ابتسام ابراهيم
لم يكن في بالنا ان ينحدر المجتمع الى حد يصبح فيه الابتذال وسوء التوفيق اسما ينادى به ليل نهار ولم يدرِ في خـُلدنا ابدا اننا سنحظى بفرصة أن يطلَ علينا هذا الانحدار من اوسع ابوابه بل ربما قد نكون بقصدٍ او دون قصد مساهمين بانتشاره .
كامرأة لديها الكثير من الانشغالات داخل البيت وخارجه لم يسعفني الوقت لأتعرف على الكثير من الاشياء التي انتشرت بسرعة البرق في السنوات الاخيرة او بالأحرى لم اكن اعيرها اهتماما لأسباب كثيرة اولها انها ليست ضمن ما اسعى اليه و ارغبه و اخرها مسعاي البسيط لاستثمار وقتي الشحيح بشيء ينفع ذائقتي الادبية واللغوية . لكن وبفضل ثورة ( الترند ) التي ضربت كل مفاصل حياتنا صرنا نخشى ان نرى منشورا يطل علينا ابطاله وهم يستعرضون حكاياتهم العظيمة في غرف النوم او مغامراتهم الكبرى وهم يناضلون ضد جحافل قطع الذهب البالية كي يستبدولها وقتالهم المرير ضد استبداد اصحاب العقليات القديمة امثالي بل حتى معاركهم الطاحنة مع تعب بشرتهم وزيادة وزنهم فيصل الينا كفاحهم عبر لايك او تعليق يكتبه صديق ما على منشوراتهم.
صرنا اليوم مجبرين ان نشاهد هذه الاشياء فهي تتجول في حاسوبك وفي هاتفك وعلى ارقة كل موقع اسستهُ لنفسك لتنشر شيئا مفيدا او توثق عملاً ارضيتَ به نفسك وتاريخك وموهبتك التي حباك الله بها متوقعاً حتماً أن لا تلاقي ذاك الصدى الذى صار عليه امر ابطال الترند !
كيف نحارب اذا كانت الهجمة من كل الجهات ونحن نقاتل فرادى وفي جعبتنا بعض ما ورثناه من قيم صارت عجيبة وغير حضارية بنظر البعض اما العدو فهو يغزوك حيثما حللتَ وارتحلتَ .
هذا يحدث في بلد ــ مثل العراق ـ بلد واضح التاريخ جـَلي الحاضر لكن للأسف صرنا نخشى ان نقول انه – اي العراق – مجهول المستقبل بسبب ما يحدث !
فقد أصبح كل شيء حولنا مخيفاَ كوننا لا نعيش فيه بمفردنا بل صرنا نخاف على اولادنا خاصة بعد سيطرة وهيمنة كل ما هو زائف و مبتذل ابتداءً من الكذب مروراً بتغيير مفهوم القيم الأخلاقية وصولا الى ارتقاء غير المناسبين عتبة النجاح وتقديمهم على انهم قدوات للمجتمع .
الامر صار مرعبا فأنت ترى وتسمع كيف بدأت تضمحل او تقل تدريجيا قيماً اعتدناها في حياتنا كالأمانة والورع و حسن السريرة وحل محلها التمادي والكذب وسوء الخلق ونكث العهد وتغليب المصالح , وصار الهبل الذي يفعله البعض امام المرآة فيما مضى يسمى منشورا وله مريدين وانتشر الجهل و الاحاديث الغبية انتشار النار في الهشيم .
اين دور الاهل ؟ اين مفهوم العم يربي والخال يراقب و الاخ الكبير والد و الام مدرسة ؟ كيف غابت المنظومة الاخلاقية فجاة وحل محلها ابطال الترند ؟ اين صار ما ورثناها عن اهلنا من قيم اجتماعية محترمة تلك التي عهدنا عليها اباءنا وظلت تترائى لنا وكأنها نجمة نستدل بها لو اسدل الظلام وجهه على ارواحنا ؟
المشكلة يا احبتي ليس في هذا الانتشار المريع لكن الإساءة الحقيقة تكمن في مجتمعاتنا , في شبابنا في الجيل الحالي والقادم ونظرتهم لفئة طفحت بكل تفاصيلها الموبوءة علينا في بضع سنين فصاروا ينظرون لهم على انهم مثال يحتذى به فتحول المنصب والمال الى ايقونه تلامس فكر من مروا امامه وصارت( المودلز و البلوكر والجنس الثالث ) رموزا كبيرة تتقاذفها صفحات مواقع التواصل ويتخطفها اصحاب القلوب الهشة في حين يركن على الرف كل انجازٍ ابداعي وكل تطور علمي بل يستغرب بعضهم من وجود الكفاءات المحترمة فيتعامل معها بنفس الاسلوب الذي يقصده حين يرى اشباهه فهو لم يعرف الذوق و الاناقة الفكرية وصرنا متيقنين تماما ما تفعله بعض الصفحات الممولة تجاه الفكر والمعرفة والتهذيب وتتعمد اهماله لأنه ليس ذي نفع ولا يعود عليهم بإيرادات مالية .
هل علي ان اذكركم ان علينا ان نقف وقفة جادة كإفراد ونقاتل من موقعنا البسيط ام صار لزاماً علينا ان نطرق باب الجهات العليا ونقول لهم كفى .. ارجوكم اعيدوا لنا الضوابط الاجتماعية وافرضوا شيئا من سلطتكم ؟
ابتسام ابراهيم
شاعرة , كاتبة صحفية ومترجمة عراقية
لم يكن في بالنا ان ينحدر المجتمع الى حد يصبح فيه الابتذال وسوء التوفيق اسما ينادى به ليل نهار ولم يدرِ في خـُلدنا ابدا اننا سنحظى بفرصة أن يطلَ علينا هذا الانحدار من اوسع ابوابه بل ربما قد نكون بقصدٍ او دون قصد مساهمين بانتشاره .
كامرأة لديها الكثير من الانشغالات داخل البيت وخارجه لم يسعفني الوقت لأتعرف على الكثير من الاشياء التي انتشرت بسرعة البرق في السنوات الاخيرة او بالأحرى لم اكن اعيرها اهتماما لأسباب كثيرة اولها انها ليست ضمن ما اسعى اليه و ارغبه و اخرها مسعاي البسيط لاستثمار وقتي الشحيح بشيء ينفع ذائقتي الادبية واللغوية . لكن وبفضل ثورة ( الترند ) التي ضربت كل مفاصل حياتنا صرنا نخشى ان نرى منشورا يطل علينا ابطاله وهم يستعرضون حكاياتهم العظيمة في غرف النوم او مغامراتهم الكبرى وهم يناضلون ضد جحافل قطع الذهب البالية كي يستبدولها وقتالهم المرير ضد استبداد اصحاب العقليات القديمة امثالي بل حتى معاركهم الطاحنة مع تعب بشرتهم وزيادة وزنهم فيصل الينا كفاحهم عبر لايك او تعليق يكتبه صديق ما على منشوراتهم.
صرنا اليوم مجبرين ان نشاهد هذه الاشياء فهي تتجول في حاسوبك وفي هاتفك وعلى ارقة كل موقع اسستهُ لنفسك لتنشر شيئا مفيدا او توثق عملاً ارضيتَ به نفسك وتاريخك وموهبتك التي حباك الله بها متوقعاً حتماً أن لا تلاقي ذاك الصدى الذى صار عليه امر ابطال الترند !
كيف نحارب اذا كانت الهجمة من كل الجهات ونحن نقاتل فرادى وفي جعبتنا بعض ما ورثناه من قيم صارت عجيبة وغير حضارية بنظر البعض اما العدو فهو يغزوك حيثما حللتَ وارتحلتَ .
هذا يحدث في بلد ــ مثل العراق ـ بلد واضح التاريخ جـَلي الحاضر لكن للأسف صرنا نخشى ان نقول انه – اي العراق – مجهول المستقبل بسبب ما يحدث !
فقد أصبح كل شيء حولنا مخيفاَ كوننا لا نعيش فيه بمفردنا بل صرنا نخاف على اولادنا خاصة بعد سيطرة وهيمنة كل ما هو زائف و مبتذل ابتداءً من الكذب مروراً بتغيير مفهوم القيم الأخلاقية وصولا الى ارتقاء غير المناسبين عتبة النجاح وتقديمهم على انهم قدوات للمجتمع .
الامر صار مرعبا فأنت ترى وتسمع كيف بدأت تضمحل او تقل تدريجيا قيماً اعتدناها في حياتنا كالأمانة والورع و حسن السريرة وحل محلها التمادي والكذب وسوء الخلق ونكث العهد وتغليب المصالح , وصار الهبل الذي يفعله البعض امام المرآة فيما مضى يسمى منشورا وله مريدين وانتشر الجهل و الاحاديث الغبية انتشار النار في الهشيم .
اين دور الاهل ؟ اين مفهوم العم يربي والخال يراقب و الاخ الكبير والد و الام مدرسة ؟ كيف غابت المنظومة الاخلاقية فجاة وحل محلها ابطال الترند ؟ اين صار ما ورثناها عن اهلنا من قيم اجتماعية محترمة تلك التي عهدنا عليها اباءنا وظلت تترائى لنا وكأنها نجمة نستدل بها لو اسدل الظلام وجهه على ارواحنا ؟
المشكلة يا احبتي ليس في هذا الانتشار المريع لكن الإساءة الحقيقة تكمن في مجتمعاتنا , في شبابنا في الجيل الحالي والقادم ونظرتهم لفئة طفحت بكل تفاصيلها الموبوءة علينا في بضع سنين فصاروا ينظرون لهم على انهم مثال يحتذى به فتحول المنصب والمال الى ايقونه تلامس فكر من مروا امامه وصارت( المودلز و البلوكر والجنس الثالث ) رموزا كبيرة تتقاذفها صفحات مواقع التواصل ويتخطفها اصحاب القلوب الهشة في حين يركن على الرف كل انجازٍ ابداعي وكل تطور علمي بل يستغرب بعضهم من وجود الكفاءات المحترمة فيتعامل معها بنفس الاسلوب الذي يقصده حين يرى اشباهه فهو لم يعرف الذوق و الاناقة الفكرية وصرنا متيقنين تماما ما تفعله بعض الصفحات الممولة تجاه الفكر والمعرفة والتهذيب وتتعمد اهماله لأنه ليس ذي نفع ولا يعود عليهم بإيرادات مالية .
هل علي ان اذكركم ان علينا ان نقف وقفة جادة كإفراد ونقاتل من موقعنا البسيط ام صار لزاماً علينا ان نطرق باب الجهات العليا ونقول لهم كفى .. ارجوكم اعيدوا لنا الضوابط الاجتماعية وافرضوا شيئا من سلطتكم ؟
ابتسام ابراهيم
شاعرة , كاتبة صحفية ومترجمة عراقية