ديوان الغائبين ديوان الغائبين : علي الأبرش - سوريا - 1907 - 1936

ولد علي بن أنور الأبرش في مدينة حمص (وسط غربي سورية)، وتوفي في باريس.
عاش في سورية ولبنان وفرنسا.
تلقى تعليمه المبكر على يد بعض العلماء ومنهم طاهر الأتاسي الذي عني به عناية خاصة، ثم تلقى تعليمه الثانوي في الكلية الإنجيلية، حيث تفتحت مواهبه وأتقن الفرنسية وترجم عنها.
أصدر في «حمص» مجلة «البحث» ضمن مجموعة من الأدباء والشعراء.
انتقل إلى بيروت لدراسة الطب فالتحق بالجامعة الأمريكية،ولكن مواقفه ضد الاستعمار حالت دون ذلك، مما اضطره للرحيل إلى فرنسا لاستكمال دراسته ونيل درجة الدكتوراه، حيث اغتيل هناك في ريعان شبابه.

الإنتاج الشعري:

- له قصائد ومقطوعات نشرت في كتب: «شعراء حمص». «الحركة الشعرية المعاصرة في حمص». «من أعلام حمص».
شاعر كلاسيكي، اتسم شعره بالمأساوية والدرامية، غلبت عليه روح التمرد والثورة والتعبير عن مواقفه الجريئة ضد الظلم والاستعمار، ومالت قصائده إلى الاعتماد على السرد واستخدام اللغة المعبرة عن الشجن والحزن. وله قدرة على تصريف المعاني المألوفة فتأخذ صورة مبتكرة لا تخلو من عمق فلسفي.

مصادر الدراسة:

1 - أحمد الدرويش: شعراء حمص، أخبارهم، آثارهم - مطبعة النجاح - حمص 1963.
2 - محمد غازي التدمري: الحركة الشعرية المعاصرة في حمص 1900 - 1956 - مطبعة سورية - دمشق 1981.
: من أعلام حمص - دار المعارف -حمص 1999.



ويح الغريب


عصفَتْ به الأيامُ والأنواءُ
ورَمتْهُ في ساحاتِها الأرزاءُ
خدعتْه بارقةُ المنى وتزيَّنت
وتبخترَتْ وشبيهُها الحسناء
قالت له: إن رمْتَ صرْحَ سعادةٍ
فاتبعْ خُطايَ فأهليَ السعداء
فمضى غريبًا كي ينال وِصالَها
سعيًا تقطَّعُ دونه البطحاء
حتى تغرَّبَ في البلاد لأجلِها
وهي الحياة سبيلُها الإغراء
مثلَ الذي لمحَ السراب فخالَهُ
ماءً ولكن أين فيه الماء؟
لما أتاه رآه برقًا خُلَّبًا
ودَرَى بأن نصيبَه الإعياء
فهوى هناك من الهموم وما وَعَى
وهوى صريعًا واستبدَّ الداء
ويحَ الغريب إذا استبدَّ بقلبه
شوقٌ ووَجْدُ فؤادِه مَضّاء
ماذا يحلُّ بنفسه إن ذَكَّرتْ
لجوى الأحبَّةِ حرقةٌ وبكاء؟
يحيا الغريب على التذكُّرِ دائمًا
وتثور في أشواقه الرمضاء
يحيا على الذكرى يباركُ عهدَها
ولعهدِها طولَ الزمان وفاء
إن الغريب يبيتُ رَهْنَ همومِه
لا سيّما إن غابتِ الأنباء
لو كان يعرف ما يكابدُ من أسًى
ما هاجَهُ للإغتراب نداء
لكنها الأيامُ نجهلُ كُنْهَها
فإذا الفتى لِهلاكه عدّاء

