نوئيل رسام - موت الفقير...

... وبعد أن نظر إلى شعاع الشمس الداخل إلى الغرفة المظلمة من كوة صغيرة في أعلاها وحدق فيه مليا دمدم ببعض الكلمات ثم إبتسم ثم نام. فتح الباب بهدوء تام ودخلت الأم ناكثة شعرها سابحة بدموعها تحبس حسراتها خوفا من إزعاج المريض.

تقدمت من الفراش وركعت جهة الرأس وكان قد تحول عن موضعه فرفعته وأعادته إليه باطمئنان.

مدت يدها ورفعت الغطاء عن وجهه فبانت لها آثار إبتسامة بادية على محياه الهزيل... إنحنت وقبلته في جبينه وبعد أن أزالت بسكون ما سقطت عليه من دموعها لم تشأ أن تعكّر على النائم أحلامه الهادئة فرفعت نظرها إلى أعلى وغرقت في صلاتها.

حوّل الشعاع مساره وأصاب وجه المريض فأضاءه، وما هي إلا فترة إذ بدت حركة خفيفة من ذلك الجسد الناحل سمع على أثرها لفراش القش صوت أعقبه.

أماه يا أماه

إنتبهت كالمذعورة :

عزيزي... ها أندا يا بني

ثم إنعطفت وطوقته بيديها.. رفعت الشعر الذهبي عن جبينه وقبلته، فتح عينيه الشاحبتين والتفت إلى أمه : أمي.. أنظري. هو ذا أخي قد جاء.. إنه يستدعيني هو يفتح لي ذراعيه.. ها أنا ذا خذني معك.

أغمض عينيه

إظلمت الغرفة

فقد أسلم الروح


عام 1930 م
أعلى