خالد جهاد - قلوب لا تفتح أبوابها

حاولت كثيراً طيلة السنوات الماضية من خلال كتاباتي المتواضعة التي حرصت على التنويع في أفكارها ومضمونها ونماذجها بين فني وثقافي ووطني واجتماعي وإنساني أن أقدم ما أؤمن به، وأسلط الضوء على موضوعات ونماذج لم تحظى بالتقدير اللازم والإحتفاء بما قدمته كمبادرة لتعزيز قوة وفكرة وحضور الثقافة (الحقيقية) في حياتنا، بعيداً عن الحلقة المفرغة والدوائر المغلقة التي تطرح وتكرر ذات الأسماء ولا تخرج عن منطق الشللية و (التريند) حتى من قبل أن يوجد، خاصةً وأن الإجحاف طال الكثير من الأسماء التي تشكل إضافة وقيمة في تاريخنا المعاصر، ويعود للعديد من الأسباب المتعلقة بطريقة مجتمعاتنا في التفكير وتصنيف الأشخاص والحكم عليهم ووضعهم ضمن إطار لا يشبههم على الأغلب..

وكان لدي اعتقاد قوي طيلة تلك السنوات أن ما نمر به من كبوة على مختلف المستويات ما هو إلا نتيجة حتمية لتراجع الوعي وانجراف الناس خلف الغريزة وبريق الشهرة والسعي إلى الكسب المادي السريع بأي وسيلةٍ كانت، وأن لا حل لحالة التدني والهبوط العام في كافة المجالات سوى بالمزيد من التثقيف وتهميش جميع الفئات التي أفرزها الواقع وأفرزتها مواقع التواصل الإجتماعي، وأن المثقف وحده هو من بيده قيادة المجتمع نحو واقعٍ أفضل بما يمتلكه من حس وشعور وسعة أفق واطلاع على تجارب مختلفة قد تثري حاضرنا وتنتشلنا مما نعيشه اليوم، لكنني وبعد الكثير من التفكير الذي لا يهدأ والتجارب الشخصية والعملية وبعد ما حدث في غزة ولا زال يحدث منذ قرابة الستة أشهر اكتشفت أنني كنت قاصراً في تلك النظرة، وذلك لإغفالي لطبيعة الإنسان التي تميل حسب آراء الكثيرين إلى التراخي والتقصير الذي قد يصل إلى الفساد عندما يشعر بأنه فوق القمة وبين النخبة باستمرار حتى دون انجاز يذكر في مقابل أشخاص قد يوصمون بالسطحية والتفاهة لمجرد أنهم محدودوا التجربة ومختلفوا التوجه بحكم السن واختلاف الزمن..

ووجدت ضمن محاولاتي للإطلاع على آراء الشعوب إلى جانب وسائل الإعلام في أقاصي الأرض من خلال صفحات وكالات الأنباء والمحطات التليفزيونية ما فاجأني، فقد وجدت خلال بحثي الكثير من المدونين و(المؤثرين) والمتخصصين في الحديث عن الأزياء والعطور ومستحضرات التجميل والمجوهرات والموضة والمطاعم يقومون بالحديث عن مأساة غزة بعد بذل جهد كبير في البحث عن الحقيقة التي لا تصلهم، ووجدت فئات مشابهة لهم في بلادنا العربية تقوم بنشر ما يحدث بإستمرار رغم حداثة سنهم وسذاجة (محتواهم) إن صح تسميته بذلك مقابل صمتٍ متعمد من الوجوه المعروفة ومن يمشي على خطاها، وهو ما جعلني أعيد النظر في الكثير من العلاقات على مستوى شخصي أو عام، فأنهيت أغلبها وتساءلت بعد كل ما نعيشه عن الصفة الأهم في الشخص الذي يجدر بنا أن نحترمه أو نتخذه رفيقاً للدرب والتي قد يمكنها أن تدلنا على بعض مما في أعماقه، فلم أجد أهم من حضور الضمير والحس الإنساني والصدق، وهو ما نجح فيه بعض من (مؤثري) زمننا رغم فقر ما يقدمونه ورسب فيه مثقفون ومفكرون وكتاب عندما استنجد بهم أطفال غزة وقرعوا على أبواب قلوبهم ولم يفتح لهم..

خالد جهاد..

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى