- كثيرة حقا يا صديقي أطايب الحياة وملذاتها. . ولكني لن أترسم خطوط بعد الآن، فاستمتع أنت بأطايبها كيف تشاء، واقتنص من لذائذها كما يحلو لك، وثق أنك ستدفع الثمن في يوما ما. . .
- سحقا لك ولتفكيرك السقيم. . ماذا ترى في صيد ساقه لنا الشيطان، هل ترانا نرتكب جريمة بذهابنا إليها. . لقد رأيتها بعيني رأسك، أنوثة مبكرة، وجسدا ناضجا غضا، وجمالا آسرا خلابا. . تخيل أنك تعصرها عصرا بين ذراعيك، وتضغط صدرها الناهد. . لتتحطم مقاومتك التي لا أجد مبررا لها ويستقيم تفكيرك، فتجد أنك مخطئ في مخاوفك التي ذهبت إليها. . هيا بنا، ولا تكن جبانا رعديدا تخاف أشياء لا وجود لها. إنها تقطن وحدها. . وهي التي دعتني إلى منزلها. . وأنا بدوري أدعوك لمرافقتي. . إن الساعة المرتقبة توشك أن نحين، فهيا. . فالشوق يكاد يقتلني. . .
- وفر عليك مشقة إغرائي. . فلم يعد معسول قولك، وتشويقي، ليفيدا معي. . فإليك عني. . واذهب وحدك، فقد عاد إلى صوابي، وثبت إلى رشدي. . فدعني أكفر عن آثامي التي اقترفتها بسببك. . ليتني دققت عنقك منذ عرفتك. .
- ها. . ها. . ها. . إنك وايم الحق تدهشني كثيراً. . فقد أصبحت عنيدا صعب المراس. . ثق أنك لن تجد الفرصة التي تكفر فيها عن آثامك. سأذهب إذن وحدي، وأتركك لأفكارك، وهي كفيلة بالقضاء على عنادك وإصرارك. . إن اقتناص اللذة أصبح من مستلزمات حياتينا، أنا، وأنت. . فلا تحاول الاستنجاد بإدارة حطمتها عشرون عاماً، قضيتها غارقا لأذنك في الإثم والرذيلة. . .
- وأنت. . . ألا تذكر؟
فتمهل قليلا كأنما يستجمع شوارد ذهنه. . ثم قال. . .
- أجل. . . أذكر. . . أن صورة باهتة لها ما زالت عالقة بذهني. . . لم تكن كهؤلاء اللائى عرفتهن. . قد باعت جسدها لمن سبقني ودفع الثمن. . . كانت نقية طاهرة الذي إلى أن عرفتني. . .
- إنك معدوم الضمير. . . لقد دقعتها إلى التخلص من ثمرة فعلتك المنكرة ثم قضيت عليها بقسوتك وإعراضك. .!!
- نعم. أخبرتني بذلك. ولكن ما شأني بذكريات أدراجها تعاقب السنين في لفائف العدم، وتراكم عليها غبار تسعة عشر عاما انقضت. لقد مات الماضي يا صديقي، فدعنا منه. . وإلى اللقاء عند (سلوى) الراقصة الحسناء. .
- لتذهب إلى الشيطان، فلن نلتقيا ثانية. . لقد عقدت العزم على الرحيل بعيدا عنك. .
- كما يحلو لك. . آه. . . نسيت أن أترك لك العنوان.
وانتزع من مفكرته ورقة قذف بها إلى صديقه وهو يتابع في برود وعدم اكتراث:
- هاك العنوان. . وحذار أن تتأخر كثيراً، فسنكون في انتظارك. . .
وغادره وصدى ضحكاته الساخرة يرن في أذنيه. . .
وصاح (جلال) به يستمهله. . ولكن صوته لم يصل إلى سمعه. . فاختطف معطفه وغادر المنزل بدوره.
. . . وهناك على الفراش. . كانت الفتاة مستلقية في استرخاء، وقد ارتدت غلالة رقيقة، يشع من تحتها بريق الفتنة الطاغية، وسحر الجسد البديع التكوين، وعبق جو الحجرة برائحة عطر نفاذه تدبر الرؤوس، وتخدر الأعصاب. . وعلى قيد خطوة من الفراش، وقف (كمال) بقوامه الفارع، وجسمه الرشيق الفتى. . برغم أنه يحمل كاهله عبء أربعين عاماً سلخها من حياته. .
ونهضت الفتاة في استرخاء محبب، ولم تلبث أن قفزت من الفراش في رشاقة وخفة، وطبعت على شفتيه قبلة خاطفة، وأسرعت بالابتعاد قبل أن تنطبق عليها ذراعاه، ويهصر عودها الرطب بين أحضانه. . وراحت تنثني وتنفرد أشبه بحية تتلوى وهي تدور في الحجرة راقصة منتشية، وقد لمعت عيناها ببريق عجيب. . .
وفارق (كمال) ثباته، وثارت مشاعره، واستيقظت غرائزه البهيمية فراح يضيق عليها الخناق حتى تمكن من الإمساك بها. . . وجذبها إليه في عنف، ورغبة جامحة. . فكاد يحطم عظامها. ولكنه ما عتم أن تراخت ذراعيه، وتخلى عن الجسد الغض الطري الذي كان يدفئ أحضانه. . واستقرت نظراته الملتهبة على تلك الدميمة الجميلة التي ابتدعت على عجل، ولاذت بالحائط ترتعد كريشة في مهب ريح صرصر عاتية. وتمالك واستجمع أشتات أنفاسه. . واقترب منها مترنحاً أشبه بسكير شرب حتى طفح وقد امتدت ذراعاه المتخاذلتان، محاولا أن ينال عنقها، فيزهق روحها الخبيثة. ولكن قواه خانته، وتخلت عنه، فهوى يتلوى من الألم وقد ندت عنه صرخة قهر وكمد.
ودبت الحركة في جسد الفتاة الجامدة. . فاندفعت إلى الأمام تصرخ في صوت مختنق متحشرج، وقد أذهلتها رؤية الدماء. . فتلقفتها ذراعان خارج الحجرة، وعادت بها إلى الداخل. . وارتفع صوت (جلال) يسأل في عجب: ماذا حدث يا. . .؟! بيد أن الكلمات ماتت على شفتيه، واتسعت حدقتاه فزعا وهو يرى صديقه منكفئا على وجهه وقد غاص بين كتفيه خنجر حتى مقبضه. .
وتهافت (سلوى) على الفراش مضعضعة الحواس، خائرة القوى ودفنت وجهها بين راحتيها، وقد شملت بدنها رعدة عنيفة. . وراحت تهذي كالمحمومة:
- لقد قتلته. . أجل قتلته يا أماه. . فلعلك الآن راضية في مثواك الأخير. . كانت رغبتك أن أنتقم لك، وها قد انتقمت. . فأنهضي لترى أي منقلب ذلك الفاسق. . . لقد غرر بك، وتركك تنوئين بعبء العار والفضيحة تسعة عشر عاما، قضيتها في عذاب مر أليم. . . لقد ظلت صورته منطبعة في ذاكرتي من خمس سنين مضت منذ آخر لقاء كان بينكما، حين انهال عليك ضربا في قسوة ووحشية وغادرك، مقسما أنك لو عدت إليه ليقتلنك شر قتلة، ولكنك لم تكوني في حاجة إلى العودة إليه، فقد فاضت روحك في تلك الليلة، وتركني فتاة لم تتجاوز الخامسة عشر بعد. . لا يعرف ذلك العربيد عنها شيئا، ولا يعلم بوجودها. . . فأقسمت أن أنتقم لك منه، ولو كرست حياتي كلها لذلك. . . ولقد فعلت. . . فليرحمني الله. . .!!
وزاد ارتعاد جسدها، وعلا صوت نحيها المؤلم، ونشيجها المكتوم. وانبعث صوت واهن، كأنه آت من أغوار سحيقة، فيه مرارة وفيه تساؤل وعجب:
- سلوى. . . ابنتي
ولكن القضاء لم يمهله، ولم يتريث به ليقول شيئا آخر. . . فسكنت حركته إلى الأبد.
ورددت جنبات الحجرة دقات حزينة منتظمة، كانت أشبه بأجراس قوية تدق في ذلك المكان الرهيب. . . تعلن بأن الليل قد انتصف.
واقترب (جلال) من الجثة المسجاة. . . وانحنى على الجسد العاني فحمله بين ذراعيه، وتريث قليلا ينظر إلى الفتاة، وقد انحدرت على خده دمعة كبيرة. . . وقال في صوت متهدج برج به الثأر:
- لقد انتهى. . مات صديقي. . . ولكنه منحني الفرصة التي أكفر فيها عن آثامي. . فأنا ذاهب، أجل ذاهب لأنال الجزاء. . فما احقني به منك.
وتنفس عميقا، وكأنما أزيج عن عبء ثقيل. . . ثم دار على غادر الحجرة بحمله الثمين. .!!
دمنهور
محمد رشدي
28 - 01 - 1952
- سحقا لك ولتفكيرك السقيم. . ماذا ترى في صيد ساقه لنا الشيطان، هل ترانا نرتكب جريمة بذهابنا إليها. . لقد رأيتها بعيني رأسك، أنوثة مبكرة، وجسدا ناضجا غضا، وجمالا آسرا خلابا. . تخيل أنك تعصرها عصرا بين ذراعيك، وتضغط صدرها الناهد. . لتتحطم مقاومتك التي لا أجد مبررا لها ويستقيم تفكيرك، فتجد أنك مخطئ في مخاوفك التي ذهبت إليها. . هيا بنا، ولا تكن جبانا رعديدا تخاف أشياء لا وجود لها. إنها تقطن وحدها. . وهي التي دعتني إلى منزلها. . وأنا بدوري أدعوك لمرافقتي. . إن الساعة المرتقبة توشك أن نحين، فهيا. . فالشوق يكاد يقتلني. . .
- وفر عليك مشقة إغرائي. . فلم يعد معسول قولك، وتشويقي، ليفيدا معي. . فإليك عني. . واذهب وحدك، فقد عاد إلى صوابي، وثبت إلى رشدي. . فدعني أكفر عن آثامي التي اقترفتها بسببك. . ليتني دققت عنقك منذ عرفتك. .
- ها. . ها. . ها. . إنك وايم الحق تدهشني كثيراً. . فقد أصبحت عنيدا صعب المراس. . ثق أنك لن تجد الفرصة التي تكفر فيها عن آثامك. سأذهب إذن وحدي، وأتركك لأفكارك، وهي كفيلة بالقضاء على عنادك وإصرارك. . إن اقتناص اللذة أصبح من مستلزمات حياتينا، أنا، وأنت. . فلا تحاول الاستنجاد بإدارة حطمتها عشرون عاماً، قضيتها غارقا لأذنك في الإثم والرذيلة. . .
- وأنت. . . ألا تذكر؟
فتمهل قليلا كأنما يستجمع شوارد ذهنه. . ثم قال. . .
- أجل. . . أذكر. . . أن صورة باهتة لها ما زالت عالقة بذهني. . . لم تكن كهؤلاء اللائى عرفتهن. . قد باعت جسدها لمن سبقني ودفع الثمن. . . كانت نقية طاهرة الذي إلى أن عرفتني. . .
- إنك معدوم الضمير. . . لقد دقعتها إلى التخلص من ثمرة فعلتك المنكرة ثم قضيت عليها بقسوتك وإعراضك. .!!
- نعم. أخبرتني بذلك. ولكن ما شأني بذكريات أدراجها تعاقب السنين في لفائف العدم، وتراكم عليها غبار تسعة عشر عاما انقضت. لقد مات الماضي يا صديقي، فدعنا منه. . وإلى اللقاء عند (سلوى) الراقصة الحسناء. .
- لتذهب إلى الشيطان، فلن نلتقيا ثانية. . لقد عقدت العزم على الرحيل بعيدا عنك. .
- كما يحلو لك. . آه. . . نسيت أن أترك لك العنوان.
وانتزع من مفكرته ورقة قذف بها إلى صديقه وهو يتابع في برود وعدم اكتراث:
- هاك العنوان. . وحذار أن تتأخر كثيراً، فسنكون في انتظارك. . .
وغادره وصدى ضحكاته الساخرة يرن في أذنيه. . .
وصاح (جلال) به يستمهله. . ولكن صوته لم يصل إلى سمعه. . فاختطف معطفه وغادر المنزل بدوره.
. . . وهناك على الفراش. . كانت الفتاة مستلقية في استرخاء، وقد ارتدت غلالة رقيقة، يشع من تحتها بريق الفتنة الطاغية، وسحر الجسد البديع التكوين، وعبق جو الحجرة برائحة عطر نفاذه تدبر الرؤوس، وتخدر الأعصاب. . وعلى قيد خطوة من الفراش، وقف (كمال) بقوامه الفارع، وجسمه الرشيق الفتى. . برغم أنه يحمل كاهله عبء أربعين عاماً سلخها من حياته. .
ونهضت الفتاة في استرخاء محبب، ولم تلبث أن قفزت من الفراش في رشاقة وخفة، وطبعت على شفتيه قبلة خاطفة، وأسرعت بالابتعاد قبل أن تنطبق عليها ذراعاه، ويهصر عودها الرطب بين أحضانه. . وراحت تنثني وتنفرد أشبه بحية تتلوى وهي تدور في الحجرة راقصة منتشية، وقد لمعت عيناها ببريق عجيب. . .
وفارق (كمال) ثباته، وثارت مشاعره، واستيقظت غرائزه البهيمية فراح يضيق عليها الخناق حتى تمكن من الإمساك بها. . . وجذبها إليه في عنف، ورغبة جامحة. . فكاد يحطم عظامها. ولكنه ما عتم أن تراخت ذراعيه، وتخلى عن الجسد الغض الطري الذي كان يدفئ أحضانه. . واستقرت نظراته الملتهبة على تلك الدميمة الجميلة التي ابتدعت على عجل، ولاذت بالحائط ترتعد كريشة في مهب ريح صرصر عاتية. وتمالك واستجمع أشتات أنفاسه. . واقترب منها مترنحاً أشبه بسكير شرب حتى طفح وقد امتدت ذراعاه المتخاذلتان، محاولا أن ينال عنقها، فيزهق روحها الخبيثة. ولكن قواه خانته، وتخلت عنه، فهوى يتلوى من الألم وقد ندت عنه صرخة قهر وكمد.
ودبت الحركة في جسد الفتاة الجامدة. . فاندفعت إلى الأمام تصرخ في صوت مختنق متحشرج، وقد أذهلتها رؤية الدماء. . فتلقفتها ذراعان خارج الحجرة، وعادت بها إلى الداخل. . وارتفع صوت (جلال) يسأل في عجب: ماذا حدث يا. . .؟! بيد أن الكلمات ماتت على شفتيه، واتسعت حدقتاه فزعا وهو يرى صديقه منكفئا على وجهه وقد غاص بين كتفيه خنجر حتى مقبضه. .
وتهافت (سلوى) على الفراش مضعضعة الحواس، خائرة القوى ودفنت وجهها بين راحتيها، وقد شملت بدنها رعدة عنيفة. . وراحت تهذي كالمحمومة:
- لقد قتلته. . أجل قتلته يا أماه. . فلعلك الآن راضية في مثواك الأخير. . كانت رغبتك أن أنتقم لك، وها قد انتقمت. . فأنهضي لترى أي منقلب ذلك الفاسق. . . لقد غرر بك، وتركك تنوئين بعبء العار والفضيحة تسعة عشر عاما، قضيتها في عذاب مر أليم. . . لقد ظلت صورته منطبعة في ذاكرتي من خمس سنين مضت منذ آخر لقاء كان بينكما، حين انهال عليك ضربا في قسوة ووحشية وغادرك، مقسما أنك لو عدت إليه ليقتلنك شر قتلة، ولكنك لم تكوني في حاجة إلى العودة إليه، فقد فاضت روحك في تلك الليلة، وتركني فتاة لم تتجاوز الخامسة عشر بعد. . لا يعرف ذلك العربيد عنها شيئا، ولا يعلم بوجودها. . . فأقسمت أن أنتقم لك منه، ولو كرست حياتي كلها لذلك. . . ولقد فعلت. . . فليرحمني الله. . .!!
وزاد ارتعاد جسدها، وعلا صوت نحيها المؤلم، ونشيجها المكتوم. وانبعث صوت واهن، كأنه آت من أغوار سحيقة، فيه مرارة وفيه تساؤل وعجب:
- سلوى. . . ابنتي
ولكن القضاء لم يمهله، ولم يتريث به ليقول شيئا آخر. . . فسكنت حركته إلى الأبد.
ورددت جنبات الحجرة دقات حزينة منتظمة، كانت أشبه بأجراس قوية تدق في ذلك المكان الرهيب. . . تعلن بأن الليل قد انتصف.
واقترب (جلال) من الجثة المسجاة. . . وانحنى على الجسد العاني فحمله بين ذراعيه، وتريث قليلا ينظر إلى الفتاة، وقد انحدرت على خده دمعة كبيرة. . . وقال في صوت متهدج برج به الثأر:
- لقد انتهى. . مات صديقي. . . ولكنه منحني الفرصة التي أكفر فيها عن آثامي. . فأنا ذاهب، أجل ذاهب لأنال الجزاء. . فما احقني به منك.
وتنفس عميقا، وكأنما أزيج عن عبء ثقيل. . . ثم دار على غادر الحجرة بحمله الثمين. .!!
دمنهور
محمد رشدي
28 - 01 - 1952