***

في رثاء الشهيد فؤاد رسلان

لهْفي على عُصبةٍ شُمٍّ جَحاجِحةٍ
أصماهُمُ الدهرُ ما بين الألى أصْمَى
كانوا عبيدًا لدى الجُلَّى لأمَّتِهم
لا يرتضون لها من ظالمٍ حُكْما
إني لأذكرهم والشجْوُ يغلبُني
والهمُّ ينفثُ فِيَّ السمَّ والسقْما
ليت الحوادثَ إذ غالتْهُمُ رَحِمَتْ
منا الأمانيَّ والإقدام والعزما
إنّا لقومٌ أبينا الضيمَ فانفجرتْ
منّا الدماء، وعادت دارُنا رسما
قد أُرضع الطفلُ منا حِفْظَ عزَّته
فإن رأى الذلَّ نادى الموتَ: لا أُمّا

***

لا تقل هذا شراب منكر

ليس تحلو الكأس إلا في يديكْ
فارتشفْها واسقِني من شفتَيْكْ
أنا لا أرغبُ بالرّاح إذا
لم تكنْ مرسلةً من ناظرَيْكْ
لا تخفْ عينَ الرقيبِ المفتري
إنَّ في عينيكَ ما يُذْهلُهُ
لا يصُدَّنَّكَ عنها خجلٌ
أترى في البدر ما يُخجلُهُ؟
لا تقل هذا شراب منكرٌ
حسبُك الفَتْكُ بقلبي مُنكرا
إنَّ مَنْ حَلَّلَ في الشرعِ دمي
لا يَرى في كأسِه مُستنكرا
أنت فيضُ الراح لا ترسلُها
غير معنًى يتلَهَّى بالنُّهى
أفتخشى بعدها من حرجٍ؟
إن في ذلك إفكًا مُفتَرَى
هذه نجوايَ همْسٌ خافتٌ
حائرٌ بين عيوني والضميرْ
عجبٌ لم تَعْدُ مني خاطري
ولقد كنتَ نجيّاً وسميرْ
آه ما أبهى ليالينا على
غفلةِ الدهرِ ويقْظاتِ الغرامْ!
ما عرَفنا من تباريح الهوى
غيرَ ضمٍّ واعتناقٍ والتِزامْ
كنت تلهو بفؤادي عابثًا
وهْو نشوانٌ بفيْضِ المقلتينْ
وترى في ضعفِه مرحمةً
فتُواتيهِ بفيْضِ الوجنتَيْنْ
تلك أحلامٌ تولَّتْ وانقضَتْ
واستحالتْ حسرةً بين الضلوعْ
كلّما مرَّتْ عليها زفرةٌ
فجَّرَتْ منها رويّاً ودُموعْ

***

دعابة

تولَّى وجهُه عني مُشيحا
ولم أعهدْهُ من قبلٍ أشاحا
أبَحْتُ له شجوني في هواهُ
وهل حرجٌ على حِبٍّ أباحا؟
فصاحَ بيَ: ابتعدْ ما أنت منا
فقلتُ له اتَّئدْ ودَعِ الصِّياحا
فذرْ منك المزاحَ وكْن مُجِدّاً
جلالُ الحبِّ أن تذرَ المزاحا
فحدَّقَ بي بعينَيْهِ مَغيظًا
فخلْتُ الموتَ في عينيه لاحا
وقال الموتُ دونَك في هوانا
فقلتُ الموتُ عذبٌ إن أراحا
تموت وأنتَ غضبانٌ علينا
ويومَ الحشر نُفْتَضح افتضاحا
يقول العاشقون استوثقوه
أثيمُ الحب لن يلقى سراحا
فهلاَّ حازت العتبى قبولاً
لديك لعلها تشفي الجراحا
بربِّكَ لا تدعني مستهامًا
أبيتُ الليل لا أجد الصباحا
فمثلي وهو في شرخ الشبابِ
حريٌّ أن يرى منكم سماحا
فأسفر عن ثنايا بارقاتٍ
فصبّت في الحشا رَوْحًا وراحا
وقال - فديتُه - حيّاك ربّي
فلا حرجٌ عليك ولا ضياحا
سأُصفيك الوداد فعش هنيّاً
وأُوليك الثريّا والرياحا



علي الأبرش.jpg

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى