على التقشف مع إني من أكثر الناس فقرا، ولم أتقاضى جنيه واحد لا من هذا ولا من ذاك. البطن لا تشكر، وكما قال الرسول، نحن قوم لا نأكل حتى نجوع وإن أكلنا فلا نشبع.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى