نوئيل رسام - اليتيم...

.. وعند الفجر وقد تبدد ظلام الليل بأشعة الشروق نهض الصبي وإقترب من أمه وفكر في إيقاظها ولكنه عدل وإكتفى بقبلة إختطفها من جبينها وأسرع قافزا إلى الحقل المجاور ليلاعب الطبيعة كعادته.

وكان الوقت ربيعاً وقد إكتست الأرض حلتها الخضراء وقد نقشت بأنواع الأزهار ذات الأنواع الجذابة والروائح العطرية وكان الصبي يزيد المنظر بهجة وهو يقفز هنا وهناك يلاحق الفراش المتنقل من زهرة إلى أخرى فإذا ما ظفر بإحداها طار فرحا وأرسل مع النسيم قهقهة يحملها إلى حيث يشاء ثم يجلس على الحشيش الأخضر ويأخذ في مداعبة فراشته إلى أن تفلت منه فيقطب ويلاحق غيرها، وبعد أن إرتفعت الشمس عن الأفق وجفت قطرات الندى عن الأزهار إنتبه الصبي إلى نفسه فيقتطف بنفسجة كبيرة وينعطف راكضا إلى البيت ليقدمها إلى أمه التي لا بد وأن تكون قد انتهت من حلب البقرة، ولكن هيهات فهي لم تزل نائمة.


ولما وصل تقدم منها وأدنى زهرة من وجهها علّها تستيقظ باستنشاق عبيرها ولما لم تفعل جلس في حضنها وصاح:

- إنهضي يا ماما فلقد ارتفعت الشمس والبقرة لم تذهب إلى المرعى بعد.

ثم دمدم:

- إن ماما في سبات عميق.

ووضع البنفسجة في يدها وخرج بعد أن أوصد الباب أما الأم فلم تستيقظ أبداً.

أما الصبي فكان يتردد دائما ناظرا إلى أمه من شقوق الباب ولكن لم يجل بخاطره قط أنه أصبح يتيماً .


1931 م
الموصل – نوئيل رسام
أعلى